لماذا لا يزور الآباء المدارس
في ضوء دراسة ميدانية عن تفعيل العلاقة بين الأسرة و المدرسة تبين لي ندرة زيارة ولي الأمر إلى المدرسة للاطلاع على مستوى الطالب تحصيليا وسلوكيا ،مع أن زيارات أولياء الأمور إلى المدرسة تعبر عن الاتصال الوثيق بين المدرسة و البيت، و أن هذه الزيارات لو تمت بشكل محدود فانه تغلب أسباب الاطلاع على التحصيل الدراسي للطالب على التعرف على سلوكه، إذ يثير الاطلاع على المستوى التحصيلي للطالب من قبل و لي الأمر اهتمامه نحو مناطق يجب التركيز عليها عند متابعة تحصيل الطالب .ويعمل ولي الأمر على تعديل سلوك ابنه في ضوء تعرفه على سلوكياته داخل المدرسة ، و هذا الذي يحصل عند بعض الأسر، فتزيد زيارة ولي الأمر إلى المدرسة من انضباط الطالب في المدرسة و الالتزام بالمواعيد المحددة .
لذلك تلجأ المدارس المهتمة بحضور الأهالي إليها للاطلاع على سير أبنائهم فيها إلى تنظيم الاهتمام باليوم المفتوح و تطوير أساليبه بما يحقق اكبر قدر من التعاون والتكامل بالعمل التربوي بين المدرسة و البيت، و تنويع أساليب الاتصال بين المدرسة و الأسرة و بين المدرسة و المجتمع، و تدريب المعلمين و العاملين بالمدرسة على الأساليب المتطورة لدعم التعاون و العمل المشترك بين المدرسة و الأسرة و المجتمع .
كما اهتمت بتشكيل مجالس الآباء و المعلمين كأسلوب من أساليب التعاون بين المدرسة و الأسرة، و من خلاله صارت تقوم برصد البيانات المتعلقة بالاتصال بالمجتمع و الأسرة ، لكي تطور أساليب الاتصال وتعالج المشكلات المتعلقة بذلك . و من خلال توسيع المدرسة لدائرة عملها التربوي و التنموي في المجتمع ، عن طريق البرامج التثقيفية لأولياء الأمور ، تتوحد طاقات المجتمع و الخبرات المتوفرة فيه ، مما يقوي من التعاون بين المدرسة و المجتمع .
تبذل المدرسة جهداً كبيراً لتتعرف نواحي القوة والضعف في تلاميذها،لأن جوهر رسالتها إكساب التلاميذ الخبرات المختلفة وذلك يقتضي أن تتعاون مع سائر مؤسسات المجتمع المدني وكذلك الأسرة،. ولكن عمل المدرسة يظل ناقصاً ما لم تتح لها فرصة الاتصال بأولياء أمور الطلبة ليمدوها بالجانب الأسري للتلاميذ، وبذلك يتاح للطرفين فرصة التفاهم و التعاون على اتخاذ الإجراءات التي تناسب طبيعة التلاميذ، من حيث استعداداتهم وميولهم وقدراتهم وإمكاناتهم.
و عكس ذلك يقع الأبناء في مغبة التناقض بسبب اختلاف الأسرة في اتجاه التربية ووسائلها عن المدرسة، فيصبحون في حيرة في أي اتجاه يسيرون، فيلجأون إلى حلول سالبة انحرافية كالتسرب من المدرسة، أو الانخراط في أحلام اليقظة، أو التدخين أو المخدرات، مما يعبر عن عدم الاستقرار النفسي الداخلي لديهم.
و تتعرف المدرسة عن طريق الصلة بالأسرة أن تتعرف على أجواء البيت، فيما إذا كان الجو الأسري يسوده الحب والود والقبول، أم يسوده البغض والصد وعدم القبول ، وإذا ما كان يسوده التشدد، أم التسيب، وهل يهيئ للأبناء فرص الاعتماد على الذات، أم يحيطهم بالحماية والتدليل. و ذلك مما يساعد المدرسة على فهم مشاعر و مشاغل الطلبة فهما دقيقا، وبالتالي معرفة أغلب الأسباب التي تكمن وراء مشكلات سوء التكيف.
عموماً كلما كان الجو المدرسي جواً يسوده الود والحب والعطف، وكانت الطرق المتبعة مع التلاميذ ثابتة ومرنة أيضاً، وتميزت العلاقات الاجتماعية فيها بالقوة والتعاون والإيثار، شعر التلاميذ بالانتماء إلى مجتمعه المدرسي، ومن ثم يمكن للمدرسة أن تقوم بتخفيف الآثار السلبية للمنزل إن وجدت.
إن مستقبل الأبناء مرهون بتكامل الدورين الأسري و المدرسي، و هذين الدورين لن يتكاملا و لن يكتملا إلا إذا تعاونا و تفهما و تفاهما،فالأسرة تقوم برعاية و تنشئة ابنها و إشباع حاجاته النفسية والاجتماعية ، و تمنحه المكانة الاجتماعية ، فهي البيئة الاجتماعية الأولى التي يبدأ فيها بتكوين ذاته والتعرف على نفسه من خلال التفاعل مع أعضائها .و كذلك المدرسة مؤسسة تربوية اجتماعية خطط لها المجتمع بطريقة مقصودة لتساهم في عملية التنشئة الاجتماعية والتطبيع الاجتماعي عن طريق إعداد هؤلاء الأبناء وإكسابهم معايير وقيم المجتمع في مختلف مراحل التعليم .
المفضلات