بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
قال تعالى ((وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَىَ أُمَمٍ مّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَآءِ وَالضّرّآءِ لَعَلّهُمْ يَتَضَرّعُونَ * فَلَوْلآ إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرّعُوا وَلَـَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيّنَ لَهُمُ الشّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمّا نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلّ شَيْءٍ حَتّىَ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوَاْ أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مّبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِر ُ الْقَوْمِ الّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ للّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ)) الأنعام "42ـ45
ذكر سيد قطب في تفسيره لهذه الآية : إنها المواجهة بنموذج من بأس
الله سبحانه وتعالى نموذج يعرض ويفسر كيف يتعرض الناس لبأس الله سبحانه وتعالى وكيف تكون عاقبة تعرضهم له , وكيف يمنحهم الله الفرصة بعد الفرصة ويسوق إليهم التنبيه بعد التنبيه , فإذا نسوا ما ذكروا به ولم توجههم الشدة إلى التوجه إلى الله والتضرع له ولم توجههم النعمة إلى الشكر .. كانت فطرتهم قد فسدت الفساد الذي لا يرجى معه صلاح وكانت حياتهم قد فسدت الفساد الذي لا تصلح معه للبقاء , فحقت عليهم كلمة الله ونزل بساحتهم الدمار الذي لا تنجو منه ديار.
لقد أخذهم الله بالبأساء والضراء ليرجعوا إلى أنفسهم لعلهم تحت وطأة الشدة يتضرعون إلى الله ويتذللون له وينزلون عن عنادهم واستكبارهم ويدعون الله ان يرفع عنهم البلاء بقلوب مخلصة , ولكنهم لم يفعلوا ولم يلجأوا إلى الله وكان الشيطان من ورائهم يزين لهم ما هم فيه من الضلال والعناد ((وَلَـَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيّنَ لَهُمُ الشّيْطَانُ مَا كَانُواّ يَعْمَلُونَ ))
والقلب الذي لا ترده الشدة إلى الله قلب تحجر فلم تعد الشدة تثير فيه الإحساس..! وتعطلت أجهزة الاستقبال الفطرية فيه فلم يعد يستشعر هذه الوخزة الموقظة التي وردته من ربه وكانت رحمة له من الرحمة التي كتبها الله على نفسه .. فأما هذه الأمم التي كذبت الرسل فإنهم لما نسوا ما ذكروا به وعلم الله سبحانه وتعالى أنهم مهلكون فتح عليهم أبواب كل شيء للاستدراج بعد الابتلاء ((فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلّ شَيْءٍ))
والتفسير القرآني يصور الأرزاق والخيرات والمتاع والسلطان متدفقة كالسيول بلا حواجز ولا قيود ((حَتّىَ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوَا))
وغمرتهم الخيرات والأرزاق المتدفقة واستغرقوا في المتاع بها والفرح لها بلا شكر ولا ذكر وخلت قلوبهم من الاختلاج بذكر المنعم ومن خشيته وتقواه وانحصرت اهتماماتهم في لذائذ المتاع واستسلموا للشهوات .. عندئذ جاء موعد السنة التي لا تتبدل ((أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مّبْلِسُونَ ))
فكان أخذهم على غرة وهم في سهوة وسكرة فإذا هم حائرون , وإذا هم مهلكون بجملتهم حتى آخر واحد منهم (( فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الّذِينَ ظَلَمُواْ))
ودابر القوم هو آخر واحد منهم فإذا قطع هذا فأوائلهم أولى (( الّذِينَ ظَلَمُواْ )) تعني هنا الذين أشركوا((وَالْحَمْدُ للّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ )) تعقيب على استئصال الظالمين (المشركين ) بعد هذا الاستدراج الإلهي والكيد المتين
هذا والله تعالى أعلم
المفضلات