اسرائيل تفشل في الحروب!!
رأت المحللة البريطانية المخضرمة في شئون الشرق الأوسط هيلينا كوبان أن إسرائيل خسرت حربها علي غزة "لتغيير النظام بالقوة"، كما خسرت خمسة حروب سابقة تحت نفس العنوان. وفي تحليل لوكالة "إنتر برس سيرفيس" قالت هيلينا إن إسرائيل شنت ستة حروب بما فيها الحرب الحالية علي غزة بهدف واحد هو "تغيير الأنظمة في المجتمعات العربية المجاورة بالقوة" ونظرة واحدة علي النتائج غير المتوقعة لهذه الحروب الخمسة السابقة كان يجب أن تجعل قادة إسرائيل يتمهلون قبل شن حربهم الأخيرة علي غزة.
ففي عام 1982، قاد آرئيل شارون الحرب علي لبنان بهدف القضاء علي منظمة التحرير الفلسطينية، وبعد سبعة أسابيع من القتال وافقت منظمة التحرير علي إيقاف إطلاق النار وخروج المنظمة من لبنان فهي بمنطق شارون حرب ناجحة، لكن كان للحرب نتائج سياسية واستراتيجية تعاني منها إسرائيل حتي اليوم، أولاها الإنتفاضة الفلسطينية الأولي بعد أن أدرك الفلسطينيون في الداخل أنه بخروج المنظمة من لبنان انقطع أملهم في التحرر من الاحتلال فقرروا الثورة، والثانية ظهور منظمة حزب الله القومية الدينية التي لم تكن موجودة قبل حرب 1982.وفي عام 1992، فاز الجناح السياسي لحزب الله بأربعة مقاعد في البرلمان واكتسب شرعية سياسية، وفي العام التالي شن جيش الاحتلال الإسرائيلي حرباً أخري في لبنان ضد حزب الله هذه المرة ولم يستطع جيش الدفاع كسب الحرب بل انتهي الأمر بإيقاف إطلاق نار هش دون سيطرة.
وفي عام 1996، كان رئيس الوزراء وقتذاك شيمون بيريز قلقلاًً علي فرصة الانتخابية، فأمر جيش الدفاع بالقيام بمحاولة أخري للقضاء علي أو حتي إخضاع حزب الله، لكن المنظمة كبيرة العدد والمرنة عسكرياًً صمدت لجيش الدفاع الذي لم يستطع القضاء عليها أو حتي إخضاعها، وجاء عنف جيش الاحتلال والعدد الكبير من القتلي بنتائج عكسية علي إسرائيل سواء من قبل اللبنانيين أو المجتمع الدولي، وقد وافق بيريز بعد عدة أسابيع علي وقف إطلاق النار ووجود قوة دولية لمراقبة الحدود، وتراجع جيش الدفاع إلي المنطقة الأمنية متخاذلاًً وفقد بيريز الانتخابات. وفي عام 2001، فاز شارون برئاسة الوزراء وفي العام التالي 2002، أمر بشن الحرب الرابعة لتغيير النظام بالقوة هذه المرة ضد السلطة الفلسطينية في الأراضي المحتلة ممثلة في القوة الأمنية والمنظمات والجمعيات التي تقدم الخدمات الاقتصادية والاجتماعية.
ورغم نجاح شارون في تحطيم البنية التحتية للسلطة الفلسطينية، لكن جاءت النتائج عكسية وكارثية علي إسرائيل، فمع الضعف والوهن الذي أصاب السلطة صعدت حركة حماس الوطنية الإسلامية لتفوز بانتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006. وفي عام 2006، تولي إيهود أولمرت رئاسة الوزراء وأراد أن يثبت قدرته العسكرية فأمر بشن الحرب الخامسة لتغيير النظام بالقوة، هذه المرة ضد حزب الله في لبنان وصمد حزب الله وعانت لبنان كثيراًً، لكن استمر حزب الله وحصل علي مركز سياسي أقوي في لبنان.
ومع نهاية عام 2008، واستعداد وزيرة الخارجية تسيبي ليفني وإيهود باراك، وزير الدفاع لخوض الانتخابات في مواجهة زعيم الليكود بنيامين نتنياهو، ومن هنا شنت إسرائيل الحرب السادسة هذه المرة للقضاء علي حكومة حماس المنتخبة والموجودة في غزة، وقالت هيلينا إن تأمل تاريخ هذه الحروب الإسرائيلية التي كانت جميعها "خياراًً إسرائيلياًً" في مواقف "لا تحتمل" كما كان يبرر قادة إسرائيل خياراتهم بأنه "لا بدائل" لديهم إلا القتال رغم أن خيار التفاوض كان متاحاًً. وحتي خطط هذه الحروب كانت موضوعة مسبقاًً وتنتظر الحكومة الإسرائيلية لتثير موقفاً يبرر لها الدخول في حرب، لأنها تتلقي الدعم المالي والسياسي والتسليح من الولايات المتحدة للقيام بهذه الحروب لكي تحسم الحرب علي الإرهاب.
وكسبت إسرائيل حربين ضد منظمة التحرير الفلسطينية عسكرياًً لكن سياسياًً واستراتيجياًً قادت هاتان الحربان إلي ظهور منظمتين أشد صلابة وأكثر تنظيماًً تحملان توجهات فكرية هما حزب الله وحماس. ولم تستطع إسرائيل كسب حروبها الثلاثة في مواجهة حزب الله الذي خرج أقوي سياسياًً. وقالت هيلينا إنه استرشاداًً بالتاريخ ستكون نتيجة الحرب الحالية إما تفكيك حماس أو وقفاً لإطلاق النار وتستمر حماس قوية سياسياًً، ومن غير المحتمل القضاء علي قيادة حماس الموجودة خارج غزة ولها صلات كثيرة في العالمين العربي والإسلامي، كما أن القضاء عليها في غزة سيقود إلي نتائج دولية خطيرة، لأنه سيقود إن عاجلاًً او آجلاًً إلي ظهور قوة ميليشيات أقوي وأعنف وأكثر تطرفاًً كما أن الكلفة الإنسانية تتزايد يوماًً بعد يوم. البديل
المفضلات