إنها تلك التي تجري في دمي وتبعث الحياة .. فأصحو أتلمس طلّ العشب بين يديها
وأستنشق الغروب بوجهها إنها عالمي السرمديّ
أنتظرها كل لحظاتي وراء الضباب وخلف السحاب وبين الفراشات
أراها في خيوط سجائري وفي عاصفة فنجان قهوتي
ونثار أوراقي .
أراها في قلمها الرصاص الذي سرقته من حقيبتها ذات صباح
كي أدون به كلماتي التي لم تكتب بعدُ !
لا أجد وصفا لها فهي روح الجمال الإلهيّ
ربما أن ما يبعثه المطر هو وصفها والصباح حقلها
تسرحه خمائل من ذهب تتمدد على التلال وبين الهضاب .
لا أتصور أني أعيش بدون ضحكتها الكراونية
تلك التي تصدح بها الصباحات .. ووهجها المستنير من الأفق للأفق
أجدني في عمق الزمن اللاهث وراءها
حتى أدمنت عطرها ونكهة فمها
فانحجبت عني كل الرؤى إلا هي
إن عينيّ تخلوان من خلايا تاريخي وطفولتي وذكرياتي
إذ لم يعد يسكنهما غير ذلك الشفق .
إنها مصدر إلهامي ومشكاة تتوهج :
ثلجا
نارا
عاصفة
برقا
زمهريرا
حنطة بيضاء
شفقا
واحة غنّاء
سحابا
كأنها نكهة عشبة صيفيّة معتقة أغدو ثملا إليها
لأعود ثملا مرة أخرى ..عالم من السكر المجنون !
أنجذب إليها بقوة قانون الطبيعة وأنسحق في جاذبيتها حتى أغدو ذرات مهروسة
ثم أنفجر ثانية كونا نباضا وسديما بلا حدود .
إنها تفاحة شفقية من أرض بكر خصبة عطورها ليست كالعطور
وحقولها من روح الفصول
عابثة , لاهية , مستهترة بالضحى
لا تأبه بالشمع الذي أحرقه .
أتمطّى كل صباحاتي على لغتها اللثغاء
وأنام على رائحة فتيت العطر الذي تخلفه وراءها
تتلون كل يوم فإن لبست الأصفر كانت شمسا
وإن اكتست الأحمر كانت وردا
وإن توشحت الأخضر كانت فستقا وإن كان الأزرق كانت بحرا .
متبرجة في كامل حجابها فإن نزعته تشهق كل الكائنات
يغسلها ضوء القمر ويغازلها النجم بدون إثم
وددت لو تعلقت في شفتها كل العمر
أو أشنقها ظهرا في قارعة الطريق .
هل تعلمين أني أتمنى أن تبقى رائحتك في جسدي وألوان شفتيك في فمي للأبد ؟
لا أهتم بأن يقال : مجنون آخر ! لأنني كذلك !
أقلّب فيك معاني الكلمات فلا تعجبني
أفتش قاموسي فلا يشفي غليلي
ربما أني سأخلق مفردات أُخَر من وحي ذلك القمر
ربما أني أسافر فيك ولا أريد أن أعود
فأنت رحلتي في الحياة
بدأتها عندما نقشت تفاصيل أنوثتك في دفتر ذاكرتي نقش الحجر
رسمتك في رائحة الليل
ولهب النار وبخار ثلج الشتاء
وفي فرحة عصفور القش فوق الماء .
عندما تنظرين إلى عينيّّ لن تجدي إلا كيانك
يستعمر فيهما النخيل وشواطئ البحار
فمنذ أن ولدت يوم لقائك وأنا أعيشك أنتِ
وهل هناك حياة إلا أنتِ ؟
ربما أني أعبث وألهو وأستظل فيئا برهة في رحلتي إليك
لكني لم أشح النظر لغير تلك الجنان
جنان واحات اللوز ونهود الرمان
لك أن تتصوري شمسا لا تغيب
فكل اللون هو الأصيل, ذلك أنتِ
ولك أن تتخيلي المساء يسدل سجفا من الورد وكأسا من نبيذ لهو طعمك أنتِ
ولك أن تتدللي عندما أشهق إذ تمتلئ عيناي بك فالسماء أنت !
إنك دميتي التي ألهو بها وأحضنها .. وبلغي الريح أنها أنت ِ .
المفضلات