قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله *- :
*" الشباب في أي أمَّة من الأمم هم العمود الفقري الذي يشكل عنصر الحركة ، والحيوية ؛ إذ لديهم الطاقة المنتجة ، والعطاء المتجدد ، ولم تنهض أمَّة من الأمم - غالباً - إلا على أكتاف شبابها الواعي ، وحماسته المتجددة *" ,
فالشباب في كل مجتمع من المجتمعات , أو أمة من الأمم , هو الطاقة المخزنة للحاضر والمستقبل , وهم يمثلون نصف الحاضر وكل المستقبل , والمجتمع أو الأمة مثل الجسم الحي يحتاج تجديد
خلاياه بصفة مستمرة , فإن كانت خلاياه صحيحة صح الجسد , وإن كانت عليلة فسد الجسد , وخلايا الجسد أي الأمة أو المجتمع هم الشباب , من هذا أقول أن الشباب هم عماد المجتمع وسبب نموه وازدهاره .
فعلى المجتمع أن ينمّي الشباب روحياً وعقلياً وجسدياً وعدم إهمالهم , وسأتناول ما سبق بنوع من الاختصار :
1- روحياً : يجب أن يعلم الشباب أنهم خلق لهدف وهو عبادة الله سبحانه وتعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ
وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) – الذاريات 56 - , والعبادة لا تكون فقط بالصلاة والتنسك كما تعارف عليه بعض الناس , بل هي في غيرهما , مثل : قضاء حوائج الناس ومساعدتهم وتيسيرها لهم , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من مشى في حاجة أخيه وبلغ فيها كان خيرًا من اعتكاف عشر سنين ... ) , وقال أيضاً ( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه , ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته , ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة , ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة ) فيكون الشباب بذلك لديهم دافع ديني
وإنساني يدفعهم للعطاء والإتقان , مهما كانت مراكزهم الوظيفية أو أعمالهم في المجتمع .
2- عقلياً : ينبغي أن يعد الشباب إعداداً جيداً ملائماً لهم ولتطور المجتمع , من بداية دخولهم التمهيدي
أو الروضة إلى تخرجهم من الجامعة , بل إلى أعلى الدرجات العلمية , ومساعدتهم على ذلك , بأن يكون منهج الدراسة منهج تحفيز وتوجيه , وتسهيل وتطوير , لا منهجاً للتلقين والحفظ ثم الإفراغ في الامتحانات , فيوعَّى الشباب منذ مراحل دراستهم الابتدائية , أن العلم للتعلم وإفادة الأمة والمجتمع , ليست فقط للنجاح ثم التوظف والزواج , بل يجب أن يعلموا أن العلم والمعرفة سلاح لهم ولأمتهم والمجتمع , وقالوا : " من
أراد الدنيا فعليه بالعلم , ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم , ومن أرادهما معاً فعليه بالعلم " , وأن يعلموا أيضاً أنه مخرج من ظلمة الجهل والتبعية , إلى نور العلم , والشعور بالقدرة والكرامة والاستقلال , وأنه السبيل لارتقائهم ومجتمعهم وأمتهم , قال تعالى : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) – الزمر 9*
- , وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا حسد إلا في اثنتين , رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق , ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها ) .
3- جسدياً : بأن يُهْتم بصحتهم وهم وما زالوا أجنة في بطون أمهاتهم , إلى منتهى حياتهم , فيشبّوا أقوياء أصحاء , يستطيعون التعلم , والعمل في المهن اليدوية , والمصانع المهنية , وبناء حضارة الأمة العمرانية , ويكون منهم المقاتلون الأشداء , والعيون الساهرة التي لا تنام في حماية المجتمع , والإنسان يكون في شبابه بكامل قواه الجسدية , وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على تقوية الشباب جسدياً منذ صغرهم بقوله : ( علموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل ) , وعمل المسابقات لهم , ورفع روح المنافسة بينهم , للوصول بهم إلى أعلى المستويات الجسدية , فيكونوا شباباً معلماً متفتحاً مدركاً قوياً .
فتنمية الشباب روحياً وعقلياً وجسدياً تنمية جيدة وبشكل سليم , تنتج شباباً يحمل هم الأمة , متوجه للخير , نافعاً ومطوراً للمجتمع , مواجه لتحديات الحاضر , وأكثر استعداداً لخوض مصاعب المستقبل وتشكيل ملامحه , فيسعى لنمو المجتمع وازدهاره وبلوغه أعلى درجات الكمال الحضاري , اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً , لأن لديهم أصلب إرادة ، وأمضى عزيمة , وحب الاستكشاف , وقدرة على تحّويل المستحيل إلى ممكن أمام العيان , والمرونة والانفتاح , والقدرة على التكيف مع أي طارئ جديد , فإذا توافرت التنمية الروحية والعقلية والجسدية في الشباب , مع اهتمامهم بخصائصهم السابقة فهنيئاً لامتهم ومجتمعاتهم بهم .
ولننظرإلى بداية الأمة الإسلام , فهذا علي بن أبي طالب أول فدائي في الإسلام , وهذان معاذ ومعوذ قاتلا أبي جهل , وهذا أسامة بن زيد قائد الجيش المسير إلى الروم , وهذا معاذ بن جبل أرسل لليمن لدعوتهم وليعلمهم ويقضي بينهم , وهذا ابن عباس حبر الأمة , وهذا ابن عمر من المكثرين في الحديث , رضي الله عنهم اجمعين , وهناك أيضاً الإمام الشافعي , والبخاري أمير المؤمنين في الحديث , وصلاح الدين الأيوبي , وغيرهم الكثير وقصصهم معروفة مشتهرة .*
فأما إذا كانوا بخلاف ما سبق , من تنمية متدنيّة غير مهتمة بالشباب , وشباب غير مهتم بما خصه الله من خصال , منصرف إلى حياة اللهو والراحة *, بحجة أنهم يريدون أن يعيشوا شبابهم , وأن الشباب للمتعة والاستمتاع فقط , غير مدركين أن هذه المرحلة من حياتهم قد ألقي على عاتقهم أمر الأمة والمجتمع , أو أنهم مدركون لما ألقي على عاتقهم , مهتمون بما خصهم الله من خصال , لكن تم إقصاؤهم أو اشغالهم عن شؤون الأمة العظيمة بشؤون صغيرة أقرب إلى التفاهة , فينتج عما سبق , مجتمع جاهل فاسد متخلف هزيل مصاب بالوهن , متواكل على غيره , يأخذ ولا يعطي , يستهلك ولا ينتج , وكما قالوا : وما تزرع تحصد
في صالح الشباب صلاح للأمة والمجتمع , وفي فسادهم فساد الأمة والمجتمع .
منقول
.
المفضلات