على الرغم من الأدوار الكثيرة والجهود الكبيرة التي تبذلها الأم بين دورها التقليدي من جانب، وتحقيقها لذاتها في عملها خارج المنزل من جانب آخر، ما يزال الفكر التقليدي لدى البعض "يستبيح" حقوقها المالية.
"راتبك حق لي، مقابل سماحي لك بالخروج من المنزل"، كلمات زوج الثلاثينية هيفاء مهران نزلت كالصاعقة على مسامعها؛ إذ كانت تعتقد أن راتبها سوف يمكنها من شراء كل ما تحتاجه هي وأبناؤها.
وتلفت مهران إلى مدى استيائها من مبررات زوجها الذي يأخذ راتبها في كل شهر، ولا يترك لها مبلغا ولو صغيرا لتشتري به ما تحتاجه.
ويبدو الوضع أكثر سوءا مع الثلاثينية الموظفة، ورود نجم، التي لا تحظى حتى ببطاقة الصراف الآلي الخاصة بها، لأنها بحوزة زوجها منذ أن فتح لها حسابا في البنك.
"لا أعرف متى ينزل راتبي ولا الزيادات التي تضاف إليه"، مشيرة إلى أن ذلك هو شرط زوجها حتى يسمح لها بالعمل، وكأن وظيفتها في الحياة مقتصرة على خروجها إلى العمل، ولا حق لها في غير ذلك.
ولا يختلف حال الأربعينية كوثر صادق كثيرا، فهي الأخرى تدفع من راتبها كافة متطلبات المنزل، من إيجار البيت، وفواتير الكهرباء والماء، وكل ما يحتاجه المنزل من أغراض، ولا يتبقى لها من راتبها في النهاية سوى 10 دنانير.
"طبيعة عملي تستوجب أن أستلم راتبي بيدي، ولولا ذلك كان راح عليّ"، مشيرة إلى أن زوجها في كل مرة يحاول أن يخترع شيئا ما حتى تنفق العشرة دنانير المتبقية لها "خايف اغتني من وراهم".
أما الأربعيني محمد العابد فيجد أن عمل زوجته يأتي على حساب وقته وراحته، وهو ما يجعله يبرر لنفسه حق انتفاعه براتبها.
يقول العابد "أنا متحمل خروجها من البيت، وغيابها عن الأولاد، ومن حقي آخذ راتبها"، معتقدا أن الحصول على راتبها هو مقابل السماح لها بالخروج للعمل.
اختصاصي الطب النفسي الدكتور محمد الحباشنة يرى أن الدور التقليدي للمرأة، والذي كان يقتصر على تربية الأولاد، وتنظيف البيت، كان أخف وطأة عليها، لكن من حق المرأة أن تقوم اليوم بما يحقق ذاتها في الحياة".
ويشير الحباشنة إلى أن الوضع الاقتصادي للأسرة الأردنية يفرض العيش براتبين، وهو ما يترتب عليه عبء إضافي على المرأة. فهي إلى جانب المهام المترتبة عليها في المنزل تذهب لعملها وتنجزه بكفاءة.ويلفت الحباشنة إلى أن الحياة تفرض مشاركة الزوج والزوجة في دخل العائلة، إلا أن الرجل ما يزال يصر على دوره التقليدي، وعلى دور المرأة التقليدي أيضا والمتمثل في قيامها بواجباتها المألوفة كافة، وهو وإن كان يسمح بخروجها للعمل، بدعوى إيمانه بحقوق المرأة والمساواة، فإنه في المقابل يستمر في فرض هيمنته على مقدراتها المالية التي يعتبرها حقا من حقوقه مقابل ما يقدمه لها من حرية.
"المفروض أن يكون دخل الأسرة جمعيا يتحكم فيه كلا الزوجين"، وإذا كان خلافا لذلك ولا يحترم حق المرأة فيه فهو يولد لديها الشعور بالخوف والذعر وعدم الأمان. إضافة إلى أنه يهدد استقرار الحياة الزوجية في النهاية.
اختصاصي علم الشريعة، الدكتور منذر زيتون، يؤكد أن للمرأة ذمة مستقلة ماليا، وهو أمر "معروف شرعا، وعقلا وقانونا"، حيث "لا يجوز" التعدي على استقلال الذمة من دون إذنها، مشيرا إلى أن عمل المرأة "حق لها، وليس واجبا عليها".
ويبين زيتون أن العمل حق للمرأة، أي أنه خيار لها، وما تجنيه من مال هو حق خاص بها، سواء كانت متزوجة أو عزباء، ولا يجوز التعدي عليه، والانتفاع به دون إذنها.
"لا يجوز أخذ مستحقات المرأة المالية، وإن كانت متزوجة وزوجها فقيرا"، مشيرا إلى أن مشاركة المرأة زوجها في راتبها يجب أن تكون برغبة منها، وتعتبر عند الله صدقة للزوج والأولاد.
ويضيف زيتون أن الزوج الذي يسمح لزوجته بالعمل يجب ألا يستحوذ على حقها في ذلك العمل، مؤكدا أن الزوج الذي يتعدى على ذمم زوجته المالية، رغما عنها، يرتكب بذلك إثما عند الله.
ومن منظور علم الاجتماع يرى اختصاصي علم الاجتماع في جامعتي البلقاء التطبيقية، ومؤتة الدكتور حسين محادين، أن من حق الإنسان الذي يبذل جهدا، ويستنفد طاقة، أن يحصل على ما يكافئ هذا الجهد من المال، سواء كان أعزب أو متزوجا.
ويشير محادين إلى أن خروج الزوجة إلى العمل، رغم موافقة زوجها، لا تمنحه أحقية التصرف بالإكراه في راتبها، إذ إن من حق المرأة أن تتمتع بذمة مالية مستقلة، ولكن يستحسن من الزوجين أن يتوافقا على الاشتراك في إنفاق ميزانية الأسرة، من دخلهما معا.
"من الضرورة أن ندرك أن من حق الزوجة أن تتصرف براتبها"، ويحق لها المساندة في ميزانية الأسرة. أما الفهم الخاطئ فيتجلى في عدم فهم بعض الأزواج لأهمية الشراكة على أساس السكينة والحسنى. إن ما تجلبه المرأة من دخل هو رافد مهم ينتفع به جميع أعضاء الأسرة.
المفضلات