كتابة وتصوير مفلح العدوان - ليست مرثية، هذه الكتابة، بل هي تذكرة ووداعية، في جانب منها، لرواة باحوا بجوانب من تاريخ القرى، ومشوا معنا في ترحالنا عبر الأمكنة والازمنة ليكون توثيق ما تيسر من سيرة قراهم التي احتضنتهم أحياء وهي تحتضن اجسادهم داخل ترابها الآن بينما أرواحهم تحلق ملوّحة من بعيد، أما في جانب آخر، فهي إشارة الى متعلقات بالقرى، مثل الشجر المعمر، حيث يكون الالتفات اليه للحفاظ عليه، والالتفاف حول دلالاته، لأنه جزء من ذاكرة تلك القرى.
الحاج عبد الهادي..
راوي حكاية «أبو حامد»
قبل أيام مات الحاج عبد الهادي السلامات (أبو ياسر) عن عمر 83 عاما، وكان هو من روى لنا ذاكرة وسيرة قرية أبو حامد، قبل حوالي ست سنوات، وقبل أيام ايضا، صادفت أربعينية وفاة الحاج عايد كريم ابنية العدوان (أبو محمد) الذي كان قد باح لنا قبل سنوات بجانب من حكاية قرية شفا بدران، وروى لنا تفاصيل من تاريخها. أما الشجرة المعمرة في مقبرة ياجوز، فقد فقدناها مع آخر هطول ثلج قبل أقل من شهرين، وكنا وثقنا جانبا من ذاكرتها، حين تفيأنا ظلالها، عندما كان البوح عن قرية ياجوز، وهنا نستذكرها لأنها كانت تروي بشموخها تاريخ الانسان والمكان في المنطقة.
أبدأ براوي قرية أبو حامد التي تقع في الجهة الشمالية من عمان، بمحاذاة شارع الاردن الذي يفصلها نصفين،هناك التقينا مع المرحوم الحاج عبد الهادي السلامات(أبو ياسر)، وهو أحد كبار القرية، ومشى معنا قبل سنوات الى بيوتها القديمة، ذاكرا تاريخ الحجر والبشر والشجر فيها. مات أبو ياسر قبل أسبوع، رحمه الله، وهنا نستذكره مع استعادة لحديثه عن قريته، وأهلها، الذي قال فيه أنه»أول ما جا(جاء) جدنا إبراهيم السلامات من كثربا، غرب الكرك،سكن هان، وكان هو واحد من خمس اخوان طلعوا بعد هوشه(نزاع) صارت هناك».
آنذاك.. استعاد أبو ياسر ما سمعه عن تلك القصة، فأعاد ترتيب أحداثها من أولها، وأكمل: «لما صارت هذي الهوشه، لفوا(أقدموا)على خيل القوم، وعقروها، وكانوا ما يهابوا، ولا يخافوا..
لكن لما هديت النفوس، وسووا المشكلة، بعد الهوشه، كان هناك شرط أساسي حتى تنتهي السولافه، وهو انه اللي عقروا الخيل ما عليهم صلح، ولازم يجلوا سبع سنين من كثربا،وبالفعل، التزموا بهالشرط، وجلوا الاخوان الخمسة، وما توجهوا لمحل واحد، لأنه واحد منهم راح ل(صما) الثاني ل(لغور)، والثالث ل(القويره)، والرابع طلع خارج الأردن، والخامس هان(ويقصد انه استقر في قرية أبو حامد) وهو جدنا إبراهيم.
وكل واحد منهم اتجوز وصارت له عيلته، لكن جدنا إبراهيم لما أجا، أول ما سكن عند العين، عين أبو حامد، وما كان في ناس كثير هان، وظل ساكن ببيت الشعر عالعين.
وهو كان متجوز نسوان ثنتين، واحده سلاميه، كانت معه لما طلع من كثربا، والثانيه اتجوزها بعدين، ومن المَرَه(المرأة) السلاميه أجا العودات، وآل ثلجي اللي انقطعت ذريته عند عيد الكايد الثلجي. ومن المَرَه الثانية أجا قوم طرودي ومبارك، ومن هالأربعه تفرعت العيله وصارت هالذرية اللي هم السلامات اللي بقرية أبو حامد».
واسترسل أبو ياسر قائلا: إن إبراهيم أول ما جاء تحالف مع العدوان، وصار يحارب معهم، وكان عنده ولده اسمه صالح، وهذا يملك «بارودة دَك، ذخيرتها ملح وشرايط، وكان لما تصير الحرب، يقولوا نادوا راعي الكافرة، ويقصدو بالكافرة هي البارودة، ويشارك بالحرب معهم».
بعد ذلك تحدث الحاج (أبو ياسر) أن أقدم دكان في القرية كان دكان عبد الله الأحمد المبارك، وكان صغيرا،ويقع في القرية القديمة.
وأضاف أبو ياسر بأنه، هو، بنى بعد ذلك دكانا له خارج القرية القديمة، وقد بناه من الحجر والطين، وكان «يلم الحجارة على البعارين(الجمال)، وكان اللي بنوا الدكان واحد من فلسطين ومعه خلف السليمان أبو هزيم، والاثنين كانوا شركا، وكان في بالمنطقة كمان بنى حجر ثاني اسمه قروشان، وكان يبني بيوت حجر، وعقود، وأقواس».
وعن بقية لوازم البناء قال أنهم كانوا يحضرونها من عمان، حيث يحملوان على الجمال ألواح الخشب إلى القرية، وبعد ذلك يقصونها، ويفصلونها أبوابا، أما اللوازم الحديدية من أقفال ومفاتيح و»فصالات» فكانوا يحضرونها من سيل عمان، حيث كان هناك الحدادون والباعة.
منقول عن الرأي
المفضلات