مظاهر معاصرة لإشهار الزواج
درجت العادة في مجتمعنا على استعمال ابواق السيارات أثناء نقل العروس كأحد المظاهر لإعلان الزواج.. ولبيان حكم ذلك لا بد من معرفة العلّة في تحريم الآلات الموسيقية أو آلات اللهو، وللفقهاء في هذه المسألة ثلاثة اتجاهات، وهذه العلل مستنبطة من عبارات الفقهاء، وتفصيلها كالآتي: الاتجاه الأول: إن علة تحريم الآلات الموسيقية أو آلات اللهو هو: لكونها تطرب، ولكون بعض آلات الغناء من شعار شاربي الخمر والفسّاق، فحرمت منعاً للتشبه بهم، أي أن العلة هي ( الإطراب والتشبه بالفسقة ).
وممن ذهب إلى ذلك: الشربيني من الشافعية.
جاء في مغني المحتاج: ( ويحرم استعمال أو اتخاذ آلة من شعار الشربة، جمع شارب وهم القوم المجتمعون على الشراب الحرام، واستعمال الآلة هو الضرب بها، كطُنبور بضم الطاء، ويقال: الطنبار، وعود، وصنج ...، و يحرم استماعها أي الآلة المذكورة لأنه يطرب ).
يرد على ذلك: لا تحريم إلاّ بنص، ولا يوجد نص يحرّم الإطراب.
الاتجاه الثاني: علة تحريم الآلات الموسيقية أو آلات اللهو: لكونها تلهي (الإلهاء والإطراب)، وسبب ذلك الألحان والأصوات الموزونة التي تخرج من الآلة.
والى ذلك ذهب جمهور الفقهاء من: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة.
حيث عبّر الحنفية والشافعية والحنابلة بـ: (الإطراب)، وعبّر المالكية بـ: (الإلهاء).
يرد على ذلك بما يأتي: 1- قال الغزاليإن سماع هذه الأصوات يستحيل أن يحرم لكونها طيبة أو موزونة، فلا ذاهب إلى تحريم صوت العندليب وسائر الطيور، ولا فرق بين حنجرة وحنجرة، ولا بين جماد وحيوان، فينبغي أن يقاس على صوت العندليب الأصوات الخارجة من سائر الأجسام باختيار الآدمي، كالذي يخرج من حلقه أو الطبل والدف وغيره).
ثم يقولفهذه الأصوات لا تحرم من حيث أنها أصـوات موزونة، وإنما تحرم بعارض آخر)، ويقصد بالعارض الآخر: التشبه بالفسقة.
ويجاب على ذلك: إن قيـاس الأصوات الطيبة المـوزونة التي تخرجها الآلات على أصوات الحيوانات قياس مع الفارق، بل هو قياس فاسد، لأنه مع وجود النص، حيث جاءت بعض نصوص السنة النبوية التي تحرم المعازف.
يرد على ذلك: ليس في عبارة الغزالي ما يدل على أنه أنكر النص، وإنما مقتضى كلامه أنه استنبط علّة للتحريم من ذلك النص، وهي التشبّه بالفسقة.
2-عبارات الفقهاء لم تنصّ على أن الإطراب وحده هو علة التحريم، وإنما العلّة هي أيضاً الإلهـاء الذي يؤدي إلى الصـد عن ذكر الله تعالى، كما ذهب إلى ذلك الحنفية، والمالكية، أو لأنها تؤدي بالإضافة إلى ذلك إلى إتلاف المال كما ذهب إلى ذلك الشافعية.
الاتجاه الثالث: أن علة تحريم الآلات الموسيقية أو آلات اللهو: التشبه بالفسّاق وشاربي الخمور، فحرّمت الآلة لأنها من شعار الفسقة، لأنه لما أن صار من عادة أهل الفسق فيمنع من التشبه بهم، وما عدا ذلك يبقى على أصـل الإباحة، كالدف وغيره.
وممن ذهب إلى ذلك: الغزالي.
يرد على هذا الاستدلال: ما كان شعاراً للفسّاق وشاربي الخمور محرم، سواء أكان آلة موسيقية أم غيرها، إلاّ أنه لم يعد الآن للفسّاق وشاربي الخمور آلات خاصة بهم، فالقول بحرمتها يحتاج إلى دليل، وإلى تمييزها عن غيرها من الآلات.
والراجح أن علة تحريم الآلات الموسيقية أو آلات اللهو هو: الإلهاء، لأن علّة التحريم ليس لذات الآلة أو ما يصدر عنها، وإنما ما يترتب على السماع من الصد عن ذكر الله وعن الصلاة.
وبالنظر إلى ما تصدره أبواق السيارات من أصوات في قطار ( موكب ) زفاف العروس، فان هذه الأبواق ليس فيها ما يلهي، وليس فيها ما يدل على التشـبّه بالفسّاق، فتبقى على أصل الإباحة، فإن كانت هذه الآلات أو أحدها من آلات الفسّاق أو شاربي الخمور، فيحرم ذلك.
المفضلات