قصة: لبابة محمود أبوعدس.
كل عام وأنت بخير ، هذا ما قالته لي أمي في عيد ميلادي، كنت فرحة جداً ببلوغي السابعة، وقد أحسستُ أنني أصبحتُ كبيرة ومسؤولة.
في يوم من الأيام، استيقظتُ مبكراً للذهاب إلى المدرسة، طلبت مني أمي أن أشرب كأس الحليب، فلم أشربه، غضبتْ أمي كثيرا، ولم أكن أتوقع منها كل هذا الغضب منها.
ذهبت إلى المدرسة وأنا أمشي حزينة. عندما وصلتُ إلى الصف، جلستُ في مقعدي، وبدأتْ المعلمة بشرح الدرس، بقيتُ طوال الوقت نادمة على ما فعلت، وعزمتُ الاستسماح من أمي عندما أعود.
كان منزلي قريب جداً من المدرسة، ففي وقت الفرصة، جلستُ عند نافذة الصف أنظر إلى البيت من بعيد، لعلّ أمي الحبيبة تراني، ولكن لا جدوى. عندما بدأت الحصة التالية، طرق فجأة، وياللهول، خالتي على الباب ودقات قلبها سريعة وهي تلهث وتبكي، عندما رأيتها قلتُ لها: خالتي، ما بكِ يا خالتي؟! أخبريني.
قالت: أمكِ يا سلوى صرخت: ما بها؟ قالت: ماتت أمك، ماتت أمك يا سلوى.
أخذت خالتي تبكي، لم أصدق ما سمعت، بكيتُ بكاء شديداً، لقد توفيت أمي قبل أن أستسمحها، لا أصدق.
ذهبتُ مسرعة إلى البيت، وأحسستُ أن قلبي سوف يسقط من مكانه. دخلتُ البيت وكان الصمتُ يعمّ المكان، رأيتُ أمي مُلقاة على الأرض، أمسكتُ يدها وقلت لها: ماما..ماما، أجيبيني أرجوك، هل أنتِ راضية علي؟. رجع الصمتُ وعمّ أرجاء المنزل، لقد ذهبتْ ماما الحنونة، ذهب من يواسيني، ومن يحزن لمرضي.
بقيت أبكي طويلا، وأكلم نفسي وأقول: لقد ماتت أمي وهي حزينة، حزينة مني أنا. وبدأت تراودني الكوابيس: أنا السبب، أمس ماتت لأنني أغضبتها.
انتهى ذلك اليوم الذي كان أطول يوم في حياتي، وبقيتُ طوال حياتي أعاتبُ نفسي وأقول: يا ليتني شربتُ كأس الحليب، يا ليتني شربته.
بعد مرور أربعة أشهر على ما حدث، كنتُ أرتّبُ خزانة ملابسي، فمن بين الملابس، وجدتُ رسالة صغيرة، فتشوقتُ لرؤيتها، يا للهول... الرسالة مكتوبة بخط أمي، بدأتُ بقراءة الرسالة، إنها من أمي، وكان مكتوب فيها: ابنتي الغالية سلوى؛ أنا أحبك ومهما حصل ستبقين غاليتي وحبيبتي، كأس الحليب الذي لم تشربيه لا يستطيع أن يفرّق بيني وبينكِ، وأرجو أن تكوني غير غاضبة مني، وشكراً لكِ بكيتُ وبكيتُ، أمي لم تكن تعلم أنها ستموت، لم تكن تعلم، وهي أيضاً تسألني إذا كنتُ غاضبة منها، آآآه.. ما أحسن أمي، يا ليتها تعود.
هذه القصة لم تحصل معي بالحقيقة .
المفضلات