د.هاني خليل عابد : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْصِنِي قال لا تغضب، فردد مراراً، قال لا تغضب « (رواه البخاري)
المتأمل في هذا الحديث يجد الحكمة النبوية التي أرشدت الإنسانية إلى طريق الحضارة والنهضة ، فالحضارة لا تقوم ولا توجد إلا من خلال الإنسان المتوازن في انفعالاته الذي يلزم طريق الشرع، ويستخدم العقل ، ويبتعد عن الفوضى .ويثور في الذهن عدد من التسأؤلات المعرفية :
1_ أولها لماذا نهى النبي صلوات الله وسلامه عليه السائل عن الغضب فقط مع أن المعاصي كثيرة متعددة؛ والجواب عن ذلك أن هذا بيان للحكمة النبيوية للمصطفى صلوات الله وسلامه عليه والذي أوتي الحكمة وفصل الخطاب، حيث كان يغرس في طالب المعرفة ما يلزمه من الكمالات الإيمانية ، ولذلك فإن السائل كرر الطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يوصيه بشيء جديد وفي كل مرة يقول له لا تغضب، مما دفع الرجل للتفكير في تكرار الوصية النبوية له بعد الغضب ، فوجد أن كل الشر في الغضب ،وأشار الحافظ ابن حجر إلى روايةٍ للحديث وردت في مسند أحمد وصحيح ابن حبان:أن الرجل قال تفكرت فيما قال فإذا الغضب يجمع الشر كله(فتح الباري لابن حجر/10/520)
2_ السؤال الثاني : وهل الغضب خطير لهذا الحد حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم يكرر النهي عنه؟ والجواب عن ذلك واضح لمن نظر إلى المفاسد المتربة على الغضب، من العنف، والضرب، والشتم، والقتل، والطلاق ،وفساد حياة المجتمعات واضطرابها، قال الحافظ ابن حجر:» ومن تأمل هذه المفاسد عرف مقدار ما اشتملت عليه هذه الكلمة اللطيفة من قوله صلى الله عليه و سلم لا تغضب من الحكمة، واستجلاب المصلحة في درء المفسدة مما يتعذر إحصاؤه والوقوف على نهايته(فتح الباري لابن حجر/10/520)
3_ السؤال الثالث : كيف نفهم التكليف الوارد في الحديث من التحذير من الغضب مع أن الغضب ليس بيد الإنسان ،وإنما هو انفعال خارج عن سيطرة الإنسان ؟ والجواب عن ذلك بأن نفهم بأن الحديث يحذرنا من الوقوف مع أسباب الغضب والتفكير فيها، وعدم جعل انفعالات الغضب هي التي تسيطر على حركة الإنسان، وتغليب لغة العقل والحوار، والتفكير العلمي في حل الأزمات «قال الخطابي معنى قوله لا تغضب اجتنب أسباب الغضب ولا تتعرض لما يجلبه، وأما نفس الغضب فلا يتأتى النهي عنه لأنه أمر طبيعي»( فتح الباري لابن حجر/10/520)
4_ لذا فإن علماء الشرع بينوا علاج الغضب ،من خلا ل التفكير في فضائل الصبر، وضبط النفس، وكظم الغيظ ، والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، والوضوء لكي تبرد أعضاء الغاضب ، وتغيير الهيئة بأن يجلس إذا كان واقفا ، وأن يتفكر في قبح ما يصدر عن الغاضب ، وأن يتشبه بالأنبياء والصالحين في صبرهم وتحملهم وسعة صدرهم (موعظة المؤمنين للقاسمي/محمد جمال الدين القاسمي/ باختصار وتلخيص 1/315)
إنها دعوة لأبناء المجتمع عموماً ولطلبة الجامعات خصوصاً أن يكونوا أكثر من غيرهم وعيا ًلخطورة الغضب الناتج عن أسباب الكبر والتفاخر أو عند النزاعات ،وأن يفعّلوا قيم الحوار الحضاري من خلال ورشات عمل تدربهم عل الخطاب الإيجابي ، وحسن التصرف مع الآخرين، والتدرب على مهارات الكلام الإيجابي ، والاستماع للآخرين ، وإقامة الحجة على المخالفين بالعقل وليس باستعراض العضلات ، وفي هذا المجال لا يسعني إلا الثناء على ذلكم الشباب الواعي الذين يسارعون بالفكر لحل أزمات العنف الجامعي ،ولكن الأمر يستدعي تفاعل الجميع معهم للتخلص من هذه العلة الفتاكة.
المفضلات