د.هاني خليل عابد
الحياة الأسرية السعيدة تستمد سعادتها من إيمانها بالله تعالى ،ومن قناعتها بأنّ السعادة الحقيقية تكون بتعاون أبناء الأسرة على الخير ،وحرصهم على تحقيق الأمن الاجتماعي فيما بينهم ، قال صلى الله عليه والسلام :
« مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِى سِرْبِهِ، مُعَافًى فِى جَسَدِهِ ،عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا » (رواه الترمذي)
والسّرب يطلق على النفس ويطلق على الأهل والعيال .
لكن المحافظة على الاستقرار الأسري تتطلب قيام الحياة الأسرية على التشاور في مواجهات التحدّيات ،بحيث يتناغم
الجميع مع بعضهم ويعملون كفريق واحد ، قال تعالى في مدح الذين يبنون مجتمعاتهم على التشاور :
وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ» (الشورى :38)
وتتجلى الشورى الأسرية من خلال مشاركة كل فرد بأحسن ما عنده ، أما إذا كانت الأخرى وتعطل التشاور في الرأي والتكامل في العمل ، ظهر العنت ، والنزاعات المؤدية إلى التفكك الأسري الذي تخشاه الأمم والمجتمعات.
وفي هذا المجال لا بد من مراجعات لأسباب التفكك الأسري ، والذي نجد بأنّ مما يقف وراءه هو بعض الأفكار السلبية التي تعطي للذكر التفرد بالرأي ، بحيث ينظر إلى الأنثى في الأسرة على أنه لا رأي لها ، بل إن مشاورتها حسب هذا التوجه السلبي تعتبر نقصاً في الرجولة ،فلا مناص من مخالفة رأي الزوجة ولو كان الصواب معها، وتأتي هنا مقولة شاورهن وخالفوهن ، وربما جعل البعض من هذه المقولة حديثاً نبويا لتلقى رواجاً بين الناس وللرد على ذلك
1- مقولة شاورهن وخالفهن لا إسناد لها ، وهي من القول الباطل والواهن ، مثلما ذكر العلماء كابن الجوزي
والسخاوي ، والسيوطي والعجلوني ، ذلك في مؤلفاتهم.
2- نتعلم من سيرة نبيّنا صلى الله عليه والسلام جواز استشارة المرأة الصالحة ، ويدل على ذلك بأنّه لما مُنع الرسول ومن معه من أداء العمرة في العام السادس للهجرة ، ولهم أن يدخلوها في العام الذي يليه ، وانتهى الأمر بصلح الحديبية حزن المسلمون وغضبوا فطلب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أن يتحللوا من إحرامهم فلم يفعلوا ؛ ظناً منهم أن الأمر ربما يتغير ويؤذن لهم بالدخول إلى مكة لأداء عمرتهم ، خاصة عندما رأوا أن النبي صلى الله عليه وسلم ما زال يلبس ملابس الإحرام ، جاء عند البخاري في حديث قصة الحديبية وفيه دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ ، فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِىَ مِنَ النَّاسِ .
فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ يَا نَبِىَّ اللَّهِ ، أَتُحِبُّ ذَلِكَ اخْرُجْ ثُمَّ لاَ تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ ، وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ .
فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ ، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ نَحَرَ بُدْنَهُ ، وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ . فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ ، قَامُوا فَنَحَرُوا ، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا (رواه البخاري)
فكان لمشورة أم سلمة رضي الله عنها أثر كبير في امتثال المسلمين لأمر نبيهم، وسعادتهم في الدنيا والآخرة ، هذه المواقف تستدعي منا دراستها ، واستيعابها لنبني ثقافتنا الأسرية على الحوار، والتشاور، والتكامل.
منقول عن الرأي
مداخلة ...
مَن أصبحَ مِنكُم معافًى في جسدِهِ آمنًا في سربِهِ عندَه قوتُ يومِه فَكأنَّما حيزَتْ لَه الدُّنيا
الراوي: عبيدالله بن محصن المحدث: الألباني - المصدر: صحيح ابن ماجه - الصفحة أو الرقم: 3357
خلاصة حكم المحدث: حسن
المفضلات