ثمّة نقاء يبقى
ماذا يقول طفل البراءة لتمثال الثلج؟ هو ذا يبوح بنبض صفائه، يلثغ صدقه: ليس لون البياض ما يأسرنا في الثلج، بل هي التذكرة التي تقف عصية على النسيان في أن ثمة نقاء يبقى رغم كل قتامة.. وثمة أسرار ينبشها البياض فينا، وهو يحرث دواخلنا كي ينمي المخبوء هناك، فنتبعه على مد البصر، نسير وراءه، نلهث محبة للذي أتى دون مشورة منا، ودون إرادة بشريّة في قدومه الساطع كتوقنا لراحة البال، كاعتناقنا للأماني التي ننتظر، كاستلابنا للحلم الذي نأمل في تحققه .
***
يحاول رجل الثلج التخفي، فيضع نظارة، ويلبس طاقية، ويشيح وجهه بعيدا.. لكنه لا يغيب، بل يعود إلى سيرته الأولى، إلى بياضه، ليبادل براءة الطفل بنقاء سريرته، فيقول مصارحا إياه: ليس لون البياض ما أريد نقشه، وتعميقه الآن، بل عهد المواجهة مع صفحة طاهرة تريد أن تدفن كل مهازل الواقع الذي تملأ قذاراته الدروب، والعتبات، والبيوت، والعقول، والنفوس..
أهمس للأطفال والكبار: أريدها لحظة طهارة تنقّي الرؤى، وتعلي الرؤية، وتنفض الشوائب عن أرواح أدمنت الغبار فاحتجبت عن حقيقتها.. أريدها لحظة تذكرة للقلوب بأن نبض البياض هو ناموس الموسيقى التي لا بد من عزفها على بكارة القلوب، ليبقى الخير فينا، منا ولنا كما عطاء السماء، كأنه الصلوات الطيبات ..
المفضلات