ـ مقدمة البحث.
ـ رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمشركين.
ـ حقائق الفتوحات الإسلامية.
الحكمة من إعلان النبي الكريم نيته بمهاجمة مكة قبل أربعة أشهر.
معركة تبوك.
معركة بدر.
هل أخطأ أبو بكر الصديق بمهاجمته الفرس والروم في وقت واحد.
فتح العراق والشام.
معارك المسلمين مع الروم.
ـ لم يشهد التاريخ فاتحاً أرحم من المسلمين (حقائق تاريخية مقارنة بين المسلمين والصليبيين).
ـ رحمة النبي الكريم شملت الإنسان والحيوان.
ـ مسائل شرعية استعص فهمها على علماء المسلمين وانتقدها الغربيون.
الحكمة من زواجه صلى الله عليه وسلم أكثر من زوجة.
تعدد الزوجات في القرآن الكريم هدف إنساني كامل.
الطلاق في الإسلام هل هو هضم لحقوق المرأة كما يراه البعض؟!
بحث الميراث.
سمو الحجاب في الإسلام.
الرق.
ـ تعليق المؤلف اليهودي أوري أفنيري على خطاب البابا بندكت في خدمة الرئيس جورج بوش.
ـ شهادات بعض المستشرقين وكبار علماء الغرب والشرق بحق الدين الإسلامي.
مقدمة البحث
في خضم هذا العصر المترف ومن خلف حجاب المادة الكثيف التي طغت على النفوس فسلبت منها بريقها النوراني الرباني الأزلي، فأبعدت قلوبها عن مصدر السعادة والحياة القلبية عن الرحيم مصدر كل الصفات الإنسانية عن خالقها الله، فبات الناس يتخبطون في ظلمات المادة مبتعدين في نهجهم عن شريعة خالقهم، داثرين فطرتهم الطيبة في غياهب المادة وشقائها لا يهمهم إلا التمرغ في أنواع الترف والعب المتواصل من ملذات الدنيا الدنية سكارى بملذات الدنيا عن حقيقتها المرعبة وقسوتها اللاإنسانية، وهنا الطامة الكبرى حيث حل الصراع على المادة وكأن الدنيا هي دار الحياة الأبدية، فضاعت الأخوة الإنسانية ونسي الناس أباهم العظيم ذلك الرسول الكريم سيدنا آدم عليه السلام، نسوا أنهم أخوة لأب واحد، الأبيض منهم والأسود الشرقي والغربي العربي والروسي والفرنسي والإنكليزي...
لقد بات الأخ عدواً لدوداً لأخيه... ضاعت الشريعة السماوية التي أنزلها خالقنا حتى نبقى على هدى وأمان وسلامة في حياتنا ومن ثم في آخرتنا الأبدية، فحل الضياع والتخبط العشوائي في هذه الحياة وبات الناس في مرارةٍ وعيشٍ ممجوج وذلك لبعدهم عن خالقهم وإعراضهم عن ذكر شريعته.
وبات الدين غريباً، ابتعد الناس عن نهج الإسلام الصحيح وتطبيق شرائعه القويمة، واستهجنوها ولم يروا حقيقة هذا الدين السامي لأن من يطبق هذا الدين ذاته أصبح في بعد عن نهجه السليم، وبضياعٍ عن فهم حكمه العالية وسننه السامية الهادفة، فلم يبق من الإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه، وألصق بهذا الدين السامي الجامع لبقية الأديان في طياته والخاتم لها في كماله وشموله، أُلصق فيه سفاسف وأمور ما أنزل الله لها ولا رسوله طبقها، ألصقت برسوله الكريم قولاً أو فعلاً وهو بريء منها كل البراءة قولاً أو فعلاً، فكل ما يخالف كتاب الله تعالى هو براء منه صلى الله عليه وسلم.
شرائع كثيرة ذكرها تعالى في كتابه الكريم (القرآن) وقفت المجتمعات أمامها حيارى عندما لم تدرك الحكمة منها، ومن جهل شيئاً عاداه، وحتى علماء المسلمين وقفوا عاجزين عن شرح حكمتها العالية العظيمة الإنسانية الرحيمة.
حقيقة ما شريعة الله في الأرض إلا للسعادة دنيا قبل الآخرة، والرسول الكريم رسول الإنسانية العظمى صلى الله عليه وسلم عندما كان يعلّم شرائع الله وأوامره لصحبه الأبرار كان يعلمهم إياها والحكمة منها {...ويعلمهم الكتاب والحكمة...} لأن من طبيعة النفس البشرية أنها لا تركن لأمر إلا عن قناعة، فتطبقه عن رضى.
من تلك المعضلات التي وقفت المجتمعات حيارى أمامها ولم تفهم مغزاها وقوتها في الدين الإنساني الإسلامي: قضية تعدد الزوجات ـ الطلاق ـ الغاية من حجاب المرأة ـ قضية الرق ـ قضية ميراث المرأة ـ زواجه صلى الله عليه وسلم من تسعة زوجات ـ الجزية... وقضايا كثيرة تتعلق في فهم آيات قرآنية فهماً خاطئاً وخاصة ما تعلق منها بمسألة الفتوحات الإسلامية والمعارك التي خاضها المسلمون.
معضلات وقف أمامها حتى علماء المسلمين عاجزين عن فهم حكمتها وإن طبقوها... عاجزين عن تبيان حقيقتها السامية لغيرهم ممن استهجنها وابتعد عنها فعن الإسلام بالكلية وذلك لأن النفس البشرية مجبولة على الكمال فإن عاينت نقصاً في أمر ما فإنها وبعفويتها تبتعد وتنفر منه... وذلك حتى تفهم الحكمة العالية الكاملة فيها.
وهكذا حتى ظهر علامتنا الإنساني الكبير مجمد أمين شيخوقدس سره، الذي استنار قلبه بنور الله وازدان بمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فبين حقائقاً كبرى وحكماً إنسانية عظمى في هذا الدين غابت عن العلماء والفلاسفة، أعادت لهذا الدين السامي حقيقته وجوهره العظيم في زمن ضاعت فيه معانيه العالية وسِيء فهمه ولم يبق منه إلا اسمه ومن كتابه العظيم إلا رسم حرفه. لقد بين من خلال الكتاب المقدس القرآن حلول هذه المعضلات وصحح فهم الكثير من النقاط والأمور التي ساء فهمها. لقد بيّن بفهمه العالي لكتاب الله والحكمة من أوامره: لم خلق هذا الكون، وما قيمة هذه الحياة وهدفها، لم شريعة الله في أرضه، ما الحكمة من فروض الله من الصلاة والصيام والحج والزكاة... لم الموت وماذا حقاً بعده... لم الحج في صحارى لا ماء فيها ولا شجر ولم الطواف حول الكعبة، وما رمزية رمي الجمرات ومدلول الوقوف في عرفات... لم الجوع والعطش مدة اثنتا عشر ساعة ولشهر كامل من كل سنة.
لم الحجاب ستر المرأة عن الاختلاط ما الحكمة، لماذا تعدد الزوجات ومتى أُبيح ولماذا، لم الطلاق، وما هي الحكمة الإنسانية من فرض الجزية ـ ولماذا الرق في الإسلام ـ ولماذا جعل الله نصيب المرأة نصف الرجل في الميراث وقضايا كثيرة أغلق فهمها على العلماء والفلاسفة حتى جاء هذا العلامة الإنساني الجليل بالحكمة منها وبفهمها العالي وذلك بما استنار قلبه بنور الله وكشف الله عن بصيرته فشاهد بنور ربه ومحبة رسوله حقائق آيات الله العظيمة والحكمة من شرائعه وأوامره.
ومن خلال بحثنا هذا سنسير بالنقاش والحوار العلمي ونأتي على أهم المسائل والمعضلات المغلقة الفهم، فنكشف اللثام عن حقائقها التاريخية العظيمة مستندين بذلك إلى البحوث الإنسانية التي بينها العلامة الإنساني محمد أمين شيخو مستهدياً بكتاب الله العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمشركين
البداية ستكون مع مسألة ذات أهمية كبيرة تتعلق باتهام الدين الإسلامي بالقسوة والشدة والعنف والتعدي... ورداً على هذه الاتهامات نقول:
إن الظن خاطئ عندما ننظر إليه بعين الواقع. فأول كلمة في الدستور الإسلامي: وهي آية البسملة {بسم الله الرحمن الرحيم}، تدعو إلى الرحمة وليس إلى العنف والقسوة.
ونجد في أول سورة في الكتاب الإسلامي المقدس، القرآن الكريم، دعوة محضة إلى الرحمة تتجلّى بقوله تعالى: {الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم}. فهو يعامل كافة العالمين بالرحمة لأنه تعالى ذاته رحيم.
فإذن قاموس وناموس الإسلام قوامه الرحمة وليس العنف ولا الشدة، فقوته تعالى محوّلة كليّاً للرحمة (إلا بالدفاع عن النفس ودفع العدوان والتعدي) والآية الصريحة وشاهدنا قول الله في كتابه الكريم يخاطب رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بتلخيص وظيفته الدنيوية حصراً بالرحمة، وليس بالتعدي ولا القسوة إذ قال تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين}.
وصف تعالى رسوله بالقرآن الكريم بما يحمله في قلبه تجاه المشركين قبل المؤمنين بآية: {لقد جاءكم}: أيّها المشركون بما فيهم أهل الكتاب من نصارى ويهود {رسولٌ منْ أنفسكم عزيزٌ عليه ما عَنِتُّمْ حرِيْصٌ عليكُمْ} أنتم أيها المشركون، بعدها {بالمؤمنين رؤوفٌ رحيمٌ}، فقد رحِمَ المشركين قبل المؤمنين.
والقانون الإسلامي عام، وبما أنّه صلى الله عليه وسلم رحمةٌ للعالمين فما خصّ صلى الله عليه وسلم المؤمنين من المشركين أو عبادَ النيران أو البقر أو غيرهم، فهو رحمةٌ للناس جميعاً يخرجهم من الشقاء إلى السعادة.
كان صلى الله عليه وسلم يورّي في القتال رحمةً بالمشركين وبالمؤمنين، وبذا فقد حقن دماءهم، وهداهم للإيمان؛ وهكذا عندما كان يريد صلى الله عليه وسلم أن يغزو بلداً ما قد اعتدوا على المؤمنين كان يبعث بالأخبار بأنّه عازمٌ على غزو بلدٍ مغاير وباتجاهٍ معاكس، حتى إذا اطمأن أهلُ البلد الذين هو قاصدهم أتاهم بغتةً على حين غفلةٍ في التفاف عسكري في ضحى النهار، حيث الرجال وقد خرجوا لأعمالهم ولم يبقَ إلا النساء والشيوخ والأطفال، وبالتالي لا مقاتلين ولا قتال بل ولا مقاومة تذكر فيستسلموا فرادى ويقبلوا بالحق، فيحقن دماء الطرفين وهذا أسلوبه صلى الله عليه وسلم ، وتلك خططه الرحيمة دائماً من أجل حقن الدماء، فهو صلى الله عليه وسلم لا يريد أن يريق دم كافر ولا مؤمن وحريصٌ على عدم قتل الكافر رحمةً به إذ بقتله سيؤول لعذاب الآخرة و صلى الله عليه وسلم يريد له الهداية والسعادة في الجنات.
حقائق الفتوحات الإسلامية
الحكمة من إعلان النبي الكريم نيته بمهاجمة مكة قبل أربعة أشهر:
لكنه فقط صلى الله عليه وسلم أعلن هجومه المستقبلي على قومه في مكة قبل أربعة أشهر، وكان هذا الإعلان على الملأ بأن الهجوم المقبلَ على مكة محضَ الرحمة بالمشركين ليخافوا ويرجعوا للحقّ، حيث لم تبقَ مع قريش أيةُ قوةٍ تناصرهم في الجزيرة العربية وبالفعل أحدث هذا الإعلان نتائج صاعقة فقد خاف الكثير من أهل مكة، ومنهم خالد بن الوليد وأسلم هو وفلذة أكباد قريش وعادوا للحق، عندها جمع صلى الله عليه وسلم كافّة جيوشه ودخل بهم مكّة علانيةً دون إسالة قطرة دم واحدة.
فرحمةً بأهل مكة الذين كانوا بمنتهى الضعف والاضمحلال ولا قوةَ أبداً لديهم، وضع ثقله بكثرة الجيوش عطفاً عليهم ليخافوا فلا يخرجوا للقتال لئلا يُقتَل أحدٌ من المشركين ويذهب إلى النار بدل الجنات وهكذا فقد رجعوا للحق وعفا عنهم.
ومن بالغ رحمته صلى الله عليه وسلم أنه أغدق على ألدّ خصامه في مكة والذين كانوا يتآمرون على قتله عندما كان فيهم ويناصبونه العداء ويصدون الناس عنه ويجمعون العرب لحربه ويحملون السلاح في وجهه بالأمس، أغدق عليهم العطايا والإكرام بل منحهم عطاءً بدون مقابل، مئات الجمال لكل من أعدائه على مبدئه الرحيم صلى الله عليه وسلم: «أحبوا أعداءكم»، لقد أعطى صلى الله عليه وسلم أعداءه الأعطيات الكبيرة خاصة بعد انتصار حنين، ووزع الأموال عليهم رغم أن لا شوكة ولا قوّة لديهم، ولم يعطِ منها أصحابه الكرام رضي الله عنهم رغم عظيم محبّتهم له صلى الله عليه وسلم ، وبذا لا بالقسوة ألّف بين قلوبهم فأصبحوا جميعاً إخواناً متحابّين.
معركة تبوك:
وفي وقعة تبوك، وهي آخر الغزوات التي شارك فيها صلى الله عليه وسلم؛ تتجلّى الرحمة بالأعداء بأجلى معانيها ولو كانوا من أعظم الدول العالمية في ذلك الحين، لقد جهّزت هذه الدولة العظمى (الدولة الرومانية والتي كانت تحكم نصف العالم المعروف في ذلك الوقت تقريباً) جيشاً عظيماً تريد القضاء المبرم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ودينه الناشئ، والذي صار يشكل خطراً على حدودهم الجنوبية، وكان ذلك في سنة شديدة الحرّ ومجدبة، وقد أخطأ الرومان من حيث لا يعلمون في اختيارهم القتال والغزو في هذه السنة، وكان يمكن له صلى الله عليه وسلم أن يتركهم يدخلوا الصحراء الحارقة ليموتوا فيها من الحر والعطش، حيث إنهم لم يعتادوا من قبل على مثل هذه الظروف القاسية، ومشى صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الصحراء الحارقة حرصاً على حياة أعدائه لئلا يموتوا ومصيرهم النيران بالآخرة ولأن الله ينصره بالرعب فلا يراق دم من الفريقين وهكذا تمّ، فقد فرّوا بالرعب من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «نصرت بالرعب مسيرة شهر». إنّه الرحيم صلى الله عليه وسلم الذي يريد للبشرية السعادة والفوز بما أعده الله سبحانه وتعالى لها من الإكرام في الجنات العلا، لا يريد لها الخسارة الدنيوية والأخروية والحرمان من إكرام الرحيم الرحمن. لقد قذف تعالى الرعب في قلوب أعدائه عندما وصلتهم الأنباء الغير متوقعة أن عدوهم خارجٌ إليهم من قلب الصحراء بكامل جيوشه وكلّه حزمٌ و عزمٌ وتصميم وإصرار على دحرهم والإطاحة بهم. ودّوا الفرار فهربوا دون مجابهة ولا قتال لا يلوون على أحد. وكانوا كما وصفهم القائل: "يود المرء فيهم لو أنه يُعار جناحي طائر فيطير".
وهكذا كانت موقعة تبوك أشهر المواقع لم يقتل فيها صلى الله عليه وسلم ولا رومانياً واحداً ولكنه انتصر عليهم وهربوا فراراً فقط بالرعب.
معركة بدر:
وقد جمع المؤرخون ومنهم حسين هيكل أعداد القتلى منذ بداية معركة بدر إلى نهاية الحروب في الجزيرة العربية فلم يتجاوز عددهم ثلاثمائة بين قتيل وجريح وتم نصر الإسلام الرحيم، فأين دعوى من يدعي أن دين محمد دين السيف!
ونحن نقول: محمّدٌ (عليه السلام) وليس عليه الحرب والقتال وسفك الدماء، وليس ذلك فحسب بل إنّه صلى الله عليه وسلم لم يقتل في حياته الشريفة أحداً أبداً إلا ذاك الذي سمّاه وتحداه فقتل نفسه.
هل أخطأ أبو بكر الصديق بمهاجمته الفرس والروم في وقت واحد:
قد يعتبر كل قادة الجيوش بالعالم أن أبو بكر أخطأ في مهاجمته الفرس والروم في حربهم العالمية الثالثة وكان من الأحق و الأصح حربياً وسياسياً لتحقيق النصر أن يترك أعداءه يقتتلون حتى يفنوا بعضهم، فيخرج المنتصر منهم ضعيفاً متهالكاً، عندها ينقض بجيشه عليهم فيفنيهم ويأخذ بلادهم، لكن أبا بكر، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخليفته الذي لم يحد عن منهجه الرحيم، خيّب ظنهم إذ دخل على القوتين الكبريّتين العالميّتين بجيشين صغيرين جداً بالنسبة لهما وانتصر، فأسكت نصره الألسنة أن هذا خطأ حربي "بنظر قادة العالم"، ولم يعلموا أنه اشتق من رحمة رسول الله رحمة عليهم ولكافة بني البشر، إذ بدخول جيشي المسلمين على هاتين الدولتين، لن تقتتل هاتان الدولتان مع بعضهما ولن يبطش بشدة وقسوة عظيمة كلٌّ منهما بعدوّه بل سينشغلان بحرب جيش المسلمين، و المسلمون سينصرون لا بسفك الدماء ولا بكثرة القتلى ولكنهم ينصرون بالرعب كما أشار الله في كتابه العزيز: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا...} سورة آل عمران (151).
وبالرعب يُوفّر سفك الدماء لأنه لو تُرك الفرس والروم يقتتلان لذهبت جنودهما حتماً إلى النار الأبدية بالآخرة وخسروا الدنيا والآخرة والله يريد لهم السعادة والجنات كذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا أبو بكر والصحب الكرام رضي الله عنهم كلهم كانوا علماء فقهاء رحماء بإخوانهم بني البشر، لذلك وبما أن النصر من الله وحده، والنصر كان يتم بالرهبة و الرعب كما بالآية الكريمة (60) في سورة الأنفال: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ...}: أي النصر للمسلمين يتم بالرهبة فقط قام المسلمون بالدخول على هاتين الدولتين بآن واحد دون أدنى تردد.
فتح العراق والشام:
كذا دخولهم هذا على هذه الدول بالعراق والشام لم يكن من قبيل التعدي والتدخل في الشؤون الدولية الخارجية، بل كان دخولهم تحريراً لأراضي العرب التي اغتصبتها هذه الدول من أهلها وحكموها وتكبّروا على أهلها وتجبّروا ونهبوا خيرات بلادهم أمام أعينهم.
لقد كانت العراق والشام بلاد عربية وأهلها عرب، إلا أن طغيان الدول العظيمة في ذلك الوقت وتصارعها على بسط النفوذ في العالم جعل العراق تحت حكم دولة كسرى ـ عباد النارـ وجعل بلاد الشام تحت حكم النصارى الرومان. فلم يشأ الصحب الكرام رضي الله عنهم أن يتركوا أخوتهم العرب تحت نير الاستعمار والذل للأعاجم وفي أرضهم. فتدخلوا لردع المعتدي وإخراجه إلى أرضه، وليعيدوا الحق إلى نصابه.
وخلاصة القول أنهم كانوا بقتالهم رحمةً على عدوهم، إذ يفر العدو ولا تُسفك الدماء، والدليل على ذلك المعارك التي خاضها خالد بن الوليد الإحدى عشر في بلاد العراق تجاه مئات الألوف ما كان يُقتل من الطرفين إلا القليل القليل، إذ يحلّ الرعب في قلوب أعداء الله فيفرّون هاربين، إذ لو قتل خالد بن الوليد جنود الفرس لما بقي هناك جنود لمعركتي القادسية ونهاوند وغيرها ولكنه ما كان ليحدث قتل ولا سفك دماء على الغالب لأن غاية المؤمنين الهداية لا أموالهم أو أراضيهم أو أعراضهم لذا كان يحلُّ الرعب والرهبة فتتوفر الدماء لأن دين الإسلام دين الرحمة، واسمه الإسلام من السلام لا من التعدي والعنف والطغيان وكما ورد في الكتاب المقدس القرآن: الله هو السلام، عكس ظن من أخطأ من الأجانب بأنه تمّ بالقتل وسفك الدماء، والقرآن يقول {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ...} سورة يونس (25).
والله في دستورنا القرآن لا يحب المعتدين {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِن اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} سورة البقرة (190)... فكيف يزعمون بأن انتصارات المسلمين، واسمهم المسلمون وهو من المسالمة لا من الحرب والمخاصمة، كيف يتهمونهم بالقسوة والعنف!!
والدليل على مسالمتهم أن كافة الشعوب التي انتصروا عليها أصبحوا محبين مسلمين وتبنَّوا الإسلام أكثر من المسلمين السابقين إذ أصبحت دمشق عاصمة العصر الذهبي للإسلام. وتقبّلت أممُ الأرض حتى الصين هذا الدين الرحيم ولو بُني ـ على حساب الزعم الخاطئ ـ على العنف والقهر لقابلته الشعوب التي أسلمت بالعنف والقتال ولكنهم تبنوه واستقبلوه وأصبحوا هم أهله و حُماته، لقد تبنّته شعوب الأرض أكثر من العرب كالمماليك والأكراد والأتراك العثمانيون والتتر وشعوب الهند والسند ودول روسيا وتركستان والصين وغيرها.
معلوم أن ألمانيا كانت تستعمل الشدة والقسوة في البلاد التي احتلتها حتى أن البلدان الإسلامية وغيرها التي كانت تحت نير الشيوعية وشدتها بالحرب العالمية الثانية وحينما انساح الألمان على روسيا سارعت هذه البلدان لمساعدة ألمانيا ضد الشيوعية ولكنهم عندما ذاقوا قسوة الألمان وجدوا أن الشيوعية أرحم فانفكّوا عن مناصرتهم، وهذا الأمر معلوم تاريخياً.
لقد كانت ألمانيا كلما دخلت واحتلت قطراً من الأقطار نقص عدد جنود جيوشها وبدأ الضعف يسري شيئاً فشيئا وبالتدريج، إذ كلما فتحت قطراً وضعت حماية فيه لئلا ينقلبوا عليها بسبب قسوتها في معاملتهم، عكس الإسلام الرحيم الذي كان كلما افتتح بلدة ظالمة متعدية انقلب أهلها للإسلام وأصبحوا من جنوده المخلصين؛ فكانت الفتوحات تترى ويزداد ويغنى الإسلام بزيادة المقاتلين ومعروف أنه لما أنقذ صحب رسول صلى الله عليه وسلم الشام قُتل منهم عشرة آلاف فبقي عشرون ألفاً، وبعد فترة زمنية قصيرة لا تتعدى الشهرين عندما عادت الروم للبقاع بجيوش ضخمة لجبة خرج سبعون ألفاً لقتالها فمن أين جاء الخمسون ألفاً زيادةً عن عدد جيش المسلمين الذي دخل الشام! أضف إلى ذلك أن الجزيرة العربية لا تستطيع أبداً جمع خمسين ألفاً وهؤلاء أصبحوا سبعين ألفاً! كل ذلك بسبب معاملة المسلمين الإنسانية.
ذلك أن أهل الشام لما شاهدوه من رحمة المسلمين وعطفهم وإحسانهم انضموا إليه ونصروهم حتى غدا العصر الذهبي للإسلام ينبع من دمشق عاصمة الشام إلى الهند والصين، ناهيك عن رحمتهم وطيب عنصر أخلاقهم، أمّا الصينيّون سمَّوا الطريقَ الذي أتى منه المسلمون بطريق الحرير، وغدا للمسلمين شأن عند أباطرة الصين بحيث أنه وكما هو معلوم تاريخياً إذا اضطر مسلم لقتل صيني ففديته (أعزكم الله) حمار عند الإمبراطور، أما العكس إذا قتل أحد الصينيين مسلماً فكان جزاؤه قتله وقتل حمولته الذين يؤازرونه وأنتم تعلمون قول القائل "ما عرف التاريخ فاتحاً أرحم من العرب".
ومن المعروف عموماً وتاريخياً أن الذين أسلموا من دول الكرة الأرضية أسلموا عن طريق التجارة والمعاملة الحسنة الرحيمة أكثر عدداً بكثير ممّن أسلموا بالقتال.
معارك المسلمين مع الروم:
في وقعة اليرموك جمع هرقل كبير الروم جيوش اثنتي عشرة دولة للقتال في هذه الوقعة، والتي هي بمثابة الحرب العالمية بالعهد القديم. من تلك الجيوش والدول التي كانت تابعة لروما فكان هناك جيش السلاف (الروس) وجيش الأرمن الشرس بالقتال وجيش الأوربيين ويضم هذا الجيش جيوش إسبانيا وفرنسا وغيرها من الدول الغربية وبقية الجيوش، إذن اسبانيا كانت تدور في فلك روما حتى أن الإسبانيين والأوربيين هم أبناء الرومانيين وهم يعتزون بآبائهم العظماء الرومان حتى الآن، وروما كانت في قتال دائب مع المسلمين العرب الذين حرّروا بلاد العرب من الاستعمار الروماني، ومنها بلاد الشام التي حرروها من الروم، وبما أن الروم ما كانوا ليكفّوا عن الهجوم على ثغور الشام وإعمال القتل والخطف فيها ثمّ يفرون سراعاً، لذا قام الحجاج بن يوسف الثقفي باستعمال المراصد الفلكية لكشف الجيوش المعتدية على الثغور الإسلامية ووضع الكمائن لصدِّهم عن القتل والسلب والنهب من جهة، ومن جهة ثانية أراد أن يُنهي هذا العدوان من الأصل وذلك بأن يهاجم القسطنطينية عاصمة الروم الشرقيين والغربيين، وذلك بالالتفاف على روما عن طريق إسبانيا (الأندلس) التابعة لروما والدخول والعبور منها لمحاصرة القسطنطينية من جهة ومنع المدد عنها ومهاجمتها أيضاً من الجهة الأخرى من قِبَل بلاد الشام: وهذه خطة قتالية بين دولتين متقاتلتين.
والحقيقة أن روما بعد هزيمتها وخروجها من سوريا ما كانت لتكفّ عن العدوان على ثغور بلاد الإسلام وإعمال القتل والخطف والنهب مما اضطّر الحجاج أن يرسل قادته موسى بن النصير وطارق بن زياد للالتفاف على القسطنطينية عن طريق الأندلس.
إذن لم يكن هناك ثمة عدوان من المسلمين على اسبانيا إنما هي حروب لردع العدوان نهائياً عن ثغور الشام وإلى الأبد.
طبعاً هذا الحصار للقسطنطينية لم يتم لأن الخليفة الجاهل سليمان بن عبد الملك كان قد نال الخلافة بالوراثة لا بالاستحقاق فكان لا يفهم كيف ينصر بلاده على العدو المغتصب، بل كان يحقد على الحجاج (فاتح السند والهند وبلاد ما وراء النهر ومشكّل ومنقّط القرآن الكريم "الكتاب المقدس") وذلك لضعف بصيرة سليمان، بل بالعكس جاء بهؤلاء القادة العظماء وسجنهم في دمشق وأوقف فتوحاتهم، وقتل القائد الأكبر (قتيبة بن مسلم الباهلي) فاتح بلاد الصين ومملكة بخارى وحوض نهرجيحون وبلاد الصغد وخوارزم، وسمرقند و بلخ والطالقان وكاشغر، وكاشان...
إذن لم يكن هناك ثمة عدوان قطعاً على اسبانيا من قبل الإسلام إنما هي مناورات عسكرية وحركات التفافية على الدولة الأمّ روما التي لم تكنْ لها شكوى إلا أن العرب المسلمين حرروا بلاد الشام العربية من نيرها وطغيانها.
كان هذا مطلبَ أهل الشام إذ انضموا لدين الرحمة الجديد وفضّلوه على حكم روما القاسي،كما في حمص وقبل أن يجلو عنها المسلمون أعاد أبو عبيدة الجزية إلى أهلها لأنه كان قد أخذها لحمايتهم والدفاع عنهم والآن لا يستطيع أن يحميهم لذلك أعاد إليهم أموالهم وذهب لملاقاة الرومان على اليرموك وما أن أراد الرومان الدخول إلى حمص حتى أوصد أهلها الأبواب في وجوههم، وقالوا لا نريدكم بل نريد المسلمين الرحماء، ثم فتحوها على مصراعيها للفاتحين المسلمين الرحماء ورفضوا حكم الرومان القاسين المستبد.
وكما في دمشق إذ شارك أهلها بخمسين ألف مقاتل مع جيش خالد بن الوليد البالغ عشرين ألفاً بالمعركة بالبقاع ضد الرومانيين.
حقاً لم يشهد التاريخ فاتحاً أرحم من المسلمين (حقائق تاريخية مقارنة بين المسلمين والصليبيين)
لو بحثنا في كتاب الإسلام (القرآن الكريم) لوجدنا بالآيات الصريحة أن مشيئة الله هي الرحمة لا الحرب ولا القتال فالإنسان نسيج الحضرة الإلهية فهل يعقل أن يصنع امرؤٌ ما صنعاً بديعاً ثمّ يأمر بتحطيمه! طبعاً لا يفعل هذا ذو عقل، والآية تقول أن الله تعالى منح الإنسان الخيار والإطلاق ليعمل الإنسان الخير بإرادته فيكسب به نوال الجنات أمّا القتل والحرب فهو من صنع الإنسان لا إرادة الله لكنه تعالى لا يجبر فالآية الكريمة في سورة البقرة (53) تقول على لسان حضرة الله ورسوله: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِن اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ}: ولا يريد إلا الخير والرحمة لعباده.
إذن فالله هو الرحمن الرحيم والقسوة وسفك الدماء هي من صنع الإنسان المعرض عن الرحيم، وقد ذُكرت كلمة {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا} مرتان ما يدلّ على أن الإسلام دين الرحمة لا دين السفك والقسوة.
ودليلٌ عملي واقعي على مدى ثلاثة عشر قرناً حيث كان الإسلام بمعظم هذه الفترات هو المسيطر تقريباً على العالم؛ بالصدر الأول وبعهد الأمويين وبعهد العباسيين والسلجوقيين وأخيراً بعهد العثمانيين الأوائل لا الأتراك المتأخرين، و مع أن الإسلام في تلك العهود والأحقاب والقرون هو الدولة الضاربة الأقوى في العالم، مع ذلك تتجلى الرحمة التي يفيض بها الإسلام على الديانتين السماويتين اليهودية والنصرانية، فقد أبقى لهم كنائسهم ومعابدهم وحريتهم الدينية المطلقة ناهياً إياهم فقط عن إشاعة الفساد والتعدي على حريات الآخرين، فظلّت طقوسهم ونواقيسهم تُقرع في عواصم الدول الإسلامية وبلدانها وقُراها دون إجبار ولا إكراه حتى يومنا هذا، عكس ما رأينا مع بالغ الأسى في قتال الصرب ضد المسلمين لإنهائهم عن بكرة أبيهم وهدم معابدهم وطلبهم أن تكون هناك أوربا خالية من المسلمين ولك الحق في المقايسة بين الفريقين أيهما أرحم. فدين الإسلام هو دين الرحمة لا دين السيف، لأنه من الرحمن الرحيم جلّ شأنه.
ولو قارنا مقارنة ثانية بين معاملة الإسلام لأهالي البلاد التي فتحها وما قامت به محاكم التفتيش في إسبانيا، لعلمنا ما ينبض به الإسلام من رأفة ورحمة ببني البشر.
ففي إسبانيا صدر مرسوم يحتم تنصير كل مسلم جبراً وإكراهاً عام (1533) ميلادي وعقاب من خالف بالرق والاستعباد مدى الحياة (لطفاً ارجعوا لكافة كتب تاريخ العالم)، أمّا محاكم التفتيش النصرانية فقد تعسفت بشكل مذهل في أعمال التعذيب والإعدام حيث كانت تحرق المسلمين بصورة جماعية في مواكب الموت.بل وتحرق عائلات بأكملها بأطفالها ونسائها. حتى أن هذه المحاكم تحاكم الموتى فتنبش قبورهم، وكان أعضاؤها يتمتّعون الحصانة الكاملة رغم كل ما يفعلونه من فظائع.
ترجى المقارنة بين ما فعله الأسبان النصارى أحفاد الرومان بالمسلمين حين انتصروا عليهم وذلك بعصر نهضتهم بالقرون الوسطى وما فعله المسلمون بنصارى الشام والعراق من رحمة وعطف وحماية وتركوا لهم حرّية المعتقدات وأبقوا لهم كنائسهم وأديرتهم وتسامحوا معهم التسامح الكلي بل وكانوا يرتّبون لفقرائهم ومساكينهم رواتب شهرية تقاعدية محققين التكافل الاجتماعي الإنساني الرحيم و لاتزال الكنائس والأديرة منذ ما يزيد على (1400) عام وحتى الآن في كافة البلاد الإسلامية المفتوحة مشارق الأرض ومغاربها.
نظرة ثانية لإسبانيا، ففي (5/1611) ميلادي صدر قرار للقضاء على المتخلّفين من المسلمين في بلنسية يقضي بإعطاء جائزة ستين ليرة لكل من يأتي بمسلم حي، وله الحق في استعباده، وثلاثين ليرة لمن يأتي برأس مسلم قتل. (حقائق معلومة تشهد بها تواريخ العالم).
والتاريخ سجّل البشاعة والشناعة والفظائع التي ارتكبها الصليبيون بحق سكان القدس عندما احتلوها، فهل فعل صلاح الدين فعلهم وانتقم لما أسالوه من بحور الدماء؟! أم قال قولة معلمه معلم الرحمة «اذهبوا فأنتم الطلقاء»...فهل الإسلام دين سيف أم دين الرحمة والإنسانية؟!
ولم يلجأ المسلمون حتى منذ نشأتهم إلى القتال إلا للدفاع عن النفس والمبدأ لدفع المعتدي، وما ردّوا عن أنفسهم العدوان حتى جاءهم الإذن من الله بعدما ظُلموا، لقوله تعالى في القرآن الكريم: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِن اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} سورة الحج (39). وهذا لرد العدوان عنهم وعن أموالهم وأعراضهم ومبدئهم.
يقولون: "أنه من لا يمشي بدين محمد فهو ضدّه وعدوه" ولو كان هذا القول صحيحاً، وهو خطأ،لأزالوا الكنائس والمعابد النصرانية وهذا لم يحدث فلا صحة لهذا القول، بل جعلوا من أنفسهم حماةً للنصارى واليهود يدفعون عنهم العدوان ويطيعون قول رسولهم الرحيم صلى الله عليه وسلم: «من آذى ذميّاً فقد آذاني»، فهو بالنصارى واليهود رحيم، وهذا الواقع العملي فمن ينكر الواقع إلا مخطئ!
والحقيقة أن هذه نظرة الغرب فنسبوا ما فيهم إلى أرحم الخلق الذي أرسله رحمةً للعالمين ودستوره القرآن الذي يقول: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} سورة البقرة (256).
حتى أن عمر بن الخطاب رغم تعدي الفرس على ثغور الإسلام بالعراق ما زاد على الثلاثين من التعديات وخرق الحدود وهو يرفض أن يقابل هذا العدوان بالقتال؛ حتى علم من الأحنف بن قيس أنّه إن لم يصدهم عن عدوانهم فلن يكفّوا حتى يُزيلوا دين الله من الأرض ويعودوا بمن معهم وتحت حكمهم لعبادة النار، نعوذ بالله منها. عندها اضطّر لقتالهم، ونصره الله عليهم. أما القتال في العراق فكان لتحرير العرب وتخليصهم من الاستعمار الطاغي لا للتعدي على الفرس.
رحمة النبي الكريم شملت الإنسان والحيوان
لقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالحجامة لكي نشفى ولا نمرض، فكانت الحجامة الدواء والشفاء وثبت طبياً وعلمياً أن غيرها لا خير فيه، حتى أن الشفاءات لا تكاد تذكر، وتكاليف العمليات الباهظة يعجز عنها الفقير والمسكين ومعظمها لا يفيد.
فمحمد صلى الله عليه وسلم إذن رحمة لبني البشر وجاءهم بالشفاء من كلِّ مستعصٍ وداء بل بلغت الرحمة من ينبوعها الإٌسلام الصحيح فشملت الحيوانات والأنعام بالتكبير الذي يزيل كل ألم للحيوان ويهبه الراحة والنعيم أثناء الذبح كما يزيل كافة الجراثيم من كل ذبيح من الأنعام بذكر الله أكبر أثناء لحظة الذبح فيذهب الدم المتدفق بالجرثوم كله.
إذن رحمته شملت الإنسان والأنعام، بل أضف إليها ما جاء به الإسلام من حقنة معلق النشاء مرفقة بشربة زيت الخروع. وهذا كلام مبني على أسس صارمة بالدقة قائمة على التجربة الطبية والبحوث العلمية اليقينية.
ونحن نقول محمد "عليه السلام" أي عليه واجب السلام لا الحرب بكلمة عليه السلام.
وإذا أردت البحث أنه لا ظلم للمرأة في الإسلام بل العكس الرحمة لها والنجاة ونوال وضمان حقوقها وسعادتها في دنياها وآخرتها، انظر إلى بحوثنا في كتب العلامة الكبير محمّد أمين شيخو في مكاتب سوريا ومصر ككتاب الحجاب، وكتاب تعدد الزوجات الطلاق، وسنذكر ملخصاً لاحقاً بهذه المواضيع.
مسائل شرعية استعص فهمها على علماء المسلمين وانتقدها الغربيون
أولاً: الحكمة من زواجه صلى الله عليه وسلم أكثر من زوجة بعد وفاة زوجته الشريفة أمنا خديجة بسن الخامسة والستين:
صلى الله عليه وسلم سيد الإنسانية، سيد الرحماء، حياته جهاد في إنقاذ إخوته في الإنسانية، مقصده الآخرة، فهو الكريم الذي ما تلوثت نفسه من الدنيا أبداً ذراتها كالماء العذب الطاهر النقي.
فما تزوّج صلى الله عليه وسلم زوجةً إلا ولهذا الزواج مصلحة راجحة من مصالح الدعوة للإسلام بجلب المنفعة الإنسانية ودرء الأخطار الاجتماعية وحقن الدماء الكثيرة، فلقد كان للأرحام والمصاهرة تأثير كبير في حياة البشر القبلية والاجتماعية، وهكذا زواج الملوك بالعالم كله، فكان لهذه المصاهرة أثرها البعيد في تاريخ الدعوة الإسلامية وإنقاذها من الهلاك كما هبّ أهل مصر وأوقفوا الزحف المغولي الذي لم يستطع العالم كله مواجهته بحماسهم للدفاع عن دعوة صهرهم محمد صلى الله عليه وسلم زوج مارية القبطية (ومما لا ينكره التاريخ اندفاع أهل مصر القوي للدفاع عن الاسلام ضد عدو الاسلام المغول والتتر، وذلك بعدما سقطت بلاد الشام والعراق وانهارت الدولة الاسلامية لقد اجتاح المغول المسلمين و النصارى، ولم يبق إلا مصر، فهب أهل مصر دفاعاً وصوناً للإسلام من هذه الحملة البربرية على الإسلام، حتى أن نساء مصر أسوةً بمارية القبطية زوجة المصطفى صلى الله عليه وسلم قُمن ببيع حليّهن لدعم الجيش والوقوف بوجه هذا العدو، وكان النصر بتحالف الظاهر بيبرس وقطز، ولو لم تقف مصر بوجه هذا العدو الكافر لانتهى العالم بيد الكفر).
فكم كان لهذا الزواج المبارك على العالم من تأثير بعد أجيال! إذ كم كان لهذه المصاهرة من حقن للدماء ووقاية من معرة القبائل العربية وديمومة الرسالة السماوية العليّة "الإسلام"، هذا عن زواجه صلى الله عليه وسلم من مسيحية كذا زواجه من يهودية أو أكثر لتأليف قلوب بني إسرائيل ليعودوا لمجدهم بالإسلام كما كانوا بعهد سيدنا داوود وسليمان عليهما السلام، فهو صلى الله عليه وسلم رحمة لهم وللعالمين.
وسبب آخر هامٌ جداً، ألا وهو تربية وتخريج مرشدات داعيات للنساء، فهو صلى الله عليه وسلم المدرسة التي خرّجت المرشدين الداعين للإسلام بالطريق القويم الصحيح وكذا المرشدات "زوجاته الطاهرات العليات" فعلى يديه صلى الله عليه وسلم تخرجت نساؤه المرشدات لنساء العالم واللواتي بدورهن غدين مرشدات لتخريج النساء بكل الأصقاع والبقاع في العالم، ولذا نرى أنه وعلى سبيل المثال هنا في سوريا قد توفيت ودُفنت ثلاث زوجات من زوجاته الشريفات (أم سلمة وأم حبيبة وحفظة) فلقد قدمن بلاد الشام لمّا فُتحت مرشدات داعيات لنساء بلاد الشام وإلى آخر حياتهن الشريفة رضوان الله عليهن ولذا غدا العصر الذهبي لنشر الإسلام لثلاثة أرباع العالم من دمشق الشام.
فصلى الله عليه وسلم ما تزوج في ريعان شبابه (قبل الرسالة) إلا السيدة الطاهرة خديجة بنت خويلد وهي التي كانت بالغةٌ من العمر أربعين عاماً وبينه صلى الله عليه وسلم وبينها من التفاوت في السن خمسة عشر عاماً، وما تزوج غيرها إلا بعد وفاتها وكان قد تخطّى من العمر الثلاثة والخمسين وانتقالها بالخامسة والستين كل ذلك يشير إلى طهارته وسمو غاياته الإنسانية لا الشهوانية قطعاً، فهو أطهر الخلق الأمين الذي لم يصافح في حياته امرأة ما كان زواجه إلا لأغراض إنسانية عليا قطعاً وبداهة، وأهداف سياسية سامية لربط الأمم والشعوب بمركبة الحق والصراط القويم. فلسان حاله صلى الله عليه وسلم يقول:
أفحين شِبت يحقُّ لي الفسق
ما كنت أفسق والشباب أخي
ومـــــركب مــا خـــاتــه عــــرق
لــي مــانـــع عـن ذاك يمنعني
نستعرض:
خديجة بنت خويلد عليها السلام: تزوجها صلى الله عليه وسلم قبل الرسالة وقد بلغت من عمرها أربعين عاماً وبينه ص وبينها من العمر خمس عشرة سنة وما تزوج غيرها إلا بعد وفاتها رضي الله عنها وقد تخطّى الخمسين من عمره صلى الله عليه وسلم.
سودة بنت زمعة: ولم تكن عليها السلام من الجمال أو الثروة أو المكانة بما تجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتزوج منها لولا أن زوجها توفي في سبيل الله في الهجرة إلى الحبشة فغدت منقطعة في تلك الديار النائية، ولن تعود لأهلها وكانوا لا يزالون على الكفر فهل يتخلّى عنها! حقاً إنه لزواج إنساني.
عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما: تزوج منها صلى الله عليه وسلم توثيقاً لعُرى الارتباط السياسي الإنساني بين الوزير الأول للدولة الإسلامية وبينه صلى الله عليه وسلم، إذ بهذه المصاهرة تزداد رابطة أبو بكر الصديق توثّقاً معه صلى الله عليه وسلم،إذ أن فلذة كبده تصبح عند المصطفى مما يزيد قوة التعلّق والارتباط بينه وبين المصطفى زيادة لما هي عليه (فبشكل عام للمصاهرة أثرها الكبير في توثيق عرى الارتباط تدل عليه الكلمة "المصاهرة" ذاتها) وسيدنا أبو بكر الصديق سيأتي عليه يوم ويكون بيده قياد زمام الأمة الإسلامية. والله تعالى يقول: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا...} فهو صلى الله عليه وسلم حبل الله المتين ونوره المبين، فلقد كان لزواجه صلى الله عليه وسلم من أمنا عائشة أثره الكبير في زيادة وتوثيق هذا الاعتصام والارتباط بينه وبين الصديق، الذي يترتّب عليه مصير الأمّة والعالم من بعده.
حفظة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: نفس السبب السابق تماماً، فسيدنا عمر سيكون وزير الدولة الثاني وستكون بيده قياد الأمة الإسلامية، فزواجه صلى الله عليه وسلم من ابنة الفاروق إنما هو نفس سبب زواجه من ابنة الصديق.
زينب بنت خزيمة عليها السلام: كانت زوجاً لعبيدة بن الحارث الذي استشهد يوم بدر فعوّضها الرسول صلى الله عليه وسلم عن زوجها بزواجه بها إكراماً لها وقد توفيت عنده بعد شهرين. كذا أهلها كفرة لا تُعاد إليهم حتماً.
أم سلمة عليها السلام: استشهد زوجها في أحد فلما امضت عدتها خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذرت لكثرة ابنائها وبكونها تخطت سن الشباب، فتعهّد لها صلى الله عليه وسلم بالعناية بتنشئة أبنائها وتزوج منها لهذا الاعتبار، وتربية اليتامى هو السبب بالقرآن من إجازة التزوّج بأكثر من واحدة.
زينب بنت جحش عليها السلام: زوّجها رسول الله صلى الله عليه وسلم من معتوقه ومتبناه (زيد بن الحارث رضي الله عنه) مبطلاً تلك الاعتبارات القائمة في النفوس على العصبيّة وحدها وكي يدرك الناس جميعاً أن لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى "إذ هي من أرفع القبائل نسباً في الجزيرة العربية وزيد إنما هو عبد معتوق". ولما وقع الطلاق بينها وبين زوجها معتوق ومتبنّى رسول الله صلى الله عليه وسلم، هنالك أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالزواج من زينب رضي الله عنها لهدم تلك الاعتبارات القديمة الخاطئة من اعتبار المتبنى كالابن في النسب وما يجره هذا الالتصاق بأفراد الأسرة من المفاسد والوقوع في الزنى وضياع الأنساب. قال تعالى في سورة الأحزاب (37): {...فلما قضى زيد منها وطراً زوّجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم}، إذا قضوا منهن وطراً وكان أمر الله مفعولاً.
جويرية بنت الحارث المصطلقية عليها السلام: وكان في زواجها إسلام قومها بني المصطلق بعد أن كانوا على عداء تام مع المسلمين. حتى أن أباها الحارث زعيم بني المصطلق لما علم بإكرام وفادة ابنته وهي بالأسر جاء مسلماً مذعناً لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قيل: ما كانت امرأة أعظم بركة على قومها من جويرية.
مارية القبطية المصرية عليها السلام: أهداها إليه صلى الله عليه وسلم المقوقسُ عظيم مصر كجارية وقد قبلها رحمة بها إذ في ذلك خلاص لها من بيئة الشرك إلى عالم التوحيد والإيمان، وقد أعجبه صلى الله عليه وسلم من مارية فطنتها ووجد لديها من الأهلية ما يجعلها جديرة أن تكون زوجة له صلى الله عليه وسلم مبلغة عنه ومرشدة للنساء، وبمصاهرته صلى الله عليه وسلم لأهل مصر تمّ إنقاذ الإسلام بعد ستة عقود من الفناء الحقيقي أيام الظاهر بيبرس قدس سره، فزواجه منها صلى الله عليه وسلم كان فيه ربط سياسي إنساني مع النصارى، فأهل مصر كلهم أقباط ثم صار منهم المسلمون وبقي منهم الأقباط وهم الذين نهضوا لنصرة الإسلام مع الملك الظاهر.
صفية بنت حيي بن الأخطب عليها السلام "زعيم بني قريظة" يرجع نسباً لسيدنا موسى بن عمران
ريحانة بنت القريظة عليها السلام: أسلمت فأعتقها صلى الله عليه وسلم ثم تزوجها.
وكلتاهما من اليهود وكان زواجه صلى الله عليه وسلم منهما لتوثيق عرى الارتباط مع الذين آمنوا من اليهود سادةً وعامة ولتقريب وتأليف قلوب اليهود للإسلام والسلام.
أم حبيبة عليها السلام: بنت أبي سفيان، كانت سبباً مباشراً بإسلام أبيها زعيم قريش وبالتالي حفظ دماء القرشيين الذين آمنوا فيما بعد.
قال تعالى: {يا أيها النبي إنّا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمّك وبنات عمّاتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم لكيلا يكون عليك حرج وكان الله غفوراً رحيماً، ترجي من تشاء منهن وتؤي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك ذلك أدنى أن تقرّ أعينهن ولا يحزن ويرضين بما اتيتهن كلهن والله يعلم ما في قلوبكم وكان الله عليماً حليماً، لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدّل بهن أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شيء رقيباً} سورة الأحزاب (50-52).
وهذه الآيات تدل دلالة صريحة واضحة أنه صلى الله عليه وسلم ما كان ليتزوج إلا بأمر الله وما أقره الله له وبإذنه، فالله تعالى يحب خلقه ولا يريد إلا إنقاذهم وإقالة العثار عنهم والأخذ بأيديهم لطريق الشعادة دنيا آخرة، وصلى الله عليه وسلم هو رحمة لهم وزواجه لانقاذ نسائهم وهدايتهن فهو سيد الرحماء الذي أتي لهذه الدنيا منقذاً ليخرج الناس من الظلمات إلى النور ويقيل عنهم العثار ويأخذ بيدهم للنور والسعادة دنيا آخرة... فصلى الله عليه وسلم ما كان ليتزوج زيجة إلا بما يرضي الله تعالى وبأمره تعالى، ودائماً لسان حاله يقول: إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي.
والخلق كلهم عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله، وصلى الله عليه وسلم أنفع خلق الله لخلقه فهو حبيب الله.
إذن تعدد زوجاته بأمر وإذن الله بما فيه نفع البشريّة على مدى زمانه وما تلاه من أزمان... ومما يدل أيضاً على أنه صلى الله عليه وسلم كانت نيّته وهدفه تخريج المرشدات من زوجاته للنساء، فلقد خرّج صلى الله عليه وسلم مجموعة من المرشدات الطاهرات الفطنات، من خلال زواجه من عدّة زوجات... وكان يهمّه ممن يتزوج الفطنة والذكاء إذ هي شرط أساسي للمرشدة، بحيث تستطيع نقل مراده صلى الله عليه وسلم وإرشاده للنساء. فنجد أن في الآية (52) من سورة الأحزاب أن الله يحرّم عليه الزواج بعد أن كان محللاً له من قبل وذلك لأن الله تعالى مطّلع على الآجال، وكان بتلك الآونة قد اقترب أجله صلى الله عليه وسلم ولم يعد هناك من المدة ما يكفي لتخريج الزوجة الجديدة إذ مدة إقامتها معه صلى الله عليه وسلم باتت بقرب أجله صلى الله عليه وسلم قصيرة ولا تكفيها لتتشرب الحياة القلبية منه صلى الله عليه وسلم والعلوم التي بها تصبح مرشدة للنساء، ولذلك أخبره الله تعالى أنه الآن: لا يحل لك النساء من بعد... ولو أعجبك حسنهن...
والحسن الذي يتطلع له صلى الله عليه وسلم إنما هو الطهارة النفسية (فهو صلى الله عليه وسلم الذي قال أن لا فرق بين عربي وأعجمي ولا أبيض وأسود إلا بالتقوى. فالله لا ينظر إلى الصور إنما إلى القلوب التي في الصدور، ونظرته صلى الله عليه وسلم من نظرة الله تعالى)، والفطنة والذكاء الذي تتمتع به الزوجة إن أراد أن يتزوج منها صلى الله عليه وسلم إذ هذه الصفات تجعل فيها القابلية لأن تصبح مرشدة تفيد النساء وتسمو بهن في علوم القرآن. وهذا أمر بديهي إذ صلى الله عليه وسلم وكما ذكرنا من قبل لما كان في ريعان الشباب لم يتزوج إلا من أمنا خديجة الطاهرة التي تكبره بخمس عشرة سنة وهكذا حتى بعد وفاتها بسنتين أو أكثر حتى تزوج وهو بسن (53) سنة لأغراض سياسية إنسانية سامية ولنصرة الحق وأهله فهو رحمة للنساء كما هو رحمة للعالمين.
ثانياً: تعدد الزوجات في القرآن الكريم هدف إنساني كامل:
لقد كثرت التساؤلات والاستفسارات من قبل غير المسلمين حول قضية تعدد الزوجات في الإسلام وتواترت الأقوال وعلا القيل والقال بأن المرأة قد هُضمت حقوقها وغبنها الإسلام، وما تلك الظنون والتساؤلات التي تدور على ألسنة البعض إلا لعدم فهم تأويل الآيات الكريمة الواردة في أوائل سورة النساء. وبالتالي ضياع شروط السماح بتعدد الزوجات والضلال عن حكمتها الإنسانية العظيمة.
والحقيقة إنه لا يصح قراءة آية قرآنية دون ربطها بما قبلها وما بعدها لأن آيات القرآن الكريم محكمة مترابطة فيما بينها {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ}. فهل يجوز لنا أن نقول: ويل للمصلين دون أن نكمل: الذين هم عن صلاتهم ساهون. طبعاً لا. والأمر نفسه: فلما ضيّع البعض الربط بين الآيات الكريمة، فهموا نص آية: {...فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ...} فهماً مغلوطاً وذلك لعدم إعطائها حقّها بالتدبُّر وربط بدايتها بنهايتها،فضاعت الفكرة وانقلب المفهوم وفُسِّرت تفسيرات شهوانية لا تتوافق والمراد الإلهي السامي الذي وضعها تعالى له، فلم يدركوا حقيقة معانيها الإنسانية السامية. عندها حقاً هضموا حقوق المرأة وأساؤوا لها،فشوهوا سمعة الإسلام السامية أيَّما تشويه.إن هذه الآية القرآنية نزلت لأغراض إنسانية سامية وقد وردت في حق النساء اللاتي توفي أزواجهن أو اسشهدوا وعندهن أطفال بحاجة إلى رعاية دنيوية وتربية إيمانية تسمو بهم إلى مكارم الأخلاق... إذاً الآية جاءت لأمرين:
1 المرأة الأرملة.
2 والأيتام.
والله سبحانه وتعالى يخاطب فينا إنسانيتنا لنستفيد من عمرنا ونعمل الصالحات.
ولا يجوز لأحد أن يقسم الآية نصفين وعلى حسب المزاج فيأخذ بنصف الآية الأخير ويحذف النصف الأول علماً بأن الآية أبداً لا تقبل التقسيم لأنها مشروطة بأن الشرطية ولا تقبل التجزيء. فالآية القرآنية هي: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ...} أي: في حالات الحروب ونقص الرجال بالاستشهاد وقد خلَّفوا وراءهم أرامل ويتامى... في هذه الحالة فقط، أو بحالات إنسانية مشابهة لا ـ شهوانية أنانية ـ يحق للرجل المتزوج الاقتران بأكثر من زوجة بغية تربية أبنائها التربية الصالحة، فيربي ذلك الصالح هؤلاء الأيتام مع أولاده كما لو كان أباً لهم، فيأخذ أموالهم ليديرها لصالحهم حتى تتأمّن منها نفقاتهم وأمور معيشتهم وإذا ما كبروا يجدوها بين أيديهم محفوظة، كما ينقذهم من براثن الانحطاط الأخلاقي والفساد الاجتماعي لعجز الأم (الأنثى) عن قيامها بهذا الدور من حيث تقويمهم، إذ ليس الذكر كالأنثى ولكلٍّ مقام على حسب الخلْق والتكوين الطبيعي، فسيطرة الرجل (الجنس الخشن) من ناحية نفسية وفيزيولوجية تختلف تماماً عن سيطرة الجنس اللطيف من الإناث: فللأمهات سكب الحنان والدلال للإبن، وللأب العطف وكبح جماح الانحراف،فينشأ الابن النشأة القويمة بين الرغبة والرهبة، فلا يميع ولا يتعقد. وإن هذه الرعاية للأيتام وهذا الحفظ لأموالهم يستلزم أن يدخل الرجل الذي يرعاهم بيتهم دائماً، وهذا فيه من الشبهة بحق الأرملة والرجل الذي أراد الإحسان لها ولأيتامها، لذلك أمر الله عزَّ وجل بالزواج منها وتلك هي إنسانية هذا التشريع الإلهي الحكيم.
وعندما يستشهد الأب الصالح أو يتوفى،هل يصح ترك الأبناء دون أب يصلح ويقوِّم اعوجاجهم ويحول دون شذوذهم وضياعهم؟ هل جزاء الإحسان إلاَّ الإحسان، هذا الشهيد الذي ضحى بحياته، هل جزاؤه أن تبقى زوجته أرملة عرضة للإنحلال الأخلاقي والفساد الاجتماعي، فإذا كان الإسلام قد أمر بالإنفاق على الأرملة، فهل يكفيها الإنفاق وحده بعد رحيل الزوج! أليست بحاجة إلى رجل هي أيضاً يحنو عليها ويؤنس وحدتها، ويُشبع غرائزها الفطرية من طريقٍ حلال؟
وهل يبقى الأولاد دون مشرف قوي على تربيتهم التربية القويمة لا سيما عند سن المراهقة عندما لا تقوى المرأة على ضبط سلوكيتهم؟ هل نتركهم عرضة للإجرام والشذوذ،فالشقاء؟
هَبْ أن قرية عدد رجالها ألف رجل استشهد نصفهم وبقي نصفهم (500) معظمهم متزوجون متأهلون، فمن لليتامى والأرامل في هذه الحالة؟وأموالهم التي ورثوها عن أبيهم من يديرها لهم ويصرف عليهم من نتاجها؟ وهل تستطيع المرأة أن تربي أطفالها فيكونون رجالاً على مستوى الاستقامة والرجولة كما لو كانوا في كنف رجل يرعاهم الرعاية الحقة؟ بالطبع لا.
«مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى»... فمن دواعي الإنسانية المثلى وجود رجل فاضل وكامل يحل محل أبيهم.
وكما يشترط القرآن الكريم يحق للمتزوج القادر من الناحية المالية والجسمية والعقلية أن يتزوج أرملة أو اثنتين أو بأقصى الحدود والإمكانات البشرية ثلاثة أرامل لإيواء أبنائهن وحفظ شرفهن وإمدادهن بالعيش الكريم بشرط أن يكون حكيماً عالماً حائزاً على قسط من الكمال والحكمة ليعدل بين الزوجات وينشئ الأبناء تنشئةً إنسانيةً كاملة، إذ أوَّلَ السادةُ العلماء كلمة {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ} أنه لن تطيب الحياة الزوجية إلا بتوافر ثلاثة شروط أساسية في الزوج:
السعة المالية والغنى الكافي للعيش الكريم لمجموع أفراد الأسرتين أو الثلاث أو بأقصى الحدود والإمكانات البشرية عموماً لأربع أُسر، وهذا الشرط وحده لا يكفي أبداً ما لم يتوفر الشرط الثاني وهو أن يكون لدى الزوج مؤهلات وإمكانات جسمية يستطيع بها أن يكفي أنوثة زوجاته الثلاث أو الأربع ولا يُنقص إحداهن حقّها الطبيعي في إرواء غريزتها الانثوية وعدم هضم حق زوجة على حساب زوجة، وهذا الشرط الثاني يلزمه حتماً الشرط الثالث والمهم أن يكون الزوج حكيماً عالماً يستطيع أن يحقِّق العدالة والرضا في قلوب ونفوس زوجاته جميعهن، فيعدل بينهن دونما تمييز لواحدة على حساب الأخرى باللباس والطعام والسكن والكلام والقول الحسن والمعاملة الإنسانية اللطيفة لهن جميعاً بالمساواة دونما محاباة أو تحيّز أو تفضيل.
إذاً الزواج بأكثر من زوجة لا يجوز أبداً إلا لأهداف إنسانية مشحونة بالرحمة على الأطفال والحفظ لأموالهم والعطف على الأرامل لإنقاذهن من الدمار الاجتماعي، وتلك لعمر الحق أسمى الآيات، تلك آيات الله الرحيم، وعطفه على عباده إذ ليس الزواج أمر مزاجي أو تذوقي هدَّام، بل إن تعدد الزوجات أمر بنّاء مزدان بالتآزر والتضامن والإحسان للمتوفى الكريم ولزوجه وأبنائه عند زوجٍ أعلى منه منزلة وحكمة ورحمة. فعندما استشهد جعفر بن عم رسول الله تزوج أرملته وأشرف على تربية أبنائه أبو بكر الصدِّيق رضي الله عنه فهو أسبق منه بالكمال والمنزلة الإنسانية.
فتعدد الزوجات بهدف إنساني لا شهواني، ولو كان شهواني لكان للنساء الحق بالزواج بأكثر من أربعة رجال لأن عواطفهن أغزر من عواطف الرجال. إذاً لا يجوز تعدد الزوجات إلا لأهداف سامية إنسانية وبغية إنقاذ الأرامل واليتامى لا لإشباع الميول المنحطة والتمسح بالدين والقرآن وهضم حقوق المرأة والإساءة لها... وذلك ما بيَّنه تعالى في آيات سورة النساء:
{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى}: إذا خفت ألاَّ تسوس الأيتام وتؤدِ لهم حقوقهم والعناية بهم. {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ}: تزوج أمهاتهم، إذاً الآية جاءت بحق الأيتام والأرامل، ففي حال الحروب عند وفاة الأزواج لك الحق بالتزوج. هذا علماً بأن الخالق عزَّ وجل جعل عدد الإناث من النساء متساوياً لعدد الذكور من الرجال، فلكل ذكرٍ أنثاه، ولكن تميل كفة النساء إلى الرجحان في حالة الحروب،عندها وللأهداف الإنسانية التي أشرنا إليها،لا لأهداف (شهوانية وأهواءٍ ترفية) تدمر الأسرة وسعادتها وتزرع الغيرة وتؤدي للانحياز للأجمل، فيذر الأخرى كالمعلَّقة فلا هي متزوجة ولا هي مطلَّقة، كما تزرع البغضاء بين الأخوة من أمٍ لإخوتهم من أمٍ أخرى فتذهب السعادة.
{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}: إذا وجدت نفسك لا تستطيع القيام بحق النساء فتزوج واحدة لا تتزوج أكثر.
أما هذا العدْل المذكور يختلف عن ما نصت عليه الآية الكريمة في سورة النساء (129): {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِن اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً}... فالعدل في الآية (3) من سورة النساء {...فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً...} يتضمن تأمين حقوقهن من حيث المعيشة وإكفاء أنوثتهن وحكمته العقلية في التربية الصالحة للأولاد، فكلمة {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا} تتضمن الوجهين، فهناك من يستطيع وهناك من لا يستطيع. أما الآية (129): {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ}: فهنا حتمية بعد الاستطاعة، ولذا فلها معنىً آخر: إذا واحدة أجمل من واحدة، النفس تميل وهذا ليس بيدك ولكن عليك أن تعامل الزوجات بالإحسان. {فَلاَ تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ}: مع واحدة دون واحدة. {فَتَذَرُوهَا}: تهجرها حتى تصبح. {كَالْمُعَلَّقَةِ}: لامتزوجة ولا مطلقة. المعاملة الكل مثل بعض، ليلة وليلة، وكذا في المال، أما الحب فهذا لست بمؤاخذ عليه في قلبك،المهم أن لا تظهره بالمعاملة أبداً.
«اللهم هذا حكمي فيما أملك... فلا تلمني فيما تملك ولا أملك»... من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ كان قلبه يميل للمرشدة من نسائه الطاهرات والتي تنتفع النساء على يديها أكثر وتكون أتقى وأنقى، إن أكرمكم عند الله أتقاكم... فمن كانت إيمانها وتقواها أعلى وأسمى كانت مقرَّبة لنفس رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر، ولكن المعاملة الظاهرية لهن متساوية فلا تحيُّز ولا محاباة.
وبالنتيجة فتعدد الزوجات هدف إنساني كامل حدّد القرآن غايته وشروطه وكلاهما يجب أن يتوفرا حتى يتمكن الإنسان الصالح من تطبيقه، هدفه أنساني إيواء الأيتام والأرامل وشروطه ثلاثة:
1 المقدر المالية بما يكفي إعاشة الزوجات وأولادهن سنتين...ثلاث... أكثر فلا يتركهن عرضة للفاقة والحرمان
2 المقدرة الجسمية: بحيث يستطيع إرواء غرائز الزوجات فلا يظلم أيّاً منهن
3 أن يكون حكيماً من أجل الإنفاق والعدل والتربية للبنات والبنين، فلا يظلم إحدى الزوجات على حساب الأخرى بل يعدل بينهن في المأكل والمشرب واللباس والنوم، وأن يربي أولادهن تربية إنسانية كاملة يتقرّب بها إلى الله. وإن لم يستطع أو لم تكن به تلك المؤهلات الثلاث للزواج التي تسعد العائلات وتسمو بهن في هذه الدار وأيضاًُ للجنات في الدار الآخرة، هنالك يكتفي بواحدة وللحاكم الإسلامي أن لا يأذن له بالزواج، إذ ليس تعديد الزوجات أمر بهذه السهولة والبساطة، فإن لم يكن تبعاً لما أراده الله تعالى وشرّعه فليس للرجل الحق في أن يعدد، ليس له الحق في أن يعدد لأمر شهواني ونزوات باطنية تحرّكه وبالمقابل تدمّر الأسرة وتشقي النساء … فالسبب في التعدد الذي شرّعه تعالى من أجله واضح في القرآن (الأرامل والأيتام) وهو إنساني بكل ما تحمله هذه الكلمة من معانٍ رفيعة أرادها تعالى رحمة وحباً ببني الإنسان فشرّع هذا التشريع السامي الذي يسمو وينهض بالأُسر والأفراد دنيا آخرة ويخلّصهم من الشقاء، ولكي يكتمل هذا الأمر الإنساني ويؤتي الثمرة المُشرّع من أجلها، رَبطه تعالى بموضوع العدل {...فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً...} الذي به تطيب الحياة، ألا وهو أن يكون في الرجل المقدرة على إتيان النساء والعائلات حقّهن عدلاً وتماماً كما أراد تعالى بحيث لا يبخس أحداهن حقها، وهذا يتطلب المقدرة المالية والجسدية والحكمة. وكل مخالفة لهذه الشروط تكون مخالفة لكلام الله والقرآن. وهو ليس بالزواج الذي شرّعه تعالى، فكلام الله تعالى الحكيم فوق كل كلام، فليس لإنسانٍ أن يتمسّح بالقرآن وشرع الله ليموّه الحقائق ويموّه على نفسه في سبيل شهوته وانحرافه، فعوداً للحق والعود أحمد.
ونستطيع أن نناقش:
موضوع العانس أو التي لا زوج لها: حيث يقول تعالى في سورة النور (32): {وأنكِحوا الأيامى منكم...}، ومعنى الأيامى؛من مات زوجها (الأرملة) أو التي لا زوج لها (العانس أو التي تقدمت بالسن ولم تتزوج بعد. وهنا نرى موضوع إنساني مشابه تماماً لموضوع الأيتام: فإذا كنا من أجل حفظ حقوق ورعاية وعناية الأولاد قبلنا تعدد الزوجات لهذا السبب القاهر في حال الحروب حيث ينقص عدد الرجال ويفيض النساء واليتامى والأرامل فكيف إذا كانت عانساً فهذه من الأغراض الإنسانية التي حثّ المشرّع على الزواج بهن وهذا العمل يُدخل صاحبه الجنة إذ يرضي ربه عنه لأنه يُسعد نفساً شقيّة فهي أحق بالزواج ومثلها كمثل العناية بالأطفال الأيتام وأمهن.
الطلاق في الإسلام هل هو هضم لحقوق المرأة كما يراه البعض؟!
أقول، وأبين ما بيّنه أستاذي الكبير محمد أمين شيخو من قبل:
لا شك أننا إذا وقعنا بين أمرين أحلاهما مُرٌّ، فاختر وما فيهما حظٌّ لمختار، ولكن إذا وقعنا بين شرَّيْن فلا ريبَ أننا نختار الأهون والأبسط. هب أن زوجاً اختار زوجة لجمالها أو للطفها وبعد انقضاء فترة على زواجهما تبيَّن أن هنالك تبايُنٌ في الطباع، وتنافر في الأخلاق وانكشفت متناقضات النفوس، فحلَّ الخصام محلَّ الوئام، فأصبح الزوجان كغريبين لا كحبيبين وانقضت شهوة علاقة الجسد بعد اشتعالها فخبت وحلَّ العداء فغدت الأسرة محطَّمة، وضاقت النفوس ولم يعد بإمكان الزوجين البقاء تحت سقف واحد، ففي هذه الحالة أليس من الأفضل للطرفين إلغاء عقد الرابطة الزوجية الذي عُقد للسعادة لا للشقاء وحرمان السعادة، وبعد الالغاء يمكن أن يبحث كلٌّ منهما عن شريك لحياته يناسبه ويسعده حقّاً! وإذا أجبرناهما على البقاء بهذا الحال المريع بالإكراه، فسوف يفرُّ الزوج مشرِّقاً ويسلك سبُل تحقيق شهواته بالفواحش، فمتى شرَّق الزوج التعيس فستغرِّب زوجته بالمثْل وهناك القذف وتبادل الخيانات والله تعالى لا يجبر الناس حتى على عبادته {لا إكراه في الدين}، لذا فلا طريق إلاَّ الفراق والإطلاق بالطلاق، فالإجبار على إبقاء متباغضيْن تحت سقفٍ واحد بالإكراه لا يرضى به الضمير الإنساني، وما هو غَصْبٌ ترفضه كافة المجتمعات الانسانية الراقية فهنا غدا الطلاق بغيضاً لا بدَّ منه وما حاجَكَ للمرِّ إلاَّ الأمرُّ.
بطلان الطلاق اللفظي (طلقتك بالثلاث):
أما موضوع الطلاق اللفظي "كطلَّقتُكِ بالثلاث" والذي يعتقد البعض به يتم الطلاق فهو ليس من دين الله في شيء، فالقرآن حَكَمنا ولا جدل في ما نص به صريح القرآن... كما أن الزواج ليس بكلمة هو قائلها، بل له مراحل معلومة، كذا الطلاق له مراحل وقوانين ينبغي إتباعها وذلك عند حصول نزاعاتٍ حقيقية بين الطرفين (الزوج والزوجة)، فإذا وعلى سبيل المثال لم تستجب معه لأوامر الله واتبعت المرأة ما يودي بمركب الزوجية إلى الهلاك، عندها أباح الله له سلوك خطوات الطلاق الأربع التالية:
1 الوعظ.
2 الهجر.
3 الضرب.
4 حكمٌ من أهله وحكمٌ من أهلها.
ثم بحال فشلها كلها تتم طلقةٌ واحدة يمكن التراجع عنها ورجوع بيت الزوجية بحال الاتفاق. وهذه المراحل "الطويلة المدى" كي تعود بها المرأة لرشدها وخضوعها لأمر الله لتدخل دائرة السعادة دنيا وآخرة وإلاَّ فالفراق البغيض الذي لا بد منه.
قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ...}: أي خروجهن عن طريق الحق وهذا فقط الذي يستدعي سلوك قوانين الطلاق. {فَعِظُوهُنَّ}: أي ذكرها بالموت، بالآخرة يجب أن تتعلم أنت وتعلِّمها، فإن لم تستجب لك أي للحق، عندها تسلك الخطوة الثانية وهي الهجر. قال تعالى: {وَاهْجُرُوهُن فِي الْمَضَاجِعِ}: أي لا تلتفت نحوها في الفراش، أَحْسِن معاملتها في النهار واهجرها في المضاجع ويمتد الهجر بالفراش أقصى حدّه لمدة أربعة أشهر لقوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} وهذا حد صبرها عن المقاربة، لا تصبر أكثر... إن ما رجعت عندها تسلك الثالثة وهي الضرب، قال تعالى: {وَاضْرِبُوهُنَّ}: ضرباً إنسانياً خفيفاً لا ضرباً مبرحاً، وأكثر ما يكون ضرباً معنوياً، حيث أنه يعاملها أرقى المعاملات الإنسانية قبل هذه المرحلة ولما يضربها بشكل خفيف جداً فتكون لها بذلك ضربة معنوية لتفهم من الضرب أنه عازمٌ على الطلاق فإن كان في قلبها ذرة محبة لزوجها عندها ترضى بالعودة لطاعة الله "مع أن الإسلام يحرِّم الضرب إطلاقاً وعموماً إلاَّ في هذا الحال"، وإن لم تعبأ حتى بهذا الضرب فمعنى ذلك أنها لا تعبأ بزوجها ولا قيمة له عندها، أما إذا أطاعته فتعود مياه المحبة والمودة والرحمة إلى مجاريها كما قال تعالى: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِن سَبِيلاً}: أي لأنها رضخت للحق.
هذا وإن لم تستجب رغم اتخاذ الخطوات الثلاث كاملة، عندها تتم الخطوة الرابعة بقوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا}: أي أهلها خافوا الشقاق. {فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِن اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً}: الحكمان يحاولان الإصلاح عسى أن يتم ولا يقع الفراق.
قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُن لِعِدَّتِهِن وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ}: ألا وهي مدة الهجر بالشرط الثاني التي ذكرناها. إذاً هنا بيان لاتِّباع قوانين الطلاق من وعظ وهجر وضرب. وخلال الهجر يعاملها أفضل المعاملات الإنسانية، ولكن عند النوم يدير لها ظهره ويمتنع فقط عن المقاربة لمدة أربعة أشهر كما بين تعالى، وبعد ذلك يا إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. {فَإِنْ فَاءُوا}: للحق الطرفان. {فَإِن اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاَقَ}: بعد أربعة أشهر. {فَإِن اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.
فهذا بيان من الله ينفي أن الطلاق مجرد لفظةً نفياً قاطعاً ولا طلاق إلاَّ بإتباع هذه القوانين حتى ولو عُقد اليمين يترتَّب عليه فقط دفع كفارة يمين الطلاق، أي إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم، ولا كلام لبشرٍ يعلو على كلام الخالق العظيم.
هذا فإن حصل الطلاق، فله أيضاً قوانينه لقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِن ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ...}: أي تبقى في بيت زوجها ثلاث حيضات. {وَلاَ يَحِلُّ لَهُن أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِن إِنْ كُن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ}: إذ بهجره لها أربعة أشهر ثم ببقائها من بعد الطلاق في بيته (ثلاث حيضات أي ثلاثة أشهر تقريباً) يصبح لها سبعة أشهر مهجورة (أربعة قبل الطلاق وثلاثة بعده) عن المقاربة فقط، مع المعاملة الإنسانية الرحيمة أثناء النهار وتأدية الطعام واللوازم بأحسن الوجوه مع الهجر عن المقاربة بالفراش، فإن كانت حامل حتماً سيظهر حملها واضحاً ولا تستطيع النكران لتخلص من البقاء في بيت زوجها لأن عدتها تصبح ممتدة (لتلد حملها) وخلال ظهور الحمل جلياً يعود الزوجان للتفكير بمصير المولود ولربما تذعن للحق فيلغي الطلاق، وهذا ما يريده الله وتلك من حِكَمِ الله تعالى من تلك الخطوات. {وَبُعُولَتُهُن أَحَقُّ بِرَدِّهِن فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاَحًا}: من أجل الولد، وخلال مُدَّة القروء الثلاثة أي الحيضات. {وَلَهُن مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِن بِالْمَعْرُوفِ}: أي يعاملها كزوجة وله الحق خلالها بإرجاعها، عندها يرفع الله شأنه. وقد بيَّن تعالى أنه لا يجوز إخراج الزوجة المطلقة من بيت زوجها مدة العدة والقروء الثلاثة والحاكم يشرف على ذلك {لا تدري لعلّ الله يحدث أمراً}: عند بقائها في بيت زوجها لعل ترجع للحق، فبرؤيتها لمعاملته الإنسانية الجيدة خلال فترة بقائها في بيته ترى أن معاملته لها كانت لله ليس لشهوة أبداً فبذا يمكن أن تفكر وتعدل عن غيها وتؤوب للحق.
قال تعالى: {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}: الطلاق الأول حيث حقَّ له إرجاعها ثم حدث الطلاق الثاني "بقوانينه كاملةً" أيضاً يحق له إرجاعها. {وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُن شَيْئاً إِلاَّ أَنْ يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ}: بفترة القروء التي ببقائها في بيت زوجها إن حصل نزاع وأرادت أن تفدي نفسها بالمال "أي سامحته" إن كرهته وما أرادت البقاء ببيته وخافت أن تقع بالحرام وكذلك خاف الرجل عليها، عندها يحق لها فداء نفسها بالمال وتذهب حرة "لتتزوج إن أرادت"، (فإن طلقها): ثالث مرة بعد رجعتين بطلاقين على ترتيب الإله كما ذكرنا: {فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا}: الزوج الثاني. {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا}.
للزواج شرطان:
1 البقاء مدى الحياة.
2 المهر
ولهذا الرجوع بعد ازواج من زوج ثاني أيضاً له حكمة إنسانية بالغة لا مجال لذكرها لضيق متسع الوقت، فالدين الإسلامي دين إنسانية وشرع الله الكامل كله لنعامل بعضنا بالإحسان وبعد الموت نلاقيه تعالى بوجه أبيض بإحساننا فندخل الجنان.
بحث الميراث:
أما عن موضع الميراث وقضية أن للذكر مثل حظ الأنثيين (الأخ يرث ضعف ما ترثه أخته من أمهما وأبيهما): فهذا حكمته الإنسانية الراقية واضحة جداً فلطالما أن الرجل هو المكفل بالإنفاق على الأسرة ومن قبل ذلك هو المكفّل بدفع المهر وتأمين المسكن وتجهيزه وغيره من مصاريف على نفسه وعلى بيته، وما على المرأة في قانون الله تعالى إلا أن تربي الأولاد تربية فاضلة وتصون عرضها وتحفظ بيتها في غياب زوجها وتحفظ ماله فلا تفرط بقرش دون علمه. ولذلك جعل تعالى حصة الرجل ضعف حصتها في الميراث لما يترتب عليه من إنفاق وتأمين حاجات المعيشة كاملة.
سمو الحجاب في الإسلام:
أما عن موضوع الحجاب في الإسلام، وهل هو من الإنسانية في شيء، أقول أن الإنسانية الحقيقية تكمن في هذا الفرض وهذا التشريع، وأنه تشريع إلهي قديم وموجود في كل الإديان وليس هو بالتقاليد أو العادات كما يعتبره البعض من غير المسلمين، وحكمته الإنسانية وكما بيّنها أستاذي الجليل العلامة الإنساني محمد أمين شيخو هي:
فهذا الحجاب الساتر لكل معالم الجسم من أعلى الرأس لأخمص القدمين إنما هو ليُصدَّ شيطانَ النفسِ وهواها القاتل، أي ليصدَّ عنها السوءَ والفحشاءَ ولتلتفتَ عن الحرامِ لتبحثَ عن الحلالِ وترضى به، ونحن عن عمدٍ وتصميمٍ صمَّمْنا هذا اللباس؟
فهَبْ أن إنساناً انقطعَ في الغابات وتاهَ في الأدغال عدَّة أشهرٍ يقطِفُ الثمارَ ويعيشُ على النباتاتِ الطبيعية، ثم التقى بأنثى مهما كانت درجةُ جمالِها، أفلا يهفو إليها قلبُه ويرضى بها شريكةً في هذه القفراءِ من البشر أو مع فقدانِ النساءِ بالأدغال، وً سيجدُها هِبَةً من السماء، أو قد يظنُّها ملاكٌ هبطَ من الأفلاك... وهكذا كان المسلمونَ في أوجِ فوزهِمْ يعيشون، فحيثما ارْتَحلْتَ أو رَحَلْتَ وفي أيِّ سوقٍ أو شارعٍ تجوَّلْتَ فلن تجدَ إلاَّ الجنسَ الخشن في كلِّ مكان، ولا وجودَ لأنثى إلاَّ كظلالٍ سوداءَ لا تُلفتُ نظراً ولا تثيرُ فتنةً والنساءُ يَقَرْنَ في بيوتٍ عربيةٍ كالجنّات، فإن أرادتِ الأنثى الخروجَ فلن تجدَ سوى طرقاتٍ وأزقَّةٍ ضيقات لا تملؤ العينَ ولا تسرُّ الناظرةَ، عندها تفضِّلُ القرارَ في دارِها الجميلة. هذا والرجلُ لا يرى خارجَ بيتِه أو في عَمَلِهِ إلاَّ الخشنَ من الرجال وكأنه في عزلتِهِ عن الجنسِ اللطيفِ كإنسانِ القفراءِ أو الأدغال، فمتى دَلَفَ دارَهُ وشاهدَ أنثاهُ التي هي زوجتُه، وهو لا يرى سواها ما عدا المحرَماتِ، فيجدُها تجاهَ الجنسِ الخشن نعمةً لا تُقدَّرُ بثمن، فهو بها قريرُ العيْن راضي الفؤاد، لأنَّه لا يرى أحسنَ ولا أجملَ منها فيغتبطُ بِنِعمتِهِ التي لا مثيلَ لها وكذا الزوجةُ، فهي بمعزلٍ في بيتِها لا ترى غيرَ زوجِها فتنعمُ به وترى أنَّها به حازتْ كافة أحلامها. وبالتالي لا فتن ولا حرام ولا طلاق إلا بنسبٍ قليلة جداً، بل هناك أسرة قوية متحابة، هذا وإن نشوءَ البنينِ والبنات في الوسطِ العائلي يسقيهمُ العواطفَ الرقيقة منذ أيامِهِمُ الأولى وينمِّي فيهمُ المشاعرَ الودِّيةَ التي تُعدُّهم لحياةٍ مقبلة تشيع فيها الرحمةُ والرأفة. ولولا الزواجُ لانقرضَ النوعُ الإنساني منذ أمدٍ بعيد، فاتِّصالُ الحياةِ واستمرارُها على هذه الأرضِ يقضي إذاً ازدهارَ الزواجِ وبقاءَه. أما الزنى يعمل عملاً عكسياً للغاية، فإنه باعثَ الفسادِ في المجتمعِ ومُشيع الفوضى ومبيدُ النسل. وإن الشاب يومَ يندفعَ إلى الفاحشةِ إنما يمسِكُ مِعْوَلاً بكلتا يديْهِ ويقوِّضُ به دعائمَ الأمة
والحجابُ فرضٌ لكافة الدياناتِ السماويةِ فبالثلاثينات من قرننا العشرين كانت نساء النصارى واليهود مستوراتٍ محجَّباتٍ في الأزِقةِ والأسواق. أما المسلمونَ فحتى عام 1950 لم تكن هناك مسلمةٌ واحدة تكشِفُ السِترَ عن وجْهِها بكافةِ مُدُنِ الشامِ ولبنان والغوطة إطلاقاً، بل وفي كافة البلادِ الإسلاميةِ والعربية. أما في مصرَ العزيزة فقبلَها بقليل، حينما خرج شاعرُنا حافظ إبراهيم يقول: أنا لا أقولُ دعوا النساءَ سوافراً مثلَ الرجالِ يجُلنَ في الأسواق، وحتى في بريطانيا العظمى فقد كان سِترُ الوجهِ سائداً حتى أن النساءَ الأرستقراطياتِ كن يحْضُرْنَ مسرح شكسبير وعلى وجوهِهِن الستور ويجلسنَ في مقصوراتِ مغلقةٍ ليشاهِدْنَ روائِعِ أدبيَّاتِ شكسبير الاجتماعية.
حقاً وإن أُهملَ أو تُرِك الحجاب سيهلكَ الشبابُ والشاباتُ وستمتص طاقاتِهِمْ الوجهاتُ الجنسية، بل ولبُذَّرت أموالُهُم وانشغلت قلوبُهم بمفاتنِ الجمالِ وسيطرتْ "فرضيةُ فْرُوُيْد" على عقولهمْ وضاعتْ جهودُهم لإنشاءِ وبناءِ الوطنِ في وادي الجنسِ الذي وكما يقولُ العلماءُ الغربيونَ "من هبَطَ فيه فلنْ يخرُجَ منه". لقد غدتِ الوجهاتُ الجنسيةُ شُغلَهُمُ الشاغل، وأضاعوا دنياهم وآخرتَهُمْ وهم بالجنسِ غارقون، وبه وبفنونِهِ من غناءٍ وطربٍ وموسيقى وعطورٍ ٍ غاليةٍ وتفنُّنٍ في اللباسْ، والانصرافِ عن كلِّ حلال. أما لو نظَّمنا أمورَ السِتر والحجاب كما نظّمها الله ورسولُه صلى الله عليه وسلم لانصرفتْ وجهاتُ الرجالِ والنساء لواجباتهمْ ولبنُوا بناءً شامخاً شاهقاً علِيّاً كما بنى آباؤهُمُ الكرام، صحابةُ الرسلِ العظام. فللرجالِ مجالٌ وللنساءِ مجال، وتحقيقُ شهوةِ الجنس تُرتَوى بالزواجِ ويلزمُ الجنسانِ بناءَ وطنٍ صالحٍ مصلحٍ للبشرية، كلٌّ في مجاله الطبيعي الذي خُلق له. فبتطبيقِ مثل هذا القانونِ فتحنا الكرةَ الأرضيةَ وكنا خيرَ أمةٍ أُخرجت للناسِ، نأمرُ بالمعروفِ وننهى عن المنكرِ.
ثانياً: إن الأخلاقَ إذا نمتْ وتكاملتْ لا تستطيعُ تدميرَ القُوى الغريزيَّةِ الجنسية، ولكنْ بإمكانِها توجيهَها نحوَ الخير، كذلكَ الأخلاقُ الراهنة الكاملةُ لا تقوى على تبديلِ القوانينِ النفسيةِ الراهنة.
السفور ومساوئه:
إن في السفورِ تدهورَ المجتمعِ نحوَ الرذيلةِ وفيه التفككَ لروابطِ الحياةِ العائليةِ وهو مسبِّبُ الضعفِ في تكوينِ النسلِ وزارعُ بذورِ الجفاءِ والخصام والقسوةِ في البيتِ وناشئتِه... إن السفورَ يبدِّد الرضا من نفوسِ الناسِ ويبعثُ سخَطَهم، وفي ظلالِ السخطِ لا ينمو إلاَّ البؤسُ الإنسانيُّ والشقاءُ الاجتماعي.
فلنبحثْ أولاً في آثارِ السفورِ في نفسيةِ الشابِّ الأعزبِ والفتاةِ العزباء:
مهما قيلَ في تأييدِ السفورِ من زُخْرُفِ القول فإن الواقعَ مكذِّبُهْ، يقولون إن الأخلاقَ إذا تكاملتْ وغدت متينةً لدى الجنسينِ فإن السفورَ عندئذ لا يسببُ التدهورَ والانحلالَ، أقول: إن الأخلاقَ إذا نمتْ وتكاملتْ لا تستطيعُ تدمير القوى الجنسيةِ، فالشابُّ الظامئُ حين تلوحُ له وجوهٌ صبيحةٌ وتتحدّثُ إليه نفوسٌ ناعمةٌ بأصوات شجيةٍ لا يمكنُهُ إلا أن يصبُوَ إلى الحسانِ ويشوقَهُ الجمالُ الفتّانُ، وهذه هي الخطوةُ الأولى نحوَ الزنى، وقلِ الأمرَ نفسَه عن الفتاةِ الظامئةِ، إنها ستهفو بنفسِها نحوَ رفيقِها الشابِّ، وإذا لم نشأِ الآن أن نأخذَ بعينِ الاعتبارِ ما يقدِّمُهُ الواقعُ من نماذجَ فاحشةٍ لنتائجِ هذه الاتصالاتِ الاجتماعية الأولى فحسْبنا أن نقول: إن هذه الصلاتِ تبعثُ القلقَ في النفوسِ وتوقظُ الأرقَ، وأنّى للناشئةِ أن تستمرَّ في بناءِ المستقبلِ والإخلاصِ للعملِ والدراسةِ والوظيفةِ بعد أن دبَّ في المشاعرِ طيفُ الحياةِ الجنسيةِ ونُصبتِ الحواجزُ وطُرِقَ بابُ الغريزةِ ودعاها الداعي إلى أمرٍ نُكُرْ.
إن الغريزةَ عمياءَ لا تفرِّق بين خيرٍ وشرٍّ ولئنْ قويَ عليها الفكرُ بعد أن أيقظَتْها رؤيةُ الحسانِ وأوثَقَها في العقالِ فذلك هو الكبتُ وهو شرٌّ وأدهى، قوتانِ تتصارعانِ في ساحةِ النفس، قوةُ الغريزةِ الثائرةِ الجامحةِ وقوةُ الفكرِ المميزةِ الواعية. فإنْ غلبتْ الواعيةُ فقد دَخَلَتِ النفسُ في عذابِ الكبتِ وظلّتِ الثانيةُ في السَخَطِ حتى تجدَ طعاماً وإنْ غلبتِ الأخرى فتلكَ الهاوية.
وهل يستطيعُ أحدٌ أن يعتقدَ أن اليدَ الإلهيةَ التي صاغتْ هذا الكونَ الرحيبَ المكتظَّ بأعاجيبِ الخلْقِ وعظمةِ التكوينِ، هل يُعتقدُ أنَّها هي صاغتْ هذه النفوسَ على هذهِ الحالةِ من الفسادِ الذريعِ والتدنيِّ الشديد؟ لا! إنَّها صاغتها طاهرةً كريمةً ولكن السبُلَ التي سارتْ فيها هذه النفوسُ أَفْسَدَتْهَا، إن السفورَ يعرِّضُ الجنسينِ لفتنةِ النظرِ والنظراتِ تسوقُ إلى الحديثِ وتزرعُ فيه تعابيرَ التودُّدِ والغزلِ وما بعدَ ذلكَ إلاَّ ظمأٌ محرومٌ يقودُ إلى السُقيَا من أحواضِ الدناءةِ والعُهْر.
وقد آنَ لنا أن نرجعَ إلى طبقةِ المتزوجين لنبحثَ عن آثارِ السفورِ فيها:
إن العُرى التي تربطُ بين قلوبِ الرجالِ وأزواجِهمْ تأخذُ في الانحلالِ شيئاً فشيئاً في المجتمعِ السافرةِ نساؤُه. إن المتزوجَ وإنْ كانَ في شبعٍ جنسيٍّ سوفَ تتطلَّعُ نفسُهُ حينَ يرى نساءً أوفرُ جمالاً من زوجتِهِ وأعذبُ حديثاً وأكثرُ رشاقةً، وإنْ قَوِيَتْ أخلاقُه على صيانتِهِ من الانحرافِ فإنها لن تقوَ على منعِهِ من التمنِّي والتحسُّرِ، إنه سيتمنَّى زوجةً كالتي تطلَّعَ إليها رشاقةً وجمالاً، ويزيدُ التمنِّي مع الأيامِ مع مزيدِ الإطِّلاعِ على السافراتِ الحسان، هنالك تنقلبُ تلكَ الأماني حسراتٍ في نفسِهِ ويغدو ساخطاً على حظِهِ البائسِ، وقلِ الأمرَ نفسَهُ على زوجتِهِ التي شاهدَهَا الرجالُ وشاهدتِ الرجالَ، لا بدّ أن تلقى رجلاً تتوافرُ فيه عناصرٌ تميِّزُهُ وترفعُهُ فوق زوجِها بمراتبِ التفوقِ من وجوهٍ كثيرةٍ، إنها ستخطو الخطوةَ الأولى والثانية وأقصد التمنِّيَ والتحسُّر... لنركِّز الآن انتباهَنَا على تلك الأسرةِ سوف نرى ما يلي:
1 فتوراً في المحبَّة بينهما، إذ قلبُ كلٍّ منهما متعلقٌ بغيرِ رفيقِهِ ولا يرى فيه إلاَّ صاحباً قضى الحظُّ العاثرُ برفقَتِهِ مدى الحياة، إن في هذه الدنيا أزواجٌ كثيرون همْ خيرٌ من هذا الزوجِ وفيها نساءٌ كثيراتٌ هن أوفرُ حسناً من هذه المرأةِ، هذه هي الفكرةُ الثابتةُ التي سترتكز في ذهنِ كلٍّ من الزوجينِ في مجتمعِ السفور، وهي تُضعِفُ ولا شكَّ من الروابطِ الجنسيةِ والزوجية.
2 دلّت المباحثُ العلميةُ على أن هذا الفتورَ بينَ الرجلِ وزوجِهِ ينعكسُ على الاتصالِ الجنسيِّ أسوأَ الانعكاسِ لأن فقدانَ المحبةِ المتأججةِ بين الزوجينِ يقضي إلى ضعفِ النسلِ ووهنٍ في تكوينهِ الفيزيولوجي. وأن المحبةَ إذا نشطتْ وكانت مكينةً تُنتجُ خيراً كثيراً ساعةَ الاتصالِ الغريزي، إذ لها أشدُّ التأثيرِ في إنجابِ أولادٍ أقوياءَ الأبدانِ، سليمي التكوينِ والعكسُ صحيحٌ جداً. وإن هذه العللِ التي تنتابُ الأطفالَ كثيراً ما يرِثُهَا هؤلاءِ بسببِ الجفاءِ المتركِّزِ في نفوسِ الأبوينِ عند اللقاءِ، والمقاربةِ الزوجية.
3 زِدْ على ذلكَ أن أفولَ المحبةِ من سماءِ البيتِ يجعلُ الأولادَ يترعرعونَ في وسطٍ مقفرٍ من الودِّ وهذا ما ينعكسُ في نفوسِهِمُ الغضةَ ويغرسُ في قلوبهمْ وهم على عتبةِ الحياةِ بذورَ القسوةِ ويطبَعُها بطابَعِ الخصام.
4 وأخيراً إن السفورَ يبدِّدُ الرضى من نفوسِ الناسِ كما قلتُ ويبعثُ في قلوبِهِم السُخطَ على الحظِّ والحياة وقد قيل: أن السعادةَ لا تتحقَّقُ في المجتمعِ إلاَّ إذا توفَّرَ عنصرُ الرضى لدى أفرادِه، إذ النادبُ لحظِهِ شقيٌّ ولو كان يتقلّبُ في أحضانِ النعيمِ، فلا شيءَ يبعثُ الهناءَ في الحياةِ كالرضا.
والكلام في هذا المجال كثير بيّن سمو هذه الشريعة وأثرها في بناء مجتمع إنساني راقي حقيقي، ولكن ضيق الوقت يجعلني أكتفي بهذا القدر.
وأذكر قبل ختام الموضوع هذا بأمثلة من التاريخ تثبت أن الحجاب قديم قدم الرسالات السماوية:
إن حجاب المرأة كان معروفاً بين العبرانيين في عهد إبراهيم عليه السلام، وعرف أيضاً في عهود أنبيائهم جميعاً واستمر إلى ما بعد ظهور المسيحية، وقد أُشير أكثر من مرة إلى البرقع في كتب العهد القديم والعهد الجديد:
- فقد ورد في الإصحاح الرابع والعشرين من سفر التكوين "رفعة" أنها رفعت عينها فرأت إسحاق [فنزلت عن الجمل وقالت للعبد: من هذا الرجل الماشي في الحقل للقائنا؟ فقال العبد: هو سيدي. فأخذت البرقع وتغطت]
- وفي الإصحاح الثامن والثلاثين من سفر التكوين أيضاً أن ثامار: [مضت وقعدت في بيت أبيها، ولما طال الزمان... خلعت عنها ثياب ترملها، وتغطت في برقع وتلففت]
- لقد توعد النبي أشعيا التبرج بالدمار الذي يعصف بالزينة فلا يبقي لها باقية فقال كما ورد في الإصحاح الثالث من سفر أشعيا: [من أجل بنات صهيون يتشامخن و يمشين ممدودات الأعناق غامزات بعيونهن، خاطرات في مشيهن، يخشخشن أرجلهن يصلح السيد هامة بنات صهيون ويعري الرب عورتهن وننزع السيد في اليوم زينة الخلاخيل والضفائر والأهلة والحلق والأساور والبراقع والعصائب عن السلاسل والمناطق وخناجر الشامات والأحراز والخواتم وخزائم الأنوف]
- الديانة اليهودية تأمر بالستر والاحتشام حتى في أبعد المواطن عن الشبهات، في أماكن العبادة وتقديم القرابين. (ف 28 من سفر الخروج صفحة 139).
إذا كانت المرأة عندهم تضع البرقع على وجهها حين تلقى غرباء وتخلعه حين تنزوي في الدار بلباس الحداد.
- في الديانة المسيحية يعد كشف الرأس من المرأة غير لائق ولو كانت بين يدي الله (رسالة القديس يولس صفحة 300 العهد الجديد من الكتاب المقدس).
كما أن رمز السيدة مريم العزراء في جميع شخوصها من "صور مرسومة، أيقونات، نقوش على الجدران، تماثيل..." مغطاة الرأس والعنق والصدر، كذلك الراهبات قدوة بها ـ كما يلاحظ عند الصلاة في الكنائس المسيحية أن النساء يغطين رؤوسهن وكذلك في الجنائز والأحزان.
وجاء في كتاب المرأة المسلمة فريد وجدي (123) ما يلي: فقد كانت الرومانيات مغاليات في الستر في العهد الأول للجمهورية، حتى إن القابلة كانت لا تخرج من ديارها إلا مخفورة، ووجهها ملثم، وعليها رداء طويل يلامس كعبيها، وفوقه عباءة لا تبدي شيئاً من قوامها. ثم تغيرت الحال في عهد الإمبراطورية، حتى حالت بعض المصلحين، وهب (كانون) ينذر بالخطر المحدق الذي سيلتهم كل شيء
وهناك الكثير من الأمثلة التي لا مجال لذكرها هنا.
الرق:
أما معهد الرق فهو معهد الرحماء ولبيان أسرار خِكم إنسانية سامية عن ذلك المعهد الراقي للرقّ بالإسلام، والذي خرج من العظام من لا تزال أسماؤهم إلى الآن تدوي في العالم قاطبة، ويقف لذكراهم خاشعاً القاصي والداني أمثال الملك الظاهر محمود بيبرس قاهر قُوى الطغيان من التتر المتوحشين والصليبيين المستعمرين والفرسان الاستباريين والملك قطز وسواهم. ذلك المعهد الرقيق العالي الذي استطاع بما فيه من منهج سامٍ ومُثل إنسانية عليا أن يفتح بطلابه "العبيد" العالم ليُخرجوا الناس من الظلمات إلى النور كما تخرّجوا هم أنفسهم بالأمس أمثال قادة الجيش الانكشاري المظفّر الأُوَل؛الجيش الذي لم يُقهر بعهد السلاطين محمد الفاتح وسليمان وسليم.
إنه معهد عالي رفيع ذي تربية نفسية عليا وتهذيب خُلقي عظيم الذي جعل المشركين بالأسر شعلة فكر فإيمان حق، إذ يُقارن بين ماضي الضلال والشقاء إلى حاضر تحوطه آيات الرحمة والرقة والوفاء والصدق والإخلاص والمعاملة الرحيمة الراقية لا ينغّص أحدهم ولا ينقصه، بل لا يشوبه إلا أن يتخذ قرار الإيمان ليغدو بموجبه سيّداً كريماً لا ينتقصه عمّن سبقه في المجتمع الإسلامي أحد إلا في درجة اجتهاده وقربه من الله تعالى. الرقيق هدية الله للإنسان بمعاملته بالإنسانية يرقى ويغدو أنقى فأتقى، إذ يأخذ الإنسان بيد أخيه بالإنسانية من عثار البقاء بالضلال والشقاء إلى مناهل السعادة ومرابع الجنان ومراتع المسرّات بالنعيم المقيم، ذلك أن أعظم الأعمال وأحسن الإحسان هداية إنسان وهذا ما يحبه المولى الكريم ويرضاه، وكلنا لآدم عليه السلام والأفضل الأتقى والأرحم والأرأف بإخوته بالإنسانية.
والإسلام هو دين الإنسانية بأسمى معانيها وهو الذي لم يفرق بين عربي ولا أعجمي... بين أبيض وأسود إلا بالتقوى... فمن كان أتقى كان أنقى فهو الأسمى والأرقى... من كان أشد رحمة بخلْق الله وأكثرهم لهم نفعاً فهو الأعلى: هذا ميزان التفريق في دين الإسلام. طالما أن هؤلاء البشر إخوتك فواجبك إنقاذهم، هذه غاية الجهاد لا لعلة، خالص لوجه الله هذا هو الجهاد المقدّس، فهي لا لعرض الكافر ولا لماله ولا لأرضه إنما لردّه للحق وطريق الجنّات، أي إن الغاية هداية الكافر فهو أخو المؤمن في الإنسانية لكنه ضلّ الطريق، ألا يقوّمه أخوه المؤمن الراشد! وكذا الرق فالغاية منه أن لا تخرج عن هذا المجال الإنساني الرفيع، فالله تعالى لا يريد لعباده أيّاً كانوا إلا السعادة وذلك بالسيْر بالطريق الحق لكسب الحياة الأيدية.
"عندما قويت الدولة الإسلامية" سُمِحَ لهم بالأسر، أي بعد فتح مكة ونشوء الكيان الإسلامي الظاهر. قال تعالى: {...فاقتُلوا المشركينَ}: عباد الأصنام والحجارة {حيثُ وجدتموهمْ وخذوهم...}: بالأسر. {...واحصروهم واقعدوا لهم كلَّ مَرْصَدٍ...}: اربطوا عليهم الطرق، كل ذلك تخويف لعلهم يرجعون. {...فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة...}: وهذه الغاية من محاربتهم وأسرهم وربط الطرق عليهم لعلهم يتوبون ويقيمون الصلاة... إن تابوا وصلّوا وتحققت الغاية السامية. {...فخلوا سبيلهم...}: وهذه الآية تبين بوضوح الغاية السامية من الأسر وقتال المشركين لإنقاذهم إلى سبل الهدى والإنسانية بشكل عام، قال تعالى: {يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلمِ اللهُ في قلوبكم خيراً}: أسروهم وأخذوا مالهم. {يؤتكم خيراً مما أُخذ منكم}: لا تحزن، إن رجعت للحق يعطيك الله أكثر مما أُخذ منك إن آمنت حقاً. {ويغفر لكم}: يشفيكم، يشفيك نفسياً. {والله غفور رحيم}: لهذا وهذا (للمؤمن والكافر)، المؤمن يرى بجهاده أنه قدّم عملاً فيزداد إقبالاً على الله وتشفى نفسه مما بقي فيها من أدران وبالآخرة ينتقل بأعماله من جنة لأعلى، والكافر بأسره وسلب ماله وجعله عبداً رقيقاً كل ذلك علّه يرجع للحق فيغفر الله له ويرحمه ويكسب آخرته وما أعدّ الله له من جنات هؤلاء الأسرى هم ما يسمّون بالرقيق عند المؤمنين. جعل الله تعالى الأسير تحت رعاية إنسان مؤمن يستطيع إصلاحه وقياده للجنّة ومعاملته برقة معاملة إنسانية هادفة لإيمانه وخيره الدائم، وبذا تتحقق غاية الله في هدايته وكل ذلك من كمال عطفه تعالى ورحمته بخلقه يحاول كل المحاولات من أجل هداية كل إنسان، وفي الحديث الشريف: «لأن يهدي الله على يديك رجلاً خير مما طلعت عليه الشمس وغربت» (طب، عن أبي رافع)، كنز العمال(ج 10) (28802).
كذلك الحال مع النساء من ملك اليمين، قال تعالى في سورة النساء (36): {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً}: عاملهما بالإحسان. {وما ملكت أيمانكم}: أيضاً عاملهم بالإحسان. فلقد خصّهن تعالى بالذكر في هذه الآية، فهي كابنتك هكذا تربيتها... فما أرحمه تعالى ببني الإنسان وما أجلّ حكمته وحرصه على هداية كل نفس فيما يسوق لها مما يلائمها ويجرها للهداية.
فهذه الأسيرة التي أصبحت مملوكة هذا هو طريق هدايتها والأخذ بيدها للإيمان بالله والنجاة من براثن الشيطان لإخراجها من الظلمات إلى النور ولنقلها من المصير في النيران إلى الجنان. وقد سن تعالى معاملتها بالإحسان بما يتضمن ذلك إصلاحها وتعليمها سُبُل الاستقامة والصلاح وكل ذلك بالمعاملة الرحيمة، لا بالإكراه. والآية الكريمة في سورة البقرة (256) تقرر: {لا إكراه في الدين...}، القوة للرحمة والمحبة والعطف والحنان للتربية السامية ليس إلا.
تعليق أوري أفنيري (مؤلف وناشط يهودي ورئيس كتلة السلام في إسرائيل) على خطاب البابا بندكت في خدمة الرئيس جورج بوش
لبابا بندكت في خدمة الرئيس جورج بوش / أوري أفنيري (21-9-1427) هجري: بصفتي يهودي ملحد، أنا لا أنوي أن أكون طرفا في هذا النقاش. من أنا لأتتبع منطق البابا. غير أني غير قادر على التزام الصمت حيال مقطع واحد من خطابه، متعلق بي كإسرائيلي يعيش بجوار خط الجبهة في "حرب الحضارات". لكي يثبت انعدام وجود المنطق في الإسلام، يدعي البابا أن النبي محمد قد أمر أتباعه بنشر دينه بقوة السيف، وهذا أمر غير منطقي، على حد تعبير البابا، لأن الروح هي مصدر الإيمان وليس الجسد، وكيف يمكن للسيف أن يؤثر على الروح؟
منذ أن كان قياصرة روما يقذفون بالمسيحيين إلى الحلبة، فريسة للأسود، مرت العلاقات بين القياصرة ورؤساء الكنيسة بتقلبات كثيرة. لقد حوّل القيصر قستنطين الأكبر، الذي ارتقى السلطة عام (306) ـ قبل (1700) سنة بالضبط ـ الدين المسيحي إلى دين الإمبراطورية، التي كانت تضم أرض فلسطين أيضا. مع مرور الزمن انقسمت الكنيسة على ذاتها بين فرعيها الشرقي (الأرثوذكسي) والغربي (الكاثوليكي)، وقد طالب البطريرك الغربي، الذي أصبح البابا فيما بعد، من القيصر الاعتراف بسلطته العليا. لقد تصدرت النزاعات بين القيصر والبابا، في العديد من الأحيان، مركز تاريخ أوروبا وجزأت الشعوب. لقد عرفت هذه النزاعات مدا وجزرا. كان هناك قياصرة أقالوا البابا أو نفوه وكان باباوات أقالوا أو نفوا القيصر.
أحد القياصرة، وهو هاينريخ الرابع، "ذهب إلى كانوسا"، حيث وقف هناك حافي القدمين على الثلج لمدة ثلاثة أيام متواصلة أمام مقر البابا حتى وافق الأخير على إلغاء النفي الذي فرضه عليه. غير أنه كانت هناك فترات طويلة عاش فيه القياصرة والباباوات بسلام أحدهم مع الآخر.
نحن نشهد في الفترة الحالية انسجام يثير الدهشة، بين البابا الحالي، بندكتوس السادس عشر، والقيصر الحالي، جورج بوش الثاني،. علينا أن ننظر، على هذه الخلفية، إلى خطاب البابا الذي أثار ضجة عالمية: أنه يندمج مع الحملة الصليبية التي يقودها بوش ضد "الفاشية الإسلامية"، في إطار "صراع الحضارات". في خطابه الذي ألقاه في جامعة ألمانية، أراد البابا، المائتان الخامس والستين، أن يثبت أن هناك فرق جوهري بين المسيحية والإسلام: فبينما ترتكز المسيحية على المنطق، فإن الإسلام ينكره. بينما يرى المسيحيون منطقا في أعمال الله، ينكر المسلمون أية منطق في أعمال الله. بصفتي يهودي ملحد، أنا لا أنوي أن أكون طرفا في هذا النقاش. من أنا لأتتبع منطق البابا. غير أني غير قادر على التزام الصمت حيال مقطع واحد من خطابه، متعلق بي كإسرائيلي يعيش بجوار خط الجبهة في "حرب الحضارات".
لكي يثبت انعدام وجود المنطق في الإسلام، يدعي البابا أن النبي محمد قد أمر أتباعه بنشر دينه بقوة السيف، وهذا أمر غير منطقي، على حد تعبير البابا، لأن الروح هي مصدر الإيمان وليس الجسد، وكيف يمكن للسيف أن يؤثر على الروح؟ لتدعيم أقواله، اقتبس البابا أقوالا أدلى بها قيصر بيزنطي بالذات، وهو من أتباع الكنيسة الشرقية المنافسة. في أواخر القرن الرابع عشر روى القيصر عيمانوئيل الثاني عن نقاش أجراه، على حد زعمه (هذا الأمر مشكوك فيه) مع مثقف فارسي مسلم مجهول. وفي خضم النقاش قال القيصر بخشونة (على حد قوله) أمام شريكه في الحديث: "أرني شيئا جديدا أتى به النبي محمد، وسترى أشياء سيئة وغير إنسانية فقط، مثل أمر نشر دينه بقوة السيف." تثير هذه الأقوال ثلاثة أسئلة:
1 لماذا قالها القيصر؟
2 هل هي صحيحة؟
3 لماذا كررها البابا الحالي؟
عندما سجل عيمانوئيل الثاني هذه الأقوال، كان مليكا على إمبراطورية آفلة. لقد ارتقى السلطة عام (1391)، حيث كانت قد تبقت محافظات قليلة من الإمبراطورية العظيمة.
لقد هدد الأتراك باحتلال هذه المناطق أيضا في أي لحظة. في تلك الفترة، كان الأتراك قد وصلوا إلى ضفاف الدانوب. لقد احتلوا بلغاريا وشمال اليونان وهزموا الجيوش التي أرسلتها أوروبا مرتين، بهدف إنقاذ القيصرية الشرقية.
في عام (1452)، بعد بضع سنوات فقط من موت عيمانوئيل، احتل الأتراك عاصمته القسطنطينية (اسطنبول اليوم) وأدوا إلى نهاية الإمبراطورية التي دامت أكثر من ألف سنة.
في أيام حكمه، تجول القيصر عيمانوئيل في عواصم أوروبا طلبا للمساعدة. لقد وعد بتوحيد الكنيسة من جديد.
لا شك في أن كتب القصص عن نزاعاته الدينية ليثير حفيظة أوروبا ضد الأتراك وليقنعها بالخروج إلى حملات صليبية جديدة. كانت نيته سياسية، وما كانت اللاهوتية إلا لخدمة السياسة. إن الأمور، من هذه الناحية، تتوازى مع احتياجات القيصر الحالي، جورج بوش، فهو أيضا يحاول توحيد العالم المسيحي ضد "محور الشر" الإسلامي.
إضافة إلى ذلك فإن الأتراك أيضا يطرقون باب أوروبا وفي هذه المرة بوسائل سلمية. من المعروف أن البابا يعارض القوى التي تطالب بانضمامهم إلى الاتحاد الأوروبي.
هل هناك حقيقة في ادعاء القيصر عيمانوئيل؟ لقد شكك البابا ذاته بأقواله. كلاهوتي جدي له سمعته، لا يمكنه أن يسمح لنفسه بتزييف ما هو مكتوب. لذلك ذكر أن النبي محمد قد منع في القرآن بشكل واضح نشر الدين بقوة السيف.
لقد اقتبس عن سورة البقرة، الآية (256) (صحيح أن البابا لا يخطئ ولكنه أخطأ هنا: لقد قصد الآية (257). لقد جاء فيها: {لا إكراه في الدين}!.
كيف يتجاهلون قولا بسيطا وقاطعا إلى هذا الحد؟ يدعي البابا أن هذه الآية قد كتبت في بداية طريق محمد، بينما كان ما زال يفتقر إلى القوة، ولكن مع مرور الوقت، أمر باستخدام السيف من أجل الدين.
لا يوجد لمثل هذه الوصية أي ذكر في القرآن. صحيح أن النبي محمد قد دعا إلى استخدام السيف في معاركه ضد خصومه من القبائل – المسيحيين واليهود - في شبه الجزيرة العربية، عندما أسس دولته، غير أن هذا كان عملا سياسيا وليس دينيا، معركة على الأرض وليس على بسط الدين. يسوع المسيح قال: "تعرفونهم من ثمارهم."
علينا أن ننظر إلى تعامل الإسلام مع الديانات الأخرى حسب اختبار بسيط: كيف تصرفوا خلال أكثر من ألف سنة، بينما كانت القوة بين يديهم، وكان بمستطاعهم "نشر دينهم بقوة السيف". هم لم يفعلوا ذلك. لقد سيطر المسلمون على اليونان مئات السنين. هل اعتنق اليونانيون الإسلام؟ هل حاول أي شخص إدخالهم في الإسلام؟ على العكس، لقد شغل اليونانيون وظائف كبيرة في الحكم العثماني.
كما أن شعوب أوروبا المختلفة مثل البلغاريين، الصرب، الرومانيين، الهنغاريين، الذين عاشوا فترات طويلة تحت حكم الأتراك، قد تشبثوا بدينهم المسيحي. إن أحدا لم يجبرهم على اعتناق الدين الإسلامي، وظلوا مسيحيين متدينين.
لقد أسلم الألبان وكذلك البوسنيون، ولكن أحدا منهم يدعي بأنهم قد أكرهوا في ذلك. لقد اعتنقوا الدين الإسلامي ليكونوا محببين إلى السلطة وليتمتعوا بخيراتها. في عام (1099) احتل الصليبيون القدس وذبحوا سكانها المسلمين واليهود من دون تمييز، وكانت هذه الأمور تنفذ باسم يسوع طاهر النفس.
في تلك الفترة، وبعد (400) سنة من احتلال المسلمين للبلاد، كان ما زال معظم سكان البلاد من المسيحيين. طيلة كل تلك الفترة لم تجرى أية محاولة لفرض دين محمد على السكان.
بعد أن طرد الصليبيون من البلاد فقط، بدأ معظمهم بتبني اللغة العربية واعتناق الدين الإسلامي ـ وكان معظم هؤلاء هم أجداد الفلسطينيين في أيامنا هذه.
لم تُعرف أية محاولة لفرض دين محمد على اليهود. لقد تمتع يهود أسبانيا، تحت حكم المسلمين، بازدهار لم يسبق له مثيل في حياة اليهود حتى أيامنا هذه تقريبا. شعراء مثل يهودا هليفي كانوا يكتبون باللغة العربية، كذلك الحاخام موشيه بن ميمون (الرمبام).
كان اليهود في الأندلس المسلمة وزراء، شعراء علماء. لقد عمل في طلليطلة المسلمة مسلمون، يهود ومسيحيون معا على ترجمة كتب الفلسفة والعلوم اليونانية القديمة. لقد كان ذلك "عصر ذهبي" بالفعل.
كيف كان لهذا أن يحدث كله، لو كان النبي محمد قد أمر أتباعه "بنشر الإيمان بقوة السيف"؟ ولكن المهم هو ما حدث لاحقا، حين احتل الكاثوليكيون أسبانيا من أيدي المسلمين، فقد بسطوا فيها حكما من الإرهاب الديني. لقد وقف اليهود والمسلمون أمام خيار قاس: اعتناق المسيحية أو الموت أو الهرب. وإلى أين هرب مئات آلاف اليهود، الذين رفضوا تغيير دينهم؟ لقد استقبل معظمهم على الرحب والسعة في الدول الإسلامية.
لقد استوطن "يهود الأندلس" من المغرب في الغرب وحتى العراق في الشرق، من بلغاريا (تحت حكم الأتراك آنذاك) في الشمال وحتى السودان في الجنوب.
لم تتم ملاحقتهم في أي مكان. لم يواجهوا هناك أي شيء يضاهي تعذيب محاكم التفتيش، لهيب المحارق، المجازر والطرد الذي ساد في معظم الدول المسيحية حتى حدوث الكارثة. لماذا؟ لأن محمد قد منع بشكل واضح ملاحقة "أهل الكتاب".
لقد تم تخصيص مكانة خاصة في المجتمع الإسلامي لليهود وللمسيحيين. لم تكن هذه المكانة مساوية تماما، ولكنها كادت تكون كذلك. كان يتوجب عليهم دفع جزية خاصة، ولكنهم قد أعفوا من الجيش مقابلها - وهذه الصفقة كانت مجدية جدا لليهود.
يقولون أن الحكام المسلمين قد عارضوا محاولات إدخال اليهود في الإسلام حتى بالوسائل اللطيفة، لأن هذا الأمر كان منوطا بخسارة عائداتهم من الضرائب. كل يهودي مستقيم، يعرف تاريخ شعبه، لا يمكنه إلا أن يشعر بالعرفان تجاه الإسلام، الذي حمى اليهود طيلة خمسين جيلا، في الوقت الذي كان العالم المسيحي فيه يلاحقهم وحاول في العديد من المرات إجبارهم على تغيير دينهم "بالسيف". قصة "نشر دين محمد بالسيف" هي أسطورة موجهة، جزء من الأساطير التي نشأت في أوروبا أيام الحروب الكبيرة ضد المسلمين - إعادة احتلال أسبانيا من قبل المسيحيين، الحروب الصليبية وملاحقة الأتراك، الذين كادوا يحتلون فيينا. أشتبه في أن البابا الألماني يؤمن هو أيضا بهذه الأساطير إيمانا تاما.
هذا يعني أن زعيم العالم المسيحي، وهي لاهوتي مسيحي هام بحد ذاته، لم يبذل جهدا في التعمق في تاريخ أديان أخرى. لماذا صرح بهذه التصريحات علنيا؟ ولماذا الآن بالذات؟ لا مناص من النظر إلى الأمور على خلفية الحملة الصليبية الجديدة التي يخوضها بوش ومؤيدوه الإنجيليون، وحديثه عن "الفاشية الإسلامية" و"الحرب العالمية ضد الإرهاب"، بينما يتم توجيه كلمة "الإرهاب" إلى المسلمين. إن هذا الأمر بالنسبة لمن يوجه بوش هو محاولة ساخرة لتبرير الاستيلاء على مصادر النفط. هذه ليس المرة الأولى التي تلبس فيها المصالح الاقتصادية الجرداء قناعا دينيا، وهذه ليست المرة الأولى التي تتحول فيه حملة نهب إلى حملة صليبية. يندمج خطاب البابا بشكل جيد في هذه المساعي. ولا أحد يعرف ما هي النتائج الممكنة.
(*) قلم / أوري أفنيري – مؤلف وناشط يهودي ورئيس كتلة السلام في إسرائيل.
شهادات بعض المستشرقين وكبار علماء الغرب والشرق بحق الدين الإسلامي
وأخيراً لا آخراً وعلى سبيل الختام والنهاية فإليكم شهادة طالبي الحق والحقيقة من علماء وكبراء دول الغرب نفسها وغيرهم من المفكرين بإنصاف ونزاهة.
غاندي:
أردت أن أعرف صفات الرجل الذي يملك بدون نزاع قلوب ملايين البشر... لقد أصبحت مقتنعا كل الاقتناع أن السيف لم يكن الوسيلة التي من خلالها اكتسب الإسلام مكانته، بل كان ذلك من خلال بساطة الرسول مع دقته وصدقه في الوعود، وتفانيه وإخلاصه لأصدقائه وأتباعه، وشجاعته مع ثقته المطلقة في ربه وفي رسالته.
هذه الصفات هي التي مهدت الطريق، وتخطت المصاعب وليس السيف. بعد انتهائي من قراءة الجزء الثاني من حياة الرسول وجدت نفسي أسفا لعدم وجود المزيد للتعرف أكثر على حياته العظيمة.
المفكر الفرنسي لامرتين:
إذا كانت الضوابط التي نقيس بها عبقرية الإنسان هي سمو الغاية والنتائج المذهلة لذلك رغم قلة الوسيلة، فمن ذا الذي يجرؤ أن يقارن أيا من عظماء التاريخ الحديث بالنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في عبقريته؟
فهؤلاء المشاهير قد صنعوا الأسلحة وسنوا القوانين وأقاموا الإمبراطوريات. فلم يجنوا إلا أمجادا بالية لم تلبث أن تحطمت بين ظهرانَيْهم.
لكن هذا الرجل (محمد صلى الله عليه وسلم) لم يقد الجيوش ويسن التشريعات ويقم الإمبراطوريات ويحكم الشعوب ويروض الحكام فقط، وإنما قاد الملايين من الناس فيما كان يعد ثلث العالم حينئذ. ليس هذا فقط، بل إنه قضى على الأنصاب والأزلام والأديان والأفكار والمعتقدات الباطلة.
لقد صبر النبي وتجلد حتى نال النصر (من الله). كان طموح النبي (صلى الله عليه وسلم) موجها بالكلية إلى هدف واحد، فلم يطمح إلى تكوين إمبراطورية أو ما إلى ذلك. حتى صلاة النبي الدائمة ومناجاته لربه ووفاته (صلى الله عليه وسلم) وانتصاره حتى بعد موته، كل ذلك لا يدل على الغش والخداع بل يدل على اليقين الصادق الذي أعطى النبي الطاقة والقوة لإرساء عقيدة ذات شقين: الإيمان بوحدانية الله، والإيمان بمخالفته تعالى للحوادث. فالشق الأول يبين صفة الله (ألا وهي الوحدانية)، بينما الآخر يوضح ما لا يتصف به الله تعالى (وهو المادية والمماثلة للحوادث). لتحقيق الأول كان لا بد من القضاء على الآلهة المدعاة من دون الله بالسيف، أما الثاني فقد تطلّب ترسيخ العقيدة بالكلمة (بالحكمة والموعظة الحسنة).
هذا هو محمد (صلى الله عليه وسلم) الفيلسوف، الخطيب، النبي، المشرع، المحارب، قاهر الأهواء، مؤسس المذاهب الفكرية التي تدعو إلى عبادة حقة، بلا أنصاب ولا أزلام. هو المؤسس لعشرين إمبراطورية في الأرض، وإمبراطورية روحانية واحدة. هذا هو محمد (صلى الله عليه وسلم).
بالنظر لكل مقاييس العظمة البشرية، أود أن أتساءل: هل هناك من هو أعظم من النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)؟
المفكر الإنكليزي برناردشو:
إن العالم أحوج ما يكون إلى رجلٍ في تفكير محمد، هذا النبي الذي وضع دينه دائماً موضع الاحترام والإجلال فإنه أقوى دين على هضم جميع المدنيات، خالداً خلود الأبد، وإني أرى كثيراً من بني قومي قد دخلوا هذا الدين على بينة، وسيجد هذا الدين مجاله الفسيح في هذه القارة (يعني أوروبا).
إن رجال الدين في القرون الوسطى، ونتيجةً للجهل أو التعصّب، قد رسموا لدين محمدٍ صورةً قاتمةً، لقد كانوا يعتبرونه عدوًّا للمسيحية.
لكنني اطلعت على أمر هذا الرجل، فوجدته أعجوبةً خارقةً، وتوصلت إلى أنّه لم يكن عدوًّا للمسيحية، بل يجب أنْ يسمّى منقذ البشرية، وفي رأيي أنّه لو تولّى أمر العالم اليوم، لوفّق في حلّ مشكلاتنا بما يؤمن السلام والسعادة التي يرنو البشر إليها.
ميكل هارت:
إن اختياري محمداً، ليكون الأول في أهم وأعظم رجال التاريخ، قد يدهش القراء، ولكنه الرجل الوحيد في التاريخ كله الذي نجح أعلى نجاح على المستويين: الديني والدنيوي.
فهناك رُسل وأنبياء وحكماء بدءوا رسالات عظيمة، ولكنهم ماتوا دون إتمامها، كالمسيح في المسيحية، أو شاركهم فيها غيرهم، أو سبقهم إليهم سواهم، كموسى في اليهودية، ولكن محمداً هو الوحيد الذي أتم رسالته الدينية، وتحددت أحكامها، وآمنت بها شعوب بأسرها في حياته. ولأنه أقام جانب الدين دولة جديدة، فإنه في هذا المجال الدنيوي أيضاً، وحّد القبائل في شعـب، والشعوب في أمة، ووضع لها كل أسس حياتها، ورسم أمور دنياها، ووضعها في موضع الانطلاق إلى العالم. أيضاً في حياته، فهو الذي بدأ الرسالة الدينية والدنيوية، وأتمها.
تولستوي:
يكفي محمداً فخراً أنّه خلّص أمةً ذليلةً دمويةً من مخالب شياطين العادات الذميمة، وفتح على وجوههم طريقَ الرُّقي والتقدم، وأن شريعةَ محمدٍ، ستسودُ العالم لانسجامها مع العقل والحكمة.
سنرستن الأسوجي:
إننا لم ننصف محمداً إذا أنكرنا ما هو عليه من عظيم الصفات وحميد المزايا، فلقد خاض محمد معركة الحياة الصحيحة في وجه الجهل والهمجية، مصراً على مبدئه، وما زال يحارب الطغاة حتى انتهى به المطاف إلى النصر المبين، فأصبحت شريعته أكمل الشرائع، وهو فوق عظماء التاريخ.
السير موير:
إن محمداً نبي المسلمين لقب بالأمين منذ الصغر بإجماع أهل بلده لشرف أخلاقه وحسن سلوكه، ومهما يكن هناك من أمر فإن محمداً أسمى من أن ينتهي إليه الواصف، ولا يعرفه من جهله، وخبير به من أمعن النظر في تاريخه المجيد، ذلك التاريخ الذي ترك محمداً في طليعة الرسل ومفكري العالم.
الدكتور زويمر:
إن محمداً كان ولا شك من أعظم القادة المسلمين الدينيين، ويصدق عليه القول أيضاً بأنه كان مصلحاً قديراً وبليغاً فصيحاً وجريئاً مغواراً، ومفكراً عظيماً، ولا يجوز أن ننسب إليه ما ينافي هذه الصفات، وهذا قرآنه الذي جاء به وتاريخه يشهدان بصحة هذا الادعاء.
شبرك النمساوي:
إن البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمد إليها، إذ إنّه رغم أُمّيته، استطاع قبل بضعة عشر قرنًا أنْ يأتي بتشريع، سنكونُ نحنُ الأوروبيين أسعد ما نكون، إذا توصلنا إلى قمّته.
آن بيزيت:
من المستحيل لأي شخص يدرس حياة وشخصية نبي العرب العظيم ويعرف كيف عاش هذا النبي وكيف علم الناس، إلا أن يشعر بتبجيل هذا النبي الجليل، أحد رسل الله العظماء، ورغم أنني سوف أعرض فيما أروي لكم أشياء قد تكون مألوفة للعديد من الناس فإنني أشعر في كل مرة أعيد فيها قراءة هذه الأشياء بإعجاب وتبجيل متجددين لهذا المعلم العربي العظيم.
هل تقصد أن تخبرني أن رجلاً في عنفوان شبابه لم يتعد الرابعة والعشرين من عمره بعد أن تزوج من امرأة أكبر منه بكثير وظل وفياً لها طيلة (26) عاماً ثم عندما بلغ الخمسين من عمره ـ السن التي تخبو فيها شهوات الجسد ـ تزوج لإشباع رغباته وشهواته؟! ليس هكذا يكون الحكم على حياة الأشخاص.
فلو نظرت إلى النساء اللاتي تزوجهن لوجدت أن كل زيجة من هذه الزيجات كانت سبباً إما في الدخول في تحالف لصالح أتباعه ودينه أو الحصول على شيء يعود بالنفع على أصحابه أو كانت المرأة التي تزوجها في حاجة ماسة للحماية
راما كريشنا راو:
لا يمكن معرفة شخصية محمد بكل جوانبها. ولكن كل ما في استطاعتي أن أقدمه هو نبذة عن حياته من صور متتابعة جميلة. فهناك محمد النبي، ومحمد المحارب، ومحمد رجل الأعمال، ومحمد رجل السياسة، ومحمد الخطيب، ومحمد المصلح، ومحمد ملاذ اليتامى، وحامي العبيد، ومحمد محرر النساء، ومحمد القاضي، كل هذه الأدوار الرائعة في كل دروب الحياة الإنسانية تؤهله لأن يكون بطلا
ساروجنى ندو شاعرة الهند:
يعتبر الإسلام أول الأديان مناديًا ومطبقًا للديمقراطية، وتبدأ هذه الديمقراطية في المسجد خمس مرات في اليوم الواحد عندما ينادى للصلاة، ويسجد القروي والملك جنب لجنب اعترافًا بأن الله أكبر... ما أدهشني هو هذه الوحدة غير القابلة للتقسيم والتي جعلت من كل رجل بشكل تلقائي أخًا للآخر.
مونتجومري:
إن استعداد هذا الرجل لتحمل الاضطهاد من أجل معتقداته، والطبيعة الأخلاقية السامية لمن آمنوا به واتبعوه واعتبروه سيدا وقائدا لهم، إلى جانب عظمة إنجازاته المطلقة، كل ذلك يدل على العدالة والنزاهة المتأصلة في شخصه. فافتراض أن محمدا مدع افتراض يثير مشاكل أكثر ولا يحلها. بل إنه لا توجد شخصية من عظماء التاريخ الغربيين لم تنل التقدير اللائق بها مثل ما فعل بمحمد.
جيبون أوكلي :
ليس انتشار الدعوة الإسلامية هو ما يستحق الانبهار وإنما استمراريتها وثباتها على مر العصور. فما زال الانطباع الرائع الذي حفره محمد في مكة والمدينة له نفس الروعة والقوة في نفوس الهنود والأفارقة والأتراك حديثي العهد بالقرآن، رغم مرور اثني عشر قرنا من الزمان.
ليس انتشار الدعوة الإسلامية هو ما يستحق الانبهار وإنما استمراريتها وثباتها على مر العصور. فما زال الانطباع الرائع الذي حفره محمد في مكة والمدينة له نفس الروعة والقوة في نفوس الهنود والأفارقة والأتراك حديثي العهد بالقرآن، رغم مرور اثني عشر قرنا من الزمان.
لقد استطاع المسلمون الصمود يدا واحدة في مواجهة فتنة الإيمان بالله رغم أنهم لم يعرفوه إلا من خلال العقل والمشاعر الإنسانية. فقول "أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله" هي ببساطة شهادة الإسلام. ولم يتأثر إحساسهم بألوهية الله (عز وجل) بوجود أي من الأشياء المنظورة التي كانت تتخذ آلهة من دون الله. ولم يتجاوز شرف النبي وفضائله حدود الفضيلة المعروفة لدى البشر، كما أن منهجه في الحياة جعل مظاهر امتنان الصحابة له (لهدايته إياهم وإخراجهم من الظلمات إلى النور) منحصرة في نطاق العقل والدين.
المفكر الإنجليزي برنارد شو:
إن العالم أحوج ما يكون إلى رجلٍ في تفكير محمد، هذا النبي الذي وضع دينه دائماً موضع الاحترام والإجلال فإنه أقوى دين على هضم جميع المدنيات، خالداً خلود الأبد، وإني أرى كثيراً من بني قومي قد دخلوا هذا الدين على بينة، وسيجد هذا الدين مجاله الفسيح في هذه القارة (يعني أوروبا).
إن رجال الدين في القرون الوسطى، ونتيجةً للجهل أو التعصّب، قد رسموا لدين محمدٍ صورةً قاتمةً، لقد كانوا يعتبرونه عدوًّا للمسيحية، لكنّني اطّلعت على أمر هذا الرجل، فوجدته أعجوبةً خارقةً، وتوصلت إلى أنّه لم يكن عدوًّا للمسيحية، بل يجب أنْ يسمّى منقذ البشرية، وفي رأيي أنّه لو تولّى أمر العالم اليوم، لوفّق في حلّ مشكلاتنا بما يؤمن السلام والسعادة التي يرنو البشر إليها.
جيبون أوكلي:
ليس انتشار الدعوة الإسلامية هو ما يستحق الانبهار وإنما استمراريتها وثباتها على مر العصور. فما زال الانطباع الرائع الذي حفره محمد في مكة والمدينة له نفس الروعة والقوة في نفوس الهنود والأفارقة والأتراك حديثي العهد بالقرآن، رغم مرور اثني عشر قرنا من الزمان.
لقد استطاع المسلمون الصمود يدا واحدة في مواجهة فتنة الإيمان بالله رغم أنهم لم يعرفوه إلا من خلال العقل والمشاعر الإنسانية. فقول "أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله" هي ببساطة شهادة الإسلام. ولم يتأثر إحساسهم بألوهية الله (عز وجل) بوجود أي من الأشياء المنظورة التي كانت تتخذ آلهة من دون الله. ولم يتجاوز شرف النبي وفضائله حدود الفضيلة المعروفة لدى البشر، كما أن منهجه في الحياة جعل مظاهر امتنان الصحابة له (لهدايته إياهم وإخراجهم من الظلمات إلى النور) منحصرة في نطاق العقل والدين.
المفضلات