د.يوسف مصطفى مشعل: أرشدنا الله في القرآن الكريم ثم على لسان رسوله الكريم المبعوث رحمة للعالمين إلى أهمية الوقت في حياتنا وأعمالنا، فنظم لنا الأحكام الشرعية وحدد لنا أوقاتها ومواعيد آدائها، وحذرنا من التساهل والتجاوز بها عن أوقاتها وتوقيتها وفي ذلك من الله تعليم وتربية لنا على تنظيم الأعمال، والقيام بها في مواقيتها المحددة، قال تعالى: « إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا « ومعنى كتابا : فرضا مكتوبا، وموقوتا: أي في أوقات محددة.
فمن هذا التنظيم الرائع، والتأكيد المهم تظهر أهمية الوقت في حياة المسلم، وهو رأس ماله الحقيقي الذي يحيا به، وينطلق إلى أعماله الصالحة بنشاط لتحقيقها، فالوقت أساس الحياة، وعليه تقوم الحضارة ويسأل عنه يوم القيامة، لذا فمن واجب المسلم ان يكون حريصا على تنظيم وقته، فيوظفه في الدعوة إلى الخير، ونشر الكمال والفضيلة، ويؤسس على ذلك تنظيم حياته الدنيوية والدينية، فيما يعود عليه بالحمد وعلى أمته بالرقي.
وقد غفل كثير من المسلمين عن هذا التوجيه الدقيق في تنظيم الوقت في الصلاة، والحج، والزكاة، والصوم، وزكاة الفطر، والأضحية، والسفر، والتيمم، والمسح على الخفين، والرضاع، والطلاق، والعدة، والنفقة، والرهن، والضيافة، والعقيقة، والحيض، والنفاس وغيرها.
فأخذوا يتعلمون أهمية ربط الأعمال بالتوقيت المناسب من غيرهم، وكثيرا ما تسمع من المسلمين يقولون عن دقة الموعد –موعد إنكليزي- رغم أن الإسلام سبق هؤلاء بتعاليمه، والحرص على الموعد واعتبر مخلف الوعد منافقا قال النبي: ((آية المنافق ثلاث منها : إذا وعد أخلف.......)) فشريعتنا الغراء علمتنا أداء التكاليف الشرعية في وقتها المحدد لها وأولها الصلاة. فالوقت من حيث هو معيار زمني : من أغلى ما وهب الله للإنسان في هذه الحياة، فمثلا هو في حياة العالم وطالب العلم رأس المال والربح جميعا، فلا يجوز للعاقل أن يضيعه هباء منثورا، ويعيش فيه هملا قال النبينعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ)
ويستطيع الإنسان الاستفادة من الوقت بصونه وحمايته من آفات الفراغ كالغفلة والتسويف وسب الدهر وعدم التنظيم له، والإنسان له قيمة بمقدار الفائدة التي يقدمها للآخرين سواء أكانت قولا سديدا أم سلوكا رائعا أم عملا صالحا مفيدا، أم دعوة إلى الحق تأخذ بأيديهم من ظلمة الباطل إلى نور الحق وضياء الفضيلة. خلق الله الإنسان ليؤدي رسالته للأحياء، ويستمر هذا العطاء وحتى بعد وفاته إن هو أتقى ذرية صالحة، أو علما نافعا، أو صدقة جارية.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له)) رواه مسلم. فالعلماء السابقون كانوا للأمة خير قدوة وكانوا نموذجا لكل فضيلة وسر ذلك اهتمامهم بقيمة الوقت الذي عاشوه ودقة تنظيمهم لنعمة الحياة الممنوحة لهم فضلا من الله ونعمة. يقول الحسن البصري : ((أدركت أقواما كان أحدهم أشح على عمره منه على درهمه)). وقال حكيم(من أمضى يوما من عمره في غير حق قضاه، أو فرض أداه، أو مجد أبقاه، أو حمد حصله، أو خير أسسه، أو علم اقتبسه فقد عق يومه وظلم نفسه)).
ولأهمية الوقت وضرورة الاستفادة منه، أقسم الله في القرآن الكريم بقوله : ((والعصر إن الإنسان لفي خسر...)).
قال الطبري: العصر : اسم الدهر وهو العشي والليل والنهار، وقال الرازي: أقسم الله بالعصر الذي هو الدهر والزمن لما فيه من الأعاصيب؛ لأنه يحصل فيه السراء والضراء والصحة والسقم والغنى والفقر والزمان من جملة أصول النعم فلذلك أقسم الله به، ونبه سبحانه على أن الليل والنهار فرصة ممنوحة للإنسان وأن الزمان أشرف من المكان فأقسم به لأن الزمان نعمة خالصة لا عيب فيها إنما الخاسر هو الإنسان، كما أقسم الله بأجزاء من الوقت كالفجر والضحى قال الله تعالى : (( والفجر وليال عشر)) (( والضحى والليل إذا سجى)) فالله إذا أقسم بشيء فإن ذلك من باب التنبيه وبيان عظم منفعة المقسم به.
المفضلات