الجزء الثاني
بابا عمر وماما سارة الحلقة الثانية
قـال عمـر:
سبحان الله .. نفس الهجوم اللّي هجم علينا بعد الزفاف هجموا تاني بعد الولادة .. الزيارات ليل ونهار، بس المرة دي الوضع مختلف، إن حماتي هي اللي بتقوم بخدمتهم، والنساء يدخلون لسارة في حجرة النوم وأنا أتدبس مع الرجالة فى الصالون .. ولازم الكل يشرب مغات .. ليه؟ .. ولدوا هم كمان؟!!..
بس بصراحة المرّة دي فيه نقوط كتير ليحيى .. إكتشفت إنـّه وش الخير علينا .. كفاية إنهم وافقوا على موضوع شغلي الجديد في نفس يوم ولادة يحيى .. صحيح، سبحان الله .. عمري ما تخيلت معنى الآية: نحن نرزقهم وإياكم بالشكل ده .. يعني ربنا قدم رزق الأطفال على رزق الآباء .. الحمد لله .. ربنا يخليك لينا يا يحيى ..
قــالت ســارة:
"جايبة الوحاشة دى منين يا سارة؟"
كلمة سمعتها من كل من زاروني، واغتظت لها جداً، وكنت أغضب وأكاد أقول محدش يقول على إبني وحش، ده زى القمر .. لكن غمزت لي أمي إن الكل لازم يقول كده علشان لو البيبي تعب ـ لا قدر الله ـ ما نقولش إنهم حسدوه
.. طيب ما يقولوا إنـّه جميل ويقولوا ما شاء الله؟!!..
لا والأغرب إن ماما كانت تأمرني أن أتظاهر بالإعياء الشديد وإني شفت الأهوال في الولادة علشان برضه الحسد .. وكنت أرى نظرة نارية منها لو وجدتني ضحكت بصوت عالي، أو اقترحت الخروج من غرفة النوم للجلوس مع صديقاتي .. فتعيدني هذه النظرة إلى النوم على السرير والتظاهر بالكساح ..
قـال عمـر:
آآآآآخ .. نِفسي الضيوف دول يمشوا علشان أنام شوية .. والبيت محتاج فليبينية علشان يرجع لحالته الطبيعية، وطبعاً علشان حماتي هى اللى ح ترتب البيت، ما ينفعش أطنش ولازم أساعدها .. دي مش سارة علشان أسيبها تعمل كل حاجة وأنا سلطان زماني ..
المشكلة كمان إني بعد حملة الترتيب القاتلة لن أستطيع النوم في غرفة النوم كالمعتاد .. يكفينى سهرة إمبارح والحفلة اللي كان نجمها الأوحد الأستاذ يحيى من سيمفونية صراخ متواصل حتى الفجر، وعزف منفرد من بكاء سارة لفشلها فى إسكاته .. وكنت أنا المتفرج الوحيد فى هذه الحفلة .. وحاولت المساعدة ولكنـّني فشلت بالطبع فأخذت البطانية وسلـّمت أمري لله ونمت في الصالون ..
طيب أنا في أجازة حالياً حتى الأسبوع القادم عندما أبدأ العمل فى الشركة الجديدة، ودول ناس لازم أكون فايق جداً معاهم .. ح أعمل إيه فى الحفلات المسائية للأستاذ؟ ربنا يستر ..
قــالت ســارة:
آآآه .. أخيراً الضيوف مشيوا خلاص .. نفسي أناااااااااام .. أنا بقيت باعتبر النوم ده حاجة كده زى الحلم العربي .. البيه طول النهار نايم وطول الليل صاحي، مش فاهمة ليه؟ .. بجد بأبقى خلاص حارمي نفسي من البلكونة علشان ينام، وبرضه مفيش فايدة .. وطبعاً عمر مش عارفة أصلاً أشوفه من ساعة الولادة .. على طول مطرود من الأوضة .. ياربي هيّ كل الأمهات بيتعذبوا العذاب ده؟.. طيب والأم اللي بتصحى بدري علشان شغلها بتعمل إيه؟ .. آآآآه.. الحفلة ابتدت .. جاية يا يحيى باشا ..
*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*
قــالت ســارة:
اليوم الأستاذ يحيى كمّل 6 أيام من عمره الميمون .. والله مروا كأنهم 6 سنين .. على طوووول صاحية طول الليل وطول النهار، مش عارفة أعمل إيه .. حيجيلي إنهيار عصبى من قلة النوم .. وبقيت باتخيل حاجات ماشية على الحيطة، وناس بتكلمنى وأنا بارد ردود غريبة .. هو ليه كل المواليد بيحبوا يسهروا بالليل؟ ولو تكرّم عليّ ونام بيكون لنصف ساعة، ومش عارفة إيه اللي بيحصل ويقوم يعبر عن إستيائه إننا جبناه الدنيا الوحشة دي .. بجد مش لاقية وقت حتى أسرح شعري .. ومش عارفة لما ماما ح تسيبي بعد الأسبوع حاعمل إيه فى شغل البيت والطبيخ والكوارث اللي ورايا؟
المشكلة إني بآخد وقت طويل جداً لحد ما أعرف الباشا بيعيط ليه؟.. بأكون غالبا فى الآخر أنا كمان باعيط معاه .. لكن ماما، ما شاء الله، أول ما تشوفه بيعيط بتتحول إلى أستاذ أطفال في عين شمس وتقولي: عنده مغص .. عاوز ينام .. عاوز حد يزغزغه .. وعمر التشخيص ما بيطلع غلط .. طيب أنا ح أبقى كده إمتى؟.. بعد الطفل العاشر إن شاء الله؟!!
قـال عمـر:
البيت مثل خلية النحل، والدي ووالد سارة راحوا علشان يشتروا حاجات السبوع ويوصوا على العقيقة اللي ح تتدبح بكرة في سبوع يحيى .. وطبعاً همّا عارفين البير وغطاه، فتعللوا انهم بيعرفوا في الحاجات دي أكتر مني .. آدي الأبهات ولا بلاش ..
وجلست في إنتظارهم حتى عادوا ومعهم صناديق كبيرة مليئة بالحلوى والشيكولاتة .. وتجمع كل البيت عليهم .. أخواتي وأخوات سارة وماما وحماتي كمان .. وطبعا أول مرة كشاب أحضر عملية تغليف علب السبوع ..
في لحظات التف الجميع حول السفرة وكل واحد أخذ موقعه، حتى سارة استغلت فرصة نوم يحيى وانضمت لفريق العمل الجبار .. وكأنهم جميعاً طول عمرهم بيغلفوا علب سبوع فى الموسكي .. وأنا الوحيد اللي مش فاهم حاجة ..
لقيت العلبة بتمر على 7 أشخاص تقريباً حتى تكتمل؛ فالأول يحضر العلبة ويضع بها قطعة شيكولاتة، والثاني يضع بها البونبوني، ثم يسلمها للثالث الذي يغلف الشيكولاته والبونبوني بغلاف دانتيل رقيق ويضعه داخل العلبة، والرابع يضع لعبة صغيرة، والخامس يغلف كل هذا بغلاف حريري ويربط شريط فضي أو ذهبي، والسادس والأخير يلصق رباط آخر عليه اسم يحيى وتاريخ ميلاده وآية مكتوب عليها: لم نجعل له من قبل سمياً .. إخترناها أنا وسارة تيمناً بيحيى الرسول عليه السلام ..
فعلا خرجت علبة السبوع رائعة الجمال، ورغم رفضي للفكرة لكونها غير إسلامية وموافقتي فقط كي لا تحزن سارة وكي لا أفسد على الجميع فرحتهم، فكرت في فكرة أننا نضيف مع اللعبة الصغيرة ورقة صغيرة مطوية بها بعض الأدعية المستحبة، وآداب سنن المولود، وكيفية شكر الله على نعمة الولد .. ووافقني الجميع على الفكرة كي نأخذ ثواباً .. وأيضا يفرح الجميع .. وكلفنا صاحب مطبعة بطبع ورقة الأدعية بحيث تكون صغيرة الحجم كي توضع داخل علبة السبوع .. وعجبته الفكرة واستأذنا فى نشرها ..
وبالفعل أضفنا الورقة لعلب السبوع، وسبحان الله أعطتها شكلاً مميزاً عن كل علب السبوع المعروفة .. وكنت واقف أراقب فريق الموسكي وهم يعملون بمهارة حتى أصروا جميعا أن أشاركهم .. وطبعاً أفسدت كذا علبة فى الاول بس بعد كده بقيت حريف أنا كمان ..
قــالت ســارة:
ماما أخبرتنى أن ليلة السبوع لابد أن تستحم الأم بالماء الساخن، وتدلك كل جسدها في وقت طويل جداً كى تخرج من جسدها آثار تعب الولادة، وتعود عروساً مرة أخرى .. ولابد أن تصفف شعرها جيداً وترتدي شيئاً جديداً تنام به في هذه الليلة ..
ضحكت في سري وأنا أسمع التفسير العبقري، ورغم أنـّنى لا أحب أن أتبع عادات لا أفهمها، ولكني كنت سعيدة بكل هذه الطقوس الخاصة، وأريد أن أعيش تجربة الأمومة لأول مرة بكل تفاصيلها .. فكنت أوافق على كل العادات القديمة طالما ليس بها شىء حرام .. فوافقتُ أمي .. وبالفعل شعرت أنـّني أفضل كثيراً بعد جلسة المساج الإجبارية ..
وجاء دور يحيى هو الآخر، لابد أن يستحم في هذه الليلة داخل غرفته .. وكاد قلبي يسقط من الخوف عليه لبرودة الجو .. ولأنه إستحم بالفعل في المستشفى، ولكنهم ـ ماما وحماتي ـ أصروا وأحضروا بانيو الإستحمام البلاستيك الخاص به، وفرشوه بملابسه كي لايكون بارداً عليه وأغلقوا الباب .. وما أن خلع كل ملابسه حتى صرخ من البرودة مثل القطة الصغيرة حديثة الولادة التي تصارع الأمواج، وتحول لونه للأزرق من شدة البكاء .. وحماتي تضحك وترقيه ببعض الآيات وأنا لا أتوقف عن البكاء .. وعمر دخل الغرفة ليرى عملية التعذيب هو الآخر، ولم يحتمل لحظات وخرج .. وأنا أتوسل لهم أن يتركوه بلا فائدة ..
وأخييييييراً إنتهى الحمام التعذيبي وأحضروه لي وهو لا يكف عن الصراخ، وهدأ ونام فقط بين أحضاني ..
قـال عمـر:
هى كلّ حاجة بتتعمل للأم والاب خلاص بيتركن على الرف؟!!.. لازم الواحد يعمل ثورة في البيت ده علشان يرجع سي السيد تاني.. بس إيه ده الواد يحيى لونه فتّح شوية بعد الحمام .. كان جميل أوي الجو اللي عملوه ماما وحماتي في أوضة النوم .. فرشوا مفرش سرير جديد، وأشعلوا شموع لابد أن تظل مضيئة طول الليل رمز لإنارة طريقه إن شاء الله .. ووضعوا مصحف صغير فوق رأس يحيى وهو نائم .. ووضعوا ورود ونباتات خضراء حول السرير كي تكون حياته كلها خير ورخاء .. وأخيراً أداروا القرآن فى الكاسيت بصوت منخفض جداً ليظل دائراً طول الليل، كي تظل كلمات القرآن فى صدره طول العمر ..
وفى هذا الجو الجميل رأيت أحب شخصين إليّ فى الوجود؛ سارة وقد أشرق وجهها وأضافت له الأمومة لمحة حنان تمس القلب .. وحبيبي الصغير وهو نائم كالملائكة وقد استرخى جسده بعد الحمام الساخن .. فنام نوماً عميقاً .. ورأيته يبتسم لأول مرة فى أحلامه، فزاد جمالا فوق جماله ..
يارب .. كيف أشكرك على كل هذه النعم؟
المفضلات