تتداخل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في أي مجتمع من المجتمعات، وترفد بعضها بعضاً لأن بعض موروثاتنا الاجتماعية وما تعنيه من ثقافة مجتمع تصب في إيجاد مشكلات اقتصادية تتعلق بالحفاظ على مستوى معين من الرفاء أو الأمن الاجتماعي وغير ذلك. ومن بين المشكلات التي يظهر فيها التداخل واضحاً جلياً: غلاء المهور ، هذا الداء الاجتماعي الذي يتسلل في شريان المجتمع ليفتك به فتكاً صامتاً سريعاً، لأنه يتعلق ببناء الأسر وتكوين لبنات المجتمع التي لا غنى غنها لاستقرار المجتمع والحفاظ على بنيته الأخلاقية والقيمية في الوقت الذي يتعلق فيه الأمر باستدامة حياة المجتمعات.
فغلاء المهور مشكلة اجتماعية اقتصادية متداخلة، سببتها عوامل مثل:
ثقافة المجتمع الباحث عن سبل التفاخر المبني على مقارنات غير مقبولة في هذا الإطار، فالوالدان لا يريدان لمهر ابنتهما أن يكون أقل من مهر بنات الحي أو بنات العمومة أو العائلة مهما كانت ممتدة، واختلفت ثقافات أسرها النووية، وهو ما يرفع مؤشر المهور إلى درجات عالية تفوق قدرة الشباب المقبل على الحياة بأمل وتفاؤل سرعان ما يتلاشى وهو يصطدم بمعوقات اقتصادية مثل محدودية الدخل وجنونية ارتفاع المهور.
إضف إلى ذلك أسباب أخرى مثل
: توفير الأمان الاجتماعي للأنثى في بيت زوجها المبني على فكر سائد مفاده أن ارتفاع المهر يشكل عائقاً أمام الزوج الذي ينوي الطلاق، فينعكس هذا- كما يعتقد الأهل- على استقرار الأسرة التي لا تلبث أن تتعايش مع الأمر الواقع وتلغي فكرة الطلاق. غير أن الحقيقة هي أن فكرة الطلاق لا تلغى في كثير من الحالات ، بينما تؤجل تأجيلاً في حالات أخرى كثيرة.
غلاء المهور مشكلة لها تداعياتها على تشكيل الأسرة من جانب كواحد من معوقات بنائها، وعلى المجتمع بأسره من جانب آخر، كواحدة من عوامل الجريمة، عبر زيادة أرصدة الذاكرة المجتمعية من حالات الاغتصاب، كما أنها عامل ولو بشكل من الأشكال في زيادة نسبة الأمراض النفسية التي تتولد عن الشباب ذكوراً وإناثاً نتيجة عدم قدرتهم على مواجهة غائلة غلاء المهور مع تسارع عجلة قطار العمر. وهذه المشكلات تولد مشكلات أكبر وأمراضا أكثر، وتستمر الدائرة حتى تشكل خطراً محدقاً بالمجتمع برمّته.
كل هذه المشكلات تحتاج برنامجاً توعوياً متكاملاً تتناوله المؤسسة الدينية والإعلام والمدرسة والجامعة، وغيرها لبناء قناعات جديدة لدى الجيل، وأولياء الأمور، واعادة انتاج وعي أسري ومفاهيم جديدة حول الزواج وأهميته وأهدافه، تتولد لدى الأسرة والمجتمع، ولعل الإسلام تناول هذه القضية بحثّه المباشر على تخفيض المهور وربط البركة بقلة المهر. لأن غلاء المهور –في النهاية- أم المشكلات التي يعاني منها المجتمع عموماً والمجتمع الاردني خصوصاً.
وفي الختام
( هذا حالهم )
كان اشتراط فحص التلاسيميا متطلباً قبلياً لعقد الزواج شرطاً قاسياً ومتطلباً محفزاً للتذمّر، وأمراً ليس سهل التقبُّل، إلا أنه أصبح تقليداً أصيلاً وشرطاً أساسياً، ولهذا لا أظن أنه من المحظور التفكير في تحديد سقف معين للمهر في متناول طاقة الشياب، يجب أن يتوقف عنده، ويكون ملزماً للمحاكم الشرعية وللمتزوجين، تماماً كفحص التلاسيميا.
منقول عن الرأي
المفضلات