نظمت جمعية المعلمين الكويتية مؤتمرها السادس والثلاثين بعنوان: ''التعلم الإلكتروني: آفاق وتحديات''. وكان المؤتمر فرصة للمشاركين للتعارف والاطلاع على أحدث التجارب في ميدان التربية والتعليم. وقد لفت نظري في ذلك المؤتمر مستوى التنظيم والإدارة. وتمّ، أيضاً، على هامش المؤتمر عرض مجموعة من التجارب االعالمية في ميدان التعلم الإلكتروني. وكان معرض مركز المعلمين البريطانيين من أبرز أجنحة المعرض.
وقد أتيحت لي فرصة ثمينة بزيارة المعرض والتحدث إلى القائمين عليه وهما: الدكتور أندرو هيرويت (Dr. Andrew Herriot) وهو المدير الإقليمي للمركز في منطقة الخليج العربي؛ والدكتور بن بيرسون (Dr. Ben Pearson) مدير قطاع الإنتاج والتطوير في المركز.
تحدثنا مطولاً عن دور المركز في تطوير التعليم في المملكة المتحدة. كما تمت مناقشة دور المركز في تربية الموهوبين والمبدعين في بريطانيا، ومجالات التعاون القائمة حالياً بين المركز وبرامج تربية الموهوبين في أوروبا.
وفي اليوم المحدد للمحاضرة الخاصة بالمركز طلب مني المشاركة بترجمتها إلى اللغة العربية كي يسهل على المشاركين الإلمام بمضمونها. وبعيد انتهاء المؤتمر استأذنت المركز بعرض ما جاء في تلك المحاضرة من خلال مقالة أخص بها الرأي وهذه الصفحة التربوية، والعلمية؛ وذلك نظراً لأهميّة مضمونها.
مركز المعلمين البريطانيين
مـــركز المعلمـين البريطانيين (Centre for British Teachers) ويعرف اختصاراً باسم (CfBT) هو مؤسّسة تربوية بريطانية رائدة غير ربحيّة، تعمل في مجال الاستشارات في بلدان عديدة؛ بغرض توفير التعليم رفيع المستوى للطلبة في المملكة المتحدة وخارجها.
ويعنى المركز بتطوير النظم التربوية وتقديم الاستشارات وخدمات التأهيل والتدريب. كما يعمل المركز على تأسيس المدارس الجديدة واعتماد المدارس القائمة. أضف إلى ذلك فإنه يعنى عناية خاصة بالتعليم النوعي ومعاييره من حيث المحتوى وطرائق التدريس وتقاناته، وغيرها من متطلبات العملية التعليمية التعلمية.
ويسعى المركز إلى بناء علاقات شراكة مع وزارات التربية والتعليم والمدارس والمؤسسات التربوية العامة والخاصة، وله تجارب قائمة في عدد من الدول من ضمنها بعض الدول العربية.
تمتد خدمات مركز المعلمين البريطانيين لتشمل تربية الموهوبين والمبدعين؛ حيث يشكل الاستثمار فيهم غاية الاستثمار. وهو (أي المركز) على صلة وثيقة ومباشرة مع التجربة البريطانية بقيادة نخـــــــــبة من العلماء البريطانيين، وفي مقدمتهم جون فريمان (Prof. Joan Freeman).
وقد تأسس المركز عام 1965، وهو يعمل بميزانية لا تقل عن مئة مليون جنيه استرليني، وتتألف أسرة العاملين في المركز من أكثر من (2000) شخص ينتشرون حول العالم.
ويوفر المركز الدعم المالي للبحوث والدراسات العلمية والتربوية، ويخصص لذلك حوالي مليون جنيه استرليني سنوياً. كما لا يغفل المركز البعد الثقافي والخصوصيّة الثقافية للشريك.
وتتلخص آلية عمل المركز عندما يقوم ببناء علاقة شراكة مع أي مؤسسة تربوية بالنقاط التالية: دراسة احتياجات هذا الشريك، ومتطلبات تطوير منظومته التربويّة؛ التعرف إلى الأولويات والنتاجات المتوقعة لعمليّة التطوير؛ التعرف إلى الإمكانات المتوافرة ومدى محدوديتها؛ بناء خطة رئيسة وجملة خطط عمل إجرائيّة تنفيذية لتحقيق أهداف وغايات الشريك وتلبية متطلباته.
انجازات ومجالات عمل
تنقسم إنجازات المركز، وخدماته، ومجالات عمله في خمسة أقسام، وهي: الدعم والإسناد؛ والتدريس؛ والخدمات الاستشاريّة؛ والبحوث والدراسات؛ والتدريب والتأهيل وإعادة التأهيل. وهذه الأقسام جميعها تهدف إلى بناء الخــــــــــــــبرة والتمـــــــــــــكين التربـــــــــــــوي (Capacity Building). لذا، يسعى مركز المعلمين البريطانيين إلى نقل الخبرة إلى دول أخرى، والتجسير مع المؤسّسات التربوية في تلك الدول (مثل: الولايات المتحدة الأميركيّة؛ دول الخليج العربي؛ دول أوروبا؛ والدول الناميّة والفقيرة).
كثيرة هي الأمثلة على إنجازات وبرامج مركز المعلمين البريطانيين، ومن أبرزها: برنامج في الصحة المدرسيّة في كينيا؛ ومشروع مدارس الفقراء في الهند؛ وبرنامج تدعيم برامج التعليم في رواندا؛ ومشروع إعداد معايير المناهج في دولة قطر؛ وبرنامج تطوير التعليم في أبوظبي؛ وبرنامج تدريب في اللغة الإنكليزية خاص بالمعلمين وكفاياتهم اللغوية.
وعندما نتحدث عن مجال التدريس، ندرك أن المركز يلتزم بالتعليم النوعي رفيع المستوى. لذا؛ فإنّ المركز يمتلك شبكة مدارس؛ إلى جانب إدارة مجموعة كبيرة من المدارس حول العالم. ويتولى المركز متابعة المدارس، وتطوير خدماتها وبرامجها، وإعداد المعلمين وتأهيلهم، والمراجعة المستمرة للأداءات الحالية للمدارس القائمة، والانتقال بالتعليم من تعليم محتوى إلى تعليم مهارات وبناء كفايات؛ والعمل على تلبية الاحتياجات الخاصة بالطلبة الموهوبين والمبدعين.
ويوفر المركز خدمات الإرشاد والتوجيه بأنواعه المختلفة ومن ضمنها خدمات الإرشاد الأكاديمي التي تمكن الطلبة من امتلاك كفايات اتخاذ القرار، وممارسة هذه الكفايات في اتخاذ القرارات المهمة المتصلة بدراسته/ دراستها الجامعيّة، أو اختيار مهنة المستقبل. فامتلاك هذه الكفايات سينعكس إيجابيّاً على أداءاتهم المستقبلية في مهن كانت من اختيارهم وتنسجم مع ميولهم واهتماماتهم.
ويوظف المركز جزءاً من المردود المالي لأنشطته وبرامجه في دعم البحث العلمي وإجراء البحوث والدراسات المحلية وعبر الثقافات، وشعاره في ذلك: ''نعمل من أجل إعادة الاستثمار في تطوير التعليم وخلق مشروعات تربوية نوعيّة على مستوى العالم''.
وهناك مجموعة من برامج ومشروعات التدريب والتأهيل التي تهدف إلى تطوير مهنة التعليم، ومنها: برامج إعداد المعلمين المساعدين (بغرض الارتقاء بمستوى كفاياتهم ومستويات أداءاتهم في اللغة الإنكليزيّة)، وبرامج تدريب القيادات التربويّة؛ وبرامج تدريب المعلمين قبل انخراطهم في مهنة التعليم.
التقويم الذاتي والتطوير التربوي
ويعدّ التقويم الذاتي والتطوير من مجالات عمل المركز الرئيسة وهي موضع اهتمام وتركيز القائمين عليه. والتقويم الذاتي بات ضرورة ملحة لكل مؤسّسة تربوية، وهو على درجة عالية من الأهمية للارتقاء بالمدرسة ومساعدتها في تحقيق أهدافها وغاياتها. ويقدر عدد المدارس التي تفيد من خدمات المركز في مجال التقويم الذاتي حوالي ألف مدرسة.
ومن خلال متابعتنا لأنشطة المركز نرى أنّه يسعى إلى التطوير بوساطة التقويم؛ إذ يتحتم على جميع المؤسّسات التربويّة الإجابة عن جملة تساؤلات، ومنها: ما مستوى أداءاتنا الحاليّة؟.
ما جوانب القوة وجوانب الضعف؟.
هل في مقدورنا أنْ نكون أحسن ونعمل على تحسين مستويات الأداء لدينا؟.
ما الذي يجب القيام به لتحسين وتطوير الأداء التربوي؟.
وخلاصة القول في هذا السياق: إنّ التخطيط والمتابعة والتقويم هي العمليات الأساسيّة التي هي موضع اهتمامنا وتركيزنا، وبوساطتها يمكننا تجويد العملية التعليميّة وتحسين مستويات الأداء.
ولتحقيق أهدافنا في تجويد العمليّة التعليميّة وتحسين الأداء، يجب: التحقق من أنّ أعضاء هيئة التدريس يمتلكون الكفايات اللازمة لمراجعة الأداء، والتحقق من مستواه وفاعليته إلى جانب امتلاك مهارات التخطيط؛ والتحقق من أنّ المدرسة تمتلك الآليات المناسبة، ومن ضمنها الآليات المحوسبة لجمع المعلومات والبيانات اللازمة بغرض المراجعة والتقويم وتطوير الأداء. كما نحتاج إلى الوسائط المساندة من النظم المحوسبة التي يمكن توظيفها بفاعلية في إدارة عملية تجويد أداءات المؤسّسة التعليميّة.
نظام محوسب متطور
ومن الأخبار المتصلة بمركز المعلمين البريطانيين الإعـلان عن تطوير نظام إلكتروني يسمـــى (Stratis e-Suite) وظيفته إدارة عمليّة التحقق من مستوى الأداء، ومن ثم إدارة عمليّة التطوير. واستخدامه يتطلب أنْ تمتلك المؤسّسة التربوية الحساب الخاص بها؛ إضافة إلى كلمة السر.
ويتألف هذا النظام من أربع أدوات رئيسة، وهي:.
أداة مراجعة لجميع الأداءات والعمليات التي تتم في إطار المدرسة؛.
أداة إعداد خطة تطوير الأداءات؛.
أداة مراجعة كل مادة تعليميّة أو وحدة تعليميّة في المدرسة؛.
أداة إعداد خطط التطوير لكل مادة تعليميّة أو وحدة.
وترتبط هذه الأدوات جميعها بوحدة التحكم المركزيّة.
وإذا نظرنا إلى الأداة الأولى نجد أنّها تتألف من سبعة أجزاء رئيسة خاصة بالمراجعة الشاملة للمدرسة من حيث: نوعيّة التعليم؛ ومستوى الأداءات الأكاديميّة للطلبة؛ ونوعيّة القيادة التربويّة لهذه المدرسة. كما توفر هذه الأداة خدمات التحميل والتوثيق وإعداد التقارير التي يمكن أنْ تستخدم لاحقاً للحكم على أداءات المدرسة وإنجازاتها.
ويطرح النظام على المستخدم عدداً من الأسئلة للإجابة عنها. ومن الأمثلة على ذلك: مراجعة نوعيّة التعليم في المدرسة؛ حيث يكون على كل وحدة من وحدات المدرسة الإجابة عن أسئلة التقويم المقترحة مثل: ما نوعيّة المناهج المستخدمة في المدرسة؟ وما نوع التوجيه والخدمات التي يحصل عليها الطلبة؟.
وقد صممت الأسئلة بطريقة تجعلها متصلة بقاعدة معلومات وبيانات تتيح مراجعتها وتحليلها. كما أنّ الأسئلة معروضة بطريقة مبسطة وواضحة وسهلة الاستخدام، وتنقسم إلى رئيسة وفرعيّة، وتتوزع إجاباتها في أربعة احتمالات تتفاوت بين جيد جداً و رديء.
ويتيح هذا النظام المحوسب للمدرسة فرصة الإجابة عن جميع الأسئلة الرئيسة والفرعيّة، ومن ثم تظهر الإجابات مصنفة بحسب مستوى الأداء؛ حيث يعمل النظام على تحليل الإجابات ومن ثم يعمل على توظيف جملة معايير لتصنيفها. وتعكس الألوان التي تظهر بها هذه الإجابات مستوى الأداء وأي المجالات التي يجب أنْ تكون موضع تطوير.
ولكن، ماذا بعد التقويم؟
الجواب: إعداد تقرير التقويم، وتقديمه إلى الجهات المعنيّة لاتخاذ القرار المناسب في ضوء نتائجه. إلا أنّ إعداد التقرير يتطلب خبرة ودراية وبعض الوقت، وهذه جميعها من العوامل التي قد تتسبب في تأخير التقرير. لذا، يكفل لك هذا النظام الحل المطلوب. واستناداً إلى الاجراءات السابقة التي قام بها النظام تحصل المدرسة على تقرير التقويم، ويكون متاحاً لجميع المهتمين بهذا الموضوع، ومنهم: وزارة التربية والتعليم، إدارة المنطقة التعليمية، إدارة المدرسة، أعضاء الهيئة التدريسيّة، وأولياء الأمور.
بناء خطط التطوير
وبعد استكمال العمليات والوظائف المنوطة بالأداة رقم (1)؛ تبدأ الأداة رقم (2) عملها؛ لأنّ التقويم يجب أنْ يفضي إلى التخطيط الذي ينبني على أساس المعلومات والبيانات المجمعة. ويكون هدف التخطيط وغايته تحقيق التطوير المأمول.
ولكن، كيف يتم بناء خطة التطوير؟
يبدأ النظام المحوسب بتحديد أولويات التطوير أو التحسين بالنسبة لهذه المدرسة؛ ثم يعمل النظام على تحديد الهدف أو جملة الأهداف التي ترتبط بكل أولويّة من هذه الأولويات؛ وينتهي النظام بتحديد المهمات والاجراءات التي ينبغي القيام بها من أجل تحقيق الهدف أو جملة الأهداف.
ولا يكتفي النظام بتحديد الأولويات، ومن ثم تحديد الأهداف المرتبطة بها، وبالتالي تحليل المهمات والاجراءات المطلوبة؛ بل يعمل على توزيع المهمات والاجراءات على المعنيين بتنفيذها بحسب جدول زمني محدد، ويشير إلى الموارد المتاحة والمتطلبات اللازمة لتنفيذ الخطة؛ بمعنى أنّ النظام يستطيع بناء الخطط الإجرائيّة اللازمة لعمليّة التطوير.
وعندما تتاح لك فرصة تجريب هذا النظام حاول (مثلاً) استخدامه في بناء خطة لمعالجة المشكلات السلوكيّة للطلبة في المدرسة.
وبعد استكمال تنفيذ الخطط الاجرائيّة سيكون في مقدورنا الحصول على تقرير ثان للتقويم يحدد فاعليّة الخطط الاجرائيّة وأثرها في عمليّة التطوير وتحسين الأداء.
ولا يقتصر عمل النظام على تقويم المدرسة ككل؛ بل يمكن توظيفه بفاعلية في تقويم أنشطة وبرامج وخدمات الوحدات الإدارية والتعليميّة التي تتشكل منها المدرسة؛ فيكون في مقدور منسق المواد العلميّة إجراء التقويم الذي يريد باستخدام الأداة الثالثة، ومن ثم يوظف الأداة الرابعة في التخطيط لتطوير الوحدة التعليميّة التي يشرف عليها في هذه المدرسة، وكذا الحال بالنسبة لمنسق العلوم الإنسانيّة أو اللغات، وغيرهم.
وفي الختام نشير إلى أنّ هذا النظام المحوسب قد جرى تطويره للاستخدام في المملكة المتحدة، ويعمل فريق التطوير حالياً على ترجمته إلى اللغة العربية. وقد تكون النسخة المعرّبة متوافرة في غضون ستة شهور.
والآن، وبعد أنْ انتهيت من عرض هذا النظام المحوسب، أدعوكم إلى زيارة الموقع الإلكتروني الخاص بمركز المعلمين البريطانيين والإفادة من موجوداته.
المفضلات