وقفة مع آية
((ءامنتم قبل أن ءاذن لكم))
قال تعالى ((وَأُلْقِيَ السّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوَاْ آمَنّا بِرَبّ الْعَالَمِينَ * رَبّ مُوسَىَ وَهَارُونَ*قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُمْ بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنّ هَـَذَا لَمَكْرٌ مّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَآ أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ)) الأعراف\123
في هذه الآيات العظيمة يتبين :
إن الله سبحانه وتعالى بعث موسى عليه السلام إلى فرعون وملئه يدعوهم إلى الله رب العالمين فكبُر على فرعون الطاغية أن يكون هناك إله سواه , وسأل موسى عن آية تثبت دعواه ((قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَآ إِن كُنتَ مِنَ الصّادِقِينَ)) الأعراف106 وظن فرعون أن ليس هناك آية تثبت دعوى موسى عليه السلام لكن ظنه خاب وجاء موسى بآيات ربه فانقلبت عصاه حية تسعى وظهرت يده بعد أن أخرجها من جيبه بيضاء متوهجة ذات شعاع كشعاع الشمس , فبدا لفرعون ان ذلك سحر فجمع السحرة لإبطال حجة موسى وشاء الله أن يكون لقاء السحرة مع موسى في يوم عيد لقوم فرعون يجتمعون فيه ((قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النّاسُ ضُحًى)) طه59 وذلك لكي يخزي الله فرعون على ملأ من الناس .
وكان اللقاء وظهرت آية موسى عليه السلام وبطل سحر السحرة وأدركوا أن الأمر حق وأن ما جاء به موسى ليس سحراً بل هو آية من الله على صدق موسى عليه السلام وأنه رسول من رب العالمين فآمن السحرة وخروا سجداً وقالوا ((قَالُوَاْ آمَنّا بِرَبّ الْعَالَمِينَ * رَبّ مُوسَىَ وَهَارُونَ))الأعراف (121ـ122)
وهنا كانت الطامة الكبرى لفرعون والصاعقة الماحقة فإن السحرة الذين أحضرهم فرعون لإدحاض حجة موسى عليه السلام فيكونوا شهود نفي على صدق موسى أصبحوا بعدما تبين لهم الحق أصبحوا شهود إثبات على صدق موسى وأنه رسول من رب العالمين وأن ما يقوله هو الحق وليس بعد الحق إلا الضلال .ولكن فرعون لم يقبل نتيجة اللقاء الذي إقترحه هو رغم شهود الملأ من الناس بل عاند وكابر وعاد عن القول الذي قال والرهان الذي زعم ثم أرغى وأزبد فكيف يؤمن السحرة دون إذن منه ((قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُمْ بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ)) إنه يريدهم أن يأخذوا ترخيصاً منه ليؤمنوا , ثم بعد ذلك اتهم فرعون السحرة بأنهم متفقون مع موسى واتهم موسى عليه السلام بإنه كبيرهم الذي علمهم السحر ((إِنّهُ لَكَبِيرُكُمُ الّذِي عَلّمَكُمُ السّحْرَ)) طه71 , ثم كانت الفرية التي افتراها بأن السحرة وموسى عليه السلام تآمروا على البلد ودبروا للناس شراً فاتفقوا على إرهاب الناس وتخريب البلد ليضطروا أهلها للهروب منها ((إِنّ هَـَذَا لَمَكْرٌ مّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَآ أَهْلَهَا))الأعراف123
وقبل أن اختم أجد ان من المهم التذكير بالأنقلاب الذي حدث في موقف السحرة فقد كان مبلغ همهم في بداية الأمر عندما استدعاهم فرعون ان سألوه عن الأجر الذي سينالونه منه إن هم ابطلوا حجة موسى عليه السلام فوعدهم بالأجر وتقريبهم منه ((وَجَآءَ السّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالْوَاْ إِنّ لَنَا لأجْراً إِن كُنّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرّبِينَ)) الأعراف(113ـ114)
هذا كان واقع حالهم وهم على كفرهم , فلما آمنوا وصفت نفوسهم واطمأنت قلوبهم لم يخشوا تهديد فرعون وبطشه وهو قد هددهم بأقسى العذاب ((فَلاُقَطّعَنّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مّنْ خِلاَفٍ وَلاُصَلّبَنّكُمْ فِي جُذُوعِ النّخْلِ وَلَتَعْلَمُنّ أَيّنَآ أَشَدّ عَذَاباً وَأَبْقَىَ)) طه\71 ولكن هذا التهديد لم يزدهم إلا قوة وعظمة فكان جوابهم على تهديد فرعون عظيماً كما كان إيمانهم عظيماً, قالوا((فَاقْضِ مَآ أَنتَ قَاضٍ إِنّمَا تَقْضِي هَـَذِهِ الْحَيَاةَ الدّنْيَآ )) طه 72 , أي إن الدنيا هانت أمامهم وأصبحت كلها لا تساوي شيئاً في جنب أعظم الجهاد الذي نالوه
هذا هو الأثر الحي في للإيمان في النفوس وهكذا يجب أن يكون عند حملة الإسلام العظيم يشدهم على الدوام إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم
والله سبحانه وتعالى أعلم وهو الموفق للصواب، وإليه المرجع والمآب
المفضلات