إخواني وأخواتي من أبناء المجتمع الكريم ، أكتب لكم على اختلاف أوضاعكم الاجتماعية ، سواء من كان منكم متزوجاً
أم مقبلاً على الزواج من أجل العفاف ، وتكوين أسرة سعيدة ، أتوجّه لكم بهذا الخطاب وكلّي أمل أن يجد عندكم آذاناً مصغية ، وذلك حول ما يتعلق بالأسرة في الوقت المعاصر، حيث أننا أصبحنا ما ينقضي وقت الفرح بزفاف الأزواج
حتى تبدأ المعاناة ، والصراعات ، والخلافات ، وعدم القدرة على التصدّي لما يواجه الأسرة من تحديات، مما يستدعي
من النخب الثقافية البدء بالتثقيف الأسري المكثف حول الحياة الأسرية ، وطريقة اختيار الأزواج لبعضهما البعض ،
وطريقة تخاطبها ، وخاصّة فيما يتعلّق في مجالات الخطاب الأسري ، والذي نجده أحيانا يعتمد على الكلمات الجافة ، بل والجارحة في الخطاب ، وأصبحنا للأسف في بعض الأوقات نفتقد إلى الخطاب الأسري الحضاري الذي ينبغي أن يكون سائدا بين الأزواج وبين ألآباء والأبناء ، وبين ألإخوة والأخوات ، مما يستدعي التذكير المستمر بمثل هذه القضايا ، التي
لا يمكن اختزالها في مقال أو عدة مقالات ، وإنما تحتاج لدورات حياتية تدريبيّة ، تُعرض لأبناء الجيل في مراحل الدراسة المتنوعة ، ويكون عرضها ليس بقالبٍ جامد ٍ، بل أسلوب يعتمد أسلوب المهارات الثقافية المتنوعة .
أورد البخاري أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ :
مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِى الدِّينِ، وَإِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ
وأورد البيهقي في شعب الإيمان:
عن أبي الدرداء قال :
إنما العلم بالتعلم ، والحلم بالتحلّم ، ومن يتحرى الخير يعطَه ، ومن يتوقى الشر يوقَه..»
فالأمر يحتاج إلى تثقيف ، وتوعية ، وتدريب ، وأول ما نبدأ به أن نبين أن الإسلام وضّح بأن الحياة الزوجية نعمة
من الله ، والنعم تستوجب الشكر لله ، وتتطلب المحافظة على رباط الزوجية بالخطاب السامي ، والذوق العالي في
تعامل أبناء الأسرة مع بعضهم البعض ، وفي مقدمتهم الزوجين .
قال تعالى :
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وجعل بينكم مودة ورحمة إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكرون (الروم:21)
فمن تأمّل في هذه الآية أدرك أن الحياة الزوجية يجب أن تكون مبنيةً على تعظيم الله ، وشكره ، ومحبته ، ثم ينبغي أن تكون العلاقات الزوجية قائمة على المودة بمعنى المحبة ، والمحبة تأتي عندما يتعامل كل من الزوجين مع الآخر بأسمى
ما عنده من ذوقيات التعامل والإحسان ، أما في حالات التقصير فلا بد من إظهار خلق الرحمة ، وأعني بالتقصير هنا التقصير المغتفر شرعاً ، لا ما ينكره الشرع ولا يقره ، فلعل الزوج أو الزوجة في حالة انزعاجه من طبع عند شريكه
في الحياة الزوجية يتغاضى عن هذا الانزعاج بنظرته الموضوعية لما عند الآخر من أخلاقٍ كريمة ، وهذا ما لفت النبي صلوات الله عليه أنظارنا إليه بقوله: لاَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِىَ مِنْهَا آخَرَ ». أَوْ قَالَ « غَيْرَهُ ».(رواه مسلم) ومعنى يفرك يبغض ، فالشرع الشريف يطالبنا أن نجعل من الحياة الزوجية حدائق ذات بهجة ، تسر الناظرين بما تشتمل عليه من مودة ، ورحمة ، وحسن تعامل ، وأدب خطاب ، وحسن تصرف ، وكظم غيظ،
وعفو وإحسان .
د.هاني خليل عابد ,, عن الرأي ,,
المفضلات