عرقله يا بو الياس ( تراث شعبي فلسطيني)
بقلم: الداعي يالخير-صالح صلاح شبانة
صالح صلاح شبانة ****
روى مؤرخ التراث الأردني الراحل العلاّمة ( روكس بن زائد ألعزيزي) هذه الحكاية الطريفة التي ذهبت مذهب المثل ، أن زوجا يكنى (أبو إلياس) أهان زوجته ، فذهبت إلى أخيها مغاضبة لزوجها ، شاكية ما تلقى من سوء المعاملة ، فأقسم أخوها أن لا تعود إلى بيت زوجها ، إلاّ إذا جاء لاسترضائها صاغرا ، وصمم على ضرب (أبو إلياس) إن رآه إنتقاماً لأخته .
فلما ذهب أبو الياس لاسترضاء زوجته ، هجم أخوها على زوجها يريد أن يضربه ، وأخذ الرجلان يتعاركان ، فلما أحست المرأة بأن أخاها كاد يتغلب على زوجها ، أهابت بزوجها قائلة:
(عرقله يا بو الياس) !!!!
والعرقلة هي أن تدخل رجلك بين رجلي خصمك ، فتفقده توازنه فتسقطه على الأرض وتتغلب عليه ، وهو مثل يضرب للذي تريد أن تنتصر له وتساعده فيدل خصمك على نقطة ضعفك .
والمرأة دائما تتحيز لزوجها ، فهو سندها الوحيد في الحياة ، وهو الذي يعيش معها كل تفاصيلها وهو ستر لها وغطاء ، وهو امتدادها في الحياة مجرد أن تنجب منه الأبناء .
وإن كان الأخ هو السند ، فإن لذلك الأخ زوجة يأوي إليها يتوسد ذراعيها ، وهو سكن لها وهي سكن له ، فيما هي تقاسي وحدة الليل وعذاباته ، فيما لو قدمت الأخ على الزوج .
ولأن للأخ مقامه وللزوج مقامه ، فإن طبيعة المرأة تقديم الزوج على كل الأهل ، وهي مأمورة من الله عز وجل بطاعة الزوج أولا وان تكون خاضعة له فيما أمر الله ، حتى تستقيم الأمور وتستوي ، وإن القوامة والتي هي المسؤولية للزوج ، وإنه هو رأس الأسرة ، وتعتلي صورته في دفتر العائلة العبارة الشهيرة(رب العائلة) ، فإنه يحب ممارسة هذه المسؤولية بجدارة ، وخصوصا أن المجتمع الشرقي هو مجتمع ذكوري بامتياز ، وإن السفينة الشرقية يقودها قبطان واحد ، وكانت ألإختلالات فيما مضى قليلة ، وكانت هناك مضامين لسير الحياة منها :
(حصانين ما بنربطن عَ مذود واحد) و(إذا الجاجه صاحت مثل الديك إذبحوها) وكان من العار أن يعيش الرجل (عَ قفا مرته) ، أي أن تنفق الزوجة على زوجها من مالها ، إن كان من كدِّها أومن مال إكتسبته من ميراث أو غيره ، وكان الذي يقبل بذلك هو ساقط الهمة ، النذل .
لذلك كانت الأسرة بخير ، وكانت الأجيال على خلق واحترام ، وكان الأب والأم يراعيان تفاصيل الأبناء ويصوبان كل خلل ويقومان كل عوج مجرد حدوثه .
وحينما تخلت المرأة عن دورها ، ولا يوجد أصلاً من يقوم بدورها ، صار هناك خلل ، أدى إلى ضياع الأسرة وكثر الطلاق ، وازداد الانحراف وصار على الدولة زيادة مراكز الإيواء للأحداث واللقطاء وغيرهم ، وهذا لم يكن عندما كانت الدجاجة دجاجة والديك ديكا .
وبعيدا عن المعاني السياسية التي كانت تراودني عندما فكرت بتوظيف هذه الحكاية الطريفة ، كانت أم الياس على حق بتحيزها الكامل مع زوجها ووقوفها ضد أخيها ، مع أنه كان يراعي مصلحتها ، ويؤسس لعلاقة أقوى مع زوجها ، عندما يعلم أن لها أخ قوي لا يتوانى عن تأديبه إذا ما اعتدى على حياضها المصانة ، وأن ما فعله الأخ هو لصالحها ، ولأن حبها لأبي الياس جعلها تقف في صفه تماما دون أي تفكير ، وهذا ما فهمته من الجانب الأخر للحكاية بعيدا عن الجانب السياسي الذي حفزني لاستخدامها ، طامعا أن يعود للأسرة دورها بعيدا عن المريضات نفسيا والمتأزمات اللواتي جعلن للمرأة قضية غير قضيتها ، وشأنا غير شأنها ، وهاهي المرأة حصلت على الكوتا ، وأوصلت المرأة بأقل من ألف صوت إلى البرلمان ، وأوصلت أخرى بلا أي صوت إلى المجلس البلدي ، ذلك لأنها أعطت صوتها لممثل إجماع العشيرة ، فماذا أضافت المرأة إلى المسيرة ؟؟؟
إن أم الياس على بساطتها وتلقائيتها كانت على وعي أكثر بكثير من نساء اليوم ، لأنها كانت تحترم الأسرة وتقدسها ، وكانت تطمح بفطرة أبي الياس أن يقدر هذه الوقفة النبيلة ويتغير من تلقاء نفسه ، ذلك أن قوام الأسرة لا يقوم إلا على الحب والتفاهم ، وأن الخوف والتهديد قد يؤدي نتيجة النابض الذي قد تضمنه ما دمت تدوسه بقدمك ولكنه(يفط مجرد ما رفعت رجلك عنه )
وتحية للمرأة البدوية أم الياس .
المفضلات