الصلاة في الحمام
د. فاروق مناصير
دق جرس الهاتف في مبنى دار الإفتاء الإسلامية بمدينة (نابلس) الفلسطينية ، رفع عامل (البدالة) سماعة الهاتف فإذا بصوت متهدج يصل إلى مسامعه ولكنه صوت دافئ ... صوت فتاة فلسطينية .
سألت الفتاة عامل البدالة : (يا سيدي هل بإمكاني التحدث إلى فضيلة المفتي لو تفضلت ؟) ، أجابها : (أرجو أن تنتظري قليلاً على الخط ، سوف أحولك مباشرة إلى مكتبه بعدما ينتهي من مكالمته .. ).
وما هي إلا لحظات حتى تم تحويل المكالمة إلى مكتب فضيلة المفتي .. مفتي (نابلس) ، سأل الشيخ الفتاة المتصلة إن كان يستطيع أن يقدم لها أي مساعدة ، فتوى مشورة ، إجابة عن سؤال فقهي أو عقدي ، أو تفسير لآية كريمة أو حديث شريف .
قالت الفتاة : يا فضيلة الشيخ أحب أن أسألك ، وأن أعرف : هل يجوز الصلاة في الحمام ؟
صمت الشيخ برهة وكأنه لم يسمع السؤال جيداً ، ماذا قلتِ : الصلاة في الحمام ؟؟!
قالت الفتاة : نعم يا فضيلة المفتي : الصلاة في الحمام ، هل يجوز لي أداء الصلاة في الحمام ، حيث النجاسة وموضع الاغتسال والاستحمام .
أجابها المفتي : كلا، يا بُنيتي لا يجوز الصلاة في الحمام فهو مكان الأوساخ والنجاسات ، وهو من الأماكن والمواضع التي نُهينا (شرعاً) عن إقامة الصلاة فيها ، كما أنه من الأماكن السبعة التي لا يجوز الصلاة فيها .. ومنها على سبيل المثال : (الحمام ، مرابط الإبل ، سطح الكعبة ، قارعة الطريق ، المقبرة .. إلخ) فهذه المواضع لا يجوز إقامة الصلاة فيها ـ يا ابنتي ...
قالت : ولكن ظروفي لا تسمح ـ يا فضيلة الشيخ ـ إلا الصلاة في الحمام .
قال : أرجو منكِ أن تشرحي لي الأمر حتى أقدم لك الفتوى المناسبة في هذه المسألة ؟
قالت : اعلم يا يا فضيلة الشيخ بأني فتاة في الحادية والعشرين من عمري ، وأنا من أسرة فلسطينية مسيحية وأعيش في مدينة (يافا) ، وقد منّ الله عليّ بالهداية (فأسلمت) منذ عام ونيف ، ولكن أهلي وعائلتي رفضوا إسلامي وآذوني أذىً كبيراً وشديداً .
سألها الشيخ : وما سبب إسلامك يا بنيتي .. هل دعاك أحد إلى الإسلام ؟
قالت : كلا، يا فضيلة الشيخ لم يَدْعُني أحدٌ إلى الإسلام لا من المسلمين ولا من غيرهم ، ولكن الفضل يرجع إلى (القرآن الكريم) الذي قرأته وتأثرت به تأثراً عظيماً وبالغاً ، لقد كان القرآن يخاطب عقلي ويُسير نفسي ويُحيي روحي ، وجدت فيه الإجابة على أسئلة المصير: من أين جئنا ؟ ولماذا جئنا ؟ وأين نذهب بعد الموت والفناء ؟
لقد أعاد هذا القرآن تنظيم روحي وعقلي وبفضله وادت من جديد الولادة الثانية .
في البداية كانت قراءته صعبة عليّ ولكني ومع مرور الأيام سهلت عليّ قراءته خاصة بعد استعانتي بمجموعة شرائط قرآنية للشيخ (محمد المنشاوي).
وأعتقد أن الفضل الأول والأخير يرجع في إسلامي إلى هذا القرآن الكريم ، كتاب ربِّ العالمين .
ثم استفدت كثيراً من دروس ومحاضرات الأستاذ (عمرو خالد) والدكتور (طارق سويدان) من على شاشة قناة (إقرأ) الفضائية .
وصدقني ـ يا فضيلة الشيخ ـ لم أؤمن قط بأسطورة (التثليث) في العقيدة المسيحية ، فهي مخالفة لفطرتي ، ولكل فطرة سليمة وصادقة .
سألها المفتي : وكيف أسلمت يا ابنتي ؟
قالت : اتصلت ببعض صديقاتي المسلمات في الجامعة وأبديت لهنّ رغبتي في دخول الإسلام ، وهكذا أخذتني إلى أحد الجوامع في مدينة (يافا) وهناك أشهرت إسلامي على يد أحد المشايخ .
قال الشيخ : وماذا كان رد فعل أهلك وعائلتك على دخولك للإسلام ؟.
قالت : بالطبع كانوا معترضين وغير راضين تماماً أبداً عن إسلامي ، ولكني ناضجة وبالغة والقانون عندنا ـ كما تعرف ـ في الدول العبرية ، يكفل حرية الاعتقاد .
غير أني تعرضت لمضايقات شديدة من أسرتي ولم أرضخ لهم .
مشكلتي يا فضيلة الشيخ ـ تتمثل في أمرين : الأول في تأدية الصلاة ، والثاني في لبس الحجاب الشرعي .
فأهلي يرفضون تأديتي للصلاة أمامهم ، ولهذا بدأت أصلي في الحمام ، أما الحجاب فهو المشكلة الثانية ، فأنا طالبة في الجامعة ، وعائلتي ، بل والمحيط الاجتماعي حولي يرفضون ارتدائي للباس الشرعي والخروج به للجامعة .
ولهذا فضلت عدم الذهاب إلى الجامعة ما دمت سأخرج إليها سافرة .
سكتت قليلاً ، ثم جاء صوتها حزيناً باكياً وهي تقول : (انصحني يا فضيلة الشيخ).
قال لها المفتي : بعد شرحك هذا فإني أقول لك يجوز أن تصلي في الحمام ، إلى أن يُيسر الله لك أمراً كان مفعولاً .. كما أنصحك أن تتزوجي بشاب مسلم وتقي يُعينك على طاعة الله رب العالمين ، وبهذا الزواج تخرجين من مسؤولية عائلتك إلى مسؤولية زوجك . وحتى يحدث هذا الأمر فلابد لك من الصبر والدعاء إلى أن يسهل الله عليك ويعينك على أول إسلامك .
سكت الشيخ بعدما دعا لها بالثبات والتوفيق في حياتها القادمة .
شكرته الفتاة (اليافاوية) ثم أقفلت خط الهاتف .
المفضلات