ما الفائدة المرجوة من التعلم في الجامعة ؟ تختلف وجهات النظر بالرد على هذا السؤال فيعتبر البعض الفائدة من الدراسة الجامعية حصوله على شهادة تؤهله لتسلم وظيفة ليتم بعدها دورة الحياة؛ ويعتبرها البعض الآخر ضرورة لمكانته الاجتماعية فيما يقصدها آخرون بغية العلم والمعرفة فما الذي يحققه هؤلاء من مآربهم ؟
قد يحصد الجميع الهدف الذي دفعه للحاق بركب من سبقه من طلبة العلم أو الشهادة، لكن ألا يترتب على هذا الحصاد خسائر ؟
أتحدث عن تجربة شخصية فقد آثرت الدوام في الجامعة لمدة أربع سنوات وكنت على يقين أنني لم أخطئ بالاختيار لأنني عقدت العزم على الاستزادة من العلم وتوكلت على الله ولا أخفيكم أن الشهادة كانت مرمى الهدف الذي أنشد الوصول له إلى جانب العلم .
بدأت رحلتي منذ ثلاث سنوات ومن المفترض أن أتخرج من الجامعة بعد عام لكن و للأسباب التي سأذكرها لاحقا لازلت في السنة الثانية بعدما خلعت عني ثوب الأمل المرجو وتمسكت فقط بضرورة الحصول على الكرتونة بأي ثمن فقد أسقطت من حساباتي أن أجعل مما يدرس في الجامعة زادي لأنني أستنكر وبشدة أن أصبح أرنبا ...؟ .
و لكم بعض الأسباب التي حالت دون إقبالي على الفكر الذي يقدمه بعض أساتذة الجامعة و لأكن أكثر صدقا هم السواد الأعظم من الأساتذة و لكم بعضا مما يدور في قاعات المحاضرات ، دكتور يقبل على المحاضرة لعرض مغامراته في دولة أجنبية مشيدا بكل محاسنها مقارنا محاسنها بمساوئ العرب وآخر يعبر بكل سخط عن الواقع العربي في جميع مناحي الحياة ولا يعجبه في الوطن العربي أي شيء يذكر وإذا ما حاول بعض الطلبة معارضته يجعل منه أضحوكة بين زملائه ومدرس غايته الأولى والأخيرة تفنيد أسباب و مسببات تراجع القيم و الطعن بكل منجز مقارنة مع تقدم الغرب .
يقول أحد الأساتذة أن سبب تأخرنا ونقمة الشعوب الغربية على العرب هو صراع الحضارات وضعف العرب بالدفاع عن أنفسهم خاصة حينما ينعت المسلم بالإرهابي إضافة لذلك أننا نحن المسلمون لا نطبق تعاليم ديننا الحنيف فيما يتعلق مثلا بالنظافة فترى شوارعنا قذرة وثقافتنا بالتعامل مع بعضنا ومع الآخرين رجعية متخلفة .
بالله عليكم أجيبوني كيف للطالب العربي بعدما يمارس عليه كافة أنواع الاضطهاد و الطعن بحضارة أجداده والتنكيل برأيه وقمعه داخل قاعات المحاضرات وخارجها كيف له أن يخرج رافعا رأسه عاقدا العزم على التغيير منتميا لجامعته ومجتمعه وعاداته و تقاليده ووطنه بعدما أثبطت عزيمته لما تحت الصفر بدرجات !
كنت في محاضرة لأحد الأساتذة حينما بدأ بالمقارنة بيننا نحن العرب و بين المجتمعات الغربية و ذكر خلال استفاضته بالتنظير عن أسباب نعت المسلم بالإرهابي، ساعتها استأذنت المحاضر أنني أود المشاركة و بالفعل أتاح لي المجال مشكورا فأبديت وجهة نظري أن السبب متعلق بأسلوب الأساتذة في الجامعات وما ان قلت له "أنتم السبب" حتى جحظت عيناه واحمر وجهه غضبا وقال مستهزئا " بالله شو !! اتفضلي اشرحيلي " قلت له "عوضا عن إظهار مساوئ أتهمنا بها زورا و بهتانا عليك ذكر حادثة مقارنة بما تذكر فعلى سبيل المثال ماذا تسمي إقبال طالب غربي فتح النار على زملائه بالمدرسة ؟ أليس هذا هو الإرهاب بعينه ؟"
حاول بعدها إخراسي مما جعل الدم يغلي بعروقي وأنا أرى الطلبة فاغري أفواههم مستعجبين إقدامي على النقاش.. منظرهم زادني غضبا وقلت بقرارة نفسي يجب أن يخرجوا منتصرين خاصة بعدما بدأوا بتحريضي لإحراج المدرس فقد كانت كلماتي محفزا لهم -كما صرحوا بعدها أنهم ليسوا خرافا ولكنهم يخافون سطوت المدرس -، وقتها أهملني المدرس و تابع التعقيب على كلامه مؤكدا لنفسه ما يقول حتى وقفت معلنة ثورة أنني لن أصمت طالما أن الحديث في غير موضعه و بدأت أعلي صوتي قائلة " أنت تتحدث عن شخصية الطالب العربي المهزوزة فلما تتعمد قمعي ؟ أؤكد لك أنني لن أصمت ومصرة على النقاش حتى النهاية و بعدما شعر أنني تسللت للطلبة حينما بدأوا يعلون أصواتهم طالبين من الدكتور التعقيب على كلامي قال : أنا لم أقل ما ذكرت زميلتكم وهي تحشو الكلمات حشوا في فمي وغير بعدها أقوله فعدت وأكدت على أقوالي وجلست واحتسبت المساق عند الله فالساكت عن الحق شيطان أخرس و ربما لو أنني كنت بمثل عمر هؤلاء الطلاب لما تجرأت على معارضة الدكتور بهذه الشراسة فرغم اكتشافي بعد دخولي للجامعة أن قراري كان خاطئاً نوعا ما إلا أنني آثرت ألا أخرج منها مسلوبة الهوية و الشخصية .
يجتمع الكثير من أساتذة الجامعات على مبدأ واحد فمعظمهم قد نالوا شهادة الدكتوراه من الخارج والغريب بالأمر شدة ولائهم لبلد ربما لم يقطنوا فيه أكثر من أربع سنوات فكيف استطاع هؤلاء نسيان تاريخ العرب والمسلمين و المراحل الحتمية التي علينا اجتيازها لنعود إلى سابق عهدنا وكيف يتمتعون بذاكرة فولاذية لأدق تفاصيل البلد الذي استضافهم لأعوام أو ربما أشهر ويتجاهلون ضرع الوطن الذي أهلهم ليعودوا علينا بالفكر الذي يتغنوا به ولا يحاولون زرع محفز للطالب العربي للنهوض بوطنه عوضا عن جعله متلقي ... .
ينبغي علينا بعد هذا السرد الموجز الوقوف مليا وإعادة النظر بالبنية الأساسية للتدريس الجامعي حيث تعد الجامعة قمة السلم التعليمي ومن أهم المؤسسات التربوية في المجتمع التي يمكنها أن تقود حركة التقدم والتنمية.
والمحرك الرئيسي لعملية التدريس الجامعي هو الأستاذ الجامعي الذي يلتحق "بمهنة" التدريس بمجرد حصوله على شهادة الدكتوراه وهذه الشهادة تشهد بإجادة الفرد لمهارة البحث العلمي في موضوع بعينه ولكنها لا تثبت شيئاً عن مدى الكفاءة التدريسية والكفاءة التعليمية لهذا الأستاذ.
الغرب ينعت المسلم بالإرهابي والمدرس يثبط عزيمة الطالب ويشعره بنقصه على الدوام ففي الداخل يؤهل الطالب ليكن أرنبا و ......... فما هذا التمزق وهذا الضياع الذي يعيشه الطالب العربي !
ينبغي على التدريس الجامعي أن يخرج من بوتقة الشرح والمحاضرة والتلقين و المحاصرة بالعلامة التي تؤخذ بأساليب متعددة طالما كانت هي الهدف ، نتمنى أن نتجاوز هذه المرحلة إلى ما هو أبعد حتى نكن قادرين على صنع طالب مفكر وباحث مبدع لإرساء قواعد متينة تساهم في زيادة معدلات التنمية للوصول إلى مصافي الدول المتقدمة حيث لا سبيل إلى ذلك إلا بالعمل الصادق النابع من المكاشفة ليكن بعدها العلاج ناجعا عوضا عن اللهث الدائم وراء حلول لمشاكل بدأت بالتفشي كبقعة زيت نخاف من امتداد رقعتها و منها لا للحصر ظاهرة العنف الجامعي التي ما هي سوى تفريغ لشحنات معبأة من داخل القاعات التي تخرج طلابا موتورين على أهبة الانفجار ولا نغفل دور المجتمع بظاهرة العنف الجامعي ولكن نعود ونؤكد أن من أهم الأدوار المنوطة بالتعليم الجامعي هي تأهيل الطالب نفسيا ليكن على قدر أهل العزم.
منقول عن
الكاتبه هيام عوض
المفضلات