ثقة الإنسان بنفسه , وقيامه بما أنيط به , ومَعْرِفَتُهُ إمكاناتِه التي وهبه اللهُ إياها , ومواجهتُه الجمهورَ بالحديث دون تلعثم أو تردد _ كل ذلك مظهر من مظاهر الثقة , ورباطة الجأش التي ترفع منزلة صاحبها.
ولكنَّ هذه الثقةَ قد تكون غروراً وتيهاً , وتعالياً , ورؤية للنفس , واحتقاراً للآخرين , وتخطياً للمقامات , فتؤول تلك الصفة إلى ذم , ونقص, وسقوط من الأعين .
وبين الثقة بالنفس , والغرور شعرةٌ , والتفريقُ بينهما يحتاج إلى صفاءِ فِطْرة , وتقلُّب في الأحوال , ونظر في سير أعاظم الرجال .
فالعاقل الحكيم هو الذي يَقْدُرُ نفسه قَدْرها , فيضعها موضعها اللائق بها , ولا يزدري ما آتاه الله من مواهب؛ فينزلها أسفل من منزلتها.
فالثقة بالنفس ، أو ما يسمّى أحياناً بالاعتدادَ بالنفس تتأتّى من عوامل عدّة ، أهمّها :
تكرار النجاح ، والقدرة على تجاوز الصعوبات والمواقف المحرجة ، والحكمة في التعامل ، وتوطين النفس على تقبّل النتائج مهما كانت ، وهذا شيءإيجابي .
أمّا الغرور فشعور بالعظمة وتوهّم الكمال ، أي أنّ الفرق بين الثقة بالنفس وبين الغرور هو أنّ الأولى تقدير للامكانات المتوافرة ، أمّا الغرور ففقدان أو إساءة لهذا التقدير .
وقد تزداد الثقة بالنفس للدرجة التي يرى صاحبها ـ في نفسه ـ القدرة على كلّ شيء ، فتنقلب إلى غرور ويقال بأن مابين الثقة بالنفس والغرور .. شعره !!
وكلما ازدادت ثقة الإنسان بنفسه كلما اشتدت تلك الشعرة واقتربت من الانقطاع !!
ولا شك أن الثقة بالنفس تعتبر من العوامل الهامة التي تساعد على استقرار ورقي حياه الإنسان وتطورها .
وكلما ازدادت ثقة الإنسان بنفسه .. كلما أصبح أكثر قدره على مواجهة مصاعب الحياة ومتطلباتها وهمومها .
ولكن إذا ما تجاوزت الثقة بالنفس الحد المطلوب والمعقول فإنها بذلك تصبح وبالا وخطرا على صاحبها !! لأنها في هذه الحالة ستتحول إلى غرور .. ولا يخفى عليكم مدى خطورة الغرور على الإنسان والمساوئ التي قد تنجم عنه !!
فالثقة بالنفس هي كلمة السر للنجاح في الحياة .وكم من طاقات أهدرت ، ومواهب وأدت ، وأفكار تبخرت ، لعدم ثقة أصحابها بما يملكون ، وعدم تقديرهم للنعمة التي حباهم الله سبحانه وتعالى إياها ..
والمتتبع لحياة العظماء من البشر سيرى جليا كيف أن ثقتهم بأنفسهم كانت هي البوابة التي عبروها كي يخطو أسمائهم في سجل المجد .. ودفاتر التاريخ .
والثقة بالنفس تُكتسب وتتطور ولا تولد مع المرء منا ، إنظر حولك ودقق النظر إلى هولاء الواثقين من أنفسهم وتأكد مليا أنهم قد اكتسبوا هذه الثقة ..
هذه الطاقة من الثبات والقوة اكتسبوها بأيديهم اكتسابا .
وكثيراً ما سمعنا من أدباء ومختصين عن كيفية اكتساب الثقة بالنفس و الاخرين ولكن سبحانه وتعالى وكتابه العزيز القرآن الكريم وسيرة رسول الله , صلى الله عليه وسلم , هي النبراس الاوحد لهذا الامر .
والمسلم إنسان يثق دائما بنفسه , وهو يستمد ذلك من ثقته بربه وخالقه , فهو لا يهتز أمام العواصف والأعاصير , والمسلم الواثق بنفسه يتصف بصفات كثيرة منها :
يمارس فريضة التفكير : خلق الله تعالى الإنسان وزوده بنعمة العقل والتفكير ، وحثه على زيادة النظر في الكون ، فهذا مفتاح من مفاتيح الإيمان والهداية ، وصفة من صفات أولى الألباب قال تعالى
{ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } سورة آل عمران آية : 191 .
ولقد كان الرسول - صلى الله عليه وسلم- أكثر الناس تفكيراً وتأملاً فيما خلق الله تعالى ، وفى سير الماضين وهو الذي قال : ( لا عبادة كالتفكر ) وقال : ( إذا أراد الله بعبد خيراً جعل له واعظا من نفسه يأمره وينهاه ) رواه الديلمي في مسنده : كشف الخفاء ، جـ1 ، صـ81 . .
والإنسان العاقل وهو يمارس دوره في هذه الحياة لابد له من ممارسة التفكير ؛ وذلك حتى يكون قادراً على فهم دوره ، وإحسان ما يقوم به من عمل فتحسين التفكير كتحسين العمل والتصرف كتحسين كل هذه التطلعات والمطامع لا تتحقق ولا يبلغها المرء إلا بشئ واحد ووسيلة واحدة هي السيطرة على النفس .
والواثق من نفسه دائماً يعمل عقله فيما بين يديه ، ويمارس التفكير الصائب الواعي .
المفضلات