البحر من تحتي عميق
والنار في فمي
وهذه الأشياء لا تبين
كأنما غيبها حريق
قررتُ أن أغادر الرماد
والجسد المفتون بالبريق
حملتها نبوةً أشقّ أرض الله
تقودني الطريق للطريق
لبيك قد لبيت
دخلت بيته الحرام
طافت معي بالبيت، صلّينا معا، دعت، دعوت،
ضممتها إلى جوانحي، بكتْ، بكيت
صحتُ عند الركن: يا ألله،
ذوبنا معا، لكي نصير واحداً ولا أحد.
الصمت مطبق،
والشمس في بهائها كأنها
نهرٌ يصبّ في جسد
وليس حول البيت من أحدْ
إلا أنا وأنتْ...
وكان وجه الله باسماً يلوح في الأبد
سمعت قلبها يمور بالدعاء
معلّقاً بالواحد الأحد...
مشت على الصدى ، مشيتُ
أتبع انسيابَ الماء نحو الغيمة البعيدة
وقفت في حراء
قلت لها: هنا أتاني الكتاب آية فآيةً
حتى استوى قصيدة
سمعت صوته الشريف:
أن آمنوا.. لبيك
آمنْت، أمِّنِّي وأمِّنْها، وظلِّلنا
فليس من ظل سوى لديك...
ظلِّلنا بظلِّك الذي وعدت.
لبيك قد لبيت.
حملتُها إلى جبال الله في الصعيد
كانت بقايا الخطبة الأخيرة
تفيض من أنوارها علَيّ
سكبت خمرتي، أرقتها على دمي، وأجهشت خطاي
رميت شملتي، وسرت فوق الماء، غار الماء...
كان الكون بين الظن واليقين،
رَدّني، وعاد بي إليّ.
سمعت صوته الشريف: «يا عبادي»
فغبتُ في الصدى، وكنتُ ذائب الجسد
وماؤها منسكب علَيّ
ضممتُ نشرها
حتى استوى الجنبان
واخضوضر المدى
وصرتُ لا رخواً ولا عَصيّ
هنا في الوقفة الكبيرة
بالربوة الخضراء
على صعيد عرَفه
سجدتُ، لم أرفع، ظللت ساجدا
حتى استبان وجهه
واخضرّت الأبعاد من حولي
ونغمت ربابه
ناديت: يا أبي
ما ضلّ صاحبي وما ضللت
فابيضّت الحجارة
وازّيَّنت كآية من آيه الكبرى
وأومضت شرارة
جثوت، ما احتملت صهده، واغرورقت عيناي
جثتْ أمامي..
فارتميت في أحضانها، وصحت،
مدّت يدا
ومسّحت بسحره الصدى ولوعة الصبابة
رأيتُ ملك الله
سمعته يفاخر الجلاّس حوله
سمعته، كأن بينه وبيننا قوسين أو أقل
ألقيتُ في الحجيج خطبتي
حثثتهم على الصلاة والزكاة والصيام والعبادة
حثثتهم على الجهاد والشهادة
أمرتهم بالشعر والكتابة
..........
..........
واغرورقت عيناي
مالت عليّ..كان وجهُها مخضّبا
بالسحر والخلابة
لثمتُ كفّضها
فلوّحت، وغطّت السحابة
لبيكَ...
عند النفرة احتملْتها على ركاب القلب..
كنت واحداً، وليس في الطريق والد ولا ولد
المشعر الحرامْ
يبين لي، فأسرع الخُطا كأنما إلى الفردوسْ
............
............
أنخت ناقتي،
أنزلتُها، وسّدْتُها ذراعي،
غطّيتها إهابي
مرَّرتُ فوق صدرها يدي، وكانت متعبَة
والليل في مزدلفة
حنجرة ترتّل الكتاب
وترفع التسبيح للسماء
لبيك، قد لبيّت
خرجت أجمع الحصى
وقفتُ بين النعت والأسماء: يا ألله..
كلّ منزل أنزله يفيض ماء
وكل حصوة..
ألمسها تضيء...
ألقيت جنبها إزاري
سجدتُ... طاب لي سجودي
ظللتُ ساجداً حتى تورّمت جفوني
ومسّني الإيقاع
كأن برقاً هزّني، فاسّاقطَ الضياء
وفاضَ عن كياني
أفقت، فاقت..
كأنها الضحى، انثنت، ومالَ سرُّها،
وسرّ الله واقف ببابه
صلّيت،
صلّت ورائي
حملتُها تعويذةً على شفاهي
رميتُ ما رميتُ من حصى
حتى استبان لي الضحى
نحرتُ شكّي
وعدتُ ، عاد لي يقيني..
د . عبد الله العشّي ** شاعر وناقد .. منقول عن الرأي
المفضلات