مصر بعد مبارك .... صفوت الشريف "الاكثر دهاء"
مصر بعد مبارك .... صفوت الشريف "الاكثر دهاء" أم عمر سليمان "الاكثر خبرة" أو "مجهول" يبرز فجأة
انفض قبل يومين "مولد السيد الوطني الديمقراطي" او الحزب الذي يحكم مصر منذ ثلاثة عقود بقليل جدا من "الحمص"، حسب المثل المصري، يتمثل في قرار زيادة عدد اعضاء مجلس الشعب بهدف تخصيص مقاعد للمرأة حسب ما اعلن الرئيس مبارك في خطابه امام المؤتمر، او تمهيدا لقرار اخر بحل مجلس الشعب واجراء انتخابات مبكرة الصيف المقبل يتم خلالها استئصال شأفة جماعة الاخوان سياسيا بالسيناريو نفسه الذي عجزوا معه عن الفوز ولو بمقعد واحد في مجلس الشورى والمجالس المحلية، كما يتوقع مراقبون, بحسب جريدة القدس العربي.
الا ان السؤال الذي كان يحلق فوق رؤوس النخبة التي تصدرت احداث "فيلم المؤتمر" الذي تكلف "فقط" خمسة ملايين جنيه حسب منتجيه، او سبعين مليون جنيه حسب صحف مستقلة ومعارضة، كان: من من هؤلاء يصلح و/او يقدر على خلافة الرئيس؟ جمال مبارك الذي وصفه رجل النظام القوي احمد عز بـ"مفجر ثورة التطوير" (وكأن قدر المصريين ان ترتبط ثوراتهم دائما باسم جمال) الذي يفتقد للخلفية العسكرية المطلوبة لتوليه منصب القائد الاعلى للقوات المسلحة، او اللواء عمر سليمان الذي لا يسمح له منصبه الحساس بلعب دور في السياسة الداخلية، رغم نفوذه الواسع في ادارة الملفات الامنية والسياسية الكبرى، او صفوت الشريف هذا الداهية السياسي الذي نجا دائما من رياح التغيير، وتمكن من الاحتفاظ بمنصبه كأمين عام للحزب رغم شعار "الفكر الجديد" الذي رفعه خلال السنوات الخمس الماضية، ويملك كل مقومات تولي الرئاسة حتى اذا كانت اسهمه لا تبدو مغرية لاكثر المضاربين في بورصة التوقعات، فهو يملك خبرات عسكرية وامنية واعلامية وحزبية لا تجتمع الا عنده، او زكريا عزمي امين رئاسة الجمهورية والامين المساعد للحزب والنائب المنتقد بشدة للحكومة في آن (...) وهو كذلك يتمتع بخلفية عسكرية وخبرة سياسية كسبها من العمل اليومي مع الرئيس. او شخص مجهول تماما" كما كان الرئيس مبارك نفسه مجهولا سياسيا عندما اختاره الرئيس الراحل انور السادات نائبا له عام 1975"، قد يبرز فجأة كمرشح مستقل يلقى بالترتيب مع قادة الحزب، الدعم الكافي للترشح في الانتخابات الرئاسية.
الاجابة التي يعرفها الجميع هي انه لا احد يعرف على وجه اليقين، ويعرف من يزعمون انهم يعرفون انهم لا يعرفون(...) كما انهم يعرفون ان الناس يعرفون انهم لا يعرفون(...). وهنا تكمن خطورة السؤال وربما مأساويته: ماذا سيحدث في اللحظة التي يغيب فيها, هل ستقوم ثورة شعبية كما يتوقع كثيرون، كان اخرهم البريطاني جون برادلي في كتابه الذي وجد طريقه للنشر في مصر رغم انف قرار بمصادرته؟
ولماذا لا يحسم الرئيس هذا الوضع المفعم بالغموض اما بتسمية جمال مرشحا بالانتخابات الرئاسية المقبلة في 2011 والتي سيكون عمر الرئيس خلالها (83 عاما وثمانية اشهر) او بابعاده عن عالم السياسة لاغلاق ملف التوريث؟
والاجابة اكثر تعقيدا مما يظن كثيرون.
(مصر ليست مثل سورية، وابني يساعدني في العمل) هذا كان اخر ما قاله الرئيس حول هذا الملف ويبقى حقيقيا وواقعيا رغم مرور اعوام عليه. وبالطبع فان اي انسان يتمنى لابنه ان يكون رئيسا (اذا استطاع)، وقد تكون السلطة مع ذلك اغلى من ان يعطيها الانسان حتى لابنه، الا ان الواقع المصري له حساباته الخاصة التي تستعصي على من يدمنون مقارنات غير مبررة بتفاصيل الواقع وتعقيداته.
وفي مصر اصبحت السلطة (بمعنى ان تكون جزءا منها او مرتبطا بها او ضامنا لدعمها) مرتكزا ضروريا للاحتفاظ بالثروة ناهيك عن تنميتها. وبالنظر للمستقبل القريب والابعد قليلا، وبغض النظر عن اسم الرئيس المقبل فان جمال سيحتاج لشيء من السلطة في اطار "توريث الحصانة" ضد تقلبات السياسة والزمن. وهذا ممكن في اطار توافق بين اقطاب النظام بمعناه الاوسع من الحزب والحكومة.
وما يدعم هذا السيناريو انه بعكس التوقعات، ورغم الفضائح التي ضربت بعض رموزه مؤخرا، شهد مؤتمر الحزب الحاكم تصعيدا سياسيا واعلاميا من تحالف السلطة والثروة ضد المعارضة،خاصة من جانب احمد عز الذي بدا وكأنه يتحدث باسم جمال شخصيا بعد ان اعلنه "مفجرا لثورة التطوير".
واستطاع عز ان يهزم توقعات بتصعيد الاكاديمي الدكتور علي الدين هلال او حتى بالسماح للدكتور محمد كمال باستعادة مكانه قرب جمال مبارك او مكانته التي بدت بارزة في التخطيط لحملة مبارك الانتخابية (على الطريقة الامريكية). وهكذا فان الزواج غير المقدس بين الثروة والسلطة لا يبدو مستعدا للتنازل بسهولة عن هذه الفرصة التاريخية التي مكنته من حكم البلاد والعباد.
ما لم تحدث مفاجآت تقلب الحسابات، فان مصر الدولة المركزية الاولى في التاريخ، التي ادمنت الانتصار على الزمن، ستواصل مقاومة التغيير من خارجها، لكن دون ان يعرف احد نتيجة المواجهة هذه المرة.
المصدر : الحقيقة الدولية - وكالات - 6.11.2008
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رفيق الاحزان
المفضلات