الحرب في الاسلام استثناء لان السلام هو الاصل ، وهي حرب حماية ووقاية ، وقد تكون ضرورة اجتماعية وانسانية لكنها ليست غاية في حدّ ذاتها ، وانما ضرورة اذا استعصى الخصم ولم تنفع معه كل دعوات السلام والحوار ، او اذا أشهر الظلم والعدوان ، وعندها تكون فريضة واجبة لرد العدوان والاعتداء ، ولكنها حرب نظيفة ، لا يوجد فيها افراط في استخدام القوة ، ولا الغاء لشرف الخصومة ، ولا تجاهل للعدل في المعاملة ، ولا للانسانية في القتال وفيما بعد القتال ، ولا خضوع لغرائز الغضب ونوازع الحقد والقسوة والانتقام ، حرب رقيقة تحدد اهدافها سلفاً ، وتخضع لشروط حازمة على قاعدة الاخلاق العظيمة التي جاء بها الاسلام ، وتستهدف المحاربين فقط ، ولا تتحول الى وسيلة للقهر والابادة.
على مدى خمسة الاف سنة شهد العالم اكثر من (15) الف حرب تسببت في موت اكثر من (25) مليار شخص ، وعلى مدى الـ (3400) سنة الاخيرة من حياة البشرية لم ينعم الانسان الا بـ (250) سنة سلام فقط ، اما في القرن العشرين فقد شهد العالم نحو (260) نزاعاً مسلحاً بلغ عدد ضحاياه اكثر من (170) مليون انسان ، اما ضحايا الحروب الدينية في اوروبا بين الكاثوليك والبروتستانت فقد بلغت نحو (10) ملايين انسان يشكلون ما نسبته %40 من شعوب وسط اوروبا ، وفي الحرب العالمية الاولى سقط نحو (8) ملايين عسكري فيما سقط في الحرب العالمية الثانية نحو (60) مليون انسان.
هذه مجرد ارقام عابرة ، تعيدها الى ذاكرتنا الحرب التي تشتعل اليوم في بعض اقطارنا الاسلامية تحت اي عنوان ، لكنها في الحقيقة تصوّر مدى الوحشية التي انتهت اليها الحروب حين تتخلى عن ضوابطها واخلاقياتها ، ولنا ان نتصور - ونحن نتحدث عن اخلاقيات الحرب في الاسلام - ان مجموع ضحايا الغزوات التي حدثت في عهد الدولة النبوية 20( غزوة وسرية) في تسع سنوات لم يتجاوز (386) انساناً من الفريقين: (203) من المشركين و(183) من المسلمين.
يقول احد المفكرين: لو لم يكن من مظاهر العدل في الاسلام الا قوانينه الحربية لكان في ذلك ما يقنع المنصفين على اعتناقه ، وفي كتب السير والجهاد نطالع أرقى ما يمكن للعقل الانساني ان يتصوره من تشريعات تحكم الحرب ، وتحدد اهدافها ، وتحارب المتجاوزين على اخطائهم ، وتمنع الاساءة عن المدنيين ولعل ما قاله ابو بكر الصديق لقائد جيشه وهو يوصيه بتلك القيم نختصر بعضاً منها ، يقول لا تخونوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا طفلاً صغيراً ولا شيخاً كبيراً ولا امرأة ولا تقعوا نخلاً ولا تحروقه ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً الا لمأكله ، وسوف تمرون على قوم فرّغوا انفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا انفسهم له.. ويتجاوز الامر ذلك الى نماذج حقيقية رسخها المسلمون في فتوحاتهم ، حيث خرج احد قادتهم من ارض استولى عليها بأمر من الخليفة عمر بن عبدالعزيز بعد ان ثبت ان القائد لم يبلغ اهل تلك المدينة بالحرب عليهم ، كما حاسب الخليفة عمر بن الخطاب قائده خالد بن الوليد على رهق: اي كثرة قتله سيفه ، زد على ذلك ما رتبه الاسلام من حقوق للاسرى ومن حماية للمدنيين وقت النزاع ، ومن تأكيد على عدم الخيانة والغدر.. الخ.
مشهد الحروب القذرة في عالمنا اليوم ، وما تلحقه من اضرار على البشرية ، مقابل عدم قدرة القوانين الدولية على محاسبة مجرمي الحرب - وما اكثرهم - تجعلنا مدعوين لتقديم نموذجنا الاسلامية ورؤيتنا للحروب: اهدافها وضوابطها واخلاقياتها وهي رؤية لم تصل اليها البشرية - رغم ما شهدته من تقدم وحضارة - حتى اليوم.. فمن يتطوع من علمائنا لاصدار قانون اسلامي شامل ، يناقش نظرية الحرب ويضع ما شرعه الاسلام في هذا المجال من قوانين حازمة تتناسب مع عظمته وفاعليته وحاجة الانسانية اليه ايضا.. من؟،
التاريخ : 29-03-2013
المفضلات