مختصون يعتبرونها سلوكيات ناجمة عن غياب الثقافة المجتمعية...
طالبات في جامعات: التحرش الجنسي جمرة تحرق من تبوح بها
■ بدران: عدم وجود أوقات فراغ لدى الطلبة غير مستغلة بنشاطات جامعية يؤدي إلى توجههم إلى التحرش الجنسي
■ الشوبكي: المشكلة تبدأ من المجتمعات المغلقة التي تنأى بنفسها عن الحوار وتبادل النقاش بين الجنسين بطريقة موضوعية
الحقيقة الدولية ـ عمان ـ عمر العبادي - "يبدأ الحديث أول الأمر بغزل ناعم وسرعان ما ينتهي بمسك الأيادي"، بهذه العبارات وصفت عدد من الطالبات الجامعيات تصرفات بعض مدرسيهن تجاههن.
التحرش الجنسي في الجامعات لا يمكن وصفه بـ "الظاهرة" بسبب تحفظ الكثير من الطالبات في الحديث عنه أو الإفصاح به لأسباب اجتماعية وأخلاقية غالبا ما ترفض الفتاة البوح بها كونها تجد فيها مسا لكرامتها.
بيد أن علم النفس برر تلك السلوكيات بالانحراف والاضطراب النفسي لدى بعض الأشخاص، إضافة إلى النظرة الجنسية للمرأة، البعيدة عن احترامها كإنسان.
"الحقيقة الدولية" أجرت تحقيقا ميدانيا في عدد من الجامعات حول "التحرش الجنسي" رصدت بحسب المقابلات مع بعض الطالبات وجود تحرشات جنسية لا يفصح عنها بسبب خشية الطالبة على سمعتها.
الطالبة (ل.أ) وهي في السنة ثانية حقوق بإحدى الجامعات الأردنية ذكرت أن طبيعة ملابسها التي ترتديها قي الجامعة والتي قالت إنها "متماشية مع الموضة" دفعت بعدد من المدرسين إلى التحرش بها سواء بالكلام او بالإشارة والتلميحات.
ولفتت إلى انه في إحدى المرات وبعد انتهاء المحاضرة طلب منها احد المدرسين الالتقاء بها خارج الجامعة بقصد التعرف عليها عن قرب من اجل الزواج منها.
وأكدت أنها قبلت دعوته لتناول فنجان من القهوة، وأنهما التقيا في احد محلات الكوفي شوب ودار بينهما حديث طويل في أمور شتى.
وأضافت وبعد ذلك اخذ المدرس يطلب مني الالتقاء حتى صار الأمر شبه يومي، وفي كل مرة راح يحدثني عن مشاعره نحوي وعندما طلبت منه التقدم لخطبتي احتد وطلب مني بعض الوقت للتعرف على بعضنا البعض أكثر.
وتابعت بالقول: "ولأنني فتاة واحلم أن أتزوج كغيري من الفتيات، طاوعته على أمل أن يفي بالوعد، ولكن وبعد مرور أربعة أشهر من اللقاءات بدأ حديثه يتبدل واخذ طابعا لا أخلاقيا، ففي كل مرة بات يحاول الإمساك بيدي، فاكتشف أن هدفه ليس الزواج، وإنما التسلية وإشباع رغباته فما كان أمامي من خيار سوى الابتعاد عنه".
وتقول (س.ع) وهي طالبة في كلية الآداب بجامعة أخرى "هنالك تفسير خاطئ من قبل بعض المدرسين تجاه الطالبات" موضحة أن بعض الطلبة اجتماعيون ومنفتحون على الآخرين بشكل كبير وهذا ما يعرضهم للفهم المغلوط.
وأكدت أن هذا الأمر عرض الكثير من الطالبات وهي واحدة منهم إلى التحرش الجنسي من احد المدرسين عندما طلب منها توصيلها إلى منزلها بعد نهاية الدوام.
وأضافت: عندما رفضت طلبه راح يبادلني الابتسامات وطلب رقم هاتفي النقال عندها شعرت بالحرج الشديد منه وأعطيته الرقم وفي ذات اليوم اتصل بي ليلا وراح يغازلني بعبارات كثيرة، عندها شرحت له أن "دراستي في الجامعة هي هدفي الأساس وأنني لست من الفتيات اللواتي يبحثن عن صديق".
وتابعت بالقول عندها أجابني "أنا أسف أنتي فهمتيني غلط، أنا قصدي شريف بس أشوفك بشرحلك"، وقتها اقتنعت انه هو من "فهمني غلط وبأن حديثي مع الزملاء أوحى له انه يسهل إقامة علاقة معي".
وخلال جولة لـ "الحقيقة الدولية" في عدد من الجامعات رصدت بعض الممارسات غير المقبولة من قبل بعض المدرسين تمثل البعض منها بابتزاز بعض الطالبات في العلامات.
الطالبة (م.م) أكدت في حديثها لـ "الحقيقة الدولية" أن أحد المدرسين طلب منها أكثر من مرة الالتقاء بها خارج أسوار الجامعة وعندما رفضت اخذ المدرس منها موقفا متشددا.
وتقول "لقد تأخرت عن المحاضرة نحو خمس دقائق وعندما طلبت من المدرس السماح لي بالدخول رفض وبنبرة حادة شعرت حينها انه يريد معاقبتي على رفضي طلبه".
ومضت بالقول "وبعد انتهاء المحاضرة راجعت المدرس وسألته عن سبب غضبه وسوء معاملته فأجاب (أنتي اللي جبيته لنفسك) عندها شكوته لإدارة الجامعة، لكن موقفها كان مدافعا عن المدرس وانقلب الأمر علي وأصبحت أنا المتهمة".
أما الطالبة (ن.أ) وهي طالبة سنة رابعة في كلية العلوم فتقول "إن قسما كبيرا من الطالبات المحتشمات غالبا ما يتعرضن للمضايقات من قبل أعضاء في هيئة التدريس"، مبينة أن الطالبات اللواتي يلبسن على الموضة يلقين أفضل معاملة، مشيرة في ذات السياق إلى قيام بعض المدرسين بمغازلة الطالبات المتبرجات أمام الطلبة وعلى مرأى ومسمع الجميع.
وبينت أن بعض المدرسين يتصرفون بقسوة مع الطالبات اللواتي يلبسن الحجاب ويتساهلون بشكل مفرط مع غيرهن من الطالبات لأسباب لم تجد لها تفسيرا منطقيا!
ويرى مستشار رئيس جامعة فيلادلفيا الدكتور إبراهيم بدران انه يجب النظر إلى الجامعة كمجتمع مصغر يحتوي على كل ما يحتويه المجتمع من أشخاص وانتقادات وعلاقات ويجب النظر إلى الجامعة كجزء من المجتمع.
وأكد بدران أن أسباب التحرش تختلف من شخص إلى آخر، ولكن يبقى العامل الأساسي فيها هو غياب الثقافة المجتمعية المشتركة للتعامل مع الطرف الآخر، إضافة إلى غياب ثقافة احترام خصوصية الآخر وخاصة عندما تكون أنثى وذلك باعتبارها شخصا ضعيفا داخل المجتمع وليس لديها القدرة الدفاع عن نفسها أمام الرجل.
وأضاف كما هناك أسبابا للتحرش الجنسي من أبرزها رغبة الشاب في الظهور بمظهر المتفوق، إضافة إلى وجود أوقات فراغ لدى الطلبة غير مستغلة بنشاطات جامعية وغيرها من الأمور، ما يؤدي إلى توجههم إلى التحرش الجنسي.
واعتبر تصرفات الأنثى فيها نوع من التجاوز الذي يغري أو يشجع الشاب على المبادرة ومحاولة التحرش مع غياب العنصر الأساسي وهو ثقافة احترام الأنثى وحريتها.
ويرى بدران أن علاج المشكلة يتم عن طريق معالجة الثقافة المجتمعية وإيجاد النشاطات اللامنهجية في الجامعة بشكل متواصل عن طريق العمل كفريق حتى يبدأ الطالب والطالبة بالشعور أنهما ضمن فريق متكامل، مشيرا إلى ضرورة الإشراف المتواصل من الجامعة والهيئة التدريسية على نشاطات الطلبة.
وشدد على ضرورة أن تكون هناك عقوبات رادعة للمعتدين لمنعهم من تكرار هذه التصرفات كون المجتمع الجامعي راقيا ومتحضرا.
وارجع الدكتور محمد الشوبكي أخصائي الأمراض النفسية معظم أسباب التحرش الجنسي إلى غياب الثقافة المجتمعية بسب النظر إليها من منطلق جنسي مما يجعلها مدعاة لمزيد من التحرش.
واعتبر أن الأمور الفردية والشخصية والتي من أهمها الاضطرابات النفسية والانحرافات السلوكية واعتياد شرب الكحول وتعاطي المخدرات سبب في اختراق الأعراف والعادات والتقاليد، حيث لا يحسب المتأثرون بها عواقب ما يقدمون عليه، مبينا أن المشكلة تبدأ من عند هذه الشريحة من المجتمع.
وأضاف "كما أن المشكلة تبدأ من المجتمعات المغلقة التي تنأى بنفسها عن الحوار وتبادل النقاش ما بين الجنسين بطريقة موضوعية"، مبينا أن الشاب يتعرض عند خروجه إلى الجامعة إلى مؤثرات نفسية من المجتمع الذي زرع بنفسه أن الأنثى هي فقط لتلبية رغبة معينة لديه لذلك يقوم بالشروع بهذه الأمور كوسيلة سلوك تجاهها في الجامعة وهذا ناجم عن مستواه النفسي والأخلاقي المتدني.
وشدد الشوبكي على ضرورة أن تفرض الجامعات نوعا من الرقابة والقوانين الصارمة التي تؤدي إلى فصل الطالب في حال ارتكابه مثل هذه الأمور وليس فقط الاكتفاء بمجلس تأديبي.
المصدر : الحقيقة الدولية ـ عمان ـ عمر العبادي-3.3.2009
المفضلات