هذه هي الإيجابيـة هذه هي الإيجابيـة هذه هي الإيجابيـة هذه هي الإيجابيـة هذه هي الإيجابيـة
هذه هي الإيجابيـة هذه هي الإيجابيـة هذه هي الإيجابيـة هذه هي الإيجابيـة هذه هي الإيجابيـة
هذه هي الإيجابيـة هذه هي الإيجابيـة هذه هي الإيجابيـة هذه هي الإيجابيـة هذه هي الإيجابيـة
هذه هي الإيجابيـة هذه هي الإيجابيـة هذه هي الإيجابيـة هذه هي الإيجابيـة هذه هي الإيجابيـة
دخول مُعتركِ الحياة ، وملاطمةُ أمواج الواقع ، والانخراط في ميدان العمل، والسَّعي نحو تلبية متطلّبات عيشٍ كريمٍ مقبول ، ومحاولة تحقيق الذات نفسياً واجتماعياً ومهنياً ، والقدرة على التّطور في دنيا الأعمال ، التي أصبح يترتب عليك فيها (أن تركض بأقصى سرعةٍ ؛ لكي تستطيع أن تبقى واقفاً مكانك) ، والتمكّن من التكيف مع المصاعب والمشاكل والتحديات ، والتصدي لها ، والحد من آثارها ، كلُّ ذلك يجعلك تتفكّر بقيمٍ شديدة الأهمية والأثر ، باتت ضروريةً لكي يستطيع المرء مواجهة مُقتضيات الحاضر، وتوقّـعات المستقبل ، والتّفاعل مع التّغـيّر المستمر ، والقدرة على الحياة بسلام وفاعليّة وإنجاز وتطور .
لقد كان أهلونا ، كما كان معلمونا في المدرسة ، والناصحـون الواعظـون لنا مـن مختلف المرجعيات الثقافيــة والاجتماعية ، شديدي الاهتمام بنقل قيم معينة إلينا ، أهمها : الصِّدق والأمانـة والأدب والاحترام ، وربما الكرم والشجاعـــة والإقدام ، والتعاون والإيثار ، وبذل الجهد وسهر الليالي فـي طلب العُلا ...! وكل أولئك قيمٌ ساميةٌ جليلة ، بل مقدسة، لكنها غير كافية ، ولا أذكر - وأنا أتحدثُ هنا عن نحو أربعين عاماً خلتْ - أن أياً من هؤلاء أرشدنا يوماً إلى قيمة الإيجابية ، والمبادرة ، والسَّبق ، ومبدأ الفعل بدل ردّ الفعل ، والانطلاق من الذات، وعدم ترك الأمور لتأثير الآخر أو لتأثير البيئة ، والإيمان بأن تفاعلنا مع الظروف والأحداث هي التي تحدد سعادتنا وشقاءنا ، نجاحنا وخيبتنا ، وليست الظروف ذاتها . حتى بدأنا نقرأُ عن كل ذلك في الكتب المترجمة ، ثم نلمس أهميتها في دنيا الواقع والعمل والحياة، ونتحسّر على أننا لم نكن ندرك هذه المعاني ، ولم نتعلمها منذ الصغر .
ما هي الايجابية ؟
يفيد لفظ (الإيجاب) في أصل اللغة معنى التأكيد والثبوت ، وهو يقابل لفظ (السلب) الذي يعني النفي وعدم الثبوت ، أما تعبير (الإيجابي) فقد أصبح مستخدماً على نطاق واسع ليحمل عدة معانٍ ، لا تخلو من صلة تربط فيما بينها ، فقد نَصِفُ عملاً أو نتيجة أو إجراءً أو موقفاً بأنه إيجابي ، ونقصـد بذلك أنه حسن ، أو نافع ، أو خيّرٌ ، أو محقق للهدف ، أو مُحدِثٌ للأثر الجيد ، أو متسم بالسبق والمبادرة ، أو ما إلى ذلك . أما حين ننعت عملاً أو نتيجة أو فعلاً بأنه سلبي فيغلب أن نشير إلى أن فيه شرّاً ، أو أنه يخالف الهدف المأمول أو المتوقع ، أو أن فيه نوعاً من التخاذل أو العجز . كما يمكن أن يستخدم لفظ (الايجابي) للتمييز بين ضدين ، بحيث يوصف أحدهما بالايجابية إذا كان أقرب للخير أو الفضيلة أو النفع أو تحقيق الأهداف والتطلعات ، كأن يقال إن التقدم ايجابي والتخلف سلبي ، أو الحب إيجابي والكره سلبي، وهكذا بالنسبة لمئات الأضداد التي تزخر بها الحياة في مجال المعاني والقيم .
أما سِمَةُ (الايجابية) ذاتها كمفهوم وقيمة ، فإن تعريفها يبدو عسيراً لتعدد وتداخل جوانبها ، لكني أجتهد بالقول : إن الايجابية بهذه الصفة تشير إلى سلوك يتمثل في الفعل بدلاً من الإحجام ، والسعي للإنجاز بدل العجز والتقاعس ، والمبادرة بدل الانتظار ، والانطلاق من الذات بدل التلقّي وردِّ الفعل ، ومحاولـة التغيير بدل الاستسلام والتذمر ، وتحمل المسؤولية بدل إلقاء اللوم على الآخر أو على الظروف ، والتركيز على الحلول بدل الدوران حول المشاكل . ولا يكون ذلك كله إلا انطلاقاً من تفكير أساسه اقتناع الشخص بقدرته على تحقيق الهدف ، وعواطف أساسها التفاؤل بالوصول لذلك الهدف ، وفقاً لما سوف نبين عند الحديث عن الأفكار والعواطف الإيجابية .
مجالات الإيجابية وصورها وتجلياتها
الحقيقة أني لم أجدْ تعبيراً أروعَ وأكثرَ بلاغةً وإيجازاً في تصوير الايجابية من عبارة (كونفوشيوس) التي أطلقها قبل نحو ألفين وخمسمائة عام ، حين قال : (( أن تضيءَ شمعةً خيرٌ ألف مرة من أن تقضي العمر وأنت تلعن الظلام )) فهذه العبارة الموجزة تعبر عن الايجابية في أهمُّ صورها وتجلّياتها ، وهي أن تُبادر إلى (فعلٍ) بهدف الحصول على (نتيجة) ، حيث من السَّهل أن تشتُم وتلعن ، ومن السهل أن تنتقد وتشير إلى العيوب ، ومن السهل أن تتذمر وتشكو ، لكن كل ذلك لا يأتي بأثر عملي واقعي ملموس ، والأثر الواقعي الملموس ، كإضاءة الشمعة ، هو الأهم دائماً في حياتنا ، والأجدى من الاستمرار في ذمِّ الظلمة .
كما ينبغي ـ وفقاً لمفهوم الإيجابية ـ أَلاّ تكون أعمالنا وتصرّفاتنا وأقوالنا ومواقفنا مجرّد ردود أفعال لما يأتيه الآخرون من حولنا ، أو مجرد انعكاسٍ للظروف وتأثير البيئة ، فما يجب أن نقوم به هو الفعل ذاته، الموجَّه نحو إحداث نتيجة ، والمُنطلق من وجداننا ، وأفكارنا ، وقيمنا ، وأهدافنا ، وبرامج أعمالنا ، وليس من إملاءات الآخرين وإيحاءاتهم ، أو كردِّ فعل لمواقفهم وتصرفاتهم .
ومن المجالات التي تتجلى فيها الإيجابية كذلك ، اقتناع المرء بأن سعادته وشقاءه ، لا تُستمدُّ من الظروف المحيطة ، ولا من الأحداث والوقائع ، حيث أنّ نظرته إلى المحيط والبيئة وتفاعله معها ، هي التي تسبب التُعسَ أو الهناءة ، فالمشكلة ليست كامنةً في الظرف أو في الواقعة ، وإنّما نظرتنا الى تلك المشكلة وتفكيرنا فيها هي المشكلة بحد ذاتها . وهذا ما يقتضي الإنسان أن ينظر إلى الأشياء والأحداث بحجمها الحقيقي ، دون تضخيم ، وأن ينظر إلى المآسي والمُلمّات على أنها جزء طبيعي من الحياة ، ثم أن يتطلّع إلى الأمور بتفاؤل وأمل في أن تصير إلى الأحسن ، وتنقلب من عُسرٍ الى يُسر .
ومما تستدعيه الإيجابية كذلك التركيز على الحلول أكثرَ من التركيز على المشاكل ، والاعتقاد بوجود البدائل دائماً ، والاقتناع بإمكانية التغيير والتطوير باستمرار ، فلو لم تكن مثل هـذه القناعات تملأ نفوس مـن قادوا وأبدعوا وابتكروا وغيّروا وطوّروا ، أي لو لم تكن هذه العقيدة الايجابيّةُ راسخةً في وجدانهم ، وموجِّـهة لتفكيرهم وسلوكهم ، لكانت البشرية ما تزال على حالها البدائي دون تقدم .
وكل مجالات وتجليات الإيجابية السابق ذكرها تدفع إلى المبادرة ، والسَّبق ، والإحساس بأنَّ المرء ذاته هو المسؤول عن واقعه وأعماله ونتائجها ، وتدفع الى البحث عن الإنجاز ، والإبداع ، والتفوق، والتّـميّز ، والسّعي دائماً لإحداث أثرٍ مفيد ، بدل أن نقضي العمر في تنفيذ الأوامر ، والرضوخ للظروف البيئية الطبيعية والاجتماعية ، والانصياع لأثر الأحداث الخارجية ، وردود الأفعال ، والانتقاد ، والتغنّي بالأمجاد التليدة ، وتقليب الدفاتر القديمة ، وتحميل الآخر مسؤولية تخلُّفنا أو إخفاقنا ، والشكوى ، ولعن الظلام مع الإحجام عن إضاءة شمعة .
علم النفس الإيجابي
منطلق الايجابية كسلوك وفعل وممارسة هو التفكير الايجابي والعواطف الايجابية ، وأعتقد أن الاهتمام بدراسة هذين الجانبين قد تزايد في السنوات الأخيرة في ضوء ظهور اتجاه جديد في علم النفس قبل نحو عشر سنين ، سمي بعلم النفس الإيجابي ، وتبلور على يد أستاذ علم النفس في جامعة بنسلفانيا ورئيس جمعية علم النفس الامريكية في ذلك الحين « الدكتور مارتن سليجمان « ، الذي انتقد علم النفس باهتماماته وتوجهاته الحالية ؛ لكونها تركز على مواطن الضعف في نفس الإنسان ، وعلى الأمراض النفسية ، والاختلالات ومشكلات الشخصية ، ودعا إلى توجيه الانتباه والاهتمام والدراسة إلى مواطن القوة في الشخصية ، والعمل على تعظيمها وتحسينها وتعزيزها ، وبالتالي التركيز على فكرة الفرد القادر على الإنجاز وتحقيق الذات ، والمجتمع القادر على الارتقاء والتقدم .
وقد دعا هذا العالم النفساني من خلال ما تقدّم إلى فكرة التمكين وبناء القوة ، والتركيز على أفضل ما لدى الإنسان ، وأكد أن الوقاية من المشكلات النفسية يكون أجدى من خلال فهم جوانب القوة الموجودة فـي نفس الإنسان وتحسينها وتعزيزها ، والتي تشكل نوعاً من المناعة النفسية والحصانة ضد المرض النفسي ، كما أكد إمكانية العلاج من خلال التركيز على عناصر القوة لدى المرضى وتعظيمها ، ومن تلك العناصر مثلاً : التفاؤل ، والواقعية ، والإنفتاح على المستقبل ، ومهارات إقامة العلاقات ، ووضــوح الأهداف ، وتبني معنى ايجابي للحياة ، وما إلى ذلك .
التفكير الإيجابي
إن أهمية التفكير الإيجابي وأثره ينطلقان من حقيقة ثابتة ، وهي أن للأفكار دوراً مهماً في تحديد الحالة المزاجية والانفعالية والمعنوية للشخص ، فإذا كانت الفكرة إيجابية كان ذلك أدعى ـ إلى حد كبير ـ لأن يكون الوضع النفسي للفرد أفضل ، ويكون سلوكه أنجح وأفعل . وهناك عدد من العناصر التي يقوم عليها التفكير الايجابي : أولها أن تظل نظرة الشخص لذاته إيجابية حتى لو كانت الظروف المحيطة به سلبية . والعنصر الثاني هو إدراك الشخص ومعرفته بإمكاناته ، واعتقاده باستمرار بأنه قادر على تحقيق الهدف ، حيث أن هذا الاعتقاد يعتبر من أهم أسباب النجاح في الوصول إلى الأهداف ، والعنصر الثالث يتمثل في تفتح الذهن ومرونة التفكير والخروج من نطاق القيود التي تحدُّ منه ، والاعتقاد بتعدد البدائل المتاحة لحلِّ المشاكل ، ووجود حلول غير تلك الحلول التقليدية الجاهزة والسهلة ، والإيمان دائماً بإمكانية التغيير .
ومن العناصر المهمة في التفكير الايجابي كذلك التفسير المتفائل للأحداث والوقائع ، على أن التفاؤل ضمن مفهوم التفكير الايجابي لا يعني الأمل السلبي القائم على مجرد انتظار الفرج ، أو الاعتقاد بأن الأمور ستكون أفضل من تلقاء ذاتها ، وإنما يعني اقتناع الشخص بقدرته على إيجاد البدائل وإعادة السعي والمثابرة ، وإحداث التغيير في النتائج ، والوصول إلى الأهداف ، فالتفكير الايجابي لا يغفل الواقع وما فيه من سلبيات ، لكنه يحاول تعظيم الايجابيات في أي حالة أو واقعة أو حدث .
العواطف الإيجابية
العواطف الايجابية ، كالحب والفرح والسعادة ، والتسامح والحماس للعمل والأمل ، والولاء والإقدام والرغبة في الإنجاز ، والاندفاع نحـو التغيير للأفضل وسواها ، تُسهم بشكل كبير في إضفاء معنى على الحياة ، وتحقيق الذات ، والنماء ، والإثـــراء المعنوي . ومن الحقائق المهمة التي يذكرها علماء النفس في هذا المجال : إن الحدَّ من العواطف السلبية لا يؤدي بالضرورة إلى نشوء العواطف الايجابية أو تنشيطها ، لأن لكلٍ من هذين النوعين من العواطف نظاماً مستقلاً خاصاً به في النفس الإنسانية ، فالعواطف الايجابية من مكونات نظام المواجهة والمبادرة ، بينما العواطف السلبية من مكونات نظام الهروب والتجنّب والانسحاب ، وهذا يعزز القول بأن مجرد معالجة العواطف السلبية لا يكفي ، فلا بد دائماً من تقوية العواطف الايجابية ، علماً بأن هذه العواطف تتأكد وتتعزز وتقوى من خلال الممارسة ، أكثر مما تتعزز مـن خلال مجرد التفكير ، كما أن السعي نحو هدف محدد يطلق العواطف الايجابية ويقويها .
المفضلات