هل يمكن لشخصين مختلفين إلى حد كبير في «القيم الأخلاقية والمعتقدات « أن يتوصلا بوجه عام إلى تحديد أو اتفاق عمّا إذا كان شخص ما يُعد سعيداً ؟ أو إذا ما كانت اختلافاتهما حول الأخلاق والقيم الأخلاقية تؤثر بذلك في تصوراتهما للسعادة , وفي أساليبهما الخاصة في محاولة تحديد إلى أي حد يكون شخص ما سعيداً أو تعيساً ؟! .
ويتابع أستاذ الفلسفة نيكولاس وايت في كتابه « السعادة - موجز تاريخي» من ترجمة سعيد توفيق عن سلسلة عالم المعرفة الكويتيه ، سارداً ما يلي :
ويمكننا كذلك أن نسأل سؤالاً تاريخياً : هل يوجد فيلسوفان قد اتفقا على معنى السعادة ؟! .
إن الإجابة عن هذا السؤال هي أن الفلاسفة – على أي حال – قد انقسموا في إجاباتهم عنه . والقضية هنا تعد ضبابية إلى حد ما , لأن الفلاسفة غالباً لم يتحدثوا عن هذه القضية بوضوح !!! ومع ذلك فإنه يبدو أن بعض الفلاسفة قد افترضوا الأمر التالي , وهو أن السعادة شيء ما يمكن لأي شخص – أياً كانت قيمُه – أن يختبرها في نفسه أو لدى أي شخص آخر . في حين يبدو فلاسفة آخرين – على الأقل ضمنيا – يعتقدون عكس ذلك .
وهنا نجد مبرراً لتوقع قدر كبير من الاختلاف بين الفلاسفة وغيرهم من الناس حول من يكون سعيداً.. وقدر سعادته , فإذا كانت السعادة تضع في حسبانها مجمل الأهداف , وإذا لم يكن لدينا فكرة واضحة عن الكيفية التي يمكن بها تنظيم هذه الأهداف وتكاملها في حالة جيدة , فإن الناس المختلفين في مشاربهم سوف تكون لديهم آراء متباينة بشكل واسع حول هذا الأمر .
ولكن إذا كان الناس يختلفون حول هذا الأمر , فإنه من المؤكد غالباً أنهم سوف يجدون مشكلة في تحديد من يكون سعيداً وإلى أي حد يكون سعيداً.
شيء من التوافق وشيء من الاختلاف حول مفهوم السعادة إننا نود أن نجد في تاريخ الفلسفة – على الأقل – تقدما فيما يتعلق بتقديم مفهوم متماسك مترابط عن السعادة . وربما كان الأمر هو أن موقف كل فيلسوف على حدة يخفق في تحقيق هذا الهدف . ولكن حتى إذا كان الأمر هذا النحو , فربما أمكن لمجموع هذه الجهود – منظورا إليها في سياقها التاريخي – أن تبين لنا أين يكمن الهدف , وأن تمكننا من أن نستنتج منها كيف نصل إلى هذا الهدف . وربما يمكن التماس أحد الأسباب التي تدعو إلى التفاؤل في الفترات التاريخية التي أظهر فيها شيء من الإجماع في الرأي سمات مهمة عن السعادة . والواقع أنه كانت هناك بالفعل مثل هذه الفترات , التي طال أمد بعضها إلى حد كبير حقا إن الإجماع يمكن أن ينهار سريعاً بمجرد أن يتعرض لضغوط .
ومع ذلك , فإنه يجدر النظر في الحالات التي يتم فيها الحصول على إجماع الآراء
لدينا هنا ما يبدو أنه الحالة المقصودة . ففي الفترة الهيلينستية وفترة الجمهورية الرومانية والإمبراطورية الرومانية , كان هناك توافق واسع الانتشار إلى حد كبير على أن السعادة – أو المكون الحاسم فيها – تكمن في نوع من السكينة .. أو على الأقل في التحرر من أنواع معينة من الهموم والقلق .
وفي هذا الصدد , فإن الفلسفة العملية الرواقية والأبيقورية وكذلك النزعة الشكية , تظهر لنا درجة عالية نسبياً من الإجماع في الرأي . فالرواقية والأبيقورية والنزعة الشكية أمكنها أن تعلق مواقف متنافسة في هذا الصدد . فكل من هذه المذاهب قد أعلن أنه إذا ما تم تبني موقفه , فإن الناس سوف يصبحون أكثر سكينة , وبالتالي أكثر سعادة . وهذا هو ما منح هذه المذاهب شيئاً ما يسعى إلى مقياس محايد لإمكان قبول أطروحاتها . وهذا ما يبين لنا الطريقة التي تم بها تناول السعادة من خلال البعض باعتبارها مقياساً محايدا لمدى حسن حالة المرء .
إن إجماع الآراء حول هذه المسألة قد انعقد , على الرغم من أن هذه المذاهب تختلف فيما بينما إلى حد كبير حول طبيعة الحرية التي تنشأ عنها هذه السكينة ذاتها , والكيفية التي يمكن بها الحصول عليها , أو ينبغي أن تكون عليها . فلقد اعتقد أبيقور أن شكلاً من أشكال اللذة يكمن في غياب الألم والقلق . ونظرت الرواقية إلى السكينة باعتبارها تنطوي على الرؤية القائلة بأن أحداث الحياة العارضة لا ينبغي أن تشغلنا , وأنها أجزاء محتومة وضرورية من نظام الكون .
في حين أن أصحاب النزعة الشكية قد اعتقدوا أن السكينة تنشأ عن موقف شكي إزاء كل المسائل المتعلقة بالقيمة .. غير أن كل هذه المدارس قد رأت أنها استطاعت أن تتعرف على الشخص الذي يكون هادئ السريرة , وهذا يمكن تسميته
بِ – « السكينة الروحية « أو « التحرر من الانزعاج « باعتبارها الحالة القصوى التي يمكن أن يبلغها شخص ما .
ولكن ما اختلفت فيه تلك المدارس بشك أساسي كان هو الكيفية التي يمكن أن يبلغ بها شخص ما تلك الحالة على أفضل نحو ؟! .
المفضلات