تشكّل الشجرة أيقونة على سطح الحياة، ومعلماً من معالم المكان، وقيمة جمالية وتاريخية واضحة، رافقت تاريخ البشرية ومسيرة الحضارة الإنسانية منذ فجر آدم، تعرف عن المكان أكثر مما نعرف، وتنتمي إليه أكثر مما ننتمي، وترتبط مع أهله بعلاقة وطيدة/ تشاركهم مساحات أحداقهم، ولفحات شموسهم، وتمنحهم إحساساً بالحياة ونموذجاً للصبر.
لقد حظيت الشجرة بمساحة في القرآن الكريم الذي أقسم فيه تعالى بالشجرة، وتناولتها السيرة النبوية والنبي يحضّ المجاهدين على ألا يقطعوا شجرة، جاعلاً من قيمة حياة الشجرة موازية لقيمة حياة الشيخ. كما كانت الرسالة النبيلة حول قيمة الشجرة وأهميتها واضحة في نداء الحسين الراحل طيب الله ثراه،: نحو أردن أخضر عام 2000، وفي خطى القائد أبي الحسين وهو يغرس شجرة هنا، وأخرى هناك.
وفي ذكرى هذا العام تتسيّد المشهد محطات مرّ بها الأردن المكان، تحتاج منا إلى مراجعتها وإعادة قراءتها والاستفادة من الدروس التي جاءت بها، لنعيد إنتاج مواقفنا من الأشجار سواء أكانت مثمرة أو حرجية في الغابات أو على أرصفة الشوارع، أو في سائر المناطق المناسبة لزراعتها،وليس هذا فقط، بل لنقيّم مدى الخدمة المقدمة للمزارع الأردني والفلاح الذي يشكل مع الشجرة ثنائياً متلازماً كالجندي وسلاحه.
أليكسا، العاصفة الثلجية الأخيرة كانت محطة هامة ومفصلية كشفت عن طاقاتنا الكامنة من جانب، ومدى جاهزية أجهزتنا المعنية من جانب، والأهم أنها عرّت الإهمال لهذه الثروة التي تحتاج منا كل العناية، لا لأنها تشكّل قيمة جمالية أشبه بجدارية طبيعية أردنية فقط، بل لأنها تمدنا بالظل الظليل والدفء وتشكل درعاً واقياً من زحف التصحر، ولأنها مؤخراً نشأت علاقة حميمة بينها وبين أغصان الأشجار. فقد كانت الشجرة الضحية الكبرى التي اختارتها أليكسا لتجسد دور البطولة.
وفي الجامعة الأردنية انتحرت كثير من أشجار الجامعة لتنهار معها ذكريات اختزلتها في ذاكراتها الهرمة، بعمرها الذي ابتدأ مع بداية رحلة العلم في «وطن المعرفة»، انهارت سجلات من العطاء والإنجاز الأكاديمي، والأنشطة الجامعية والطلابية، وصيحات الفرح، وزغاريد البهجة بالنجاح، في جامعة شكلت إضافة حقيقية إلى التعليم في الأردن، انهارت ليذهب معها صدى أصوات رجالات سكنوا ذاكرتها، واحتفظت في أغصانها وأوراقها صوراً جميلة لهم، ليبقى المكان خلفهم فارغاً.
وفي مقبرة ياجوز غرغرت روح شجرة البطم الأطلسي هناك، ورحلت عن عمر ناهز الألف عام، وشيّع جثمانها في المقبرة ذاتها، وقد اغتالتها يد الغدر هناك، التي غدرت معها ذاكرة من ذاكرات الأردن الجميلة، وموناليزا أردنية ظلت بروازاً لصورة الأردن الجاثم مثل طود هناك.
في أعيادنا، نتعطّر، ونصلّي، ثم نتبادل التهاني والقبل، ثم ينتهي كل شيء وكأن شيئاً لم يكن، وفي عيد الشجرة، نعدّ غراسنا، ونغرس أشجارنا ، ثم نودّع المكان، ونلقي عليه نظرة الوداع الأخيرة، وكأننا نستودعه عند (بعل) متأثرين ربما بأسطورة قديمة.
ما نحتاجه اليوم، ليس فزعة موسمية نشعر معها بحماس لحظي سرعان ما يفتر، نغرس في يوم واحد ألف شجرة، ثم يمر ألف يوم وليلة لا نغرس فيها شجرة واحدة، ولا نرعى فسيلة، وكأننا فهمنا على غير المقصود من « الخطوة الأولى لشجرة الزيتون كي تحيا تكمن في زراعتها» بأن المطلوب كل المطلوب هو زراعتها، في الوقت الذي يؤكد فيه المعنى أن زراعة الشجرة هي الخطوة الأولى فقط، تليها خطوات متلاحقة. أما عن الزمن فكل يوم هو عيد للشجرة،
وقال حبيبي رسول الله , صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف ...
إنْ قامَتِ الساعةُ وفي يدِ أحدِكمْ فَسِيلةٌ ، فإنِ استطاعَ أنْ لا تقومَ حتى يَغرِسَها فلْيغرِسْهَا
الراوي: أنس بن مالك المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 1424
خلاصة حكم المحدث: صحيح
الرأي
المفضلات