وللنصيحة آداب وشروط منها :
1- أن تكون خالصة لوجه الله وهدفها إرضاء الله و حده .
الناصح لا بد أن يكون مخلصا لله تعالى في النصح بحيث لا يكون قصده الرياء ولا السمعة ولا لتحقيق غرض دنيوي
ولا لإظهار تميز الناصح.
فالنصيحة ثقيلة على القلوب ولن تتقبلها إلا إذا خرجت من قلب طاهر نقي , لأن ما خرج من القلب يدخل مباشرة إلى القلب , والله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا له وحده .
قال حماد بن سلمة إن صلة بن أشيم مر عليه رجل قد أسبل إزاره فهم أصحابه أن يأخذوه بشدة فقال دعوني أنا أكفيكم
فقال يا ابن أخي إن لي إليك حاجة قال وما حاجتك يا عم قال أحب أن ترفع من إزارك فقال نعم وكرامة فرفع إزاره
فقال لأصحابه لو أخذتموه بشدة لقال لا ولا كرامة وشتمكم . الأحياء 2/335 .
مر أبو الدرداء رضي الله عنه يوما على رجل قد أصاب ذنبا ، والناس يسبونه ،فنهاهم وقال :
( أرأيتم لو وجدتموه في حفرة ألم تكونوا مخرجيه منها..؟ قالوا : بلى قال رضي الله عنه : فلا تسبوه إذا ، وحمدوا الله الذي عافاكم قالوا : أنبغضه ..؟
قال رضي الله عنه : إنما أبغضوا عمله ، فإذا تركه فهو أخي\" مصنف عبد الرزاق 11/180 والزهد لأبي داود 1/248 وشعب الإيمان للبيهقي 5/290.
2- لا تنصح بناء على شبهة أو ظن لم يتثبت منه .
السلم يحسن الظن بإخوانه, ولا يأخذهم بالشبهة , قال تعالى :
\"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ\" الحجرات6 ,
ولا يشتعل بعيوبهم عن عيبه قال تعالى :
\" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ \" الحجرات : 12 .
يقول ابن كثير :
\" يقول تعالى ناهيا عباده المؤمنين عن كثير من الظن، وهو التهمة وال تخون للأهل والأقارب والناس في غير محله؛
لأن بعض ذلك يكون إثما محضا، فليجتنب كثير منه احتياطا، وروينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أنه قال:
ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المسلم إلا خيرا، وأنت تجد لها في الخير محملا \" تفسير ابن كثير 7/377 , رواه أحمد في الزهد كما في الدر المنثور (7/565).
3- البعد عن الجريح أو التأنيب أو إيذاء المشاعر.
النصيحة ليس معناها التجريح أو الفضيحة، ولقد كان الرسول – صلي الله عليه و سلم- يفضل الأسلوب غير المباشر
في النصح فيقول : " ما بال أقوام يفعلون كذا و كذا
" فعن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
' مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي صَلَاتِهِمْ فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ ' رواه البخاري والنسائي وأبوداود وابن ماجه والدارمي وأحمد .
فالنصح أن تدلَّ الشخص على الخير ... وأن ترشده إلى الحق، كما كان عمر بن الخطاب يطلب إلى الناس أن
ينصحوه ويقول:
مرحبًا بالناصح أبد الدهر، مرحبًا بالناصح غدوًا وعشيًا . رواه الطبري في التاريخ (2/579). .
فالأولى الإسرار بالنصيحة وعدم التشهير والحرص على الستر، فالنصيحة أمام الناس توبيخ وتقريع لا يقبله الناس،
قال مسعر بن كدام رحمه الله: رحم الله من أهدى إليّ عيوبي في سر بيني وبينه، فإن النصيحة في الملأ تقريع ,
وكان عمر رضي الله عنه يقول على المنبر " رحم الله مَن أهدى إليَّ عيوبي"انظر: سنن الدارمي (1/166) .
وكان يقول لحذيفة بن اليمان الخبير بالمنافقين، والذي اختص بسرِّ المنافقين، وعرفه الرسول صلى الله عليه وسلم بهم،
كان عمر يقول له:
يا حذيفة! بالله عليك, أتجدني منهم ؟ فيقول له حذيفة: لا يا عمر، ولا أُزكي أحدًا بعدك"
رواه ابن أبي شيبة في المصنف كتاب الفتن (7/481).. أي لا يريد أن يفتح هذا الباب حتى لا يكشف الأسرار.
يُحكى أن الحسن والحسين مرَّا على شيخ يتوضأ ولا يحسن الوضوء. فاتفقا على أن ينصحا الرجل ويعلماه كيف يتوضأ، ووقفا بجواره، وقالا له: يا عم، انظر أَيُّنا حسن وضوءًا. ثم توضأ كل منهما فإذا بالرجل يرى أنهما يحسنان الوضوء، فعلم أنه هو الذي لا يحسنه، فشكرهما على ما قدماه له من نُصح دون تجريح.
قال الشافعي: مَن وعظ أخاه سرا فقد نصحه وزانه، ومن وعظه علانية فقد فضحه وخانه.
رواه أبو نعيم في الحلية (9/140). .
وأنشد الشافعي رحمه الله:
تعمدني بنصحكَ في انفرادي* * *وجنبني النصيحةَ في الجماعه
فإنَّ النصحَ بينَ الناسِ نوعٌ * * * منَ التوبيخِ لا أرضى استماعه
وإنْ خالفتني وعصيتَ قولي * * * فلا تجزعُ إذا لمْ تعطَ طاعه
قال أحد الدعاة : " لتكن نصيحتك لأخيك تلميحاً لا تصريحاً وتصحيحاً لا تجريحاً " .
4- اختيار الوقت والمكان المناسب .
على من ينصح أن يختار الوقت المناسب لإسداء النصيحة , فليس مقبولا أن ننصح إنسانا و هو في شدة غضبه ,
أو في ظروف لا تسمح له بالاستجابة , و تجعله يرفض النصيحة و يفعل عكسها .
وكذا اختيار المكان المناسب لأن " النصيحة علي الملا فضيحة " كما يقال .
عن أَبُي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ قال:
كُنْتُ أَضْرِبُ غُلامًا لِي بِالسَّوْطِ فَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ خَلْفِي:' اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ' فَلَمْ أَفْهَمِ الصَّوْتَ مِنَ الْغَضَبِ، فَلَمَّا دَنَا مِنِّي إِذَا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا هُوَ يَقُولُ:
' اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ ' فَأَلْقَيْتُ السَّوْطَ مِنْ يَدِي- وفي رواية: فَسَقَطَ مِنْ يَدِي السَّوْطُ مِنْ هَيْبَتِهِ-
فَقَالَ:' اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ أَنَّ اللَّهَ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذَا الْغُلامِ '
فَقُلْتُ لا أَضْرِبُ مَمْلُوكًا بَعْدَهُ أَبَدًا-
وفي رواية:فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ فَقَالَ:
' أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ أَوْ لَمَسَّتْكَ النَّارُ ' رواه مسلم والترمذي وأبوداود وأحمد .
فقد كان الظرف مناسباً ومرتبطا بالحدث فكان النصح أوقع وأنفع.
5- الحكمة والموعظة الحسنة واللين.
أمرنا الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة في الدعوة والنصح فقال تعالى:
{ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} النحل: 125.
وقال :
{خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} [الأعراف: 199]،
وقال تعالى:
{ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم}.[فصلت: 34].
روى البخاري في صحيحه، قالت: استأذن رهط من اليهود على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا (أي للنبي):
السام عليك. فقلت: بل عليكم السام واللعنة، فقال: يا عائشة:
"إن الله يحب الرفق في الأمر كله. قلت: أو لم تسمع ما قالوا؟ قال: قلت: وعليكم" فهؤلاء اليهود من سوء أدبهم وسوء طويتهم لووا ألسنتهم، وحرفوا الكلم، فبدل أن يقولوا: السلام عليك، قالوا: السام ـ أي الموت والهلاك ـ
ولكن الرسول الكريم من حسن أدبه، وعظمة خلقه، لم يرد أن يجعل من ذلك معركة، بل رد بهذه الكلمة النبيلة قائلاً: "وعليكم".
أي أن الموت مكتوب على كل البشر، علينا وعليكم.
ثم علم عائشة هذا الأدب الرفيع أدب الرفق في التعامل، حين قال لها:
"يا عائشة! إن الله رفيق، يحب الرفق في الأمر كله" .
وعن عائشة: "إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه".
رواه مسلم عن عائشة برقم 2593 .
وعنها أيضاً، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه"
رواه مسلم برقم 2594 .
يتبع باذن الله ...
المفضلات