لم يأبه الأربعيني أبوزهير لنداء طفله فارس ذي السنوات الثلاث وإشارته لشيء ما عند مرافقته له في السوق، فقام بشراء بعض الحاجيات والمستلزمات، والعديد من قطع الحلوى للطفل وأشقائه، وعادا إلى المنزل.
وفي المساء، دهش والدا فارس من ارتفاع درجة حرارته المفاجئة، وسارعا بزيارة الطبيب، وبعد الفحص تبين أنه لا يعاني من مرض عضوي، وبدأ الطبيب يتحدث مع الطفل ووالديه لمعرفة الأسباب، وأخبرهما بأنه قد يكون قد رأى شيئا ما ولم يحصل عليه، واقترح العودة إلى الأماكن التي ذهب إليها الطفل.
وعند سير الوالدين بالسوق ذاتها، صاح فارس وأشار بيده إلى أحد المحلات التجارية المتخصصة بـ"تنجيد الأغطية واللحف"، فبينما كان يقوم العامل بعمله ويطرق على القطن الوردي، أقبل فارس بلهفة وبدأ يأكل القطن معتقدا بأنه حلوى "شعر البنات".
الحالة التي مر بها فارس يشخصها اختصاصي الأطفال د.عدنان الخياط، قائلا "قد يحزن الطفل ويصرخ ويبكي نتيجة عدم حصوله على الشيء الذي يريده، وقد يصاب جراء ذلك بأعراض مثل التقيؤ أو انقطاع النفس، وقد يصل الأمر لخضوعه لفحوصات عدة".
وهناك العديد من المواقف التي تعترض الأطفال الصغار، لا يعلم الأهل أسبابها أو يتجاهلونها، وقد تؤثر سلبا في حياة الطفل، سواء وهو صغير أو عندما يكبر.
والدة الطفل يزن ذي السنوات الأربع وقعت في حيرة من أمرها عندما جهش طفلها بالبكاء في الروضة؛ حيث كان قد اشتهى تناول حلوى من زميلته التي طلب منها إطعامه لكنها رفضت.
الحيرة التي احتلت تفكير أم يزن مردها؛ كيفية تعليم طفلها عدم طلب شيء من الآخرين، ولكن هو بالوقت ذاته طفل صغير لا يتوجب حرمانه من الشيء الذي يراه ويشتهيه، إلا أن هذا الموقف جعلها تحث طفلها على إخبارها بأي شيء يشتهيه أو يريده.
الاختصاصية الأسرية والمرشدة التربوية سناء أبوليل، تؤكد أن على الأهل ضرورة وضع الطفل في حضانة أو مدرسة أو ناد وغيرها من مستواه الاجتماعي نفسه، منوهة إلى أن غير ذلك يتسبب بأثر عميق في نفسية الطفل، ويجعله لا يتكيف مع البيئة التي وضع فيها.
وتشير إلى ضرورة تعليم الطفل معاني الذوق، وتعزيز قيم العطاء لديه منذ الصغر، كي يعرف التصرف في أي مكان يكون فيه، مؤكدة أن القناعة يجب غرسها داخل الابن منذ الصغر، ليشعر بقيمة الشيء الذي يمتلكه، ولا يتأثر ويعاند ليحصل على شيء جديد.
وتحث أبوليل على أهمية توعية الطفل بعدم المقارنة بما لديه والآخرين، رائية أنه عندما تكتمل هذه القيم تقل داوفعه في نيل كل جديد، داعية بالوقت ذاته الأهل إلى الاهتمام ورعاية أطفالهم وعدم تجاهل متطلباتهم قدر الإمكان، لأن هذا سيؤثر بالتأكيد سلبا على صحتهم.
أما أم وليد فكانت هي السبب في المرض الذي حل بطفلتها لين ذات الست سنوات، نتيجة حرمانها من تناول العديد من الأطعمة والحلويات كونها تعاني من سمنة مفرطة مقارنة بأقرانها الصغار.
تقول أم وليد "نصحني الأطباء بضرورة تخفيف طعام ابنتي، لكنني كنت قاسية معها في تطبيق الأمر، فأضع لها نصف كمية الطعام التي اعتادت عليه، ومنعتها من تناول الشوكولاته والشيبس المفضلين لديها".
لم تحتمل لين الصغيرة هذا العقاب القاسي من والدتها، خصوصا عند رؤيتها أشقائها وصديقاتها يتناولون الطعام والحلوى أمامها، فأصيبت بحالة نفسية سيئة جدا.
وعند مراجعة أم وليد الطبيب، أخبرها أنها اتبعت أسلوبا خاطئا في حمية الطفلة، فكان عليها التدريج في الأمر وليس حرمانها منه.
وتبين المعلمة في إحدى الحضانات هبة ياغي، أن الأطفال مختلفو الطباع والسلوك في الحصول على الشيء الذي يريدونه؛ فمنهم من يرى جديدا بيد زميله ويبدأ حينها بالبكاء، والبعض الآخر لا يكترث وقد يخبر والديه فيما بعد ويحصل عليه.
وتقول "يمكننا حث الأطفال في الحضانة على قيم التشاركية فيما بينهم، وهذا يقتصر على الطعام أو الحلوى، أما القضايا الأخرى مثل الحقيبة والأدوات والألعاب وغيرها، فلا يمكننا التدخل فيها، وهنا يأتي دور الأهل في تربية أبنائهم".
وتبين المتخصصة بعلم نفس الأطفال د.حنين جرار، أن هناك بعض الأطفال الذين يكون لديهم تأخر بالنمو أو النطق، ويعجزون عن التعبير بالكلمات عن الشيء الذي يريدونه، وأحيانا يعبرون عنه بالصراخ أو البكاء ولا يعلم الأهل السبب في هذا.
وتوفير الوالدين كل احتياجات الطفل، وفق جرار، لا يعد خطأ في حد ذاته، كما أن قول "نعم" ليس خطأ أيضا، ولكن يجب على الوالدين التفريق بين تلبية رغبات الطفل ومطالبه، وبين الشيء الذي يتمنى الطفل الحصول عليه بالفعل.
وتضيف "هناك بعض الأطفال الذين يستخدمون البكاء وسيلة للحصول على كل ما يتمنونه، وقد تصدر عن الطفل سلوكات وتصرفات سلبية جدا، تجعل والديه حائرين في كيفية التعامل معه، ويلجأون للطبيب للمساعدة والاستشارة".
وفي مثل هذه الحالات، ينصح الخياط الأهل بالاستجابة بحدود لما يريده الطفل وباعتدال، موضحا "فليس كل ما يطلبه الطفل مجابا، لأن ذلك يحوله لشخص أناني، ويدعي مثل هذه العوارض حتى يحصل على ما يريد، وهذا كله جراء الدلال الزائد".
المفضلات