الإسكيمو شعب يعيش في المناطق القطبية الشمالية والمناطق القريبة منها. ويمتد موطن الإسكيمو من الطرف الشمالي الشرقي عبر ألاسكا، وشمال كندا إلى جرينلاند. ويعيش بعض الإسكيمو في الجزء الشمالي من المناطق القطبية التي لايستطيع أن يقطنها أي شعب آخر.
أُخذ اسم الإسكيمو من كلمة هندية أمريكية تعني آكلي اللحم النيء أو الناطقين بلغة غريبة. ويطلق الإسكيمو على أنفسهم عدة أسماء مثل: إنويت في كندا، وإينوبيات ويوبيك في ألاسكا، ويوويت في كل من سيبريا وجزيرة سانت لورنس. وهم يفضلون أيًا منها على كلمة إسكيمو التي يعتبرونها مهينة، إلا أنهم، على أية حال، اشتهروا بالإسكيمو.
اتبع الإسكيمو عبر آلاف السنين أسلوبًا تقليديًا في الحياة منسجمًا مع بيئتهم. فمن المعروف أن الغالبية العظمى من الإسكيمو تعيش بالقرب من البحر. وقد وفر لهم ذلك أغلب طعامهم حيث اصطاد الإسكيمو الفقمات، وفِيَلَة البحر، والدببة القطبية، والحيتان، وكذلك الأسماك. كما اصطادوا أيضًا نوعًا من الوُعول يُسمَّى الكاريبو. وقد استخدم الإسكيمو جلود هذه الحيوانات في صنع الملابس. وفي فصل الصيف، اعتاد الإسكيمو العيش في خيام مصنوعة من جلد الحيوان، كما كانوا يبحرون في المياه القطبية في قوارب مصنوعة منه. أما في فصل الشتاء فكانوا يعيشون في بيوت من الجليد، أو ملاجئ مصنوعة من الطبقة العليا من التربة، وينتقلون على الأرض المغطاة بالثلوج بوساطة الزلاجات التي تجرها الكلاب. وكانت رحلات الإسكيمو الكبيرة كلها بحثًا عن الطعام. وقد كيَّف الإسكيمو حياتهم لتتلاءم مع فصول السنة وقرنوا أنفسهم بالتغيرات الموسمية تمامًا كما تفعل الحيوانات.
وبدأت حياة الإسكيمو في التغير في بداية القرن التاسع عشر الميلادي بعد توافد أعداد كبيرة من صائدي الحيتان وتجار الفراء الأوروبيين إلى أقصى الشمال، حيث انضم الإسكيمو إليهم في مهنة الصيد إلى أن تدهورت الصناعة التي قامت على صيد هذه الحيتان، وحينئذ تحول الإسكيمو إلى صيد الحيوانات ذات الفراء. وباع الأوروبيون للإسكيمو البنادق وبضائع أخرى مفيدة في مقابل الفراء وماكانوا يؤدونه لهم من خدمات. وأوشكت أنواع كثيرة من هذه الحيوانات على الانقراض كلية رغم حاجة الإسكيمو الشديدة إليها، ويرجع هذا إلى الصيد الجائر للحيوانات والحيتان. وبعد أن استخدم الإسكيمو البنادق الجديدة في صيد الحيوانات ارتفع عدد الحيوانات المقتولة. وباستعمال هذه الوسائل الحديثة، تغيرت طريقة الحياة التقليدية للإسكيمو.
ويبلغ عدد الإسكيمو ما يقرب من 120,000 شخص يعيشون في كل من روسيا وألاسكا وكندا وجرينلاند. ويعيش معظمهم في مدن أو مستعمرات صغيرة، ويلبسون ملابس حديثة ويقطنون منازل حديثة أيضًا، ويأكلون أطعمة مما يباع في الأسواق. ويعمل الكثير منهم في أعمال نظير أجر. ولكن الغالبية العظمى من الإسكيمو في ألاسكا وكندا، بخاصة، لايستطيعون العثور على وظائف ويحتاجون إلى مساعدة من الحكومة ليتمكنوا من العيش.
وللإسكيمو بشرة تميل إلى السمرة، وشعر أسود مسترسل، وعيون داكنة اللون، ووجوه مستديرة، وبروز في عظام الوجه، ويشبهون في ملامحهم شعوب منطقة سيـبريا بشمالي آسيا، ويشبهون كذلك الهنود الحمر، ولكن بدرجة أقل. وفي عصور ما قبل التا ريخ، كان أسلاف كل من الإسكيمو والهنود الحمر يعيشون في أواسط آسيا منذ أكثر من 10,000 سنة، ولكن العلماء يصنفون الهنود جنسًا منفصلاً، بينما يضمون الإسكيمو إلى الآسيويين الشماليين.
أراضي الإسكيمو
منطقة الإسكيمو
تشمل بلاد الإسكيمو الطرف الشمالي الشرقي لسيبريا، وجزر بحر بيرنج، وجزءًا رئيسيًا من المناطق الساحلية من ألاسكا. كما تشمل أيضًا الساحل الشمالي لكندا، وكثيرًا من الجزر الشمالية الكندية، ومعظم الساحل الغربي وجزءًا من الساحل الشرقي لجرينلاند.
ويعيش كثير من الإسكيمو في مناطق تعد من أقسى مناطق العالم برودة ووعورة. وكثير من أنواع النباتات والحيوانات لايمكنه الحياة في هذه الأصقاع الشمالية كالإسكيمو. وهذه المناطق هي التي يطلق عليها أرض شمس منتصف الليل لأن الشمس في فترة محدودة خلال فصل الصيف تشرق طوال اليوم، كما يُطلق على بلاد الإسكيمو أيضا أرض قمر الظهيرة، وذلك لأن الشمس لاتشرق مطلقًا خلال فترة محدودة من فصل الشتاء. انظر: شمس منتصف الليل؛ النرويج .
المناخ. يسود أقصى المناطق الشمالية شتاء طويل قارس، وصيف بارد قصير. ولايرتفع متوسط درجات الحرارة في معظم المناطق عن حد التجمد إلا لشهرين أو ثلاثة كل عام. ويبلغ متوسط درجات الحرارة أثناء فصل الشتاء ما بين -29°م و -342°م. وتهب الرياح على الأراضي القطبية دون أن تعترضها أية عوائق مما يجعل هذه المناطق أشد مناطق العالم برودة. وأثناء هبوب العواصف الشتوية، تجبر الرياح القارسة والثلوج المنهمرة الناس على البقاء في منازلهم لأيام عديدة حتى تتحسن الأحوال الجوية.
ويغطي الجليد معظم بلاد الإسكيمو خلال المدة من سبتمبر حتى يونيو، على الرغم من أن كميات الثلوج المنهمرة في المناطق القطبية تعد أقل مما ينهمر على المناطق الشمالية من الولايات المتحدة. وفي الحقيقة، يبلغ متوسط التساقط السنوي (مطر، وثلوج ذائبة، وأشكال أخرى للرطوبة) ما بين 15 و 25سم في منطقة القطب الشمالي ولكن القليل من الثلوج في أقصى الشمال هو الذي يذوب خلال فصل الربيع.
وتغطي كميات كثيفة من الجليد أجزاء من بعض الجزر الكندية الشمالية ومعظم جرينلاند خلال أشهر السنة. ويغطي الجليد البحيرات التي يسكنها الإسكيمو مدة تقرب من تسعة أشهر كل عام. كما يغطي الجليد معظم المحيط القطبي الشمالي خلال فصل الشتاء وتطفو قطعة ضخمة من الجليد (الجبال الجليدية) في المحيط طوال العام.
النباتات والحيوانات. تتكون أغلبية اليابسة في القطب الشمالي من سهول عديمة الأشجار، وتسمى سهول التُّندرا وتتجمد هذه اليابسة معظم أيام السنة. ويذوب ما يقرب من 30 إلى60 سم من ثلوج التندرا خلال الصيف، ولذا تكثر فيها السبخات والبرك والمستنقعات.
كما تغطي اليابسة المروج وكميات كثيفة من النباتات البحرية والطحالب والشجيرات والزهور البرية المتعددة الألوان. وتنمو في أجزاء من بلاد الإسكيمو أشجار صغيرة كثيرة متناثرة، ولكن لايمكن أن تنمو الغابات هناك.
وأهم الحيوانات التي تعيش في الشمال هي الثعالب والأرانب والذئاب والكاريبو، وثيران المسك والدببة والفقمات والحيتان. ويعيش حيوان الكاريبو في القطب الشمالي لشهور قليلة فقط كل سنة، ثم يأخذ هذا الحيوان في التنقل في بلاد الإسكيمو من مناطق الغابات حتى الجنوب في فصل الربيع، ويبقى في بلاد الإسكيمو حتى الخريف. وتعيش كل من الدببة والفقمات بشكل شبه دائم فوق ثلوج البحر. أما الطيور مثل البط والإوز والتارميجان وأنواع أخرى من الطيور فتعيش في منطقة القطب الشمالي لفترة قصيرة من السنة.
ويُعد سمك الشار القطبي من أكثر أنواع السمك شيوعًا، وهو نوع من أسماك السالمون. ويقضي سمك الشار جزءًا من كل سنة في مياه البحر والجزء الآخر في البحيرات والجداول. ومن أنواع أسماك المناطق الشمالية الأخرى سالمون البحيرات والسمك الأبيض، وتعد هذه الأسماك من أسماك المياه العذبة. وهناك أنواع عديدة من أسماك القد، وهي من الأسماك التي تعيش في البحر.
الطريقة التقليدية للحياة
نقل المعسكر بحثًا عن الصيد كان من الأمور الشائعة في حياة معظم جماعات الإسكيمو حيث كانوا ينتقلون خلال العام الواحد عدة مرات، بحثاً عن حيوان الكاريبو، والفقمات أو الحيوانات الأخرى.
عاش الإسكيمو منذ آلاف السنين حياة تختلف اختلافًا كاملاً عن حياة أي شعب آخر. فلا يستطيع أي شعب آخر أن يأكل الطعام الذي يأكلونه، أو أن يلبس الثياب التي يلبسونها أو أن يقطن المنازل التي يقطنونها. ولقد تميز الإسكيمو بوسائل انتقال وطرق صيد ولغة خاصة بهم. وطوَّروا ـ أيضًا ـ أسلوبهم الخاص في الحياة مما مكنهم من البقاء في بلادهم القاسية. وقد ساعد ذلك في عزلتهم عن الشعوب الأخرى. وكانت صلات معظم الإسكيمو مقتصرة على الإسكيمو الآخرين. وكانوا يلتقون بين الفينة والأخرى بالهنود الأمريكيين الذين كانوا يعيشون في جنوب بلاد الإسكيمو. ولكن معظم هذه اللقاءات لم تكن ودية ولذا قل تبادل البضائع والأفكار بينهم.
وكانت طريقة حياة الإسكيمو تتنوع إلى حد ما تبعًا لتنوع فصول السنة وتنوع المناطق. فعلى سبيل المثال، يقطن بعض الإسكيمو في بعض المناطق في بيوت من الثلج خلال أشهر الشتاء، بينما يقطن آخرون في أكواخ من الأعشاب خلال الشتاء. أما في خلال فصل الصيف فإن الإسكيمو كلهم يعيشون في خيام يصنعونها من جلود الحيوانات.
وعلى النقيض من جماعات الهنود الأمريكيين، لم يكن لدى الإسكيمو قبائل أو زعماء. ولكنهم شكلوا في بعض المناطق المختلفة جماعات ثقافية منفصلة. وقد حدِّدت أماكن وجود هذه الجماعات على الخريطة المبينة في الجزء المتقدم من هذه المقالة. وتحكم الإسكيمو في كل جماعة ثقافية تقاليد خاصة وهم يتبعون أسلوبًا في الحياة يختلف اختلافًا طفيفًا عن أي جماعة أخرى. ويعيش معظم الإسكيمو حياتهم كلها في محيط جماعتهم الثقافية الخاصة.
ويصف هذا الجزء من المقالة الأسلوب التقليدي لحياة الإسكيمو الكنديين قبل أن يصل الأوروبيون إلى الشرق الأقصى. ولم يعد هذا الأسلوب موجودًا الآن لدى معظم الإسكيمو الكنديين.
في داخل بيت الثلج ـ وهو أحد أنواع بيوت الإسكيمو التقليدية العديدة ـ تجلس إحدى أسر الإسكيمو وتنام على منصة من الثلج مغطاة بجلود الحيوانات. وكان الإسكيمو يبنون فيها حواجز أو أرففًا يعلقون عليها أواني الطهو والملابس المبللة والجلود.
الحياة الجماعية. خلال كل مجموعة ثقافية، عاش الإسكيمو في جماعات أصغر. وقد تنوعت هذه الجماعات من حيث الحجم، فتنوعت من الأسرة الواحدة إلى بضعة مئات من الناس. وقد تأثر حجم هذه الجماعات بنوع الصيد الذي يقومون به. ففي شمال كندا، على سبيل المثال، كانت تتجمع أعداد كبيرة من الجماعات خلال فصل الشتاء لصيد الفقمات. أما بقية فصول السنة فكانوا ينقسمون إلى جماعات أصغر بحثًا عن الكاريبو والأسماك والفقمات وأنواع الصيد الأخرى. وعلى النقيض من هؤلاء كان الإسكيمو الذين يعيشون في شمال ألاسكا يتجمعون بأعداد كبيرة في فصلي الصيف والخريف لصيد الكاريبو.
وكانت العادات والتقاليد هي التي تحكم الإسكيمو لا القوانين. وكان الصراع من أجل البقاء والعيش في سلام مع الآخرين في الجماعة من أهم مبادئ الإسكيمو. وكانوا يقدمون الطعام وضروريات الحياة الأخرى لمن لا يقومون بالمساعدة في الصيد والأعمال الأخرى، ولكنهم كانوا يحتقرونهم.
يحاول الإسكيمو تجنب المجادلات والخلافات، ولكن إذا ما نشب نزاع بين رجلين، على سبيل المثال، فقد يتقاتلان لتسوية هذا النزاع أو يُسوَّى عن طريق إقامة مباراة بينهما لاختبار قدرة تحمل كل منهما، والذي يفقد سيطرته يخسر المباراة. وقد يأمر كبار السن والعقلاء بإعدام شخص ما إذا ارتكب جريمة قتل أو أية جريمة أخرى مماثلة.
وفي معظم المناطق، تتكون أسرة الإسكيمو من الزوج والزوجة والأولاد غير المتزوجين، ومن البنين المتزوجين وزوجاتهم وأولادهم. ويبلغ عدد أفراد مثل هذه العوائل 20 شخصًا؛ وكانوا جميعًا يعيشون في منزل واحد أو مجموعة من الخيام وكانت الأسر المكونة من الزوج والزوجة والأطفال غير المتزوجين هي الأقل شيوعًا.
وكان الإسكيمو يُنزلون الأطفال منزلة عالية ونادرًا ما كانوا يعاقبونهم وعادة يقوم الوالدان باختيار زوجات أولادهم منذ الطفولة المبكرة. وكان معظم الإسكيمو يتزوجون في مرحلة المراهقة ولم تكن هناك حفلات زواج، إنما كان الرجل يأخذ شريكة حياته ويسلك بها دروب الحياة القاسية.
الطعام. عاش الإسكيمو على لحوم الحيتان والفقمات والكاريبو. وكانوا يأكلون أيضًا السمك، ولحوم الطيور، وثيران المسك والدببة والتوت والجذور والسيقان وأجزاء أخرى من نباتات معينة. وكانوا يجدون مثل هذه الأطعمة خلال الأشهر الأكثر دفئًا فقط ولكن بكميات قليلة.
وفي معظم الأوقات، كان الإسكيمو يأكلون اللحم نيئًا وذلك لقلة وجود الأخشاب أو عدمها، أو أي وقود آخر لإشعال النار. وكانوا في بعض الأحيان يطبخون اللحم على المصابيح التي تشعل بالزيت الذي يستمدونه من شحوم الفقمات أو ثدييات البحر الأخرى. وكان إعداد الطعام بهذه الطريقة يستغرق وقتًا طويلاً حتى ينضج على الحرارة الضعيفة المنبعثة من هذه المصابيح.
وكان الإسكيمو يأكلون عدة وجبات صغيرة في اليوم عادة. وإضافة إلى لحوم الفقمات والكاريبو، فإن من بين وجباتهم المفضلة كبد الولرس (الفظّ) الشبيه بالفقمة وجلود الحيتان. ويفضل الإسكيمو أكل محتويات معدة الكاريبو التي لم تهضم بعد، كما كانوا يشربون حساءً مصنوعاً من خليط الماء الحار ودماء الفقمات.
وكان الإسكيمو يصنعون المصابيح وأواني الطهي من الصخر الناعم الذي يطلق عليه الحجر الصابوني. كما استخدموا أطباقًا خشبية، ومغارف مصنوعة من العظام، وأكوابًا للشرب مصنوعة من قرون ثيران المسك واستخدمت النسوة في أعمالهن المنزلية سكاكين هلالية الشكل تسمى أولو. وكانت هذه السكاكين تصنع من مواد عدة.
ملابس الإسكيمو ووسائل النقل والمسكن
الملابس. صنع الإسكيمو ملابسهم من جلود الحيوانات؛ ولذا تنوعت أشكال ملابسهم من منطقة لأخرى ولكن كان الرجال والنساء والأطفال في كل المناطق يلبسون الزي الموحد وهو سترة بها غطاء للرأس، وسروال وكساء للساق من الجلد والجوارب والحذاء، والقفازات التي تكسو الأصابع الأربع معًا، وتكسو الإبهام بمفرده. وهم يرتدون نظارات واقية مصنوعة من الخشب أو العظم؛ لتقليل أشعة الشمس المنعكسة على الجليد. وبهذه النظارات فتحات صغيرة يستطيع المرء أن يرى من خلالها.
وكانت ملابسهم، وأحذيتهم في الأغلب من جلود الفقمات والدببة القطبية والثعالب لتميزها بالدفء وخفة الوزن.
وكان غطاء الرأس يعم الرأس والرقبة والكتفين. أما منطقة الوسط فكانت تغطى من فوق الوسط إلى أسفل الركبتين. وكان الإسكيمو في معظم المناطق يرتدون نوعين من الملابس أثناء الشتاء. فيلبسون نوعًا داخليًا ذا فرو يدفئ الجسم، أما فرو النوع الخارجي فيكون للخارج. ويساعد الهواء الموجود بين النوعين الداخلي والخارجي على الحفاظ على حرارة الجسم ويسمح للعرق أيضًا بالتبخر. وفي الأجواء الأكثر دفئًا، كان الإسكيمو يلبسون عادة النوع الخارجي المصنوع من جلد الكاريبو أو من جلد الفقمة.
بناء بيت الثلج ـ الذي يقوم ببنائه اثنان من الإسكيمو ـ يستغرق ما يقرب من ساعة فقط، فيقومان بتقطيع كتل الثلج، ثم يرصانها في شكل حلزوني ـ أي على هيئة دوائر تصغر تدريجياً كلما ارتفعت إلى أعلى.
المسكن.كان لدى معظم عائلات الإسكيمو بيت صيفي وآخر شتوي. ففي فصل الصيف، كان أغلبهم يعيش داخل خيام مصنوعة من جلد الفقمة أو جلد الكاريبو. أما خلال أشهر الشتاء، فكانوا في أغلب المناطق يعيشون في بيوت مصنوعة من الطمي. وكان بعض الإسكيمو أيضًا يبنون بيوتًا من الثلج على شكل القبة تكون ملاجئ مؤقتة يستخدمونها في أثناء ترحالهم. أما الإسكيمو الذين اتخذوا من بيوت الثلج هذه منازل شتوية دائمة لهم فهم إسكيمو وسط كندا وجزر كندا الشمالية فقط.
كان الإسكيمو يبنون بيوتهم من الثلج الذي تجلبه الرياح ويجعله الصقيع صلدًا. وكانوا يستخدمون سكين الجليد ـ وهي سكين طويلة مستقيمة مصنوعة من العظم ـ في قطع كتل من الثلج تتراوح أبعادها بين 90 سم طولاً و45 سم عرضًا وبين 10 ـ 15سم سمكًا. وكانوا يرصون الكتل في صف دائري متصل، يدور صاعدًا في دوائر تصغر مع ارتفاع البناء حتى يأخذ المنزل شكل القبة. حينئذٍ كانوا ينحتون فتحة في الحائط إلى الخارج وكان بإمكان أحدهم أن يصنع مثل هذا البيت خلال ساعتين.
وكان الإسكيمو عادة يبنون بيوتاً من الثلج لتكون ملاجئ موقتة. أما أغلب الإسكيمو الذين اتخذوا من بيوت الثلج منازل شتوية دائمة فقد بنوا أشكالاً أكثر دقة، حيث أضافوا غرفًا إلى بيوت الثلج وجعلوا لهذه البيوت مداخل تشبه الأنفاق. وأحيانًا تعيش إحدى عائلات الإسكيمو أو مجموعة من العائلات في سلسلة من بيوت الثلج المتصلة ببعضها والتي لها مدخل مشترك.
ويتكون مدخل كثير من بيوت الثلج من حجرة تخزين، أو حجرتين تبنيان فوق نفق في الثلج. وكان الإسكيمو يجعلون أرضية المداخل أقل مستوى من أرضية منزل الثلج. ويصبح الهواء البارد أكثر دفئًا بعد عبوره هذا الممر، ثم يصعد حينئذ إلى المنزل ليوفر درجة حرارة مريحة لساكني المنزل. أما خروج الهواء فيكون من فتحة صغيرة توجد في السقف.
وتوجد في بيوت الثلج المستخدمة منازل شتوية دائمة عدة منصات من الثلج تبنى بطول الجدار الداخلي وتوضع عليها المصابيح وأوعية الطعام والمتعلقات الأخرى، وفي الجزء الخلفي من المنزل منصة كبيرة تغطّى بجلود الحيوانات وتستخدم سريرًًا ومجلسًًا للعائلة كلها.
وكان الإسكيمو يدفئون بيوت الثلج ويضيئونها بمصابيح مصنوعة من الحجر الناعم وكانت هذه الأحجار تستخدم في الطهي والتدفئة. وكانت بيوت الثلج تبدو أكثر دفئًا من الخارج، لأنها كانت تقي الإسكيمو من الرياح.
وأحيانًا كان الإسكيمو الذين يقومون ببناء بيوت من الأعشاب يستخدمونها نفسها لعدة مواسم شتوية. وهذه المنازل المصنوعة من الأعشاب تكون أرضيتها ترابية وتقل عن مستوى الأرض بما يقرب من 30سم إلى60سم. وتبنى الجدران والأسقف من عظام الحيتان والأحجار والخشب المغطى بالعشب. وهناك منصة كبيرة مصنوعة من العشب تستخدم للجلوس والنوم كما توجد بها عدة منصات أخرى ولكنها أصغر حجمًا تستخدم استخدام المناضد. وفي هذه المنازل مصابيح مصنوعة من الحجر الصابوني تستخدم في الإضاءة ولتوفير الحرارة كذلك، كما توجد بهذه المنازل حجرات تخزين.
صنع قارب الكياك يتطلب كثيراً من المهارة والصبر. وبعد أن يقوم الإسكيمو ببناء الهيكل القوي الخفيف الوزن من الخشب، كما هو مبين بالصورة أعلاه، يغطونه بجلد عجل البحر أو جلد الكاريبو.
وسائل الانتقال. انتقل الإسكيمو على الجليد والثلوج والماء، كما كانوا يتنقلون على الأرض. وقد استخدموا الزلاجات التي تجرها الكلاب في التنقل على الثلج والجليد، وقد أبحروا في الأنهار والبحيرات والبحار في قوارب غلفت بجلود الحيوان، وتنقلوا صيفًا سيرًا على الأقدام.
وقد استخدم الإسكيمو نوعين من الزلاجات، الزلاجات المصنوعة من ألواح الخشب، والزلاجات ذات الهياكل الخشبية. وكانت الزلاجات المصنوعة من ألواح الخشب، والمستخدمة في كل من كندا وجرينلاند تشبه السلَّم الطويل. وتتكون من قطعتين طويلتين تفصل بينهما سلسلة من القطع الخشبية العرضية؛ أما الزلاجات ذات الهياكل الخشبية والمستخدمة في كل من ألاسكا وسيبريا، فكانت هياكلها تشبه السلة وتميل إلى أعلى من الأمام وتأخذ في الانحدار حتى مؤخرة الزلاجة.
وكانت كل الزلاجات ذات الهياكل الخشبية تصنع من الخشب. وكان الإسكيمو في كل من كندا وجرينلاند يفضلون صنع زلاجاتهم ذات الألواح من الخشب أيضًا. وإذا لم يتوفر الخشب لديهم، كانوا يصنعون هذه الزلاجات من مواد مثل عظام فك الحوت أو جلد الحيوانات المتجمدة، وأيضًا من اللحم المتجمد.
يقوم الإسكيمو في كل من كندا وجرينلاند بربط كلابهم في الزلاجة بوساطة العقد المروحية. حيث يربط كل كلب في الزلاجة بخيط منفصل بحيث تبدو فرقة الكلاب وهي تقوم بسحب الزلاجة. أما الإسكيمو في كل من ألاسكا وسيبريا فيقومون بربط الكلاب في الزلاجة أزواجًا في صف واحد وفي خيط واحد.
ويحتفظ الإسكيمو أيضًا بعدد من الكلاب بحيث يمكنهم تغذيتها. ولذا نجد أن المناطق التي يندر فيها الصيد لايستطيع الإسكيمو فيها إطعام أكثر من كلب أو كلبين بينما نجد أن الإسكيمو الذين يعيشون في المنطقة الواقعة شرق كندا يمكنهم إطعام عشرة كلاب أو أكثر حيث يتوفر الصيد في مثل هذه المناطق.
وكان لدى الإسكيمو نوعان من القوارب وهما الكياك واليومياك. ويشبه الكياك زورق الكنو (وهو زورق طويل ضيق). وكان الإسكيمو في جميع المناطق يستخدمونه في الصيد. وصممت هذه القوارب لتحمل شخصًا واحدًا فقط، وإن كان بإمكان بعضها أن تحمل شخصين. ولقارب الكياك هيكل خشبي مغطى بجلد الفقمة أو حيوان الكاريبو. وتوجد الفتحة الوحيدة في القارب في السطح وتتسع لشخص واحد كي يجلس فيها بمفرده. أما قوارب الكياك التي تتسع لشخصين فيوجد بها فتحتان.
وعند الإبحار بقارب الكياك، كان رجل الإسكيمو يرتدي عادة سترة خاصة مصنوعة من أمعاء الفقمة، لايؤثر فيها الماء. وكان يلف السترة حول الفجوة، بحيث يكون بإمكانه أن يميل إلى وضعه السابق مع الحفاظ على استمرار القارب في الإبحار. ولدفع القارب، كان الإسكيمو يستخدمون إما مجدافًا طويلاً له طرفان مسطحان وإما مجدافًا أقصر له طرف مسطح واحد.
أما اليومياك فهو قارب مفتوح يتسع لعشرة أفراد أو لاثني عشر فردًا. وقد استخدمه الإسكيمو جميعهم فيما عدا الإسكيمو الذين كانوا يقطنون شمالي جرينلاند وغربي وشمالي كندا. وقد بُنيَ هذا القارب من إطار خشبي مغطىً بجلد الفقمة أو فيل البحر. وكانوا يدفعونه بمجاديف. وقد استخدم الإسكيمو هذا النوع من القوارب في الرحلات الطويلة، وكذلك في نقل أمتعتهم وقت ترحالهم، واستخدموه أيضًَا في صيد الحيوانات البحرية الكبيرة كأفيال البحر والحيتان.
صيد الحيوانات والأسماك. يتكون كل طعام الإسكيمو تقريبًا من صيد الحيوانات والأسماك. كما أمدهم الصيد أيضًا بالمواد التي كانوا يصنعون منها ملابسهم ومساكنهم أو يصنعون منها أدواتهم وأسلحتهم. وكان الإسكيمو يصطادون الفقمات والكاريبو، في المقام الأول، إلا أنهم كانوا يصطادون أيضًا ثيران المسك، والدببة القطبية، والحيتان، والطيور.
وكانوا يصطادون الفقمات بوسائل صيد مختلفة وفي مواسم مختلفة أيضًا. ففي فصلي الخريف والشتاء، كانوا يصطادون الفقمات من الثلوج التي تنتشر على الشاطئ. حيث كانت الفقمات تقوم بعمل فتحات في الثلج، لكي تتنفس من خلالها. وكان الصيادون يتربصون حول هذه الفتحات ويقومون بقتلها عندما تطفو على سطح الماء لتتنفس. كما كانوا يصطادون الفقمات أيضًا من على حواف الجبال الجليدية خلال هذين الفصلين.
وفي فصل الربيع، تصعد الفقمات على الثلوج لتنام، فيصطادها الصيادون. وكانت هذه الوسيلة تتطلب مهارة خاصة، لأن الفقمات تصحو مرة أو مرتين كل دقيقة لترقب ما حولها تحسبًا للخطر. ويتعين على الصياد أن يقترب من الفقمة زحفًا وبحرص شديد، وعليه أن يقلد حركات هذا الحيوان كلما رفع الحيوان رأسه. أما في فصل الصيف حيث لا يغطي الجليد المياه الساحلية، فقد كان الإسكيمو يصطادون الفقمات بوساطة قوارب الكياك.
ويستخدم الإسكيمو الحربون (وهو رمح يستخدم لصيد الحيتان). وكانت هذه الرماح ذات رؤوس حجرية أو عظمية، أما قصبة الرمح فكانت تصنع من الخشب أو من قرون الوعل. وكان الحربون يصمم بحيث يُربط رأسه إلى القصبة بحبل طويل، ثم ينفصل عن القصبة عندما يصيب الحربون أحد الفقمات.
وعند صيد الفقمات بوساطة الكياك، يقوم أحد رجال الإسكيمو بربط خيط طويل من جلد الفقمة إلى طرف الحربون. ثم يقوم إما بإمساك نهاية الخيط وهو يصوب الرمح أو بربط الخيط إلى عوامة كبيرة من جلد الفقمة تكون منتفخة بالهواء. وبهذه الطريقة، يكون بإمكان الصياد منع العجل الجريح من الهرب.
أما عن طريقة صيد الفقمات على ثلوج البحر فيقوم الإسكيمو بتثبيت خيط قصير من جلد الفقمة إلى رأس الحربون.
يقوم الإسكيمو في معظم المناطق بصيد الكاريبو في فصلي الصيف والخريف بعد انتقال هذه الحيوانات إلى الشمال تاركة أرض الغابات. وكان النساء والأطفال يقومون عادة بمطاردة قطيع الكاريبو ودفعه نحو الرجال الذين كانوا ينصبون له الفخاخ بالرماح أو الأقواس والسهام. وأحيانًا كان الإسكيمو يدفعون الكاريبو إلى حُفر خفية. وكانوا يصطادون الكاريبو أيضًا برماح صيد الحيتان بوساطة قوارب الكياك في أثناء سباحتها عبر البحيرات أو الأنهار. وقد يقوم أحد الإسكيمو بمفرده بصيد الكاريبو بالقوس أو السهم أحيانًا.
وكانت معظم سهام ورماح وحراب الإسكيمو ـ كالحربون ـ ذات رؤوس من الحجارة أو العظم. أما الأقواس وقصبات الرماح والحراب والسهام فكانت تصنع من الخشب، وإن كان بعضها يصنع من قرون الوعول أو ثيران المسك.
وكان الإسكيمو يصطادون الأسماك برماح ذات رؤوس متعددة أو بصنارة الصيد المصنوعة من العظم أو من قرون الوعل. واستخدم الإسكيمو الشباك في صيد الأسماك في كل من ألاسكا وسيبريا. وكانوا يصطادون الأسماك طوال أيام السنة من خلال فتحات في الثلج. أما في فصل الصيف فيصنعون عوائق أو سدودًًا من الأحجار في مجاري الأنهار والجداول لحبس الأسماك وصيدها.
الدين. يعتقد الإسكيمو أن أرواحًا قوية تتحكم في الطبيعة، كما يعتقدون أن للناس والحيوانات أرواحًا تعيش في عالم آخر بعد الموت وكانوا يظنون أنهم إذا خالفوا الأرواح فسوف تعاقبهم بإصابتهم بالمرض أو بأيِّ مصيبة أخرى.
وشمل اعتقادهم هذا أرواحًا عديدة للريح والطقس والشمس والقمر. ومن أهم هذه الأرواح روح ربة البحر سيدْنا، التي كانت تعيش في قاع المحيط وتتحكم في الفقمات، والحيتان والحيوانات البحرية الأخرى. وكانوا يعتقدون أنهم إذا لم يُرضوا ربة البحر هذه فسوف تبعد الحيوانات عنهم. ولإرضائها كانوا يتبعون قواعد معينة في التعامل مع حيوانات البحر. فعلى سبيل المثال، كان الإسكيمو في بعض أجزاء من ألاسكا يحتفظون بمثانات الفقمات التي يصطادونها، ثم يقومون بإلقائها في البحر خلال احتفالات خاصة يؤدونها كل سنة.
وكانت وفاة أحد الإسكيمو تتطلب طقوسًا خاصة، فكانوا في معظم المناطق يلفون الجثمان بجلود الحيوانات، ثم يسحبونه إلى التندرا (السهل الأجرد في المنطقة القطبية)، ويحيطونه بدائرة من الأحجار. وكانوا يضعون أدواته ومتعلقاته الأخرى بجوار الجثة لكي تستخدمها الروح ـ حسب اعتقادهم ـ في العالم الآخر.
وتضم جماعة الإسكيمو عادة رجلاً أو امرأة يعتقد أن لديه القدرة على الاتصال بالأرواح. وكان هذا الشخص يدعى أنجاتكوك عند الإسكيمو، وشامان عند البيض. ويحاول شامان أن يجلب لهم الطقس الجيد، ويعالج المرضى ويزيد من حصيلة الصيد، ويأتي بالحظُوظ الطيبة الأخرى.
ممارسة الألعاب ساعدت الإسكيمو في قضاء ساعات طويلة خلال ظلمة الشتاء الحالكة. وفي إحدى هذه الألعاب التي تسمى نجلجاكتوك ويقوم اللاعبون بمحاولة تمرير القصبة عبر فتحة فى أحد العظام المعلقة في خيط يتدلى من السقف، وأول شخص يتمكن من ذلك يكسب اللعبة.
الترويح. أحب الإسكيمو الترويح، خاصة في فصل الشتاء، حيث كانت العواصف والظلام الطويل تجبرهم على البقاء داخل بيوتهم لوقت طويل. وكان الرجال يستمتعون بألعاب المصارعة وشد الحبل واختبارات القوة الأخرى. كما عشقوا أيضًا تأدية حركات على حبل من الجلد مشدود بين جدران البيت من الداخل. وكانوا يستمتعون بالغناء وسرد القصص عن أبطال أسطوريين. ويعشقون الرقص على دقات الطبول.
الفن. زين الإسكيمو الأشياء التي كانوا يستخدمونها كل يوم. فزينوا ملابسهم بالفراء وبأزرار عاجية محفورة على أشكال الفقمات والأسماك والحيوانات الأخرى،كما زينوا أدواتهم وأسلحتهم وأشياءهم الأخرى بنحوت ورسومات. وقد صنعوا العديد من المنحوتات العظمية أو العاجية لحيوانات يستخدمها الأطفال في اللعب.
اللغة. كان الإسكيمو يتحدثون لغة نشأت وتطورت بمعزل عن كل اللغات الأخرى. وقد تنوعت لغة الإسكيمو ولكن في حدود ضيقة حسب المناطق. ولكن الإسكيمو في شمال شرقي سيبريا وجنوبي ألاسكا ـ بما فيها جزر ألاسكا ـ كانوا يتحدثون لغات عديدة تختلف كثيرا فيما بينها كما تختلف عن لغات سائر الإسكيمو.
وقد أنشأ الإسكيمو كثيرًًا من الكلمات عن طريق ضم كلمات أحادية المقطع بعضها إلى بعض. واشتمل الكثير من الكلمات التي نشأت بهذه الطريقة على خمسة مقاطع أو أكثر. كما كان لدى الإسكيمو في معظم المناطق أكثر من كلمة واحدة للأشياء كافةً. فعلى سبيل المثال، كانت لديهم كلمات كثيرة للفقمة. ويعتمد اختيار إحدى هذه الكلمات على حالة الحيوان نفسه صغيرًًا كان أو كبيرًًا وهل يعيش في المياه أم على اليابسة. واعتمد كذلك على عدد من الظروف الأخرى. ولم يكن لدى الإسكيمو نظام للكتابة.
نبذة تاريخية
التاريخ القديم. نشأ أسلاف الإسكيمو في شمال شرقي آسيا. ويرى معظم العلماء أن الإسكيمو جاءوا إلى ما يعرف اليوم بألاسكا عبر ممر أرضي كان يربط بين آسيا والمنطقة الشمالية من أمريكا منذ ما يقرب من 10,000 عام تقريبًا. ثم اتجه الإسكيمو من ألاسكا ناحية الشرق، حيث توجد المنطقة القطبية لقارة أمريكا الشمالية.
ويرى الخبراء أن الإسكيمو انتشروا من ألاسكا إلى ما يعرف اليوم بجرينلاند في حركتين كبيرتين. بدأت الأولى منذ مايقرب من 5,000 سنة. ومن الجائز أن تكون الثانية قد بدأت منذ أقل من 1,200 سنة تقريبًا. ولايعرف العلماء بدقة المدة التي استغرقتها كل من الحركتين. ولكن في الوقت الذي بدأت فيه الحركة الثانية، كانت سلالة الإسكيمو التي قامت بحركة الهجرة الأولى قد انقرضت. ويُعد هؤلاء الذين قاموا بالهجرة الثانية أسلاف الإسكيمو الذين يعيشون اليوم في كل من جرينلاند وكندا وشمال شرق ألاسكا.
وصول الأوروبيين. يُعد الفايكنج من أوائل الأوروبيين الذين التقوا بالإسكيمو في جرينلاند بعد وصول الإسكيمو إليها عام 1100م . ومع بداية القرن السادس عشر الميلادي، بدأ التقاء المكتشفين الأوروبيين بالإسكيمو لأول مرة في المنطقة الشرقية من القطب الشمالي بأمريكا. أما الروس وبقية المكتشفين الأوروبيين فلم يلتقوا بالإسكيمو إلا في القرن الثامن عشر الميلادي.
وخلال القرن التاسع عشر الميلادي، وفدت أعداد كبيرة من صائدي الحيتان وتجار الفراء الأوروبيين إلى بلاد الإسكيمو. وبعد ذلك بدأ الإسكيمو في العمل لحساب صائدي الحيتان وتاجروا معهم، فحصلوا منهم على البنادق والذخيرة والحديد والخشب وبضائع أخرى مفيدة. ولكن الأوروبيين جلبوا معهم بعض الأمراض التي لم يستطع الإسكيمو مقاومتها. و لذا مات كثير منهم نتيجة هذه الأمراض.
وعلى الرغم من انهيار الصناعة التي قامت على صيد الحيتان في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، فقد راجت تجارة أخرى ألا وهي تجارة الفراء. ولذلك بدأ كثير من الإسكيمو في صيد الحيوانات بالفخاخ وبيعها لتجار الفراء، وترتب على ذلك زيادة الاتصال بين الإسكيمو والشعوب البيضاء. وقد أدت هذه الاتصالات إلى حدوث بعض التغيرات في طريقة الحياة. فعلى سبيل المثال، مكنتهم البنادق ـ التي حصلوا عليها في مقابل الفراء ـ من الصيد بفاعلية أكثر. غير أنهم استمروا في العيش كما كان يعيش أسلافهم منذ مئات السنين.
أُم مِنْ إسكيمو كندا تقوم بتنظيف جلد دب قطبي، بينما ينظر إليها بقية أفراد الأسرة. يعيش كثير من عائلات الإسكيمو ـ كهذه العائلة ـ في بيوت حديثة ولكنهم لا يزالون ينصبون الفخاخ للحصول على الفراء، لمبادلتها بالطعام والبضائع الأخرى.
الأساليب الجديدة للحياة. بدأت أساليب الحياة عند الإسكيمو تتطور خلال أوائل القرن العشرين الميلادي وأواسطه. وقد حدثت هذه التغيرات بصور مختلفة في روسيا وألاسكا وكندا وجرينلاند.
ففي الاتحاد السوفييتي (سابقًا)، سيطرت الحكومة على جماعات الإسكيمو خلال العشرينيات من القرن العشرين الميلادي ووفرت لهم الرعاية الصحية والإسكان والتعليم. وشجعتهم على إنتاج البضائع للبيع في البلاد. فعلى سبيل المثال، كان الإسكيمو في سيبريا يرعون حيوان الرنة منذ زمن بعيد بالإضافة إلى صيد الحيوانات. كما بدأ الإسكيمو أيضًا في بيع أنياب فيل البحر، وكذلك بيع منحوتات العظم والحجر الصابوني ومصنوعات يدوية أخرى.
وفي ألاسكا، أدى الصيد بالبنادق والفخاخ على نطاق واسع إلى انخفاض أعداد هذه الحيوانات إلى حد كبير مع بداية القرن العشرين الميلادي. وقد أدى ذلك إلى لجوء كثير من الإسكيمو إلى رعي حيوان الرنة الذي قامت بإحضاره حكومة الولايات المتحدة من سيبريا. وقد أصبح الإسكيمو مواطنين أمريكيين عام 1924م.
وفي أثناء الحرب العالمية الثانية (1939-1945م) عمل كثير من الإسكيمو في القواعد العسكرية التابعة للولايات المتحدة الأمريكية في ألاسكا. ولهذا هجروا رعي الرنة تمامًا. وبعد الحرب حصل بعض الإسكيمو على عمل إضافي تمثل في صناعة صيد الأسماك والبناء، وبعض الأعمال الأخرى التي يديرها السكان البيض الذين ازدادت أعدادهم. ولكن لم يتمكن معظم الإسكيمو من الحصول على وظائف. وقد أعدت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية برامج لتحسين ظروف الحـياة للإسكيـمو. ورغم هذا، لايزال الكثير منهم يعيشـون في فقر.
المدارس أنشئت في كثير من تجمعات الإسكيمو منذ أوائل القرن العشرين. ولكن لايزال معظم أطفال الإسكيمو عاجزين عن الوصول إلى مرحلة التعليم الثانوي. وتقع المدرسة المبينة في الصورة أعلاه في شمالي كندا.
وفي كندا، تغير أسلوب حياة الإسكيمو قليلاً في الخمسينيات من القرن العشرين. حيث تدهورت تجارة الفراء وقلت أعداد حيوان الكاريبو إلى حد كبير، بعد اتباع أسلوب الصيد بالبنادق لسنوات طويلة. هذه التطورات أدَّت إلى تحول كثير من الإسكيمو إلى جماعات نشأت وتطورت حول مراكز التجارة، ومكاتب الإدارات الحكومية ومواقع الرادار وكنائس البعثات التنصيرية. واستطاع الإسكيمو العثور على وظائف في أعمال البناء وأعمال أخرى موسمية في هذه المراكز. ولكن لم تكن هناك أعمال تكفي كل أفراد الإسكيمو. ولذا اعتمد كثير منهم على المعونات التي تقدمها الحكومة الكندية في مجال الإسكان والمجالات الأخرى.
أما في جرينلاند، فقد بدأ كثير من الإسكيمو في صيد الأسماك للأغراض التجارية إبان أوائل القرن العشرين. وقد جاءت هذه التطورات نتيجة للتغير في المناخ الذي أدى إلى تدفئة مياه جرينلاند الساحلية، مما دفع الفقمات إلى التوجه نحو الشمال؛ وجذبت هذه المياه الدافئة أسماك القد، والسالمون وأنواعًا أخرى من الأسماك من الجنوب.
كانت جرينلاند مستعمرة دنماركية منذ عام 1380 وحتى 1953م حيث أصبحت مقاطعة دنماركية، وفي الوقت نفسه، أصبح الإسكيمو مواطنين دنماركيين. وخلال أوائل القرن العشرين الميلادي ومنتصفه، أعدت الحكومة الدنماركية برامج لمساعدة إسكيمو جرينلاند وقد وفرت لهم هذه البرامج تعليمًا محسنًا وإسكانًا ورعاية صحية. وبالإضافة إلى ذلك عملت الحكومة الدنماركية على تدريب الإسكيمو على وظائف في الصناعة والخدمات وجميع المجالات الأخرى.
الإسكيمو اليوم
السيارات الثلجية شاع استخدامها بين الإسكيمو الذين يعيشون في مدن كالتي تظهر في الصورة أعلاه، في ألاسكا. وعلى الرغم من أن الإسكيمو في معظم المناطق يستخدمون الآن هذه السيارات الثلجية بدلاً من التي تجرها الكلاب، إلا أن الزلاجات التقليدية لم تختف.ولاتزا
تغير الأسلوب التقليدي للحياة بالنسبة لمعظم الإسكيمو. فهم يعيشون الآن في بيوت مصنوعة من الخشب بدلاً من بيوت الثلج والأعشاب أو الخيام. ويلبسون الملابس الحديثة بدلاً من الثياب المصنوعة من جلود الحيوانات. واستبدلت بقوارب الكياك واليومياك الزوارق ذات المحركات، كما حلت المركبات الثلجية محل الزلاجات الخشبية التي تجرها الكلاب. وبالإضافة إلى ذلك، حلت النصرانية محل المعتقدات التقليدية للإسكيمو.
وأصبح الإسكيمو اليوم يتنافسون اقتصاديًا مع العالم المعاصر بدلاً من التنافس مع عالم الطبيعة. وبوجه عام، فقد تكيف إسكيمو جرينلاند وروسيا مع أساليب الحياة الجديدة، بينما يعاني معظم الإسكيمو في ألاسكا وكندا البطالة ومشكلات أخرى نتجت عن اندثار أساليبهم التقليدية في الحياة.
ويُقدر العدد الإجمالي للإسكيمو الذين يعيشون في روسيا وألاسكا وجرينلاند وكندا نحو 120,000 نسمة وقد تضاعف عدد الإسكيمو في المدة من 1950- 1970م، ولايزال عددهم يتزايد بصورة سريعة. وجاءت هذه الزيادة نتيجة لتحسين الرعاية الصحية وتحسن ظروف المعيشة.
روسيا. يعيش ما يقرب من 1,200 شخص من الإسكيمو في الطرف الشمالي الشرقي لسيبريا على رعي الرنة وصيد أفيال البحر وحيوانات أخرى كما يعيشون على إنتاج بعض المنحوتات والمصنوعات اليدوية. وتقدم الحكومة لهم الخدمات كافة كالتعليم والإسكان والخدمات الأخرى.
ألاسكا. يعيش في ألاسكا ما يقرب من 40,800 شخص من الإسكيمو. ويشمل هذا العدد ما يقرب من 8,000 من الأليوتيين، وهم جماعة من الإسكيمو سبق لهم العيش في جزر ألوشيان. ويعيش كثير من الأليوتيين اليوم في شبه جزيرة ألاسكا وجزر ألوشيان أيضًا. انظر: الأليوتيون.
يعيش بعض إسكيمو ألاسكا في المدن، بينما تقطن الأغلبية في مستعمرات صغيرة معتمدين في غذائهم على صيد الحيوانات والأسماك ويعاني الباقون البطالة، وقد يجدون أعمالاً مؤقتة. ويعتمد الإسكيمو على حكومة الولايات المتحدة في مجال الإسكان والخدمات الأخرى. وعلى الرغم من أن الحكومة قد وسعت من برامجها التعليمية إلى حد كبير، إلا أن غالبية الشباب لم يكملوا تعليمهم الثانوي.
وهناك واقعتان مَنَحَتا إسكيمو ألاسكا الأمل في حياة أفضل. ففي عام 1971م، أصدر الكونجرس الأمريكي قانونًا يلزم الحكومة بتوفير 962,5 مليون دولار أمريكي، واستصلاح ما يقرب من 18 مليون هكتار من أراضي ألاسكا لصالح الإسكيمو الأصليين، والأليوتيين، والهنود الأمريكيين. وقد أصدر الكونجرس هذا القانون استجابة لمطالب الإسكيمو والهنود الذين أخذوا يطالبون بحياة أفضل منذ زمن طويل. كما استفاد الإسكيمو أيضًا من تطوير حقل النفط الضخم الذي اكتشف في شمالي ألاسكا عام 1968م.
منحوتات الحجر الصابوني أصبحت مصدرًا مهمًا من مصادر الدخل لعدد كبير من الإسكيمو الكندييين. وهذه المنحوتات تصنع من الصخر الناعم أو عظام الحيوانات. وقد ذاعت شهرتها في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وكندا.
كـندا. في كندا ما يقرب من 34,800 شخص من الإسكيمو، يعيش أغلبهم في المدن وفي مساكن وفرتها لهم الحكومة. كما يحصلون منها أيضًا على معونات مادية ورعاية صحية، ومساعدات أخرى. ولايزال معظم الإسكيمو في كندا لايجدون فرص عمل دائمة. ولمواجهة هذه المشكلة، شجعت الحكومة الإسكيمو على الصيد التجاري للأسماك والحرف اليدوية. وقد نجحت هذه التنظيمات بوجه خاص في بيع منحوتات الحجر الصابوني التي ذاعت شهرتها على نطاق واسع في كل من كندا والولايات المتحدة. وقد زادت الفرص التعليمية للإسكيمو في كندا زيادة عظيمة منذ خمسينيات القرن العشرين.
وفي عام 1993م، أجازت الحكومة الكندية مشروعاً لإنشاء منطقة جديدة تضم أكثرية من الإسكيمو. وبحلول عام 1999م، تم إعادة تقسيم المناطق الشمالية، وخصصت منطقة ننافوت الواسعة للإسكيمو.
جرينلاند. يقطن جرينلاند ما يقرب من 43,200 شخص من الإسكيمو، ينتمي معظمهم إلى هجين من الإسكيمو والأوروبيين. ولكن الخبراء يصنفونهم على أنهم من الإسكيمو.
منحت حكومة الدنمارك حكماً ذاتياً لجرينلاند في عام 1979م، مكنّ سكان الجزيرة بمن فيهم الإسكيمو من إدارة شؤونهم الداخلية.
ويعمل معظم إسكيمو جرينلاند داخل المدن في صناعة صيد الأسماك. أما إسكيمو شمال جرينلاند فهم الوحيدون الذين لايزالون يعيشون على صيد الفقمات بشكل أساسي، كما لايزالون أيضًا يتبعون الكثير من أساليبهم التقليدية في الحياة. أما التعليم الذي يتلقاه معظم الإسكيمو في جرينلاند فلا يصل إلى مرحلة التعليم الثانوي، ولا تزال الحكومة تقدم لهم خدمات الإسكان والرعاية الصحية والمعونات الأخرى
بالرغم من شيوع المنازل الحجرية والخشبية في مناطق الأسكيمو , فإن الناس هناك لايزالون يبنون البيوت القُبيّة لأسباب عديدة ,
لأنها تنجز بسرعة من جهة وتقاوم العوامل الجوية من جهة أخرى . يبدأ بناء القُبيّات بحفر خندق بطول 1,5 متراً وبعمق 50 سنتمتراً
ثم تقطع بالسكين الكتل الثلجية وتشكّل بطريقة تميل إلى الداخل حين رصفها فوق بعضها البعض يتخد البناء في البداية الشكل الدائري,
حين رصف الكتل فوق بعضها , ثم يبدأ البنًاء بكشطها بطريقة تشبة المبرد حتى تأخد الشكل الحلزوني أو القُبّي . ثم يقوم البنّاء بقطع
الزوائد من الداخل لتشكيل المتّسع المطلوب . ومن ثم يوضع الحجر المركزي في سطح البناء حيث يتم إسقاطة من مكانه بطريقة مناسبة
(تكون جوانبه العليا أوسع من جوانبه السفلى على شكل الهرم المقلوب ) وتملأ الشقوق بين الكتل بالثلج لمنع الثغرات أو الفتحات في
الجدار . وهكذا يمكن وفي خلال ساعتين إنجاز هذا النوع من بيوت الأسكيمو . وبعد الانتهاء من عملية البناء , تقوم المرأة بإشعال فانوس
الزيت ليعطي أكبر قدر ممكن من الحرارة . ثم تغلق بعدها الباب بكتلة ضخمة من الثلج بطريقة محكمة تمنع تسرب الهواء . عندها يبدأ الثلج
بالذوبان , ولكن بما أنّ سطح المبنى ذات شكل منحنٍ , فأنّ نقاط الماء بدل أن تسقط إلى الأرض تتشرب داخل الكتل الثلجية مما يجعل هذه
الكتلة تبدو رطبة بعض الشيء . وعندما تتشبع الكتل الثلجية بالرطوبة , يطفىء القنديل ويُفتح الباب . عندها يدخل الهواء المكثف البارد
إلى الداخل , وفي بضعة دقائق يتحول هذا البيت من بناء ثلجي ضعيف إلى قبة جليدية قوية ومتينة . هكذا يصبح البناء قوي جداً لدرجة
أن تسلقة من قبل دب قطبي لن يؤدي إلى انهياره . إن الصلابة والقوة اللتين يتمتع بهما هذا البناء تجعله مقاوماً للذوبان وبالتالي تحوّله
إلى ملجأ آمن . ولكن بالطّبع عندما ينتهي الشتاء وتبدأ درجات الحرارة بالارتفاع ,فأن هذا البناء لن يستطيع مقاومة الحرارة , وبالتالي
سيبدأ بالذوبان انطلاقاً من السطح ثم الجدران إلى أن يصبح كتلة مائية سائلة .
منقول
تحياتي ..
المفضلات