اللــــّـــه
الوطـن الملـــك
اول خطاب هاشمي فوق ارض الاردن
في اليوم التالي الخميس 3 اذار 1921م خطب سمو الامير عبدالله في الجموع، وتالياً نص هذا الخطاب الاول فوق الارض الاردنية :
"سروركم بنا وترحيبكم لنا واجتماعكم علينا امر لا يستغرب . انتم لنا ونحن لكم وانني لم اغفل كلمة مما جاء به خطباؤكم ووطنيتكم امر لا يخفى على الكون كله، وضالتكم المنشودة هي عبارة عن حقكم الذي تطلبونه، ويمكنني ان اقول بأن الله لا يترككم هكذا، واني اقول لكم بانه اذا جاء الوقت لاستعمال ما تستعمله الامم من القوة عند ذلك تثبتون بانكم ما وجدتم ضعفاء، ولكن لا تموتوا بلا شرف، فلا اريد منكم الا السمع والطاعة، وما جاء بي الا حميتي وما تحمله والدي من العبء الثقيل. ولو كان لي سبعون نفساً بذلتها في سبيل الامة لما عددت نفسي اني فعلت شيئا" .
هذه هي اول كلمات الامير الهاشمي عبدالله الذي تحمل المشاق والاعباء وواجه الصعاب والتحديات، سواء من بعض اهل البلاد او من اصحاب النفوذ لكن ارادة الامير الهاشمي هي التي اكدت حقيقة ان الحق سيعلو مثلما كان يعلو هذا الحق على صفحات الجريدة الاولى في شرق الاردن، جريدة الحق يعلو التي كانت تصدر في معان .....
ويتحدث سموه في كتاب المذكرات في الصفحة 165 فيقول :
" وبعد الدخول جرى احتلال المنطقة بكاملها وكانت تصدر الاوامر من عمان .... وكان الناس في فترة لا يزور احدٌ احداً، البلقاء للبلقاء ، وعجلون ولواؤها لعجلون واهله، والكرك والطفيلة كذلك، فجمعنا كل هذه الاقطار ووحدنا وزال الخلاف بينها .
مفاوضات التأسيس وتكوين الدولة الاردنية
وصول الامير عبدالله بن الحسين الى شرق الاردن هو الوصول الى منطقة سوريا الجنوبية التي تقع جنوب خط اتفاقية سايكس بيكو، ولم يغب عن باله ابدا النضال من اجل اعادة الامور الى وضعها الصحيح في دمشق ... وهنا بدأت الاتصالات مع السير هربرت صموئيل في القدس في الوقت الذي تواجد فيها المستر تشرشل وزير المستعمرات البريطانية وايضا كان المستر لورنس "يتواجد في السلط حينها ... واجتماع هؤلاء في هذه المنطقة انما هو لسببين :
اولا : مراقبة فرنسا ومدى التزامها باتفاقية سايكس بيكو، اضافة لتطور الاوضاع في داخل سوريا ولبنان .
ثانيا: متابعة الوضع في شرق الاردن إثر وصول الامير عبدالله بن الحسين رغم التحذيرات البريطانية تلك التي اظهرت القلق من الوضع الجديد والذي ازداد الآن .....
ارسل المندوب السامي البريطاني هربرت صموئيل العديد من التقارير الى الحكومة البريطانية بدءاً من مطلع شهر كانون الثانـي 1920م تتحدث عن ازدياد النشاط الهاشمي في المنطقة، وان الامير عبدالله لديه خطة لمهاجمة الفرنسيين في دمشق، وان عمان اصبحت مركزاً لكل الاحرار والوطنيين التي كانت تسميهم السلطات الفرنسية والبريطانية بالخارجين عن القانون ...
كانت هذه الاحداث تتسارع في عمان، والشريف الحسين بن علي يتابع الوضع من الحجاز، وهنا ارسل الشريف حسين برقية للامير يقول فيها :
ان وزير المستعمرات البريطاني المستر تشرشل موجود في القدس وربما طلب زيارة وادي عربة او رغب في ان يدعوك الى القدس ليراك، فاذا كان احد الشقين من رغباته فاتم ذلك بكل اكرام ورعاية ..."
ولم يمضِ وقت طويل حتى استلم سمو الامير عبدالله دعوة من السير هربرت صموئيل يدعوه لزيارة القدس ومقابلة وزير المستعمرات ونستون تشرشل ... واجاب سمو الامير الدعوة وانتقل الى السلط والتقى هنا بـ لورانس الذي كان بانتظاره، وغادروا عبر وادي شعيب باتجاه القدس ويتحدث الامير عبدالله عن هذه الزيارة فيقول " وتوجهنا في اليوم التالي الى القدس، وتغدينا بالطريق عند المدفع التركي المقذوف في نهير شعيب ، وكان معي في سيارتي "لورنس" وكانت سيارة عسكرية بريطانية يقودها جاويش بريطاني. وكان معي في الركب كل رجالات سوريا وفلسطين ورأيت بالنزل في اريحا جل اعيان فلسطين وعلى رأسهم موسى كاظم الحسيني رحمه الله، ومن علماء، واعيان ومحامين ورؤساء روحيين فكانت خطب حماسية واجوبة مناسبة ....
ويستمر سموه في وصف لقاء ذلك اليوم وما دار من مداخلات مع هربرت صموئيل ومع لورنس الذي لم ينفك عن نقل افكار صموئيل للامير عبدالله وهما في طريقهما من السلط الى القدس ....
لقد كان واضحا ان بريطانيا تسعى لاعادة ترتيب اوضاع المنطقة، ليس من اجل مصالح سكان المنطقة واوضاعهم وانما حفظا للمصالح البريطانية وللنفوذ والوجود البريطاني في المنطقة الذي اصبح مهددا بسبب النفوذ الفرنسي ... ومن هنا كانت مطالبة هربرت صمئيل لحكومته مستمرة لان ترسل بريطانيا قوات عسكرية لاحتلال شرق الاردن.... وقد كان يقلق بريطانيا حينها الوضع في العراق حيث برزت مسألة عرش العراق، ويقلقها ايضا النشاط الهاشمي والتفاف الشعب حول الامير عبدالله بن الحسين ... اضافة لعدم ارتياحها لمواقف الشريف الحسين بن علي المتشددة والثابتة من القضايا العربية " ولعل هذه كانت محاور المباحثات ما بين الامير عبدالله وونستون تشرشل هذه المباحثات التي ضمت المندوب السامي في فلسطين هربرت صموئيل والسكرتير العام لفلسطين السير " وندهام ديدس: والكولونيل "لورنس" ومن الجانب العربي كان عوني عبدالهادي ...
ويصف سمو الامير عبدالله بن الحسين طبيعة هذا الاجتماع وما دار به حيث يقول في النسخة الاصلية لمذكراته صفحة 168 :
"ففتح الحديث وزير المستعمرات بذكر المقاصد الطيبة التي جمعت بريطانيا والعرب في الحرب وبالامال المنوطة بتلك الروح وبذكر التعاون الذي حصل في الحرب ، ثم ذكر جهود بريطانيا في الحيلولة دون حدوث جديد بين فرنسا والعرب، ثم قال: "لذلك ولان انكلترا محايدة في القضية بين العرب والفرنسيين وهم حلفاؤها - فانها تنصح- وهو يبلغ هذه النصيحة اليّ - بلزوم انصراف الامير فيصل بن الحسين عن سوريا وسفره الى العراق ليرشح نفسه لمُلك العراق .... وان الحكومة الانجليزية تعلم ان فرنسا لا تشتغل بوجه الا للشخص الذي تعتمد عليه، وان طلاب عرش العراق كثيرون منهم ابن النقيب، ومنهم ابن سعود، وخزعل علي خان، وانه يجب على ان اساعد على هذا الغرض وأوثر على والدي ان يقبل به، وان اؤثر العراق ان يرضوا بالامير فيصل وان ابقى هنا في شرق الاردن على تفاهم معهم، فاسير في الناس سيرة تبتعد عن تحدي الفرنسيين، وانه اذا تم هذا فانه يؤمل ان تعيد فرنسا النظر في الامر، وبالنتيجة فانه يعتقد الاستطاعة بعد ستة اشهر في ان يهنينا برجوع الشام الى ايدينا .... ."
لقد استمرت المناقشات والمباحثات التي تناولت قضايا مختلفة وسموه يفكر في مستقبل هذه الامة، وانه يعمل من اجل صالحها وبمشورتها وهذا واضح من كلماته التالية في ختام المباحثات:
اما فيما ينبغي ان اعلمه هنا فانني اوافق على وجاهة الرأي، ولكن لا استطيع قبوله حتى اعرضه على زعماء البلاد واحزابهم، وهم هنا معي ومن غاب فله من يمثله، واجيبكم غداً في مثل هذه الساعة، اما اهل فلسطين فهم يرفضون وعد بلفور ويصرون على عروبة فلسطين، وكذلك ولا نستطيع ان نرضى بفناء اهل فلسطين من اجل يهود العالم، وانهم ليسو كالنبات او الشجر كلما قُلم نبت ولهذا شأن يطول ...."
وانتهت المباحثات هذه بقرار زيارة هربرت صموئيل الى عمان لوضع الاساس للاتفاق على تشكيل للادارة في جميع نواحيها/ الجيش، المال والمعارف،و العدلية وسائر الفروع .....
يتبع
المفضلات