اندلع في السعودية سجال فكري وشرعي بشأن التظاهر تنديدا بالعدوان الإسرائيلي على غزة بعد أن صرح رئيس المجلس الأعلى للقضاء في السعودية الشيخ صالح اللحيدان بأن ذلك من قبيل "الفساد في الأرض، وليست من الصلاح والإصلاح" ووصفه بأنه "استنكار غوغائي"، ومن الوجوه المعروفة التي أدلت بدلوها في ذلك السجال الداعية عوض القرني الذي يرى أن المظاهرات من الأمور العادية ولكن يجب النظر إليها من خلال ثلاثة أمور ضابطة، وأولى تلك الضوابط يقول القرني هي الغاية منها، وثانيها يتعلق بطبيعة التظاهر والتجمهر ومدى انضباطه، أما ثالثها فهو موقف سلطات البلد المعين وإجازتها لها أم عدم إجازته، ويخلص القرني إلى أن اختلال أحد هذه الشروط الثلاثة يجعل المظاهرات غير جائزة.
إباحة شرعية
أما الداعية علي بادحدح فيرى أن "المظاهرات والمسيرات السلمية التي تقوم بها الشعوب تفاعلا مع الأحداث في غزة مباحة شرعا وليس فيها أي نوع من أنواع التخريب"، وأوضح بادحدح أن ضابط المظاهرات ينحصر في أمرين حكمها في ذاتها وحكمها في غاياتها، فأي ممارسة تشتمل على أمر محرم أو تهدف لتخريب تصبح محرمة، وبشأن المظاهرات المنددة بالعدوان الإسرائيلي على غزة يقول بادحدح، وهو أكاديمي ويشرف على موقع "إسلاميات"، إنها "من باب التأييد والمؤازرة، وما دام المقصد سليما ولا تترتب عليه أية مفاسد أو أضرار فلا يكون في ذلك أي محظور شرعي".
واختتم بادحدح بالقول إن لتلك المظاهرات أثر إيجابي من وجوه عدة، منها إظهار تضامن المسلمين مع أهل غزة والتأثير في الرأي العام العالمي بتأكيد مدى حضور قضية فلسطين في المشهدين العربي والإسلامي، إضافة إلى أثرها التربوي على الصغار.
المظاهرات للإصلاح
وفي موقف أكثر حدة يتساءل أستاذ العلاقات الدولية بجامعة أم القرى عبد المحسن هلال " كيف تكون المظاهرات فسادا في الأرض وهي أصلا لإصلاح الفساد والخلل في العلاقات؟"، وأضاف هلال أنه لا بد أن معلومات الشيخ قديمة، أو أنه ليس لديه جهاز تلفاز لمشاهدة المظاهرات السلمية حول العالم، واستغرب هلال أن يصدر مثل هذا الكلام من عالم جمع بين العلم الشرعي وعلم النفس، إذ إنه بالنظر لمرجعيته في المجال النفسي يفترض "أن يعرف كيفية التنفيس عن الاحتقان حتى لا يتحول إلي تفجر وفوضى"، وأضاف هلال كان من الأجدر بالشيخ صالح اللحيدان، الذي عودنا علي الحدة في الرأي أن يقول إن موقفه من المظاهرات مجرد رأي شخصي وألا يسعى إلى فرضه على الآخرين.
إباحة بدون اختزال
أما رئيس جامعة مكة المفتوحة علي العمري فيرى أن الإباحة هي الأصل في المظاهرات والمسيرات السلمية أو الحراك الشعبي لبيان موقف أو إظهار كلمة حق سواء إذا تبناه فرد أو جماعة، وأضاف العمري أنه إذا وجدت بعض الدول التي لا ترى هذا الطريق أو السبيل لما يخشى من أمور معينة وفتحت بالمقابل أبوابا أخرى للتعبير عن الرأي في وسائل الإعلام المختلفة، فهذا أمر مصلحي ولا يخطّأ صاحبه، وخلص العمري إلى أن التظاهر وسيلة من الوسائل وليست الوسيلة الوحيدة و"اختزال الوسائل للإصلاح وبيان كلمة الحق ومناصرة المسلمين في هذه الوسيلة فقط مرفوض".
المفضلات