أيتها الطفلة المباركة، لك المجد يا واهبة الموت رنة الفضيحة..
لو نُشرت صورة الطفلة الفلسطينية الشهيدة في غزة التي تداولتها وسائل الإعلام قبل أيام، على أنها طفلة إيطالية أو فرنسية أو أميركية أو بريطانية قُتلت في حرب يديرها الكبار من قتَلة عالمنا المتوحش، أما كانت الدنيا ستقوم ولا تقعد أبدا بين أهل الديانات والملحدين والوثنيين وعبدة الأبقار والأحجار أجمعهم؟.
من رأى منكم أرضا تنُبت رؤوس أطفال يانعة تروي بنسغها الطاهر أرض الجحيم في غزة؟.
من رأى منكم وجه هذه الشهيدة ولم يشعر بخزي الإنسانية وعار الحضارة وسقوط المعنى وتواطؤ الأيديولوجيات؟.
من منكم لم يرَ طفله أو طفلته في وجه هذه الشهيدة العظيمة، الفواحة بالبراءة وغبار الموت؟.
من منكم أيها السادة الكتّاب والشعراء لم يجد في وجه هذه الطفلة الشاهدة ضوءا يشير إلى الطريق الوحيدة للإنسان ليكون إنساناً، ويقف بوجه القاتل ويرجمه، أياً كان جنسه أو عرقه أو مبرراته؟.
من منكم أيها السادة الفنانون لم يحرّك وجهُ هذه الطفلة العظيمة أوتار قلبه وشحنات إبداعه من أجل الدفاع عن الحياة - ليس فلسطين حسب، بل الحياة ذاتها فيها وفينا؟.
مَن مِن النساء لم تجهش بالعبرات وهي ترى الوجه الرسولي لطفلة غزة يخضبه الدم، ويعلوه سلام موتها الصاخب وهي تهبُ حياتها الغضة لأرض يتقاتل عليها الكبار؟.
كم رجلاً رأى هذه الصورة ولم يشعر بجسامة وهْمِ الرجولة العربية، وهول الحرب التي تدور على أرض غزة المجوَّعة مهدورة الدم؟.
كم إنساناً تمعن في هذا الفم الذي أطلق صرخة احتضاره، ولم ينجده أحد من عرب وعجم وترك وهنود؟.
أرأيتم أرضاً تُنبت وجوهاً وادعة لموتى رائعين يشيرون إلى عار البشرية في صمتها وقنوطها؟.
ألا يشكل الصمت أمام هذه الطفلة الشهيدة الغافية في حلم لعبة وقضمة خبز، خزياً أبدياً لأثرياء العرب أجمعين؟.
هل يُنسى مثل هذا الوجه المقدس للطفولة وسط دنس العالم وتواطؤاته ومزايداته؟.
لك المجد يا واهبة الموت صرخة الفضيحة..
أيتها الطفلة المباركة، أشهد أنكِ أشد قداسة من مقدسات الكبار..
أيتها الطفلة البديعة، أشهد أنك أنبل من كل غورنيكا..
أيتها الطفلة العذبة المعذبة، أنتِ من كشفَت هشاشة الإنسانية وإعلانات حقوق الإنسان وعار الكوكب الذي صمت من قبل على موت أطفال بمثل نضارتك في طول العراق وعرض المدن الذبيحة بنار الغزاة والإرهابيين والنساء الناسفات وسط الحشود في سوق ومدرسة وجامعة...
لك المجد أيتها الصغيرة الثمينة التي انتصرت بموتك الباهر على التاريخ والأيديولوجيات ومنظمات الأمم وتهريج المبررين للقتل.
منقول لـــ لطفية الدليمي
المفضلات