السلطان عبد الحميد ... انكم لو دفعتم ملء الدنيا ذهبا فلن اقبل ان أبيع ارض فلسطين ... أرض فلسطين ليست ملكى انما هى ملك الامة الاسلامية و ما حصل عليه المسلمون بدمائهم لا يمكن ان يباع و ربما اذا تفتت امبراطوريتى يوما يمكنكم ان تحصلوا على فلسطين دون مقابل )
رفضه الموافقة على المشروع الصهيوني
لمعرفة حجم الضغوط التي تعرض لها السلطان عبد الحميد ومارسها عليه اليهود، وخاصة (ثيودر هرتزل) مؤسس الحركة الصهيونية السياسية الحديثة ؛ سأقسم الحديث عن جهود هرتزل التي بذلها مع السلطان عبد الحميد للحصول منه على موافقة لاستجلاب اليهود إلى فلسطين، إلى مرحلتين :
(الأولى) جهود هرتزل قبل المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897م ,,, ( مدار موضوعنا هنا )
لقد بذل هرتزل جهود كثيرة ومحاولات مستميتة لمقابلة السلطان عبد الحميد عن طريق بعض أصدقائه المقربين من السلطان أو بواسطة بعض الدول ، أوبالرشا والإغراءات المالية لحاشية السلطان .
وقد بلغه أول رد عن طريق رفيقه (نيولنسكي) الذي أخبره بما حصل له في المقابلة التي أجراها مع السلطان في حزيران/يونيو 1896م :
" قال السلطان لي: إذا كان هرتزل صديقك بقدر ما أنت صديقي فانصحه أن لا يسير أبداً في هذا الأمر. لا أقدر أن أبيع ولو قدماً واحداً من البلاد، لأنها ليست لي بل لشعبي . لقد حصل شعبي على هذه الإمبراطورية بإراقة دمائهم وقد غذوها فيما بعد بدمائهم ، وسوف نغطيها بدمائنا قبل أن نسمح لأحد باغتصابها منا . لقد حاربت كتيبتان من جيشنا في سوريا وفلسطين وقتل رجالنا الواحد بعد الآخر في " بلفنة " لكن أحد منهم لم يرضى بالتسليم . وفضلوا أن يموتوا في ساحة القتال ، الإمبراطورية التركية ليست لي وإنما للشعب التركي ، لا أستطيع أبداً أن أعطي أحد أي جزء منها . ليحتفظ اليهود بملايينهم فإذا قسمت الإمبراطورية فقد يحصل اليهود على فلسطين بدون مقابل . وإنما لن تقسم إلا على جثتنا ولن نقبل بتشريحنا لأي غرض كان " .
ورغم فشل رحلة هرتزل الأولى إلى القسطنطينية إلا أنه بقي عنده أمل بسبب وعود المسئولين الأتراك لخدمته، خاصة
بعد أن علم السلطان بمشروعه الجديد الذي قدمه إلى السلطات العثمانية ، وأبلغته حاشية السلطان :
أنه " يدعو السلطان اليهود بحفاوة ، للعودة إلى وطنهم التاريخي ، وليستقروا هناك بحكم ذاتي مستقلين إدارياً وتابعين للإمبراطورية التركية . ومقابل ذلك يدفعون ضريبة ".
وقد ذهب هرتزل بتلك النتيجة إلى لندن لإجراء اتصالاته مع الدول الكبرى وكبار مسئولي اليهود وغيرهم ، وبعد مضي حوالي شهرين على رحلته الأولى إلى القسطنطينية أرسل هرتزل إلى السلطان عبد الحميد بتاريخ 25/8/1896م ملحقاً لمشروعه الذي يريد من السلطان الموافقة عليه ، تضمن عرضاً مغرياً جداً يتمثل في :
" عرض قرض متدرج من عشرين مليون جنيه استرليني يقوم على الضريبة التي يدفعها اليهود المستعمرين في فلسطين
إلى جلالته ، تبلغ هذه الضريبة التي تضمنتها جماعتنا مائة ألف جنيه استرليني في السنة الأولى وتزداد إلى مليون جنيه استرليني سنوياً . ويتعلق النمو التدريجي في الضريبة على هجرة اليهود إلى فلسطين . أما سير العمل المفصل فيتم
وضعه في اجتماعات شخصية تعقد في القسطنطينية مقابل ذلك يهب جلالته الامتيازات التالية :
الهجرة اليهودية إلى فلسطين التي ليست فقط تكون غير محدودة بل أيضاً تشجعها الحكومة السلطانية بكل وسيلة ممكنة . ويعطى المهاجرون اليهود الاستقلال الدائم . المضمون في القانون الدولي . في الدستور والحكومة وإدارة العدل في الأرض التي تقرر لهم (فلسطين كدولة شبه مستقلة) ".
وعندما استلم هرتزل براءة الوسام الذي منحه إياه السلطان كتب إليه شاكراً بتاريخ 22/10/1896م:
" حينما يسر جلالتكم أن تقبلوا خدمات اليهود سيسعدهم أن يضعوا قواهم تحت تصرف ملك عظيم مثلكم " .
وفي الوقت الذي كان هرتزل يشكر فيه السلطان ويتملقه كان يتآمر عليه ويتحين الفرصة للانقضاض عليه وفرض مطالبه، فقد كان يريد أن يُبقِ على الدولة العثمانية في حالة ضعف ، اعتقاداً منه أن حاجاتها للمال سوف تضطر السلطان للتعامل مع أي إنسان من أجل الحصول على المال ، وكان يظن وهو يقدم عروضه المالية المغرية للسلطان من أجل الحصول على فلسطين ، أن السلطان سيقبل بعروضه بدلاً من القروض الأوروبية وما يترتب عليها من فوائد عظيمة، لذلك عندما علم بنية بريطانيا خلع السلطان عبد الحميد، كتب في يومياته بتاريخ 12/9/1896م يفصح عن نياته في بقاء تركيا
ضعيفة لاستغلالها :
" جاء من لندن أخبار عن تفكير الدول لخلع عبد الحميد . إذا تحقق ذلك ماتت الفكرة الصهيونية مدة طويلة من الوقت . فإن السلطان الجديد سيجد المال ولن يحتاج لنا " .
وقد قام هرتزل بحملة دعائية ضد أي مشروع قرض لتركيا ، وحرض رجال المال اليهود الكبار على عدم المشاركة في أي مشروع من هذا النوع ، لأنه سيقطع الطريق عليهم إلى فلسطين ، وأنه سوف يعرضهم لمسؤولية خطيرة جداً.... إلا أن السلطان عبد الحميد رفض مشروع هرتزل وعروضه المالية ، وفضل القروض الأجنبية على الرغم من مساوئها على الرضوخ للأطماع اليهودية في فلسطين ، ونجحت مساعيه في الحصول على قرض أوروبي ، وعندما علم هرتزل بذلك جن جنونه ، وغضب كثيراً واتصل بصديقه نيولنسكي للتأكد من صحة ما قرأ في الجرائد ، فقد كتب في يومياته بتاريخ 26/1/1897م يقول :
" تلقت الجريدة الحرة الجديدة هذا الصباح خبر إتمام التدابير المالية مع تركيا (تحت ضمانة الدول كلها) لم أصدق الخبر في البدء وتلفنت لنيولنسكي الذي اكتفى بالتأكيد أنه أمر سيء لنا ) " يوميات ص47 .
أما عن سبب غضبه فهو لأن القرض " سيعطي الأتراك أربعة ملايين جنيه ، سيساعدهم هذا المبلغ على الطفو فوق
سطح الماء " .
وأخذ هرتزل يمني نفسه بفشل القرض :
" أرجو أن لا يوافق السلطان على ذلك . وأن يذكره الباشوات الذين لم ينلهم أي بخشيش ، بما يهدد كرامته كخليفة " .
ولم تتوقف جهود هرتزل بل زاد في اتصالاته بجميع الدول الكبرى ، وبدأ في تأليبها على بعض وفي الوقت نفسه يدعي لكل منهم أن الصهيونية تخدم مصالحهم ، ويدفعهم للتنافس لمساعدتها .
وأيضاً حاول الاتصال بالسلطان عبد الحميد على أمل الموافقة على مطالبه ، حيث اتصل بالسفير العثماني في النمسا
" محمود نديم " في 24/3/1897م ، وأعلن هرتزل تبرعه بمساعدة السلطنة إن كان السلطان يريد ذلك ومدحها أيضاً، فقال :
" ثم امتدحت من حيوية تركيا ، وهي البلد الذي سيرى أمجاداً عظيمة إذا ارتأى قبول الهجرة اليهودية " يوميات ص53.
وكان هرتزل يقوم باتصالاته تلك بتركيا وغيرها من أجل تهيئة الأجواء لانعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في جو ملائم يضمن له النجاح .
منقول .. يتبع بأذن الله .
المفضلات