الإسلام واحد في كل البلدان. لكن الطريقة التي تحتفل فيها الدول العربية بشهر رمضان المبارك تختلف باختلاف العادات والثقافات والمأكولات بين مختلف المناطق العربية، من دون أن يؤثر ذلك على عالمية تعاليم الشهر الأقدس.
يميل الكثيرون في المغرب العربي إلى الصوم قبل بدء شهر رمضان، لتهيئة أنفسهم بدنياً وذهنياً وروحياً لممارسة طقوس هذا الشهر على أكمل وجه. وما أن يبدأ رمضان حتى تتغير وتيرة الحياة تغيّراً ملحوظاً، فتتباطأ أنشطة الأعمال اليومية، ما يعني شوارع هادئة شبه مهجورة خلال النهار، يتبعه صخب المتسوقين قبل الإفطار، ومن ثم الطقوس الاحتفالية بعده. ومع حلول منتصف الليل تشهد الشوارع ازدحاماً أكثر من أي وقت آخر. (تعرف على حيوانات تصوم)
يتبادل المغاربة التهاني بشهر رمضان بعبارة "عواشر مبروكة"، حيث ينقسم الشهر إلى ثلاث عشرات: الأيام العشرة الأولى هي "الرحمة"، والثانية هي "المغفرة"، والثالثة هي "العتق من النار". ويسارعون عادةً إلى ملئ منازلهم بالزهور وإلى حرق البخور في المساء، استعداداً لزيارات الأقارب والأصدقاء. فيما تقضي ربّات البيوت ساعات أطول في التحضير لأشهى وجبات رمضان المتوقعة للإفطار. والتي لا بدّ أن تشمل على حساء "الشربة المغربية" أو "الحريرة"، والتي تعدّ واحدة من مقبلات الإفطار الكلاسيكية في المغرب، وتتكون من العدس والطماطم تُقدّم في آنية تقليدية تسمّى "الزلايف"، بالإضافة إلى البيض المسلوق، والتمر، والحليب والعصائر الطازجة، فضلاً عن حلوى "الشباكية" المصنوعة من الكعك والسمسم و"البغرير" المصنوعة من العجين، والتي تدهن بالعسل الأصيل وبالزبدة. (اضحك مع يوميات هو وهي في رمضان)
وإذا كانت العائلة ميسورة الحال، فقد تتسع مائدة الإفطار لتصبح وليمة كبرى تتضمن حتماً "البطبوط"، وهو عبارة عن رغيف صغير محشوّ باللحم المفروم، أو بالكبدة، أو التونة والزيتون؛ كما تزخر بأصناف الحلوى من "سليلو" (وهي تصنع من طحين وسمسم محمص، قرفة وينسون، سكر، لوز، زبدة، تصب في قالب على شكل هرم، وتزين بالسكر واللوز)، و"السفوف" (سميد، طحين، سكر، حليب، ينسون، زبدة، كركم، صنوبر، تخبز في صنبة بالفرن)، و"الملوزة" (لوز، قشر الليمون، سكر، بيض، زبدة، تعجن وتشكل في كرات، ثم تخبز في الفرن، تشبه الغريبة التي يعرفها معظمنا)، و"الكعب" (حلوى الكوك والحليب الحلو المركز والسكر، تعجن وتخلط باللوز، تشكل على شكل هلالات، وتخبز في الفرن)، و"حلوة التمر" (أصابع من الطحين والزبدة مشحوة بالتمر المطبوخ على البخار ممع القرفة والقرنفل، تخبز في الفرن). لتكون النتيجة مائدة عامرة شهية بعد يوم صوم طويل. (شاهد الصور: رمضان حول العالم)
لا يطلب الإسلام من الأطفال صيام شهر رمضان، لكن ما أن يقترب الفتى أو الفتاة من سنّ البلوغ ويجرّب ممارسة هذه العبادة، حتى يكون نجاح المحاولة مدعاة لاحتفال مميز لدى معظم العائلات المغربية، يخصص له في العادة يوم السادس والعشرين من رمضان. تحظى الفتيات بشكل خاص بحفل خاص على مائدة إفطارهن؛ فيجلسن حول الطاولة وهنّ يرتدين أبهى ملابسهن التقليدية، ويقدّم إليهنّ مشروب خاص يتضمن بيضاً مخفوقاً طازجاً، فيما تنقش أياديهنّ بالحناء. (رمضانك أحلى مع ياهو مكتوب)
وثمة سمة مميزة للإفطار المغربي لا بدّ من ذكرها، ألا وهي "آتاي" (بالعامية المغربية)، وهو الشاي المغربي الأخضر بنكهة النعناع الطازج. فقد بات تناول هذا الشاي ثقافة قائمة بذاتها، وأحد أكثر الطقوس المحتفى بها في العالم الإسلامي، حيث يتولى رأس الأسرة بالعادة إعداد هذا الشراب بنفسه، ليقدّمه لضيوفه بكل فخر وأناقة، وبأبهى أسلوب يظهر مدى احترامه لهم.
وإذا كانت بعض المصادر تشير إلى أن الشاي دخل إلى المغرب للمرة الاولى خلال القرن الثامن عشر، في عهد السلطان المولى اسماعيل، الذي تلقاه هدية من الأوروبيين، فإنه اكتسب شعبية كبيرة، أصبح بعدها الشراب الوطني المفضّل، يتفنّنون في تنويعاته، فلا يكتفون بإضافة النعناع فحسب، بل يضيفون "تخليطة" أعشاب طبيعية، منها "الفليو"، و"المرددوش"، و"السالمية"، و"الحبق". وفي شهر رمضان المبارك، يكرّس الشاي المغربي مكانته كل عام، نظراً لفوائده بالنسبة للجهاز الهضمي ومزاياه الصحية الأخرى.
كما يتميز شهر رمضان بولائم الإفطار الكبرى التي تنظمها الجمعيات الخيرية وتدعمها الحكومة، والتي تستضيف الفقراء والمحتاجين والأقل حظاً من أفراد المجتمع.
وفي رمضان المغرب دائماً سحر خاص: إيقاعات أندلسية، وأنغام صوفية عذبة، وإنشاد روحي مفعم بالزهد والإيمان، تتسرب من الزوايا الصوفية، لتملأ الأجواء، وتربّي الأرواح وتزكّي النفوس وتطهّر القلوب بالذكر، وبالصلاة على الرسول المصطفى.
المفضلات