يمكن أن يمارس العلاج الديني كل من المعالج النفسي والطبيب النفساني وكذلك الأخصائي الاجتماعي والمربي، وهذا الأمر يجري العمل به مثلا في عديد من المصحات النفسية في أوروبا، والتي تعالج محاولات الانتحار مثل مصحة فينا المختصة بحالات الطوارئ الانتحارية، ذلك لأن العلاج النفسي الديني ككل العلاجات النفسية بمثابة عملية يشترك فيها المعالج والمريض معا، وتقوم على ما يلي: أ- الاعتراف: وهو يتضمن شكوى النفس طلبا للغفران وكثيرا ما يستعمل الفرد الوسائل الدفاعية اللاشعورية مثل: الإنكار والإسقاط والتحويل أو التبرير وغيرها،كي يخفف التوتر الذي ربما ينتج عن الشعور بالذنب والخطأ، وعلى المعالج أن يحلل ذلك في الوقت المناسب وبالصيغة المناسبة، ولهذا فان اعتراف المريض يزيل مشاعر الخطيئة والإثم ويخفف عذاب الضمير، فيطهر النفس المضطربة ويعيد إليها طمأنينتها، لذا يجب على المعالج مساعدة المريض على الاعتراف بخطاياه وتفريغ ما بنفسه من مشاعر الإثم المهددة، على أن يتقبل المعالج ذلك بحيادية، ويتبع الاعتراف الرجوع إلى الحق والفضيلة والتوازن النفسي السليم مع الذات .
ب- التوبة: وهي تناشد المغفرة، وتمثل أمل المخطئ الذي تحرر من ذنوبه، فيشعر الفرد بعدها بالتفريغ النفسي والانفراج، والتوبة كما يقول الغزالي ( في أحياء علوم الدين ) لها أركان ثلاثة: علم وحال وفعل، فالعلم هو معرفة ضرر الذنب المخالف لأمر الله، والحال هو الشعور بالذنب، والفعل هو ترك الذنب والنزوع نحو فعل الخير .
ت- الاستبصار: وهو الوصول بالمريض إلى فهم أسباب شقائه ومشكلاته النفسية، وإدراك الدوافع التي أدت به إلى حالته المضطربة وفهم ما بنفسه من خير وشر، وتقبل المفاهيم الجديدة مستقبلا بصدر رحب، ويعني هذا نمو الذات البصيرة، وقال تعالى في هذا الصدد: ( بل الإنسان على نفسه بصيرة ) وهذه الطريقة تستعمل في مظاهر العلاجات النفسية المعاصرة.
ث- اكتساب اتجاهات وقيم جديدة : حيث يتم الذات وتقبل الآخرين والقدرة على تحمل المسؤولية، وعلى تكوين علاقات اجتماعية مبنية على الثقة المتبادلة، والقدرة على التضحية وخدمة الآخرين، واتخاذ أهداف واقعية وايجابية في الحياة كالقدرة على الثبات والعمل المثمر، يتم تطهير النفس وأبعادها عن الرغبات المحرمة واللاأخلاقية واللااجتماعية في سلوك الإنسان بعد إن تتبع السيئات الحسنات قواعد التربية في الإسلام : ثمة نماذج تستخلص من كلام الله عز وجل وحديث رسوله حول سمات شخصية المسلم: 1) الإيمان بالقدر : قال تعالى : قل لن يصيبنا ألاما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون : ينبغي أن يفسر هذا القول دوما بصفة ايجابية كحث على قبول المصائب بصدر رحب، دون الالتجاء إلى مظاهر اليأس والوهن والانهيار أو دون الالتجاء إلى السلوك العدواني المعاكس لا يعني ذلك الاستسلام بل العمل على أن نتعدى أمرنا ونمضي إلى الأمام لنتغلب على الشدائد والمصائب .
2) مسؤولية الاختيار : قال الله تعالى: بل الإنسان على نفسه بصير حيث تتجلى حرية الفرد في اختيار مواقفه وسلوكه بكل دراية وهو هدف عديد من العلاجات للنفسية المعاصرة .
3) طلب العلم: قال الله تعالى: وقل رب زدني علم ، ويتضمن ذلك قابلية المؤمن للتوعية والاستنارة .
4) الصدق: قال الله تعالى: يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين والصدق فضيلة هامة يرتكز عليها اطمئنان النفس إلى حد بعيد ويقاس به مدى انهيارها إذا خالفت.
5) التسامح: قال الله تعالى : ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ، والتسامح من الفضائل الهامة لاطمئنان النفس ونيل الارتياح
6) الأمانة : قال تعالى : أن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل أن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا
7) الرحمة : قال صلى الله عليه وسلم: الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء وهذه الخصال الحميدة لها وزن كبير في سلوك الأفراد الأسوياء والمرضى في آن واحد .
8) التعاون: قال الله تعالى : (وتعاونوا على البر التقوى) وقال أيضا : إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون وقال : والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله أن الله عزيز حكيم .
9) القناعة : من أفضل الخصال البشرية التي تنهى عن التسابق المحموم نحو تحقيق السعادة المادية التي لا حد لها، والتشبع بقيم التنافس القاسي الذي لا رحمة فيه لأحد، والذي تتصف به المجتمعات العصرية المرتكزة على قاعدة الاستهلاك التي ازدادت فيها الأمراض النفسية لهذا السبب . أما القناعة فهي تعالج الاضطرابات النفسية الناجمة عن الحقد والغيرة وكراهية الغير المنافس، وتعالج من جهة أخرى السلوك المنحرف الناتج عن الإحباط وما ينتج عنه من سوء التوافق الفردي مع الذات ومع الغير يتضح مما سبق أن الإيمان يعمل على تكوين العقيدة المثلى والسلوك الصالح لاستقرار واطمئنان النفس، لكن السلوك الذي يخرج عن الدين قد يؤدي إلى الشذوذ والانحراف والى حالات نفسية معقدة، ومن ذلك ينبغي أن تتضمن الوقاية من المرض النفسي إتباع السلوك السوي، كشرط أساسي للتوافق النفسي والاجتماعي.
المفضلات