يمكن للذين يسلكون طرقاً ملتوية أن يخدعوا أنفسهم، معتقدين أنهم أذكى مما هم عليه. لكن هؤلاء بالطبع سيواجهون مشاكل أكبر في المستقبل، حسبما يقول توم ستافورد، المحاضر في علم النفس بجامعة شيفيلد البريطانية.
لعل الصدق والأمانة هما أفضل نهج، وإن كان للكذب مزاياه، حتى عندما نخدع أنفسنا. فقد أظهرت دراسات عديدة أن المبدعين في فن خداع النفس قد يكونون أكثر نجاحاً في مجالات الرياضة، والتجارة، والأعمال. وربما يكونون أسعد ممن لا يغشّون أنفسهم دوماً، ولكن هل توجد عواقب لتصديق ما نختلق من أكاذيب؟
اختبرت دراسة بارعة أجرتها الباحثة «زوي تشانس» من جامعة «ييل» تلك الفكرة، وذلك عن طريق ملاحظة ما يجري عندما يغش الناس في الاختبارات أو الامتحانات.
أجرت «تشانس» وزملاؤها تجارب شملت توجيه أسئلة لطلبة لقياس مستوى الذكاء والمعلومات العامة. أعطي نصف المشاركين نسخاً من ورقة الامتحان التي احتوت أيضا على قائمة بالأجوبة الصحيحة طبعت في أسفل الصفحة، ليبدو الأمر وكأنها طبعت بالخطأ. كان القصد من ذلك أن يقاوم الطلاب إغراء التحقق من أجوبتهم، أو تصويبها، عند مقارنتها بالأجوبة الصحيحة.
طرق ملتوية لا تُقاوَم
كما هو متوقع، لم يقدر بعض المشاركين على منع أنفسهم من الغش. وإجمالا، أجاد الطلبة من الفئة التي اطلعت على الأجوبة الصحيحة في أداء ذلك الامتحان، وحققوا نتائج أفضل من غيرهم ممن لم يطعلوا عليها – علماً بأن الفئتين المشاركتين اختيرتا عشوائياً من بين طلبة نفس الجامعة، وبالتالي كان متوسط أدائهم وقدراتهم متشابهاً.
لكننا لا نعرف بالضبط من الذي غشّ من بينهم – ويُحتمل أن بعضهم حصل على درجات عالية حتى من دون إطلاع على الأجوبة- ولكن ذلك يعني أن متوسط الأداء في تلك الفئة كان يعود جزئياً إلى ذكاء الأشخاص، وجزئياً إلى اطلاعهم على الأجوبة.
الأمر الحاسم في الدراسة التي قامت بها «تشانس» هو التالي: هل كان أفراد فئة «الغشاشين» يدركون أنهم اعتمدوا على الأجوبة المتوفرة أمامهم؟ أم أنهم عزوا نجاحهم في الامتحان لذكائهم فحسب؟
لاختبار ذلك، اعتمد الباحثون على أسلوب توجيه أسئلة مباشرة لهؤلاء الطلبة لقياس توقعاتهم لنتائجهم في امتحان لاحق. وقد أتيحت لهم فرصة لإلقاء نظرة خاطفة على ورقة أسئلة الامتحان التالي ليروا أنها تحوي نفس أنواع الأسئلة السابقة– والأهم من ذلك، لم تُطبع فيها أية أجوبة في أسفل الصفحة في هذه المرة.
ومنطقياً، رأى الباحثون أنه لو أدرك الطلبة الغشاشون أنه لا مجال للغشّ في المرة الثانية، فإنه كان يتوجب عليهم أن يتوقعوا أداء ودرجات أقل في الامتحان الثاني.
لكنهم لم يفعلوا، فقد انتصر عليهم خداعهم لأنفسهم. وتوقع الطلاب الذين اطلعوا على أجوبة الامتحان الأول بأنهم سيحصلون على درجات أعلى في الامتحان التالي – ما يعادل منحهم 10 نقاط أكثر في الذكاء، أو ما شابه ذلك. وعند اختبارهم في الامتحان الثاني حصلوا بالطبع على درجات أقل بكثير.
أجرى الباحثون اختباراً آخر ليتأكدوا من أن التأثير ناجمٌ حقاً من إيمان الغشاشين المُبالغ فيه بقدراتهم الذاتية. في هذا الاختبار، عُرضت على الطلبة مكافأة نقدية إذا ما تنبأوا بدقة بدرجاتهم في الاختبار التالي. وبالتأكيد، ما كان من أولئك الذين أتيحت لهم فرصة الغش سابقاً إلا أن بالغوا أيضا في التنبؤ بقدراتهم، فخسروا أيضا. وقُدِّرت خسارتهم بنسبة 20 في المئة أقل مقارنة بغيرهم من الطلبة.
نستدل من ذلك أن المشاركين في اختبار «تشانس» – وهم أشخاص من أمثالي وأمثالك- قد خدعوا أنفسهم معتقدين بأنهم أذكى مما هم عليه. لعل هناك منافع من القيام بذلك – مثل الثقة في النفس، أو كسب ثقة الآخرين بسهولة أكثر- لكن من المؤكد أن هناك مساويء أيضاً. كلما تغيّرت الظروف واحتجت أن تتكهن بدقة أدائك وقدراتك، فسيكلفك ذلك الكثير لو اعتقدت أنك أفضل وأذكى مما أنت عليه.
إن خداع النفس له ثمنه، وله تبعات مثيرة أيضا. ومن الناحية الأخلاقية، يعتبر أغلبنا أن خداع النفس هو أمر سيء. ولكن، لندع جانباً مسألة ما إذا كان خداع النفس أمراً غير مستحب. علينا أن نتوقع وجود ذلك فينا جميعاً، بدرجة أو بأخرى (بسبب منافعها)، ولكن علينا أيضاً أن نعلم أنها يجب أن تكون محدودة (بسبب ما لها من مساوئ).
إن خداع النفس ليس أمراً أفضل على الدوام، وخاصة إذا كان بجرعات كبيرة، وينبغي أن يوجد منها قدرٌ معين بحيث تزيد منافعها على مساوئها في معظم الأوقات. من المحتمل أننا نخدع أنفسنا جميعاً إلى حد ما. وتكمن السخرية في أننا لا نعرف كم مرة نخدع أنفسنا، لأن الأمر ببساطة يتعلق بخداع النفس.
المفضلات