مـا مضـى فــات
------------
تذكٌـرُ المـاضي والتفاعلُ معه واستحضارُه,والحزنُ لماَسيه حمقٌ وجنونٌ, وقتلٌ لـلإرادةِ وتبديدٌ للحياةِ الحاضرةِ. إن ملفٌ الماضي عندَ العقلاء يُطوَى ولا يُروَى,يُغلقُ
عليهِ أبـداً في زنـزانةِ النسيـانِ, يُقيـدُ بحبـالٍ قــويه فـي سجنِ الأهمـالِ, فـلا يخـرجُ أبـداً, ويُوصَدُ عليـه فـلا يـرى النـورَ , لأنه مضـى وانتـهى, لا الـحزنُ يعـيدُهَ , ولا
الهـمٌ يصـلحـهُ , ولا الغـم يصححُهُ, لا الـكدرُ يحـييهِ لأنُه عـدم, لاتعـش في كـابوس الـماضي, وتحت مظلةِ الـفائتِ, أنقذ نفـسَكَ من شبـحِ المـاضي, أتريدُ أن تَـرُد
النهـرَ الى مَصِبِهِ, والشمسَ الى مطلعهِا, والطفلَ إلى بطن أمِهِ, واللبَن إلى الثدي, والدمعةَ إلى العينِ.
إن تفـاعلكَ مع المـاضي, وقلقَكَ منهُ واحتراقَكَ بنارِهِ, وانطراحَكَ على أعتابهِ, وضٌع مأساويٌ رهيـبٌ مخـيفٌ مـفزعٌ.
القراءةُ في دفترِ الماضي ضيـاعٌ للحاضرِ , وتـمزيقٌ للجـهدِ , ونَـسفٌ للـساعةِ الراهنـةِ.
ذكـرَ اللـهُ الأمَم ومـا فَعَلت, ثم قال: (تِلكَ أُمةٌ قَد خَلَت) انتهى الأمرُ وقُضِىَ , ولا طائلَ من تشريحِ جثة الزمانِ, وإعادةِ عجلةِ التاريخِ.
إن الذي يعودُ للماضي , كالذي يطحنُ الطحينَ وهو مطحونٌ أصلاً , وكالذي ينشرُ نشارةُ الخشبِ.
وقديماً قالوا لمن يبكي على الماضي : لاتخرجِ الأمواتَ من قبورهم, وقد ذكرَ من يتحدثُ على ألسنةِ البهائمِ أنهم قالوا للحمارِ : لَم لا تجترُ ؟
قال: أكرهُ الكذِبَ .
إن بلاءَنـا أننا نَعجَـزُ عن حاضِرِنا ونشتغلُ بماضينا, نهملُ قصورَنا الجميلةَ , ونندبُ الأطلالَ الباليـةَ , ولئنِ أجتمعـتِ الإنسُ والجـنُ على إعادةِ مـا مضى لمـا
استطاعوا , لأن هذا هـو المحـالُ بـعينه.
إن النـاسَ لا ينـظرونَ إلى الـوراءِ ولا يلتفتـونَ إلـى الخلـفِ , لأن الـرِيحَ تتـجهُ إلـى الأمامِ , والـماءُ ينـحدرُ إلى الأمامِ , والقـافلةُ تسيـرُ إلـى الأمامِ , فـلا تخـالف
سُنةَ الحــياة .
المفضلات