احباب الاردن التعليمي

صفحة 4 من 5 الأولىالأولى ... 2345 الأخيرةالأخيرة
النتائج 31 إلى 40 من 46

الموضوع: رواية يوميات عمر وسارة

  1. #31
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Fri Oct 2012
    المشاركات
    1,237
    معدل تقييم المستوى
    15032412

    رد: رواية يوميات عمر وسارة

    الجزء الثاني
    بابا عمر وماما سارة الحلقة الثانية




    قـال عمـر:
    سبحان الله .. نفس الهجوم اللّي هجم علينا بعد الزفاف هجموا تاني بعد الولادة .. الزيارات ليل ونهار، بس المرة دي الوضع مختلف، إن حماتي هي اللي بتقوم بخدمتهم، والنساء يدخلون لسارة في حجرة النوم وأنا أتدبس مع الرجالة فى الصالون .. ولازم الكل يشرب مغات .. ليه؟ .. ولدوا هم كمان؟!!..
    بس بصراحة المرّة دي فيه نقوط كتير ليحيى .. إكتشفت إنـّه وش الخير علينا .. كفاية إنهم وافقوا على موضوع شغلي الجديد في نفس يوم ولادة يحيى .. صحيح، سبحان الله .. عمري ما تخيلت معنى الآية: نحن نرزقهم وإياكم بالشكل ده .. يعني ربنا قدم رزق الأطفال على رزق الآباء .. الحمد لله .. ربنا يخليك لينا يا يحيى ..

    قــالت ســارة:
    "جايبة الوحاشة دى منين يا سارة؟"
    كلمة سمعتها من كل من زاروني، واغتظت لها جداً، وكنت أغضب وأكاد أقول محدش يقول على إبني وحش، ده زى القمر .. لكن غمزت لي أمي إن الكل لازم يقول كده علشان لو البيبي تعب ـ لا قدر الله ـ ما نقولش إنهم حسدوه
    .. طيب ما يقولوا إنـّه جميل ويقولوا ما شاء الله؟!!..
    لا والأغرب إن ماما كانت تأمرني أن أتظاهر بالإعياء الشديد وإني شفت الأهوال في الولادة علشان برضه الحسد .. وكنت أرى نظرة نارية منها لو وجدتني ضحكت بصوت عالي، أو اقترحت الخروج من غرفة النوم للجلوس مع صديقاتي .. فتعيدني هذه النظرة إلى النوم على السرير والتظاهر بالكساح ..

    قـال عمـر:
    آآآآآخ .. نِفسي الضيوف دول يمشوا علشان أنام شوية .. والبيت محتاج فليبينية علشان يرجع لحالته الطبيعية، وطبعاً علشان حماتي هى اللى ح ترتب البيت، ما ينفعش أطنش ولازم أساعدها .. دي مش سارة علشان أسيبها تعمل كل حاجة وأنا سلطان زماني ..
    المشكلة كمان إني بعد حملة الترتيب القاتلة لن أستطيع النوم في غرفة النوم كالمعتاد .. يكفينى سهرة إمبارح والحفلة اللي كان نجمها الأوحد الأستاذ يحيى من سيمفونية صراخ متواصل حتى الفجر، وعزف منفرد من بكاء سارة لفشلها فى إسكاته .. وكنت أنا المتفرج الوحيد فى هذه الحفلة .. وحاولت المساعدة ولكنـّني فشلت بالطبع فأخذت البطانية وسلـّمت أمري لله ونمت في الصالون ..
    طيب أنا في أجازة حالياً حتى الأسبوع القادم عندما أبدأ العمل فى الشركة الجديدة، ودول ناس لازم أكون فايق جداً معاهم .. ح أعمل إيه فى الحفلات المسائية للأستاذ؟ ربنا يستر ..

    قــالت ســارة:
    آآآه .. أخيراً الضيوف مشيوا خلاص .. نفسي أناااااااااام .. أنا بقيت باعتبر النوم ده حاجة كده زى الحلم العربي .. البيه طول النهار نايم وطول الليل صاحي، مش فاهمة ليه؟ .. بجد بأبقى خلاص حارمي نفسي من البلكونة علشان ينام، وبرضه مفيش فايدة .. وطبعاً عمر مش عارفة أصلاً أشوفه من ساعة الولادة .. على طول مطرود من الأوضة .. ياربي هيّ كل الأمهات بيتعذبوا العذاب ده؟.. طيب والأم اللي بتصحى بدري علشان شغلها بتعمل إيه؟ .. آآآآه.. الحفلة ابتدت .. جاية يا يحيى باشا ..


    *~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*

    قــالت ســارة:
    اليوم الأستاذ يحيى كمّل 6 أيام من عمره الميمون .. والله مروا كأنهم 6 سنين .. على طوووول صاحية طول الليل وطول النهار، مش عارفة أعمل إيه .. حيجيلي إنهيار عصبى من قلة النوم .. وبقيت باتخيل حاجات ماشية على الحيطة، وناس بتكلمنى وأنا بارد ردود غريبة .. هو ليه كل المواليد بيحبوا يسهروا بالليل؟ ولو تكرّم عليّ ونام بيكون لنصف ساعة، ومش عارفة إيه اللي بيحصل ويقوم يعبر عن إستيائه إننا جبناه الدنيا الوحشة دي .. بجد مش لاقية وقت حتى أسرح شعري .. ومش عارفة لما ماما ح تسيبي بعد الأسبوع حاعمل إيه فى شغل البيت والطبيخ والكوارث اللي ورايا؟
    المشكلة إني بآخد وقت طويل جداً لحد ما أعرف الباشا بيعيط ليه؟.. بأكون غالبا فى الآخر أنا كمان باعيط معاه .. لكن ماما، ما شاء الله، أول ما تشوفه بيعيط بتتحول إلى أستاذ أطفال في عين شمس وتقولي: عنده مغص .. عاوز ينام .. عاوز حد يزغزغه .. وعمر التشخيص ما بيطلع غلط .. طيب أنا ح أبقى كده إمتى؟.. بعد الطفل العاشر إن شاء الله؟!!

    قـال عمـر:
    البيت مثل خلية النحل، والدي ووالد سارة راحوا علشان يشتروا حاجات السبوع ويوصوا على العقيقة اللي ح تتدبح بكرة في سبوع يحيى .. وطبعاً همّا عارفين البير وغطاه، فتعللوا انهم بيعرفوا في الحاجات دي أكتر مني .. آدي الأبهات ولا بلاش ..
    وجلست في إنتظارهم حتى عادوا ومعهم صناديق كبيرة مليئة بالحلوى والشيكولاتة .. وتجمع كل البيت عليهم .. أخواتي وأخوات سارة وماما وحماتي كمان .. وطبعا أول مرة كشاب أحضر عملية تغليف علب السبوع ..
    في لحظات التف الجميع حول السفرة وكل واحد أخذ موقعه، حتى سارة استغلت فرصة نوم يحيى وانضمت لفريق العمل الجبار .. وكأنهم جميعاً طول عمرهم بيغلفوا علب سبوع فى الموسكي .. وأنا الوحيد اللي مش فاهم حاجة ..
    لقيت العلبة بتمر على 7 أشخاص تقريباً حتى تكتمل؛ فالأول يحضر العلبة ويضع بها قطعة شيكولاتة، والثاني يضع بها البونبوني، ثم يسلمها للثالث الذي يغلف الشيكولاته والبونبوني بغلاف دانتيل رقيق ويضعه داخل العلبة، والرابع يضع لعبة صغيرة، والخامس يغلف كل هذا بغلاف حريري ويربط شريط فضي أو ذهبي، والسادس والأخير يلصق رباط آخر عليه اسم يحيى وتاريخ ميلاده وآية مكتوب عليها: لم نجعل له من قبل سمياً .. إخترناها أنا وسارة تيمناً بيحيى الرسول عليه السلام ..
    فعلا خرجت علبة السبوع رائعة الجمال، ورغم رفضي للفكرة لكونها غير إسلامية وموافقتي فقط كي لا تحزن سارة وكي لا أفسد على الجميع فرحتهم، فكرت في فكرة أننا نضيف مع اللعبة الصغيرة ورقة صغيرة مطوية بها بعض الأدعية المستحبة، وآداب سنن المولود، وكيفية شكر الله على نعمة الولد .. ووافقني الجميع على الفكرة كي نأخذ ثواباً .. وأيضا يفرح الجميع .. وكلفنا صاحب مطبعة بطبع ورقة الأدعية بحيث تكون صغيرة الحجم كي توضع داخل علبة السبوع .. وعجبته الفكرة واستأذنا فى نشرها ..
    وبالفعل أضفنا الورقة لعلب السبوع، وسبحان الله أعطتها شكلاً مميزاً عن كل علب السبوع المعروفة .. وكنت واقف أراقب فريق الموسكي وهم يعملون بمهارة حتى أصروا جميعا أن أشاركهم .. وطبعاً أفسدت كذا علبة فى الاول بس بعد كده بقيت حريف أنا كمان ..

    قــالت ســارة:
    ماما أخبرتنى أن ليلة السبوع لابد أن تستحم الأم بالماء الساخن، وتدلك كل جسدها في وقت طويل جداً كى تخرج من جسدها آثار تعب الولادة، وتعود عروساً مرة أخرى .. ولابد أن تصفف شعرها جيداً وترتدي شيئاً جديداً تنام به في هذه الليلة ..
    ضحكت في سري وأنا أسمع التفسير العبقري، ورغم أنـّنى لا أحب أن أتبع عادات لا أفهمها، ولكني كنت سعيدة بكل هذه الطقوس الخاصة، وأريد أن أعيش تجربة الأمومة لأول مرة بكل تفاصيلها .. فكنت أوافق على كل العادات القديمة طالما ليس بها شىء حرام .. فوافقتُ أمي .. وبالفعل شعرت أنـّني أفضل كثيراً بعد جلسة المساج الإجبارية ..
    وجاء دور يحيى هو الآخر، لابد أن يستحم في هذه الليلة داخل غرفته .. وكاد قلبي يسقط من الخوف عليه لبرودة الجو .. ولأنه إستحم بالفعل في المستشفى، ولكنهم ـ ماما وحماتي ـ أصروا وأحضروا بانيو الإستحمام البلاستيك الخاص به، وفرشوه بملابسه كي لايكون بارداً عليه وأغلقوا الباب .. وما أن خلع كل ملابسه حتى صرخ من البرودة مثل القطة الصغيرة حديثة الولادة التي تصارع الأمواج، وتحول لونه للأزرق من شدة البكاء .. وحماتي تضحك وترقيه ببعض الآيات وأنا لا أتوقف عن البكاء .. وعمر دخل الغرفة ليرى عملية التعذيب هو الآخر، ولم يحتمل لحظات وخرج .. وأنا أتوسل لهم أن يتركوه بلا فائدة ..
    وأخييييييراً إنتهى الحمام التعذيبي وأحضروه لي وهو لا يكف عن الصراخ، وهدأ ونام فقط بين أحضاني ..

    قـال عمـر:
    هى كلّ حاجة بتتعمل للأم والاب خلاص بيتركن على الرف؟!!.. لازم الواحد يعمل ثورة في البيت ده علشان يرجع سي السيد تاني.. بس إيه ده الواد يحيى لونه فتّح شوية بعد الحمام .. كان جميل أوي الجو اللي عملوه ماما وحماتي في أوضة النوم .. فرشوا مفرش سرير جديد، وأشعلوا شموع لابد أن تظل مضيئة طول الليل رمز لإنارة طريقه إن شاء الله .. ووضعوا مصحف صغير فوق رأس يحيى وهو نائم .. ووضعوا ورود ونباتات خضراء حول السرير كي تكون حياته كلها خير ورخاء .. وأخيراً أداروا القرآن فى الكاسيت بصوت منخفض جداً ليظل دائراً طول الليل، كي تظل كلمات القرآن فى صدره طول العمر ..
    وفى هذا الجو الجميل رأيت أحب شخصين إليّ فى الوجود؛ سارة وقد أشرق وجهها وأضافت له الأمومة لمحة حنان تمس القلب .. وحبيبي الصغير وهو نائم كالملائكة وقد استرخى جسده بعد الحمام الساخن .. فنام نوماً عميقاً .. ورأيته يبتسم لأول مرة فى أحلامه، فزاد جمالا فوق جماله ..
    يارب .. كيف أشكرك على كل هذه النعم؟

  2. #32
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Fri Oct 2012
    المشاركات
    1,237
    معدل تقييم المستوى
    15032412

    رد: رواية يوميات عمر وسارة

    الجزء الثاني

    بابا عمر وماما سارة الحلقة الثالثة




    (السّبـــوع)

    قـال عمـر:
    إستيقظت فى الصباح أنا وسارة لأول مرة بدون الحفلة المسائية للأستاذ يحيى .. واضح إن مفعول الحمام والقرآن طول الليل جبار معاه .. الحمد لله .. أول ليلة سارة تنام من غير قلق، واستيقظت مش مصدقة نفسها إنها نامت مرة واحدة زي الناس الطبيعية، وهمست لها: صباح الخير يا حبيبتي .. نمتي كويس؟
    فردّت عليّ همساً هي الأخرى خشية إيقاظه: ياااااااااه، ده أنا مش مصدقة نفسي إني نمت كل ده من غير ما يحيى يصحى ..
    قلت لها: ربنا يخليه ليكي يا حبيبتي .. يالاّ لبّسيه حاجة ثقيلة علشان آخده معايا ..
    فردت سارة برعب: على فين؟
    قلت: يوووووه يا سارة .. هو إحنا ح نتكلم فى الموضوع ده تاني؟ إنتي عارفة على فين ..
    فردت بفزع: لا أرجوك يا عمر بلاش النهاردة .. إستنى لحد ما يكبر شوية ..

    فرددت عليها بعطف: بصي يا سارة ياحبيبتي .. السنة عن الرسول صلى الله عليه وسلم إن المولود فى اليوم السابع بيحلق شعره كله، والأب يتصدق بوزن الشعر وزن مساوي من الفضة .. وكمان يتعمل عملية ختان للمولود في اليوم السابع زي ما الرسول عليه الصلاة والسلام عمل للحسن والحسين .. عاوزانا نتأخر عن السنة ليه؟
    فردت بتضرّع وكادت تقبل يدي: مش ح نتأخر ولا حاجة، بس إحسب وزن الشعر يكون كام وإتبرع بأكتر منه،
    وبلاش تحلق له وأجـّل موضوع الختان شوية لحد ما يكبر .. أرجوك يا عمر علشان خاطري ..
    رق قلبى لرعبها على وليدها ورددت بحنان: ما تخافيش يا حبيبتي، مش ممكن فيه حاجة فى الدين بتؤذي الوليد .. ويعني هو مش إبني؟ ما هو أنا كمان خايف عليه ..
    فبكت بالفعل وهي تخبرني من بين دموعها: لا يا سيديـ إنت ما تعبتش فيه زيي .. ولا شفت الموت فى ولادته .. وإنت خسران إيه يعني؟
    ضممتها إليّ وقلت لها: إحنا اتفقنا إننا ح نربيه تربية إسلامية من أول يوم في عمره .. حترجعي فى كلامك ولا إيه؟

    قـالت سـارة:
    ماما وحماتي مشغولين بتوزيع لحم العقيقة التي ذبحها بابا فى الصباح على الفقراء .. والبيت كله فى حركة دائمة، وتم إعلان حالة الطوارىء في المطبخ لإعداد وليمة السبوع وطهي بقية العقيقة .. وبقية إخواتي وإخوة عمر يعلقون الزينات، ويرتبون الشموع، إستعداداً للمساء عندما يأتي كل الأهل والاصحاب .. وأنا غائبة عن كل هذا وأكاد أرى أشباحاً .. وقلبي وعقلي مع إبني وهم يقطعون جزءا من جسده .. آآآآآآآآآه كلما أتذكر هذا لا أتوقف عن البكاء .. وكل دقيقة أتصل بعمر على الموبيل حتى ملّ منى وأغلقه نهائياً ..
    وأخيييراً .. جاء هو ووالده ومعهم يحيى، وللغرابة وجدته نائم، وأخبرني أن الطبيب أعطاه مسكن وسينام فترة، وأن الموضوع تم بسهولة وفي دقائق ..
    كدت أقتل عمر وهو يتكلم بهذه البساطة .. صحيح الرجالة قلبهم حجر .. حضنت يحيى بقوة لأعوضه قسوة أبيه!! وخلعت عنه الكاب لاجده أصبح شبه "إبراهيم نصر" .. حلقوا له شعره بالموس وأصبحت رأسه ما شاء الله زلطة .. وقبل أن أصرخ فى عمر وجدته هرب من أمامي ..
    أخذته إلى حجرة النوم وأخذت أبكي بلا توقف .. آه لو أعلم أن الأمومة متعبة بهذا الشكل لما كنت تزوجت من الأصل .. وأفقت على يد عمر تربت على كتفي، فدفعته بقوة وعلا صوتي وأنا أصرخ فيه: إنت بجد قلبك حجر ولا يمكن ح أسيبه معاك تاني أبداً أبداً ..
    فرد بهدوء وكأنه يكلم مجنونة: خلاص أوعدك المرة الجاية مش ح أوديه لأبو رجل مسلوخة تاني .. مش تعقلي كده ياسارة؟ ما الولد كويس الحمد لله ..
    فرددت بعصبية: إستنى لما يصحى وشوف ح يعمل فيّ إيه.. حرام عليك والله ..
    فرد بحنان: خلاص يا ستي، لما يصحى أنا اللي ح أسكّته.. إتفقنا؟ وبعدين مش تشوفي أنا ويحيى جبنالك إيه بمناسبة الولادة والسبوع؟
    فرددت بعناد: مش عاوزة منك حاجة ..
    لم يرد عليّ وأخرج كارت صغير مكتوب عليه بخطه: أنا بحبك يا ماما .. الإمضاء يحيى ..
    فلم أتمالك نفسي وإبتسمت وأحسست أن إبني كبر فعلاً وهو اللي كتب بخطه .. ولم أنتظر حتى فاجأني عمر بعلبة أنيقة أخرج منها خاتم رائع به فراشات كثيرة شبيه بالخاتم الذي أهداه لي في قراءة الفاتحة .. ياللرقة ..
    خجلت من نفسي ومن عصبيتي ورددت بصوت هامس: ربنا يخليكوا لي يارب ..

    قـال عمـر:
    جلس جميع رجال العائلتين في الصالون بعد الغداء الدسم والتهام العقيقة ساكنين خاشعين في استماعهم إلى صوت المقرىء الذي أتيت به ليتلو آيات الله بعد العصر .. والكل تعجب من الفكرة .. سبحان الله .. لماذا القرآن لدينا والمقرئين مرتبط فقط بالموت والمآتم؟.. ألا نتذكر الله إلا في الحزن؟ .. ورغم إستغراب الكل إلا أنني وجدت الجميع سعداء ومنتشيين من حلاوة صوت الشيخ، وأثنوا على الفكرة ..
    وقطع سكون البيت صوت يحيى وهو يصرخ بشدة لم أسمعها منه من قبل، فاستأذنت وجريت له، فوجدته يبكي حتى تحول وجهه للون الأزرق، وسارة حالتها لا توصف .. فأحسست بالذنب الشديد، ولكنـّني تمالكت نفسي وأخذته منها وأعطيته نقط الدواء المسكن .. وأخذت أهدهده وأقرأ له القرآن في أذنه حتى نام أخيراً ..

    قـالت سـارة:
    بدأ الناس والأصحاب يتوافدون وأنا عيناي متورمتان من البكاء، ونهرتني ماما عندما رأتني في هذا الشكل وجعلتني أبدل ملابسى بالأمر .. وجاءت حماتي واختارت لي طاقم سواريه لا أرتديه إلا فى المناسبات .. وهمست في أذني إن الناس لابد أن تراني عروس اليوم ..
    دقائق قليلة وأصبح البيت يعج بالناس .. لا أعرف من دعى كل هؤلاء .. وخفت على يحيى من هجوم الجميع عليه، وأخذته في حضني لا أفارقه وأنا أقرأ المعوذتين باستمرار .. وانطلق صوت الأطفال يغنون أغاني السبوع الجميلة، وأضفوا بهجة على البيتـ وشعرت أنـّني في فرح حقيقي ..
    ولحظات وانطفأت الأنوار .. وأمسك الجميع الشموع كباراً وصغاراً وأخذوا يغنون: حلقاتك برجالاتك .. وأمي تنثر الملح فوق رؤوس الجميع، ومعه السبع حبات، والتي علمت أنها عادة قديمة أعتقد فرعونية؛ وهي مكونة من القمح والذرة والحلبة و.. و.. و.. وكل واحد من هذه الحبوب يرمز لشىء يتمنون أن يكون فى حياة المولود مثل الخير والرخاء ..
    (مثل هذا الإعتقاد وهذا التصرّف لا ينبغي ولا يجوز بتاتاً، فهو مبني على إعتقادات منحرفة مخالفة لديننا .. وقد نقلنا النصّ كما ذكرته الكاتبة تمشياً مع العادات عند إخواننا المصريين، وكان الواجب التنبيه إليه والدعوة إلى تركه، فهي أفعال تمس العقيدة والله المستعان .. مشرف الصفحة)

    وهددتني ماما أن لابد أن تظل هذه الحبوب مع الملح فى أرض الشقة وأمام المنزل أطول فترة ممكنة، ولو كنستها إحتمال تبلغ عني البوليس ..
    يااا خبر أبيض، إيه الفزع ده؟ .. ماما بتدق الهون فى ودان يحيى بكل قوة علشان لما يكبر ما يخافش من الأصوات العالية .. بس أنا اعتقد أنه بعد الدق ده مش ح يسمع لا عالية ولا واطية .. لا وكمان حطينه في غربال وبيهزوه مع مجموعة من النصائح اللي تودي في داهية: إسمع كلام أمك.. إسمع كلام جدتك .. طبعاً .. ما تسمعش كلام أبوك .. ح يفسدوا أخلاق الولد من دلوقتي ..
    وجاء وقت البخور، وامتلأت الشقة برائحته الزكية، وجعلوني أمرّ من فوقه وأنا أحمل يحيى 7 مرات .. وعمر لا يتوقف عن التقاط الصور لنا وكأننا في فيلم سينمائي .. بس بجد رغم ان كل العادات دى مش إسلامية لكن لا يوجد بها مايضر بل أعطتنا بهجة وذكرى لن تنسى ..
    (بل الصواب أنـّها تضر، فهل مخالفة للدين وتمس الإعتقاد كما هو ظاهر من الكلام، وقد حذّر رسول الله صلى الله عليه وسلـّم من مثل هذا وقال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد" [صحيح البخاري] وقال أيضاً: "فإنه من يعش منكم ير اختلافا كثيراً، وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة" [سنن الترمذي: حسن صحيح] .. مشرف الصفحة)

    وأخذت ماما يحيى وأخذت تلف به كل حجرات الشقة وكأنها تريه بيته .. وصرخت عندما وجدتها تخرج به إلى البلكونة في هذا البرد الرهيب .. ولكنها أصرت، ووجدت كل الجيران واقفين في البلكونات وكأنهم يعلمون أن ماما لازم ح تطلع البلكونة .. ياربي كل الأمهات شبه بعض ..
    ولم يكتفوا بالبلكونة ولكنهم خرجوا به إلى خارج الشقة، ووراءهم طابور الأطفال بالشموع .. ونزلوا به عدة طوابق وكل شقة يصلون إليها تستقبلهم الأمهات برش الملح والزغاريد أيضاً .. وأخذ الجميع يأخذون علب السبوع ويعطوننا الهدايا، وأغلبها والحمد لله مبالغ مالية .. ولم أعد أعرف أين يحيى في هذا المولد .. وأخذت أبحث عنه فى كل مكان حتى وجدت يد تمتد فى الزحام لتحتضن يدي .. ووجدته عمر يقف بجانبي ويقول لي بمنتهى الحب والحنان: ألف مبروك يا عروسة ..

    وبعد،
    فلا شكّ بأنـّه ظاهر لكلّ عاقل من أهل هذا الدين أنّ جميع هذه التصرّفات مخالفة خلافاً ظاهراً لمسائل الإعتقاد في ديننا، وهي من التطيـّر ومشابهة لوضع التمائم التي كان عليها الكافر وحذّر منها رسول الله صلى الله عليه وسلـّم أيما تحذير .. فرغم أن الوسيلة مختلفة ولكن الإعتقاد واحد وهي أنّ هذه التصرّفات يتمنى أصحابها بفعلها تحصيل الخير للمولود والله المستعان ..
    عداك عن الإسراف المفرط في هذا اليوم والمنهي عنه .. وقد كان ينبغي للكاتبة ـ غفر الله لنا ولها ـ أن تسوق القصـّة بصورة تنهى عن مثل هذه الأفعال، ولكن لعلـّها قدّرت أمراً مختلفاً .. ولم يكن هناك بدّ من نقل هذه الحلقة كما باقي الحلقات من باب الأمانة، فنحن نعدّل الحلقات من ناحية الشكل وتصحيح الأخطاء لا المضمون .. ولكن هذا لا يمنع من التنبيه إلى الأخطاء والتجاوزات .. ونرجو من الجميع التنبـّه إلى فساد هذا الإحتفال وتركه سلامة لأمر الدين ..
    ولمزيد من التفصيل يرجى مراجعة الفتوى أدناه:
    حكم عمل السبوع للمولود على عادة الناس

    أسال الله أن يرينا الحقّ حقاً ويرزقنا إتباعه .. وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه .. ويجعلنا من أهل هذا الدين الحقّ السائرين على نهج رسولنا محمـّد صلى الله عليه وسلـّم، لا على نهج ما جاء به الناس .. والحمد لله رب العالمين

  3. #33
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Fri Oct 2012
    المشاركات
    1,237
    معدل تقييم المستوى
    15032412

    رد: رواية يوميات عمر وسارة

    الجرزء الثاني

    بابا عمر وماما سارة الحلقة الرابعة




    قـالت سـارة:
    مرّت ثلاثة أسابيع على ولادتي ليحيى .. زاد وزنه قليلاً واستدار وجهه، وظهرت ملامحه أكثر .. عمر يصرّ إنـّه شبهه وأنا أحلف إنـّه شبهي أنا..!! أصبح يعرف صوتي .. عندما أناديه أو أتحدث بصوت مرتفع بجواره ينصت ويتوقف عن البكاء .. وماما بتقول لي إنه بيعرف رائحة أمه من يوم الولادة .. سبحان الله ..
    وطبعا لا علاقة له بعمر أبداً، لأنه حتى الآن يعجز عن حمله بصورة صحيحة، ويكتفى بملاعبته وهو على كتفي لدقائق قصيرة .. وده لأن أنا نفسي باشوفه طول اليوم لساعات قليلة علشان الشغل الجديد .. وأحيانا يأتي ولا نراه ..
    أنا سعيدة جداً بيحيى، وأشعر أنه أعطى حياتي طعماً جديداً .. وأستعجب كيف كنت أعيش بدونه

    .. لكن في نفس الوقت أشعر بشعور رهيب من الحزن والإكتئاب والرغبة الدائمة في البكاء لأقل الأسباب .. وأحياناً بدون أسباب .. لا أعرف سبب رغبتى الجديدة في تذكر كل الأحداث الحزينة التي مرت عليّ، وتخيل ما يمكن أن يحدث من سوء لي وليحيى ولعمر
    .. وعندما يتعطف عليّ يحيى باشا ويسيبنى أنام أحلم أحلام سيئة جدا بأنى دائما بأفقد يحيى و.. و.. و..
    أحيانا أرفع سماعة التليفون كي لا يكلمني أحد على الإطلاق حتى ماما .. حتى الأكل بآكل غصب عني ولا أشعر بمذاق أي شيء .. ولا رغبة عندي أن استمع إلى عمر وهو يحكى لى كل يوم عن عالمه الجديد بمنتهى الحماس .. وأنا أسمعه وكأنى من عالم آخر ..

    قـال عمـر:
    ياخبببببببر!!! ده أنا كنت مدفون في شركتي القديمة .. ده أنا كنت بأمثل إني باشتغل مهندس والظاهر إني كنت شيخ غفر ..
    الشركة الأجنبية الجديدة شغلها من نار .. مفيش دقيقة دلع ولا رغي في التليفون، ولا شرب شاي وسندويتشين فول .. ولا مجال للخطأ أو التهاون لأنهم يطبقون في العمل نظام الأفضلية فقط .. ولو تهاون أحد فلا مكان له، ويستبدل بمهندس غيره في يومين على الأكثر ..
    مواعيد تسليم المشاريع لا يمكن التأخير فيها إلا لو مت مثلا .. والأكثر أنـّك لا تؤدى العمل المطلوب منك فقط ولكن طول الوقت مطلوب منك أن تطور نفسك وتطور الشركة بأفكار ومشاريع جديدة تساعد على تقدم سير العمل وتطور الأداء .. وهذه الافكار يؤخذ عليها نقاط توضع في ملف كل مهندس، وعلى أساسها تتم ترقيته على قدر عمله .. وليس عن طريق الأقدمية أو عن طريقنا المفضل وهو أن من ينقل كل أخبار الموظفين ويكون جاسوس عليهم يكون هو حبيب المدير وأهم موظف في الشركة .. حتى لو كان لم يدخل حتى محو الأمية ..

    قـالت سـارة:
    ماما قالتلي إن الغم اللي أنا معيّشة نفسي فيه سببه إكتئاب ما بعد الولادة، وده بيحصل لأمهات كتير .. إستغربت جوايا وقلت ليه ربنا يدينا نعمة زى الأمومة ونكتئب؟
    حاولت أقرا في الموضوع ده، ودخلت على الإنترنت ولقيت إنه بيحصل من إضطراب الهرمونات بعد الولادة، لأنها بتهبط فجأة بعد ما كانت مستقرة طول شهور الحمل .. واترعبت لما لقيت حالات في أوروبا وأمريكا دخلوا حالة مرضية من الإكتئاب وقتلوا أولادهم .. ومنهم إنتحروا .. أعوذ بالله ربنا يستر ..
    لا .. لازم أحاول أخرج من الحالة دي قبل ما أتجنن .. ح أحاول أسمع قرآن مادمت مش قادرة أقراه .. أحاول أقرأ الجرايد تاني أو أروح للكوافيرة اللي نسيت عنوانها فين .. بس والله غصب عني .. كل ما باشوف شكلي في المراية وإن وزني زاد شوية بأعيط .. ولما بأحس إني معزولة عن العالم وكل حياتي داخل الكوافيل والرضعات والبكاء المستمر باكتئب .. ولا شعورياً باحس إن عمر هو السبب فى كل اللي حصلّي .. فبابعد عنه أكتر وأكتر ..
    هو كمان مشغول جداً في شغله ولا يفكر أن يشاركني في تربية يحيى .. حتى إنو ساب أوضة النوم وأصبح ينام لوحده في الغرفة الصغيرة .. طبعاً من كونشرتو آخر الليل للباشا يحيى .. وعندما أغضب وأطالبه ألا يتركني وحيدة يتعلل بأنه لازم ينام كويس علشان يعرف يشتغل الصبح، لأن الناس دى ما بتهزرش ..
    طيب وأنا أعمل إيه؟ هو ابني لوحدي؟ .. ده غير إني أصلا مش بانام طول الليل، والصبح مطلوب مني إني أراعي البيت وأنضف وأطبخ .. غير المعارك اليومية ليحيى والتي لا تجعلنى أجد وقت لانجاز كل الكوارث اللي ورايا دي .. بجد حاسة إن أنا وعمر بعدنا عن بعض .. كل واحد في أوضة، وبينام بدري لأنه بيرجع متأخر من الشغل الجديد، وأنا أفضل وحيدة .. ومش عاوزني بعد ده كله أكتئب؟

    قـال عمـر:
    خلاص الظاهر شهر العسل خلص خلاص وحيبتدى الجواز الأصلي .. مش عارف أتكلم مع سارة ولا نقعد مع بعض زى زمان .. يا إمّا نايمة لأنها سهرانة طول الليل مع يحيى، يا إمّا بتجرى تحضر له رضعاته أو بتغيّرله .. يا إمّا مكتئبة ومش عاوزة تتكلم خالص .. أنا بجد مش عارف أعمل إيه؟ ومش عارف أساعدها إزاي .. يعني أسيب شغلي وأقعد أرضع يحيى؟!!
    بجد سعيد جداً بأني بقيت أب .. ولو خيرونى بين كنوز الدنيا وبين يحيى أختار إبنى طبعاً .. بس حاسس إني خلاص بقيت في المرتبة التانية عند سارة .. والله وارتكنت على الرف يا عم عمر ..

    *~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*

    قـالت سـارة:
    النهاردة يحيى باشا كمل شهرين بالتمام والكمال .. خلاص بقى راجل قد الدنيا ومحدش عارف يكلمه .. بقى بيضحك لما ألاعبه .. بجد بجد إبتسامته لايمكن توصف .. بتمسح عني أي تعب أو ألم .. والظاهر هو عارف كده .. بيعمل كل كارثة والتانية، وبعدين يبتسم لي كأنه بيديني رشوة .. آآآآه واضح إن جينات الرجولة بتتخلق من بدري أوي .. لا وواضح إنه ح يبقى شقى جداً .. عاوز يرفع دماغه على طول علشان يعرف إيه اللي بيحصل في الدنيا من وراه .. ولا يقبل أي تأخير في طلبات سيادته، ولو لدقيقة واحدة، بيكون كل الشارع سمع صوتنا ..
    بس بجد كل يوم باسأل نفسي إزاي كنت عايشة في الدنيا من غيره؟؟ .. صحيح إنى نسيت النوم والراحة والخصوصية بس سبحان الله ربنا بيعوض كل ده بكنز خاص إسمه الأمومة ..

    قـال عمـر:
    المدير عاوز تصميم المشروع الجديد جاهز في أقل من شهر .. حتى لو اضطريت إني أبات في الشركة أنا وزمايلي .. مش مشكلة، المهم يتسلم فى ميعاده بالثانية .. أمال ليه إحنا فى شركاتنا العربية كل حاجة ماشية بالبركة؟ وعادى جداً إننا نسمع عن مستشفى مثلاً بيتبنى في عشرة وعشرين سنة كمان؟ .. طبعاً كل ده مش وقت للبناء بس بيشتغلوا يوم ويريحوا شهر ..
    فعلا مش قادر على ضغط الشغل، حاسس إني مطحون وكل حاجة عندي بالدقيقة والثانية .. وأنا كمان في مرحلة إثبات الذات في الشركة .. وغير مسموح لي بأى خطأ أو تهاون ..
    وللأسف جو البيت لم يعد مشجع زي زمان .. سارة طول الوقت عينيها بتتهمنى بالتقصير ناحيتها وناحية يحيى، رغم إنها لم تصرح بده بس أنا باحس بيها .. لكن أعمل إيه؟ بارجع البيت باكمل شغل على الكومبيوتر والإنترنت، وبالعافية بانام كام ساعة ..
    مفروض إني أسيب ده كله وأسيب الدوامة دي وأسألها يحيى رضع كام مرة النهاردة؟ .. ستات رااااايقة ..

    قـالت سـارة:
    إجازتي من شغلي انتهت وكان لازم أرجع وإلا يستغنوا عن خدماتي ويجيبوا حد تاني .. وكان قرار صعب جداً إني أرجع ولا أقعد في البيت وخلاص .. كنت محتارة جداً في القرار والكل كان رأيه إني أتفرغ لتربية يحيى وخلاص .. وأولهم عمر طبعاً ..
    وأنا كنت حاسة إنها حاجة صعبة جداً .. إني مش لاقية وقت أخرج ولا أنام زي البني آدمين الطبيعيين .. لا وكمان أصحى بدري وأشتغل .. وحالة الإكتئاب اللي كانت عندي ـ واللي الحمد لله انتهت بمرور الوقت وبتقربي الى الله ـ ساعدت كمان إني ما يكونش عندي قدرة إني أعمل أي حاجة تانية .. لكن بمرور الوقت أصبحت أفضل في رعاية يحيى وبقيت باعرف هو بيبكي ليه .. وحاولت أنظم مواعيد رضعاته، فحسيت إني لازم أرجع أشتغل تاني وخصوصاً إني لا يمكن ح ألاقي وظيفة إني أشتغل من البيت تاني .. فصليت صلاة الإستخارة وحسيت إن ده مستقبلي حتى لو كان بسيط .. بس أنا مش عاوزة أكون زوجة و أم بس .. لأ لازم أكون قبل دول: سارة .. لازم أحافظ على شخصيتي وما أسيبهاش تدوب في دوامة البيت والأطفال .. حتى لو تعبت شوية، لكن أكيد ح أتعود .. ولو ما تعبتش دلوقتى فى شبابى ح أتعب إمتى؟
    لكن الأيام الأولى كانت إنتحار بجد .. طول الليل سهرانة مع يحيى وبينام بعد الفجر .. يادوب أصلي وأنام ساعتين وأصحى أقعد على الكومبيوتر وأبدأ فى إرسال الإيميلات والرد على العملاء .. بس طبعا بامووووت من التعب .. وأحيانا كنت بانام وأنا قاعدة وأصحى مفزوعة من صوت التنبية في الرسايل اللى بتوصل كل ثانية .. وأفضل أشرب شاى وقهوة لحد ما أفوق .. وفي خلال كل ده أرتب البيت بسرعة، ويحيى معايا طبعاً باعمل له كل طلباته بدون توقف لحد ما ينتهي العمل الساعة 3 وبأكون خلصت الغداء .. وبأحاول أنيّم يحيى وأنام جنبه ولو ساعة أو ساعتين وبعدها أصحى أستعد لحضور عمر الساعة ستة .. آآآآآآآآآه يارب ساعدني ..
    -----------------

    لا شكّ أن من أكبر المآسي التي تعانيها أمـّتنا هي هذا الفهم الذي ذكرته سارة حينما قالت: "أنا مش عاوزة أكون زوجة و أم بس .. لأ لازم أكون قبل دول: سارة .. لازم أحافظ على شخصيتي وما أسيبهاش تدوب في دوامة البيت والأطفال" .. فزوجاتنا اليوم يعتقدن أن شخصيتهنّ تـُبني خارج المنزل ودورها في البناء هو خارج المنزل أيضاً .. منذ أن ساد هذا الفهم في عقول نسائنا بدأنا نرى جيل هذا اليوم الذي لا يعوّل عليه نهائياً في حمل رسالة هذه الأمـّة .. نسأل الله أن يطهـّر عقول نساء المسلمين من مثل هذه النظرة، فإن دور المرأة الرئيس هو في بيتها، منه تخرّج الأجيال التي ترقى بأمـّتنا في شتى المجالات .. حينما كانت الأمّ تبني من بيتها خرجت لنا أجيال من أمثال البخاري، واليوم حينما تنكـّبت نساؤنا عن دورهنّ الرئيسي أصبحنا نعدّ آلاف الآلاف من حولنا ولا نجد بينهم من يشار إليه بالبنان.!! والله وحده المستعان ..

  4. #34
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Fri Oct 2012
    المشاركات
    1,237
    معدل تقييم المستوى
    15032412

    رد: رواية يوميات عمر وسارة

    الجرزء الثاني

    بابا عمر وماما سارة الحلقة الخامسة




    قـالت سـارة:
    ناداني عمر: سارة .. سارة .. إصحى إنتي نايمة على الكنبة؟
    أنا: إيه ده إيه ده؟ إنت جيت يا عمر إمتى؟ إحنا الصبح ولا بالليل؟
    عمر: الساعة 7 بالليل يا سارة .. قومي يا حبيبتي علشان ناكل .. أنا جعان جداً .. عاوز آكل بسرعة علشان ورايا شغل كتير ..
    شعرت بصداع رهيب وأنا أحاول أن أقوم من مكاني .. واتضايقت لما وجدت عمر يسأل عن الأكل ولم يسأل عليّ أنا أو يحيى .. فرددت بعصبية: طيب إسأل عليّ أنا وابنك قبل ما تسأل عن الأكل يا سيدي ..
    تفاجأ عمر من رد فعلي العصبي، ويبدو إنـّه هو كمان كان مشحون على الآخر .. فرد بعصبية هو كمان: هو إحنا مش ح نخلص

    من الموال ده يا سارة؟! كل يوم تتهميني إني مقصر في حقكم إنتي ويحيى؟! يعني ليّ بيت تاني مثلاُ باهتم بيه؟؟ وإنتي عارفة قد إيه الشغل الجديد متعب .. أعمل إيه يعني؟
    رددت بعناد: والله أنا مش باطلب منك تسيب شغلك وتقعد جنبنا .. بس على الأقل حاول تشاركني ولو نفسيا في تربية يحيى .. ده انت حتى بتنام في أوضة تانية .. لأ أنا بجد تعبت وحاسة إني عايشة لوحدي ..
    فرد بصراخ: يادي النكد الأزلي .. مش ح نخلص من السيرة دي يا سارة؟ .. طيب قوليلي إزاى أنام وطول الليل يحيى بيصرخ؟ يعني أروح الشغل مش نايم علشان أترفد ونقعد على باب السيدة كلنا؟ كده أبقى باشاركك نفسياً؟
    فصرخت أنا الأخرى: والله ما أعرفش .. هو مش إبني لوحدي .. حرام إنك تسيبني لوحدي في كل حاجة كده ..
    ففاجأني برده القاسي: والله انتي اللي سايباني يا هانم .. قبل ما تتهميني بالتقصير شوفي نفسك الأول .. إنتي اللي من يوم ما ولدتي مش مهتمة بنفسك ومش شايفة غير يحيى وبس .. وناسية إن ليكي زوج .. وحتى ما بتسألنيش عملت إيه في الشغل ولا ليكى دعوة بيّا خالص .. خلاص إتركنت على الرف من أول طفل .. أمال لما يبقوا تنين تلاتة حتعملي إيه؟ حترميني في الشارع؟
    ذهلت من هجومه عليّ وشعرت بانهيار تاااام .. كل هذا المجهود الرهيب وأكون أنا المقصرة؟؟ .. فعلا لا حدود لأنانية الرجال ..
    لم أقوى حتى على البكاء ولا الصراخ .. تجمدت الكلمات على لساني ونظرت إليه وكأني لم أره من قبل .. وشعرت بدوار كبير، وسمعت صوته وهو يناديني من مكان بعييييد .. ومادت الأرض بي .. وفقدت الوعي ..

    فتحت عيني بصعوبة شديدة لأجد نفسي نائمة في سريري، ويحيى نائم بجواري، وعمر ينظر إليّ بقلق بالغ .. وبيده عدة عطور يحاول إفاقتى بها .. شعرت بصداع رهيب لم أشعر به من قبل، وثقل شديد فى رأسي .. وتذكرت ما حدث فأغمضت عيني كي لا أرى عمر وسالت دموعي ..
    همس عمر وهو ممسكٌ بيدي: حمد لله على السلامة يا حبيبتي .. كده تقلقيني عليكي .. ده أنا كنت ح أموت لما أغمي عليكي ..
    أنا: .......؟
    عمر: أنا آسف ..
    أنا: ......؟
    عمر: مليون آسف يا حبيبتي .. بس أنا كنت راجع ح أموت من التعب، وكنت عاوز أرتاح شوية علشان ورايا شغل تاني .. بجد أنا مشحون جداً يا سارة، ومفتقد حبيبتي جنبي ..
    فرددت عليه بصوت ضعيف: أنا كمان تعبانة أوى يا عمر ومحتاجاك معايا .. مسؤولية الأمومة متعبة جداً ولازم يكون حد جنبي .. وإنت من يوم ما ولدت بعيد عننا .. وحتى بتنام في أوضة تانية .. حاسة إني وحيدة جداً .. ده أنا بيتهيألي إنك مش مبسوط إننا خلفنا يحيى ..
    فرد بانزعاج: إيه الجنان ده؟!! .. لا إله إلا الله .. ده أنا أموت لو بس إتجرح ..
    فرددت من بين دموعي: أمال إنت بعيد ليه؟؟
    فرد بحنان بالغ: والله غصب عني .. عاوز أثبت نفسي في الشغل الجديد .. إنتي عارفة إني لسه في فترة إختبار أول شهرين .. معقول من أولها كده أنام في الخط وأروح مش فايق علشان يقولوا لي مع السلامة؟!
    رددت بعناد: طيب والحل؟
    عمر: يا سارة لازم تعرفي إن أهم حاجة في حياة الراجل هي شغله.. وأهم حاجة في حياة الست هي أولادها وبيتها .. وكل خناقات الدنيا بتيجي لما طرف من الإتنين بيفترض العكس من شريكه .. إحنا الإتنين لازم نتعب علشان نربي إبننا أحسن تربية ..
    رددت وقلت: بس أنا تعبانة أوى يا عمر ..
    عمر: خلاص يا سارة، صدقيني ح أحاول والله على قد ما أقدر إني أساعدك .. إتفقنا؟
    فرددت برضى: إتفقنا ..

    جاءت الأيام التالية وكلي تصميم على تنظيم حياتي وتغييرها، لنشعر جميعا بالراحة، وبدأت بإني استشرت طبيبة أطفال في نوم يحيى المتقطع، وسهره بالليل، وتعبي معه .. فردت علي رد صدمني إنني أنا السبب .. يا ربي .. ناقص يقولوا إني سبب خرم الأوزون ..
    وجاء توبيخ الطبيبة لي إن المفروض من أول أسبوع أن أحاول ألا أرضع يحيى بعد الساعة 12 مساءاً حتى السادسة صباحاً كي ترتاح معدته وينام باستغراق طوال هذه المدة .. لأن الطفل ما دام يستيقظ ليلاً ويجد أمه ترضعه كل مرة سيستيقظ كل ساعة حتى لو لم يكن جوعان .. لكنه لو علم أنها لن ترضعه سيبكي أول يومين وبعدها لن يستيقظ طوال الليل .. طبعاً سمعت كلام الطبيبة وأنا فاتحة فمي علامة البلاهة .. يعنى كان ممكن أرتاح من الغلب ده كله؟؟
    وعزمت على تنفيذ ما قالته الطبيبة بالحرف الواحد، واخترت يوم الأربعاء مساءاً ليكون الخميس والجمعة أجازة بعدها .. وبالفعل حاولت تنظيم رضعاته ولم أرضعه ليلاً .. وبالطبع كانت إستغاثاته دولية، وكان ناقص يقوم يتصل بالبوليس من الست المفترية دي .. وكدت أضعف وأرضعه إلا أنـّني صمدت وأنا أبكي من صراخه .. وفي النهاية نام ..
    فعلا الاطفال في غاية الذكاء .. عندما علم أن لا فائدة من صراخه نام .. وأكيد بيقول في سره: حسبي الله ونعم الوكيل .. لكن بعد عدة أيام الحمد لله استسلم ولم يعد يستيقظ ليلاً .. وأصبحت أنام زي مخاليق ربنا .. وبعد أسبوعين آخرين أقنعت عمر إن يحيى أصبح أليف ورجع ينام في أوضتنا تاني .. إقتنعت دلوقتي ليه ربنا عمل هجر الفراش وسيلة من وسائل تأديب المرأة ..

    قـال عمـر:
    الحمد لله أخيراً إنتهت فترة الإختبار في الشركة .. وأبدوا إعجابهم بنشاطي ومجهودي، وأصبحت مهندس دائم في الشركة .. والأهم إني أخييييراً ح أقبض مرتبي بعد فترة الإختبار المجانييية .. والله وح تبقى غني يا واد يا عمر ومحدش ح يعرف يكلمك ..
    لازم بجد أكافىء سارة واشترى لها هدية محترمة على الغلب اللي شافته معايا .. أنا فعلاً كنت لا أطاق في الفترة اللي فاتت .. مش عارف إزاي الست ممكن تركـّز في كذا حاجة فى نفس الوقت وتعملها كلها بكفاءة .. تلاقيها بتذاكر لابنها، وبتتفرج على التليفزيون، وتتكلم في التليفون، وبتطرّز مفرش في إيديها، ومتابعة بقية ولادها وهمّ بيلعبوا .. والراجل لو بس بيتكلم في التليفون وحد علّى صوته ولا حاجة بيعمل حريقة في البيت لأنه مش مركز في المكالمة .. أنا فعلاً لما باركز في شغلي مش باعرف أعمل أي حاجة تانية .. بس خلاص بقى فترة الضغط الرهيب دي عدت على خير ولازم أعوض سارة ويحيى باشا ..

    قـالت سـارة:
    "إيه كل ده يا عمر؟؟ .. مش معقول؟ إنت قتلت حد ولا إيه؟"
    قلت هذه العبارة باستغراب شديد وأنا أجد عمر يدخل البيت ومعه سرير هزاز جميل ليحيى مزود بألعاب تصدر أصواتاً لإسكاته، ومجموعة من الألعاب المطاطية، وكذا طقم خروج ليحيى شيك جداً .. ولم أنتظر لحظة إلا وفاجأنى بفستان سوارية لي في غاية الأناقة .. قفزت من الفرحة وأنا أشكره وأقول له: ده كتير أوي يا حبيبي .. إنت قبضت ولا إيه؟
    رد عليّ مبتسماً: ايوة يا قمر قبضت أخيييراً .. وكمان أخدت مكافأة شهور الإختبار .. يعنى بإختصار انا حالياً إنسان غني أوي وإنتي مش من مستوايا وإحتمال ما أردش عليكي بسهولة ..
    وطبعا كان جزاؤه ضربه بكل مخدات الأنتريه وهو يصرخ ويطلب الرحمة .. ولم أتوقف عن ضربه إلا عنما فوجئنا أنا وعمر بصوت يحيى يضحك بصوت مسموع على معركتنا .. فجرينا نحوه واحتضناه ونحن لا نصدق آذاننا .. وأخذنا نضحكه أكثر وأكثر بافتعال الحركات، وهو يزداد فى ضحكاته العالية .. واحتضننا عمر بسعادة بالغة وطلب مني ان أرتدي الفستان الجديد .. ويحيى الملابس الجديدة .. لأننا سنخرج للعشاء فى أشيك مطعم على النيل ..
    جريت على الفور لنلبس أنا ويحيى قبل أن يرجع في كلامه .. وكان شكل يحيى قمر في البدلة الجديدة التي جعلته مثل الرجل الصغير .. واهتممت جداً بمظهرى وأخذت وقت طويل في الإستعداد .. وخرجت لعمر ..
    أوووووه ما شاء الله .. الآنسة مرتبطة؟
    كانت ذلك التعليق من عمر طبعاً .. وكان ردي:.........؟
    أكمل قائلاً: طيب تسمح الآنسة القمر دي إني أعاكسها وأديها هدية تليق بالشياكة دي كلها؟.. وأخرج من جيبة علبة قطيفة بها إسورة رااائعة .. وألبسها لي وهو يقول: ربنا يقدرني وأعوضك كل حاجة يا غالية ..

  5. #35
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Fri Oct 2012
    المشاركات
    1,237
    معدل تقييم المستوى
    15032412

    رد: رواية يوميات عمر وسارة

    الجزء الثاني

    بابا عمر وماما سارة الحلقة السادسة




    قـالت سـارة:
    لا أصدق أنـّه قد مرّ على ولادة يحيى 9 أشهر .. وكأني كنت أحمله داخل رحمي بالأمس .. أصبح إنساناً آخر .. زاد وزنه وأصبح شديد الشبه بي .. وفي خده غمازة تظهر بشدة عندما يضحك .. بدأ يحبو على الأرض ويضحك بشدة عندما ألاعبه .. وعندما أجرى وراءه يحبو بأقصى سرعته ليختبئ تحت الكنبة ويتخيل أنـّني لا أراه..!! متعلـّق بي بشكل لا يوصف ..
    وعندما يجد أي شيء ملقى على الأرض لا يتردد أن يتذوقه أولاً .. وإن لم يعجبه يعطيه لي بنفس راضية .. مما جعلني طوال اليوم لا همّ لي الا أن أجعل الارض لا شيء عليها على الاطلاق، لأنه لا يفرق بين المسامير والحلوى ..

    كلـّه إلى فمه .. وجعلني لا أهدأ طوال اليوم من التفتيش تحت أي كرسي يحلو له أن يختبىء تحته عن أي شىء ملقى .. ولو قطعة كلينكس .. خوفا من أن يبتلعها ..
    مرحلة الحبو دي مرحلة خطيرة جداً .. ربنا يستر وتعدي على خير من غير ما عمر يطلقني .. لأنه لو وجد أي شيء ولو بنسة شعر سقطت مني تحول إلى خناقة كبيرة خوفاً على حياة الباشا ..

    قـال عمـر:
    ياااه على الروتين والشغل اللي ما بيرحمش .. أنا بجد تعبت خلاص .. نفسي آخد أجازة وأروح في مكان فااااضي لا أرى أي أحد على الاطلاق ..
    قدمت على اجازة أسبوع وبالعافية رضيوا على 4 أيام فقط .. منهم الجمعة والسبت طبعاً .. بس مش مهم .. المهم إني اتخنقت وعاوز تغيير حالاً .. سارة كمان مطحونة بين شغلها وبين يحيى اللي أصبح عفريت وعاوز حارس عليه 24 ساعة كي لا يبتلع سم فيران مثلاَ ..
    كلمت صديق قديم لي يمتلك شالية منعزل على شاطىء البحر الأحمر بعييييييد عن كل العالم .. الظاهر إنهم بنوه علشان يقتلوا فيه حد وبعدين غيروا رأيهم .. الشاليه يجنن، يبعد عن أي مبانى حوالى 30 كيلو .. وهو ده اللي أنا عاوزه بالظبط ..

    قـالت سـارة:
    "أهلا أهلا بالأستاذ يحيى .. أخبار مغامرات سعادتك إيه النهاردة؟"
    قالها عمر وهو يحتضن يحيى الذي هلل لرؤيته وأخذ يقفز بين ذراعيه ..
    قلت له: أسكت يا عمر ده جننني النهاردة .. طول النهار مستخبي وبأدور عليه .. يا إمّا تحت السفرة يا إما جوه دولاب المطبخ بيلعب فى الحلل .. إنت أكيد كنت جن زيه كده وإنت صغير وهو طالع لك ..
    ضحك بقوة وأجاب: أيوة كده خليه راجل أمّال عاوزاه بنوتة؟ أما أنا محضر لك حتة مفاجأة تحفة ..
    قفزت من الفرح وأنا أسمع وأمسكته من رقبته: مفاجأة؟ إيه يالا قول بسرررعة أحسن مش ح يحصل لك طيب ..
    قال لي مبتسماً: ياساتر يارب .. هو ده الرد؟ على العموم أنا ح أقول ليحيى مش ليكي .. بص يا كابتن: أنا عارف إنـّك ما شفتش بحر قبل كده، علشان كده يالاّ روح هات المايوه بتاعك علشان ح نروح شالية يجنن أنا وإنت بس .. وح نسيب ماما المفترية دي هنا ..
    وكأن يحيى فهم الكلام إنه مطلوب منه شيء .. فأخذ يحبو بسرعة وذهب يحضر الدبدوب المفضل عنده واعطاه لأبيه .. وظهرت علامات الحيرة على وجهه عندما غرقنا في الضحك من تصرفه وكأنه يقول فى سره: العالم دي مجانين ولا إيه النظام؟
    سألت عمر: شاليه إيه يا عمر؟ إيه ده صاحبك وافق؟ الشالية بتاع البحر الاحمر؟
    ردّ فى نشوة: ايوة يا سارة 3 أيام ما نشوفش ولا مخلوق السماء والبحر والهدوووووووء ..
    فتحرك القلق داخلى لا اعرف له سببا وقلت له: هي طبعا حاجة مغرية جداً بس مش يمكن نحتاج حاجة ولا تحصل مشكلة هناك؟
    فرد بتبرم: إنتي على طول متشائمة كده يا بنتي؟ ح يحصل إيه يعني؟ العفاريت ح ياكلونا؟ الشاليه مجهّز بكل حاجة وحناخد كل أكلنا معانا ح يحصل يعني؟ يالاّ حضري كل لوازمنا علشان نلحق نوصل .. الطريق طويل ..

    وأخييييراً وصلنا مع أول خيوط للفجر .. المكان منعزل عن العالم، ولكنه ساحر .. شاليه رائع من طابقين مبنى على الطراز الإنجليزي .. وتحيطه حديقة صغيرة ومطل على البحر الذي لم أر في صفاء مياهه من قبل .. ودرجاته الفيروزية والزرقاء التي تجعلك تسبـّح لله كل لحظة من فرط روعته .. وفي الداخل وجدناه مؤسس بذوق راقي وبسيط يجعلك تشعر بالراحة من أوّل لحظة .. ونسمات البحر الرائعة تغسل عنا تعب العمل وإرهاقه .. وتوقظ المشاعر التي خنقتها الروتين والرتابة ..
    أفرغت الحقائب بسرعة وصلينا الفجر أنا وعمر ولم نستطع النوم .. فتسللنا وتركنا يحيى نائما وجلسنا على الرمال الناعمة نراقب الشروق وأشعة الشمس الوليدة التي تعانق الأمواج على إستحياء .. وكأنها عروس خجلى ..
    نظر لي عمر نظرة لم أرها منذ شهور من فرط انشغالنا في العمل والمسئوليات .. وقال لي: بحبــّــك ..

    قـال عمـر:
    ياسلام لو الواحد يعيش كده طول عمره .. يااااه .. أعصابي رايقة جداً وسارة في قمة السعادة وهى تحاول أن تبلل أرجل يحيى في مياة البحر، وهو خائف وينظر لهذا الشيء الخرافي الذى يراه لأول مرة وكأنه يقول: البتاع ده ما شفتوش في البيت عندنا قبل كده .. ثم بعد فترة تعجبه اللعبة ويحرك يديه وقدميه بكل قوة حتى يغرق أمه وهي تهدده بانتقام ..

    قـالت سـارة:
    مرّت علينا أمسية هادئة ونحن ننعم بالهدوء والصفاء، ولم يكدرني سوى أنـّني لاحظت أن يحيى يرفض الطعام منذ عدة ساعات .. وبعد فترة وجدته يصرخ ويبكب بلا انقطاع .. حاول عمر طمأنتي أنه من تغيير الجو .. حاولت تصديق هذا وأعطيته دواءاً للمغص ولكنه لم يستقر فب معدته لدقائق وتقيئه بشكل أفزعني .. ولم تمضي إلا ساعة ووجدت لديه إسهال رهيب .. والقيء لا ينقطع، وحرارته مرتفعة جداً .. صرخت على عمر الذي إرتبك ولم يدري ماذا يفعل ..
    مرض يحيى من قبل عدة مرات .. ولكنه أبداً لم يكن بمثل هذه الشدة .. نظرت إليه وهو تقريباً مغشي عليه من فرط السوائل التي فقدها بشكل مفاجىء .. إرتجفت ولم تحملني قدماي .. وبكى عمر وهو يرتدي ملابسه بسرعة لنذهب لأقرب طبيب .. ولكن أين الطبيب فى هذا المكان المنعزل وفي هذا الوقت من السنة .. والذي لم يبدأ فيه موسم التصييف بعد .. فجميع القرى السياحية ـ البعيدة جدا ـ أيضا خاوية ..

    قـال عمـر:
    جرينا على السيارة وسارة تحمل يحيى وهو تقريباً فاقد الوعي وفي شدة الذبول .. وأنا لا أعرف إلى أين أذهب..! ودموع سارة لا تتوقف وهي تردد كلمة واحدة بمنتهى الوعيد: إنت السبب .. أنا قلت لك بلاش المكان المقطوع ده .. لو حصل حاجة لإبني مش ح اسامحك أبداً .. وكأنه ليس إبني أنا الآخر .. فعلاً الانثى في الأصل أم ثم زوجة ..
    مرت نحو ساعة ونصف وأنا أسير بلا هدى ولا أجد بشائر لأي مستشفى أو حتى عيادة، وانا أصرخ داعيا الله أن يغيثنا .. وكل لحظة يحيى يزداد ذبولاً وشحوباً .. وسارة يكاد قلبها يتوقف من فرط البكاء والدعاء .. حتى أخيراً وجدنا نقطة إسعاف على الطريق العام، ويبدو أنـّها مهجورة ..فجرينا عليها فلم نجد إلا حجرة واحدة للكشف يبدو أنـّه لم يدخلها مريض منذ أعوام .. ووجدنا ممرض نصف نائم قابلنا ببرود شديد .. صرخنا به سائلين عن الطبيب، فأخبرنا بلا مبالاة أنه ليس موجود .. لأول مرة فى حياتي أرى سارة الوديعة تتحول إلى نمرة شرسة مستعدة للقتل في أي لحظة، وصوتها يصل إلى عنان السماء وهي تصرخ في الممرض بشراسة: لو في ظرف 5 دقايق ما جبتش الدكتور حالاً أقسم بالله العظيم لأقتلك بإيدي وأدفنك في الحتة المقطوعة دي ..
    ويبدو أنّ الرجل إرتعب من غضبها الهائل وفر كالريح يوقظ الطبيب من سكن الأطباء .. وجاء لنجده طبيباً صغير السن حديث التعيين .. لا أعرف كيف يضعون طبيب قليل التجربة في مكان وحده لا يجد من يعلمه ويكون مسئول بمفرده عن كل شىء ..

    قـالت سـارة:
    بدأ الطبيب في الكشف على يحيى وتعابير وجهه غير مطمئنة .. وبعد قليل أخبرنا أن الحالة محتمل ان تكون تسمم من إبتلاعه شىء فاسد أدت إلى حالة القىء والإسهال الشديدين .. والأهم الآن هو انقاذه من حالة الجفاف الخطيرة ..
    هبط علينا كلامه كالصاعقة، وأحسست برعب لم أشعر به فى حياتي .. توقف عقلي عن العمل، وتوقفت الحياة عن دورانها، حتى البكاء لا أقدر عليه .. أنظر إليه وهو فاقد الوعي وشاحب شحوب الموتى .. أكيد إبتلع شىء من الشالية أو البحر في غفلة مني .. بماذا تشعر الأم إذا مات ولدها؟ .. يارب ..
    لم أستطع الحفاظ على نعمتك فسامحني واحفظها لي برحمتك وسلطانك .. يارب .. يارب ..

    قـال عمـر:
    إنطلقت بأقصى سرعة الى الصيدلية للمرة الألف لإحضار المحاليل والادوية التى يطلبها الطبيب كل ساعة .. يحيى يزداد ذبولا ولا يستعيد وعيه من شدة الجفاف .. منذ 5 ساعات وسارة لا تفارقه وكل المحاليل تخترق أوردته بلا فائدة .. يارب لا أعرف كيف أدعوك في هذه المحنة .. قد أكون إرتكبت العديد من الذنوب ولا أستحق غفرانك .. ولكن إرحم هذا الملاك من أجل أمه التي تفقد الحياة كل دقيقة بجواره .. إرحمه من أجلي فهو نبض قلبي وثمرة عمري ..
    ظهرت أنوار نقطة الإسعاف أمامي .. وقبل أن أصل وجدت رجل عجوز مسكين ينام على جانب الطريق .. لا أعرف من أين جاءني هذا الخاطر فأوقفت السيارة وأنا فى أمس الحاجة لكل دقيقة .. نزلت وأعطيته كل المال الذي فى جيبي بدون أن أبقى معي شىء وبلا تفكير .. تذكرت: "داووا مرضاكم بالصدقة" .. لعل الله ينقذ بها إبني الوحيد .. يارب .. يارب ..
    إقتربت وأنا أخشى أن أرى وجوهاً باكية في إنتظاري .. ولكنـّني وجدت سارة تهرول في اتجاهي وصوتها مختلط بين البكاء وعدم التصديق وهي تهتف: يحيى فاق يا عمر ..

  6. #36
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Fri Oct 2012
    المشاركات
    1,237
    معدل تقييم المستوى
    15032412

    رد: رواية يوميات عمر وسارة

    الجزء الثاني

    بابا عمر وماما سارة الحلقة السابعة




    قـالت سـارة:
    تحول كل بيتنا إلى فوضى منذ أن أصبح يحيى يمشي .. أصبح لا يوجد مقعد في مكانه ولا مفرش فوق ترابيزة لا سمح الله .. وطبعاً أي ورود أو تحف صغيرة أصبح من المستحيل بقائها مكانها، وأصبح مكانها الوحيد فوق الدولاب كي أنقذها من التحطيم المستمر .. لا أعرف لماذا يحب الأطفال استكشاف كل شيء حتى لو رأوه مائة مرة؟
    أتعجب عندما أرى يحيى ماشياً فى أمان الله وفجأة يثبت نظره في اتجاه شيء معين، وهنا تصفر صفارات الإنذار في رأسي من أني في ثواني سأسمع صوت تحطيم أو دمار .. ثم أجده متجهاُ بمشيته التي تشبه مشية البطة إلى هدفه كالصاروخ، ويكون غالباُ كوب أو برواز صورة أو أي شيء .. وهنا أقفز مثل لاعبي السيرك لأنقذ الهدف المسكين من مصيره المحتوم
    .. وإن نجحت تبدأ مرحلة من الصراخ من يحيى إحتجاجا على هذا الظلم البائن ..
    كنت في البداية أرق لبكائه وأتراجع عن موقفي كي يكف عن البكاء .. ولكني وجدت أنـّه في غاية الخبث، علم أن البكاء يخيفني فاستخدمه كسلاح .. أي شيء يريده بيفتح السارينة .. ولكنـّني انتبهت لهذا السلاح الجديد وأصبحت لا أهتم لصراخه .. حتى عرف بعد فترة أنـّه لا جدوى معي من البكاء .. فأصبح ينصرف عنى وكأنه يتمتم: حسبي الله ونعم الوكيل ..
    أصبح يحيى هو صديقي الوحيد والوجة الوحيد الذي أراه يبتسم في وجهي منذ أن زارنا الحزن وأقام لدينا منذ شهرين .. من يوم مات والد عمر ونحن نسكن مع الحزن في كل لحظة .. أخاف على عمر من شدة حزنه على أبيه .. أراه شاردا حزيناً، أستيقظ فلا أجده بجواري وأجده يصلي وحيداً وهو يبكي لله ويسأله الصبر على الفراق .. أحاول بكل طاقتي أن أخرجه مما هو فيه بلا جدوى .. يارب خفف عنه وعنا ..

    قـال عمـر:
    {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} ..
    الموت من جنود الله التي تدفعنا دفعاً إلى الخوف من الوقوف بين يديه .. لا أعرف كيف اختطف الموت أبي لأتحول فجأة من رجل إلى طفل صغير فقد يد أبيه في الزحام فوقف يبكي ولا يشعر بزحام الدنيا من حوله .. فقط ينتظر وجه أبيه ليعيد له الأمان .. رحمك الله يا أبي .. كم أتعبتك في طفولتي .. وكم عاندتك في مراهقتي .. وكم جادلتك في شبابي ..أندم على كل يوم لم أقبـّل فيه يديك ..
    وتبقى مشكلة أمي؛ أنا إبنها الوحيد الرجل، وأخواتي البنات متزوجات وفي بلاد بعيدة مع أزواجهن .. وأمي في حال يرثى لها منذ وفاة أبي .. وأنا يومياً أزورها بعد عملي ولكنها تعيش فى أحزانها وتهمل صحتها .. خوفي عليها يزداد .. ولكن ماذا أفعل؟

    قـالت سـارة:
    حياتنا انقلبت منذ وفاة والد عمر .. أصبحت لا أراه إلا نادراً .. أصبح يخرج من عمله ويذهب إلى حماتي ليقضي معها بقية الليل .. وأحيانا يبات هناك معها .. وأنا أزورها ثلاث أو أربع مرات في الأسبوع .. أعد طعام الغداء وأصطحب يحيى وأذهب إليها وننتظر عمر ليأتي ونقضي بقية اليوم معها .. أشفق عليها من أحزانها .. لا أعرف كيف تشعر المرأة لو فقدت شريك حياتها وحبيبها ورجلها الوحيد بعد عِشرة أكثر من ثلاثين عاماً؟؟ .. يتحول حزنها إلى عصبية شديدة لو غاب عنها عمر يوماً .. تظل تبكي وتتهمه بأنه لا يحبها ويفضل بيته وزوجته .. اللي هي أنا .. ولو لم أحضر لها يحيى لتراه صبـّت فوق رأسي كل صراخ الدنيا .. ازدادت أعصابي توتراً وأصبحت تقريباً لا أنام، وبيتي فقد الإستقرار ولا أرى زوجي، ولا أستطيع أن انطق بكلمة .. بل عليّ طول الوقت أن احتمل أعصاب عمر المنهارة وغضب حماتي طوال الوقت ..
    زارتنى ماما ورأتني وأنا ذابلة مجهدة، وقصصت عليها ما أنا فيه ..
    فردت عليّ: معلش ياسارة استحملي .. جوزك معذور ده برضه والده ..
    قلت: أنا عارفة يا ماما والله، ونفسي أخرجه من اللي هو فيه، ومستحملة عصبيته واكتئابه .. بس حاسة إني عايشة في دوامة .. يا دوب أصحى الصبح علشان اشتغل وأجهز الأكل وأشيله وآخد يحيى وأروح لحماتي ونقضي بقية اليوم عندها .. وطول الوقت باستحمل كلام في منتهى الغلاسة .. وكأنـّها عاوزة تقول لي: أنا جوزي مات وإنتي كمان واخدة إبني؟ بجد يا ماما تعبت ومش عارفة أعمل إيه؟
    قالت: معلش أهم يومين ويعدوا يا سارة .. خليكي إنتي بنت الأصول اللي تقف جنب جوزها وأمـّه في الظروف دي .. يعنى لو كنت إنتي مكانه مش كان ح يعمل كده؟
    رددت وقلت: مش باين يا ماما انهم يومين .. إحنا بقالنا شهرين على الحال ده وعمر مش عاوز يسيبها لوحدها أبداً .. وبصراحة عنده حق بس انا تعبت أعمل ايه؟
    فسكتت ماما للحظات وكأنها تفكر في أمر عميق وأجابتني: بصي يا سارة .. خلينا واقعيين، أنا رأيي إنـّك تقولي لعمر يجيب والدته تقعد معاكي هنا ..
    انتفضت كالملسوعة: إيه تعيش معايا هنا؟ إنتي بتقولي إيه ياماما؟ هو إنتي مش عارفة طبعها وازاي بتعاملني؟ حرام عليكي ..
    نظرت لي ماما وقالت: بصي يا سارة، خليكي عاقلة .. مش معقول ح تفضلوا على الحال ده .. ومش ممكن ح تقولي له إرمي أمك .. علشان ربنا يبارك لك في يحيى .. وبعدين خليها تيجي منك أحسن لأن ده ان آجلاً، أو عاجلاً ح يحصل وهو اللي ح يطلب منـّك إنها تعيش معاكم لأنه ابنها الوحيد الرجل .. يعني هاتيها منك واعرضي عليه إنتي واحتسبيها عند ربنا ..
    فسالت دموعي وانا أرى أن كلام أمي منطقى جداً ولا مفر منه: بس يا ماما كده ح نبقى طول اليوم في حرب .. وأكيد ح تحصل مشاكل .. أعمل إيه؟
    قالت: والله اتكلي على الله .. وما دمتي بتعملي كده علشان ترضي ربنا وتريحى جوزك يبقى أكيد عمر ربنا ما ح يسيبك أبداً إن شاء الله ..
    صليت إستخارة ودعوت الله وقلبي يمتلأ بالخوف من حياتي التي ستنقلب رأساً على عقب .. اقتربت من عمر وهو جالس وحده فى الصالون شارد النظرات، وهمست له: مش تروق كده ياحبيبي.. ده إنت تعرف ربنا وربنا يرحمه إن شاء الله ..
    رد مهموماً: ونعم بالله يا سارة .. وهو ح يفضل غالي على طول .. بس كل ما أفتكر والدتي انها لوحدها في الشقة وإنها ممكن يحصل لها حاجة من غير ما أكون معاها باتجنن .. نفسي أكون معاها على طول علشان بالي يرتاح ..
    همست في سري: والله عند حق يا ماما خليها تيجي مني أحسن .. ورددت عليه: ربنا يخليها لك يارب .. طيب أنا عندي اقتراح علشان تطمن عليها؛ إيه رأيك تيجي تعيش معانا هنا وأنا أحطها جوة عيني؟
    فصرخ فرحاً ورأيت ابتسامته التي لم أرها منذ شهور وهو غير مصدق وقال لي: إيه؟ بتقولي إيه؟ ‘نتى بتتكلمي بجد ياسارة؟ انا كان نفسي أعرض عليكي الموضوع ده بس كنت متردد ..
    بلعت توتري وابتسمت له وقلت: ليه بتقول كده ياعمر هو احنا يعني ح نرمي أهالينا؟ ربنا يخليهالك ويقدرني على خدمتها ..
    فاحتضنني في قوة وهو يقول لي: بجد مش عارف أقول لك إيه ياسارة .. انتي فعلا بنت أصول .. انا عارف إن ماما متعبة شوية.. بس صدقيني إن شاء الله مش ح تضايقك خاااالص ..
    وتركني وانطلق إلى التليفون يزف البشرى لوالدته .. وأنا أردد وأنا أكاد أبكي: خالص خالص خااااااااااالص ..

  7. #37
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Fri Oct 2012
    المشاركات
    1,237
    معدل تقييم المستوى
    15032412

    رد: رواية يوميات عمر وسارة

    الجزء الثاني

    بابا عمر وماما سارة الحلقة الثامنة




    قـالت سـارة:
    "انا اللي جبت ده كله لنفسي" .. اقول هذه الكلمة لنفسي كل يوم وكل دقيقة من السيرك اللي عايشة فيه من ساعة ما حماتي المصونة شرفتنا بالانتقال الى الحياة معنا .. الله يسامحك يا ماما انتي اللي اقترحتي الاقتراح الرائع ده .. حياتي انقلبت بزاوية 180 درجة .. لم أكن اتخيل ان كل هذا سيحدث فى شهر واحد .. البنت بتتجوّز علشان يكون لها بيت مستقل تكون هي ملكته تفعل به ما تريد .. وقت ما تحب .. تطبخ ما تشاء .. تضرب عن الاعمال المنزلية وتؤجلها ليوم آخر وقت ما يحلو لها .. افتقدت كل هذا دفعة واحدة .. أحسست اني ضيفة فى بيتي .. وياريت كمان ضيفة دي حتى الضيفة بتُخدَم وتكرّم .. اما انا تحولت الى أسيرة ومراقبة 24 ساعة من حماتي .. طول النهار تراقب تحركاتي .. وتنتقدتني فى كل حاجة .. تراقب تطور حلة المحشي من اول ما أغسل الأرز الى آخر محطة .. وكل لحظة تتحفني بعبارات من نوعية: واضح انك لسه بتتعلمي ياسارة ..
    لا لا لا ده مش محشي ده يخني .. عمر ما بيحبش المحشي الا من إيدي أنا .. ولا تفكر حتى في أن تساعدني في أي شىء .. وأنا لا أرد على أي كلمة وأحاول أن أبتسم حتى تصلبت شفايفي في وضع ابتسامة مسلوقة لا معنى لها .. بس علشان ما أطقّش وأموت ..

    قـال عمـر:
    ياسلاااااااااااااام .. ربنا يخليكي ليّ ياسارة يا حبيبتي .. حلت لي كل مشاكلي مرة واحدة .. بقيت مطمّن على ماما كل ساعة .. وسارة كمان شايلاها جوة عينيها ..
    انا كنت فاكر إني كل يوم ح الاقي خناقات .. لكن الحمد لله الدنيا هادية وجميلة والاتنين زى السمنة على العسل ..
    بصراحة مش أي واحدة تستحمل ماما .. أنا عارف إنها صعبة وبتحب تتدخل فى كل حاجة بس ح اعمل ايه يعني؟ ربنا يخليها لي يارب .. ويخليلي سارة وتفضل بعقلها الراسي كده على طول ..

    قـالت سـارة:
    انا خلاااااااااص معدش فيّ ريحة العقل!!! قربت اتجنن وأسيب البيت .. كل حاجة في الدنيا حماتي مدخّلة نفسها فيها .. حتى تربيتي ليحيى كل حاجة غلط فى غلط .. لو أكّلته جزر يبقى لااااااااا البطاطس أفيد كتير .. ولو اكل شيكولاتة يبقى سنانه ح تقع .. ولو حرمته منها يبقى انا أم مفترية .. بجد مش عارفة أعمل إيه ولا أملك الا الطاعة لكل كلامها ولو جادلتها ندخل فى جدال يستمر لساعات فأسمع كلامها وانا أموت من الغيظ ..
    والمشكلة الأكبر كمان هي فى وجود عمر .. بتستأثر بيه وكأنه زوجها هي .. تقعد تتكلم معاه بالساعات وتطلب مني أعملهم فنجانين قهوة علشان القعدة تحلو .. ولو بعد الشر قعدت أتكلم معاه على انفراد فى أي موضوع لازم تعرف بنتكلم في إيه وإلا تزعل وتتقمص، والود ودها انها تنام معانا في نفس الاوضة ..
    بجد انا تعبت خلاص ولازم الوضع يتغيّر .. لازم اطلب من عمر انها ترجع شقتها ونرجع نزورها زي الأول .. بس ازاى اقدر أطلب منه كده؟ .. اكيد الدنيا ح تولع ويبقى شكلي إني باطرد أمه .. لا لا ما ينفعش الحل ده .. انا عارفة الدين والأصول وكمان لو عمر عمل كده فى أمي أكيد ح اقتله ..
    انا عارفة اني مهما عملت لا يمكن تحبني زي بنتها .. دي الطبيعة البشرية .. أنا برضه مش ح احب زوجة يحيى إبني .. يعني بعد ما اتعب وأربي تاخده راجل على الجاهز؟ طيب يبقى انا أشيل فكرة إنها تحبني من دماغي وأحاول اتقبل الوضع وأحسنه وخلاص ..
    دخل عمر عليّ وأنا غارقة فى التفكير وضاربة بوز .. وقال: ايه يا سارة بتفكري في إيه ده كله؟
    رديت: ولاحاجة ياعمر بس تعبانة شوية ..
    سألني: من إيه يا حبيبتي .. مش ماما بتساعدك فى تربية يحيى؟
    "ياخرااااااابي .. بتساعدني؟" .. طبعا قلتها فى سري .. ورديت عليه وأنا مفروسة: طبعاً طبعاً ربنا يخليهالنا ..
    فرد عليّ بحنان: والله أنا حاسس بيكي يا حبيبتي وعارف ان ماما صعبة شوية .. بس أعمل إيه أنا إبنها الراجل الوحيد .. أرميها يعني؟
    سالت دموعي رغما عني وقلت له: يا عمر أنا لا يمكن اقول كده وأنا اللي طلبت منك إنها تيجي هنا .. بس بجد أنا حاسة إني بقيت ضيفة في البيت مش صاحبته .. بانفذ كل كلامها وبتنتقد كل حاجة باعملها فى البيت ومحسساني طول الوقت اني مش بافهم فى أي حاجة .. بجد تعبت .. أعمل إيه؟
    أخذ وقتا طويلا قبل أن يرد وجاء صوته مليئا بالحيرة: بصي ياسارة .. أنا عارف إن عندك حق .. بس حطّي نفسك مكانها .. دي ست فقدت عشرة عمرها كله ولقت نفسها وحيدة وكمان سابت بيتها فبتعتبرني انا راجلها الوحيد في الدنيا .. ومتخيلة إنك إنتي اللي واخداني منها .. فنفسيا كده بتغير منك ومن حبي ليكي وبتحاول تحسسك إنها أحسن منك فى كل حاجة .. معلش لازم نراعي تفكيرها ده .. حاولي تصاحبيها وتخليها تشيل فكرة الغيرة دى من دماغها ..
    رديت بفراغ صبر: والله حاولت مفيش فايدة ..
    رد بعصبية مفاجئة: بصى يا سارة أنا مش ح اتكلم في الموضوع ده تاني .. أنا لا يمكن أغضبها أبداً علشان خاطرك .. ولو اخترت بين بيتي وبين رضاها ح اختارها هيّ .. واعرفي اني لو ما عملتش ده وأغضبتها علشانك .. ابنك يحيى ح يعمل فيكي كده و حيرميكي علشان مراته .. الديّان لا يموت .. ومش ح اتكلم فى الموضوع ده تاني .. تصبحي على خير ..

    قـالت سـارة:
    "البحر من خلفي وحماتي من أمامي" ..
    عمر فجّر القنبلة في وشي وسابني أواجه المشكلة لوحدي .. يعنى كان ح يحصل إيه لو كلّم والدته ووصّاها عليّ شوية؟ خلاص الدنيا ح تولع؟
    طيب أعمل إيه يا رب؟ أنا بجد تعبانة ومش عارفة أرتاح ولا دقيقة .. لا من حماتي ولا من يحيى .. بيطلب كل دقيقة طلب لما خلاص جنّني .. باحس إنه فاضي وبيتسلى ..
    فاضي وبيتسلى؟
    فاضي ....؟
    إيه ده؟ معقووووووول؟
    معقول يا سي يحيى إنت اللي ح تحل لي الحدوتة العويصة دي؟ قمت من مكاني وأحضرت له مكعبات أحضرها له والدى وأبعدتها عنه حتى يكبر ويستطيع اللعب بها .. وأول ما رآها هجم عليها يبعثرها من مكانها وجلست معه أريه كيف يركبها .. وماهي الا دقائق حتى استغرق باللعب بها وان لم يستطع تركيبها ولكنه أخذ يلعب بها ويكتشفها والأهم انه بعد عني ولم يطلب أي طلبات أخرى ..
    طيب ما هي حماتي نفس الحكاية بالظبط .. حياتها فارغة جداً وخاصة بعد موت والد عمر .. وأنا من أقوم بكل الأعمال المنزلية ولا أحاول أن أتعبها في شيء .. فلا يبقى لها إلا أنا والتفرغ التام لانتقادي .. طيب ما انا لو رحت ضيفة عند أي أسرة وكنت لا أفعل أي شىء طوال 24 ساعة الطبيعي جداً اني سأتفرغ لمراقبتهم .. لبسوا إيه؟ عملوا إيه؟
    خلاص يبقى الحل الوحيد انى أشغِلها طول اليوم .. خلاص ح أجيب لحماتي مكعبات ..!!
    أنا كمان من ناحيتي لازم أقلل إحساسي إنها غازية لبيتي وإني خلاص مش عارفة أرتاح طول ما هي موجودة .. بصراحة في وجودها مريحاني من يحيى في أوقات كتير وخصوصا وأنا باشتغل الصبح على الكومبيوتر .. وكمان فيه حاجة مهمة .. إن في وجودها عمر مش بيتخانق معايا خالص حتى لو لقى البيت بيتحرق .. ودى حاجة جمييييييلة جداااااا ..
    انا ح أحاول أحسسها إني باحبها علشان هي كمان تحاول تحبني .. مش كفاية انها إدتني عمر حبيبي علشان أستحملها؟ ومش بس أستحملها .. لا .. أحاول أحبها؟!

    قـال عمـر:
    بصراحة سارة عندها حق في شكوتها من ماما .. بس كان لازم أوقف الموضوع بحزم علشان مايكبرش ويتحول لخناقة .. وأنا حاولت قبل ما هي تشتكي ومن غير ما تعرف إني ألفت نظر ماما إنها تخف شوية على سارة .. بس طبعا من بعيد لبعيد علشان ما أزعلهاش .. زي اللي بيوصف لواحد إزاي يروح اسكندرية عن طريق أسوان ..
    والله انا نفسى أرضي الطرفين بس مش عارف ازاي؟ لا .. ورد فعل ماما كان غريب جداً .. نظرت لي نظرة طويييييييلة وسابتني ومشيت ..!!

    قـالت سـارة:
    بدأت خطوات الخطة الجهنمية اللولبية في شغل فراغ حماتي وكمان تهدئة نفسيتها الثائرة داااائماً .. أول حاجة إني دعوتها اننا نصلي جماعة أنا وهي كل الفروض بعد ما كانت بتصلي وحدها .. في الأول إعترضت كالمعتاد بحجة انها لا تقدر على الوقوف الطويل فأحضرت لها كرسي صغير تصلي عليه .. وبدأت أوقظها لصلاة الفجر بعد أن كنت أتركها تنام .. وسبحان الله بعد عدة أيام من صلاتنا معا أنا وهي لانت معاملتها لي بعض الشيء .. وجعلنا لنا ورداً يوميا من القرآن .. كيف يجمعنا الله خمس مرات يوميا ويفرقنا الشيطان؟
    وتشجعت اني طلبت منها أن نذهب أنا وهي يوميا درس لتعليم التجويد فى المسجد المجاور بعد صلاة العصر .. وكنت أتوقع كلمتين فى العظم ورفض دون أسباب .. ولكن لدهشتي وجدتها وافقت بسهولة ووجدتها فرصة لتعلم شيء جديد والخروج أيضاً .. وسبحان الله وجدتها عندما تقربت لله أكثر وشغلت وقتها أكثر .. أحبتني قليلا وتغيرت معاملتها لي فى أشياء كثيرة .. بل وبعد عدة أسابيع من انتظامنا في درس التجويد يومياً .. وجدتها تدعو لي لأول مرة في حياتها ..
    ولأول مرة اكتشفت الجانب الطيب فيها الذي كان مختبىء وراء عصبيتها وانتقادها لكل الناس .. وتحسنت علاقتي بها كثيراً .. لن أقول انها أصبحت مثل علاقة الأم بابنتها ولكن على الأقل الجانب العدائي بيننا قلّ كثيراً وأصبحت أفتح لها قلبي وأحكي لها عن عملي بعد أن كان كلّ كلامنا عبارة عن قذائف نارية ..
    بل وتهورت مرة واشتكيت لها من عصبية عمر فى موقف معين وظلمه لي .. حقيقة لم تقف ضد حبيب قلبها بالطبع كما كنت أطمع .. ولكن على الأقل لم تهاجمني زى زمان بأني متجوزة سيد الناس كلها .. ولكنها طيبت خاطري بكلمتين وهذا يكفيني ..!

    قـال عمـر:
    والله لو علمت كلّ امرأة على الأرض انها عندما ترضى أهل زوجها وبالأخص والديه أن حبها في قلبه سيتضاعف لانتهت كل مشاكل الكون .. كل وقوف سارة بجواري وحنانها معي وعشرتها الطيبة وحبها لي كوم .. ورعايتها لأمي وإهتمامها بها ومحاولة تغييرها واتقاءها الله فيها كووووم تاني .. حبّ سارة في قلبي تضاعف واحترامي لها أصبح لا يوصف .. لابد أن أكافيء هذا الملاك الصابر ..
    نزلت اشتريت لها حلقاَ صغيراَ ماسياَ على شكل قلبين صغيرين .. وجريييييييييت على حبيبتي .. وجدتها فى انتظاري جميلة كالمعتاد وحدها دون ماما ويحيى باشا .. وهتفت: وحشتيني ياحبيبتي .. ماما ويحيى فين؟

    قـالت سـارة:
    رديت على عمر وقلت: وإنت كمان وحشتنى يا حبيبى .. طنط يا سيدي عرّفتها على الحاجة فوزية اللي في الدور الخامس من كام يوم .. إنت عارف هيّ كمان وحيدة بعد جواز ولادها .. واتصاحبوا على طول وبقت طنط بتاخد يحيى وبتطلعلها كل يوم تشرب معاها فنجان قهوة ويفتكروا أيام ما كان الرغيف ب 3 مليم ..
    قال لي باسماً: قصدك إن ماما عجوزة .. صح؟ يامااااامااااا ..
    فوضعت يدي على فمه قبل أن يفضحني وهتفت: بس يا عم .. أنا ما صدقت إنها ترضى عني شوية عاوز توقّع بنا ليه؟
    فضحك وهو يقول: لا والله ده أنا مش عارف أشكرك ازاي على معاملتك لماما .. بجد احترامي وحبي ليكي زاد .. انا جبت لك هدية يارب تعجبك ..
    ففتحت العلبة ورأيت الحلق الرائع ولم أصدق أنه ماس إلا عندما أقسم لي عمر .. ولم أعرف ماذا أقول .. ولا كيف أشكره ..
    ومن زماااااان سكتت شهرزاد عن الكلام المبااااااح ..

  8. #38
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Fri Oct 2012
    المشاركات
    1,237
    معدل تقييم المستوى
    15032412

    رد: رواية يوميات عمر وسارة

    الجزء الثاني

    بابا عمر وماما سارة الحلقة التاسعة




    قـالت سـارة:
    الكابتن يحيى أتمّ سنتين من عمره المديد .. أصبح شقي جداً وملامح شخصيته ظهرت .. ورث العصبية من عمر ومني العِند طبعاً .. أصبح يقلدنا جميعا في الكلام وينطق الكثير من الكلمات بطريقته الكوميدية .. أجملها على الاطلاق كلمة: ماما .. يرشوني بها كي تذيب أي غضب داخلي من أي كارثة فعلها .. وما أكثر حوادثه وكوارثه التي لا تنقطع، على رأسها معركة الطعام اليومية التي تجعلني اتمنى أن أطعم حي "شبرا" بأكلمله ولا أطعمه طبقاً واحداً .. يرفض الطعام بأغلب صوره ويتمنى أن يمتلأ العالم شيكولاتة وحلوى ولتذهب كل الأطعمة إلى الصين ..!
    وعندما أتم العامين بدأنا الكارثة الحقيقية
    في حياة كل أم وهي مأساة تعليمه إستخدام الحمام وحده والإستغناء عن الحفاضات .. لا يمكن وصف العذاب الذي عشته لأسايبع طويلة .. أصبحت عصبية وتعبت من هذا الصراع .. لا أعرف كيف تحولت حياتي كلها إلى وجبات طعام وحفاضات وصراخ؟

    قـال عمـر:
    بعد ما سافرت أمي إلى أختي في السعودية لعمل عمرة وقضاء عدة أشهر معها خلا البيت منها بعدما اعتدت وجودها .. سبحان الله يظل الرجل طفلاً يشتاق إلى حضن أمّه مهما طال به العمر ..
    العمل في الشركة تتطور مراحله بشكل لا يوصف، وتتوسع المشروعات فيه .. وترقيت في منصبي تبعاً لمجهودي رغم قصر المدة .. وأصبح مطلوب مني تدريب بعض المهندسين الجدد الذين يلتحقون للعمل في الشركة
    وملازمتهم حتى يتقنوا العمل .. عشت معهم لحظات التوتر الأولى والخوف من المجهول واهتزاز الثقة في الموهبة الذي عشته قبلهم في أيامي الأولى هنا .. منهم من يتخطى أشهر الاختبار ويثبت نجاحه ومنهم من تتعثر خطواته ويعود من حيث أتى .. حتى جاءتنا في يوم مهندسة شابة اسمها آية..!
    من أول لحظة شعر الجميع أن شخصيتها متفردة .. درست الهندسة في الخارج رغم صغر سنها مما أعطى موهبتها ثقلا لا يستهان به .. خطوطها حساسة وأفكارها متجددة .. ورغم هذا تتمتع بحياء المبتدئين ولا تتطاول على أحد .. جعلتني في أحيان كثيرة في حيرة كيف أكون من يدربها وفي رأسها أفكار أنا شخصياً لا أعرفها من قبل .. ولكنها كانت تنصت لأي ملاحظة مني حتى لو كانت تعرفها من قبل وتتظاهر بالتعلّم مما أثار إعجاب الجميع بها لتواضعها ونبوغها في سنها الصغير ..

    قـالت سـارة:
    الملل يحيط بي من كل جانب .. عملي على الكومبيوتر لا جديد فيه أبداً .. نفس الإيميلات ونفس الكلمات ونفس الاشخاص .. حتى أكاد أن أقوم به وأنا مغمضة العينين ولم يعد يستغرق من يومي سوي 3 أو 4 ساعات وبقية اليوم في نفس الروتين .. أحادث يحيى طوال اليوم حتى لا أحادث نفسي ..
    عمر لا أراه سوى ساعتين في اليوم بعد أن ترقى في منصبه .. وبعد أن يعود لايكون لديه رغبة في أي كلام أو حديث .. يعود منهكاً يلعب مع يحيى قليلاً ويستمع لأحاديثي المكررة عن معاركي اليومية مع يحيى في محاولة إطعامه أو إدخاله الحمام .. وطبعاً ينام أول ما أبدأ كلامي ..

    قـال عمـر:
    شخصية آية تزداد تألقاً كل يوم .. أصبحت محط إنتباه الجميع في أسابيع قليلة بموهبتها وشخصيتها الجذابة في الحديث .. حتى ما تكاد تتحدث حتى تستحوذ على عقل محدثها من ثقافتها وإدراكها للعديد من جوانب الحياة .. حتى علمت منها انها تحضر ندوات ثقافية ومعارض تشكيلية .. وتأخذ دورات للغات في الجامعة الأمريكية .. لا أعلم من أين تأتي بالوقت لتفعل كل هذا؟
    وأكثر ما أثار اعجاب الجميع بها هو التزامها بدينها رغم دراستها بالخارج .. مما جعلنا نزداد احتراماً واعجاباً بها ..

    قـالت سـارة:
    عمر يحكي لي عن المهندسة الجديدة منذ أكثر من ساعة .. لم أره من قبل يتحدث عن أحد وتلمع عيونه بهذا الشكل .. كتمت غيرتي وبادلته الحديث وانا أراه يلصق بها كل الصفات الرائعة من التديّن والثقافة وجاذبية الشخصية وأيضا الجمال ..
    يقول: إنتي ما تتصوريش يا سارة البنت دي مميزة قد إيه .. قليل أوي لما الواحد يشوف بنت موهوبة في الهندسة بالشكل ده ..
    فأرد: ليه؟ .. هو انتم مش عندكم مهندسات في الشركة؟
    فيقول: لأ فيه طبعاً .. بس أغلبهم بعيدين عن التصميم مش موهوبين زيها .. بيشتغلوا في التنفيذ بس ..
    داريت غيظي وأنا أقول له: أكيد .. مش بتقول إنها دارسة هندسة برّه؟ .. ده شيء طبيعي إنها تكون متميزة ..
    قال لي وعيونه تلمع: هي مميزة في الهندسة بس ياسارة؟ دي مثقفة بشكل كبير جداً .. مفيش حاجة في الدنيا إلا وعندها فكرة عنها .. سياسة .. فن .. أدب .. ما شاء الله بجد عليها ..
    فأرد: امممممممممممممم ........
    لم يلاحظ أنـّني أريد غلق الموضوع وأكمـَل: لا .. وكمان متدينة، بتراعي ربنا في كل تصرفاتها .. وواضح كمان ان عيلتها من الـ.....
    قاطعته لأغلق الموضوع قبل أن أنفجر وحاولت تصنع الإبتسام وأنا أحدثه: أسكت يا عمر .. النهاردة يحيى رمى ريموت التليفزيون من الشباك .. ودخل المطبخ فتح إزازة الزيت وبهدل أرض المطبخ ولما جيت أجري وراه قام ......
    فيقاطعني: تصبحي على خير ياسارة..عندي شغل بدري ..
    *******
    الأيام الماضية عشت أسوأ أيام في عمري .. إحساس لا يوصف بعدم الأمان .. عندما أرى زوجي وحبيب عمري وكأنه ليس معي .. تائه في عالم آخر .. أشعر به بغريزة الأنثى التي لا تخطيء .. وما يطمئني قليلا أنه متديّن ولن يفعل شيء حرام .. لكن حتى المتدينين أكثر الناس زواجا على زوجاتهم ..
    ولكن يبدو أن سحر هذه الفتاة أكبر من مقاومته .. وظروف وجودها معه لساعات طويلة رغما عنه يجعله يُسحر بطريقة تفكيرها وجاذبيتها ..
    أنا أعلم زوجي جيداً لا ينجذب كثيراً لامرأة جميلة فارغة العقل .. ولكن ما أخشي عليه فعلاً منه هي امرأة شديدة الذكاء والتميز .. هي فعلا القادرة على جعل حصونه تهتز ..
    ولكن أين أنا؟!!
    أولستُ حبيبته كما يدّعي؟
    كيف تشاركني في قلبه أو حتى في عقله إمرأة أخرى؟ .. هل لو رأيت أفضل رجل في العالم سيشارك عمر في قلبي؟
    لكن يبدو أن قلب الرجل مثل محطة القطار كل واحدة ممكن تركبه ..

    قـال عمـر:
    انا خلاص قربت أتجنن .. عايش في صراع رهيب .. طول الوقت حاسس إني باعمل حاجة غلط .. مش عارف إيه اللي بيحصل؟
    عمري ما اتشديت ولا أعجبت بواحدة بالشكل ده .. بجد تعبت من التفكير .. بأحاول إني أبعد عنها كل الطرق حتى إني حاولت إني أخلّي واحد تاني يدربها مفيش فايدة، إترفض طلبي .. باحاول إني لا أنفرد معها في مكان على الإطلاق ولا أحاول إني أكلمها في أي شيء شخصي وكلامي معها رسمي جداً وفي حدود العمل فقط .. ولكن دون جدوى.!!
    أشعر أن تفكيري بها لا يتوقف .. فهي شخصية شديدة التميز والذكاء تجعلك لا تستطيع إلا أن تملك عقلك وتفكيرك .. ولكني أحب سارة فعلا .. ولكن عندما أقارنها بآية أجد فرقا كبيراً في كل شيء ..!!

    قـالت سـارة:
    حاولت ألوم نفسي بأن يحيى شغلني عن عمر وحاولت التجديد في شكلي وفي المنزل .. وكتمت غضبي وغيرتي وتجاهلت حديثه عنها وحاولت إرضاءه .. حاولت إستعادة ليالي شهرزاد بلا فائدة ..
    عمر يضيع مني ..
    حاولت التودّد إليه وفتح مواضيع جديدة للحديث معه وتحاشيت الحديث عن معارك يحيى اليومية فكان يسمعني بلا اهتمام وكأن عقله في مكان آخر ..
    حتى لو كانت هذه البنت متفوقة عنـّي في كل شيء فلا يجوز حتى المقارنة بين شريك العمر وأي أحد آخر .. فالزوجة تحب الشعر الأبيض الذي يغزو شعر زوجها بعد الزواج فهو دليل شاهد على عشرتهم الطويلة، وأيامهم التي قضوها سويا .. هل إذا وجدت رجلاً أكثر شبابا تترك زوجها لأجله؟
    يارب إرفع هذه الفتنة وساعدني وأعد إليّ زوجي وحبيبي ..

  9. #39
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Fri Oct 2012
    المشاركات
    1,237
    معدل تقييم المستوى
    15032412

    رد: رواية يوميات عمر وسارة

    الجزء الثاني

    بابا عمر وماما سارة الحلقة العاشرة




    قـال عمـر:
    الشركة ستنظم حفلة بمناسبة حصولها على مناقصة عالمية وكل المهندسين وأسرهم سيحضرون .. فكرت في الإعتذار ولكني لم أستطع .. والغريبة إن سارة وافقت على الفور وتحمست جداً للحضور معي .. يا ترى شعرت بشيء؟! .. لا أظن ..
    ولكنـّني لا أريد ان تجتمع سارة وآية في مكان واحد .. ربنا يستر ..

    قـالت سـارة:
    جاءتني فرصة الحفلة لأرى غريمتي عن قرب .. أشعر أن الله سيأخذ لي حقي .. ولكني عندما أراها سأحترق من الغيرة .. أخاف أن أقتلها والواد يحيى ما يلاقيش حد يربّيه ..
    اشتريت فستان سهرة قمة في الأناقة وأرسلت يحيى إلى ماما من قبل الحفلة بعدة ساعات كي أتجهز وأحاول ان أريح أعصابي ولا أظهر لعمر توتري .. ولأول مرة أخذت ساعات في إرتداء ملابسي لأني في كل مرة لم أكن راضية عن مظهري .. آآآه .. عندما يفقدك اعز الناس لك ثقتك في نفسك .. من سيعطيها لك؟
    وعندما جاء موعد الحفلة ورآني عمر بالفستان الجديد لم يغازلني كعادته إذا ارتديت شيئا جديدا ولكن رد بسرعة ودون إهتمام: آه حلو أوي .. يالاّ علشان إتأخرنا..!
    وأخيييراً وصلنا الحفلة وكانت مقامة في فندق أنيق، والديكورات رائعة والموسيقى تريح الأعصاب، والجميع في أبهى صورهم .. لم نتبادل أنا وعمر إلا كلمات قليلة طوال الطريق وكل منا غارق في عالمه .. وأخذت أدور ببصري بحثا عن عدوتي اللدودة ولم أستغرق وقتا طويلا حتى عرفتها .. شابة جميلة جذابة المظهر وذات أناقة واضحة ولمسة مميزة في مظهرها .. وكالعادة يجتمع حولها الكثير وتستأثر هي بالحديث .. وأكد لي ظنوني لمعة عيون زوجي عندما رآها وكلامه المفاجيء بعد صمت عن جمال الجو ..!!!

    قـال عمـر:
    إعقل كده ياسي عمر وما تخلّيش سارة تاخد بالها .. والله أنا حاسس إن سارة حاسة بإعجابي بآية .. بس معقول؟ دي كانت بتعاملني كويس جداً الأيام اللي فاتت .. يبقي أحسن حاجة إني أتعامل طبييييعي جداً ..
    يا ماشاء الله دي آية جاية بنفسها تسلم علينا .. أنا بأقول أنفد بجلدي وأهرب من هنا على الهند ..

    قـالت سـارة:
    كانت أول كلمات آية لنا هي: أهلا أهلا باشمهندس عمر .. عندك حق تخبّي عننا المدام .. ما شاء الله زي القمر ..
    "أنا اللي قمر برضه .. منك لله يا شيخة" .. ورددت تحت أسناني: الله يكرمك إنتي اللي قمر يا باشمهندسة ..
    قالت: على فكرة الباشمهندس عمر كلمنا عنك إنتي ويحيى كتير ..
    "كمان؟!!! ما شاء الله بتكلموا في حاجات غير الشغل؟" .. ورددت بكيد أنثوي: أصل هو ما يقدرش يبعد عننا أبداً ..

    قـال عمـر:
    أوباااااا .. دخلنا في كيد الحريم .. لما أغيّر الموضوع أحسن ما نبات في القصر العيني ..

    قـالت سـارة:
    غيّر عمر الموضوع وأخذ يتكلم في الرياضة والسياسة والست هانم ماشاء الله لا تكف عن الكلام لحظة في أي موضوع .. ثقافتها وجاذبيتها لا توصف .. حتى لو سألتها عن سياسة موزمبيق الداخلية أكيد ح ترد ..
    أخذت أدعو الله كيف أنتصر على هذه الفاتنة التي سحرت عقل زوجي وأنا إلى جواره؟ وأخذت أتكلم معها حديثا عادياً حتى سألتها سؤال غير مجري الأحداث تماماً: "عمر بيقول لي إنك متميزة جداً في شغلك يا آية .. ماشاء الله .. ياتري فكرتي تستمري في الشغل بعد الجواز والأولاد؟"
    وكأني ضغطت على جرح قديم فقطبت جبينها وقالت: والله الظاهر إني ح أفضل أشتغل على طول ومش ح أفكر في الإرتباط تاني ..
    وكأني وجدت كنزاً فلم أدع الخيط يفلت من يدي وقلت لها: تاني؟ إنتي إرتبطي قبل كده؟ معقولة؟
    فردت بمرارة قديمة تفاجأ لها سي عمر: الحقيقة إتخطبت مرتين قبل كده وما حصلش نصيب .. بس الظاهر المشكلة فيّ أنا .. أنا مش بحب أبداً سيطرة الرجل الشرقي على زوجته .. يمكن علشان عشت برّة فترة .. لكن أول ما كانت تبدأ قائمة الأوامر والنواهي لسي السيد كنت أنهي العلاقة فوراً .. فلا أتخيل أبداً ألاّ أكون أنا صاحبة الرأي الأول والأخير في حياتي .. علشان كده مش عاوزة أخوض تجربة الإرتباط تاني ..
    "الله الله الله قولي كمان ياست" .. لم أستطع أن أخفي سعادتي بخيبة أمل عمر لمعرفته جانب من شخصيتها تفاجأ له كثيراً .. ولكنـّني تظاهرت بالحزن لأجلها وانا أقول بخبث: بس الست بتلاقي سعادة كبيرة لما بتطيع زوجها وتحس إنها بتتنازل علشان ترضيه وينجح في حياته ..
    فردت بملل كأنها تحادث إنسانة من القرن الماضي: لا أرجوكي بلاش الكلام الغريب ده اللي باسمعه من كل البنات هنا في مصر .. أنا شخصيتي كده ومش ح أتغير ..
    *******
    طبعا أنهيت الكلام معها بعد وعد أكيد إننا نكون أصدقاء للأبد .. وأخبرت عمر إني أريد أن أغادر الحفلة كي لا أتأخر عن يحيى .. وكان في حالة غريبة من عدم التوازن ومراجعة نفسه والخجل معاً ..
    في السيارة تحدث بلهجة المذنب الذي ينتظر الإمساك به وقال لي وكأنـّه يداري خيبة أمله: على فكرة إنتي كنتي جميلة أوي النهاردة يا سارة .. ربنا يخليكي ليّا ..
    فرددت بغضب لم يره مني من قبل: ياااه لسه فاكر؟ طيب أنا عاوزاك في كلمتين لما نروح يا عمر ..
    *******
    بدأ عمر بالكلام كي يدفعني أن اتكلم حتى ينتهي ترقّبه لما سأقول وقال ببراءة: إيه يا سارة مالك؟ إنتي من ساعة ما سبنا الحفلة وإنتي مش طبيعية .. فيه حاجة مضايقاكي؟
    فانفجر البركان داخلي وصرخت فيه لبروده: وكمان بتسأل؟ لا ده إنت بجد عاوز تموّتني ..
    علا صوته هو الآخر لتخويفي: فيه إيه ياسارة؟ إنتي بتزعقي كده ليه؟ أنا ما اسمحش إنك تكلميني كده ..
    فلم أهتم بالتهديد وواصلت بقوة لم أعرفها في نفسي: شوف يا عمر ماتهددنيش .. أنا على طول باحترمك، وأطيعك، وأسمع كلامك .. لكن المرة دي أنا اللي ح أتكلم وإنت ح تسمعني .. وإنسى إنك بتكلم مراتك الطيبة الهادية واسمعني لحد ما اخلّص كلامي خالص ..
    ولأول مرة ألمح نظرة تشبه الخوف في عيونه من حالتي الجنونية .. وقال لي: إهدي بس وبطّلي زعيق .. فيه إيه؟
    حاولت تمالك أعصابي وقلت له: شوف يا عمر إحنا اتجوزنا بعض يمكن من غير قصة حب لكن ربنا أكرمنا وحبينا بعض .. والحب ده كبر مع عشرتنا وربنا رزقنا كمان بيحيى ورزقك شغل جديد .. والأهم من كده إن ربنا رزقنا طاعته وجمعنا في حبه .. صح؟
    فأجاب: إيه يا سارة المقدمات دي كلها عاوزة تقولي إيه .. أنا عاوز أنام ..
    فرددت بغيظ: تنام؟ .. يا عمر أنا بقالي أكتر من شهرين تقريبا مش بانام .. من أول ما إعجابك بالست آية بدأ ..
    فتحول وجهه لألوان الطيف عند إلقائي القنبلة: آية؟ آية مين؟ إيه ياسارة التهريج ده .. أنا أعجب بآية؟
    رديت بزهق من إنكاره: بص ياعمر إلست عندها رادار رهيب بتقدر تعرف إحساس جوزها رايح فين .. ويبقي غبي اللي يتجاهل الرادار ده ولا يفتكر إنها مش واخدة بالها .. شوف أنا من أول مرة حكيت لي عنها وانا حاسة إن فيه حاجة مش طبيعية .. لكن قلت مش معقول عمر يعمل كده .. لكن كل ما كانت تيجي سيرتها حالك كله يتقلب .. وكنت بتقارنها بيّ في كل حاجة .. حاولت أصبر لكن إنت كنت كل يوم بتبعد عني وبقيت في دنيا تانية خالص ..
    اهتزت كلماته وحاول الإنكار ولكنه لم يستطع: يا سارة أنا ..
    فقاطعته: بص يا عمر أرجوك ماتكدبش .. إعمل أي حاجة غير إنك تكدب .. أوعى تقع من نظري بكدبك ..
    وكأنه طفل ضاق عليه الخناق ويريد الإعتراف بذنبه: لا مش ح أكدب ياسارة .. أنا فعلا ًأعجبت بيها لأنها فعلا شخصية مميزة .. لكن أنا مش خاين ياسارة .. إنتي معتبرة دي خيانة؟
    فصرخت: لا والله؟ أمال دي إيه؟! والله لو كان إعجاب عادي ما كانش فرق معايا .. إحنا طول اليوم بنعجب بشخصيات ناس وبتفكيرهم وبثقافتهم .. لكن أول ما بندخل باب البيت بنسيبهم برة لأن العلاقة الزوجية حاجة مقدسة ما ينفعش ندخّل فيها شركاء ..
    فرد بضعف لم أعهده فيه: يا سارة إنتي محسساني إنك قفشتينا في كازينو على النيل .. أقسم لك بالله إني عمري ما اتكلمت معاها أي كلام خاص .. حتى كلامي عنك وعن يحيى كان قدام كل المهندسين مش خاص ليها .. والله العظيم أنا بخاف ربنا في كل حاجة بس بجد غصب عني .. تواجدي معاها أوقات طويلة في الشغل خلاني أعجب بشخصيتها وتميزها .. حاولت أبعد عن تدريبها رفضوا .. أعمل إيه أنا مش حجر يا سارة ..
    تحرك عطفي عليه وأخفضت من صوتي قليلاُ وسألته: طيب ليه من أول ما حسيت بالإحساس ده ما قلتليش؟
    إبتسم وقال: أيوة علشان كنت ألاقي نفسي متقطع في أكياس سودة ..
    فرددت بكرامتي المجروحة: طيب أنا قصرت في حاجة من حقوقك علشان تعجب بواحدة تانية يا عمر وكمان تقارنها بيّ؟
    فرد بعناد: إنتي خلاص بقي يحيى رقم واحد في حياتك وأنا رقم اتنين ..
    فهمست في سري: يادي الخيبة على عقل الرجالة .. ورديت: بص بلاش الحجة الخايبة دي اللي كل واحد بيبررها لنفسه علشان يعمل حاجة في دماغه .. لو كنت مهتمة بيحيى فدي حاجة تسعدك لأنه مش إبن جوزي الأولاني وإنت بتربيه .. ده إبنك .. ولازم أول فترة في حياتي يعتمد عليّ في كل حاجة .. لكن أتحداك إنك تقول إني أهملتك ..
    رد: لا ما أهملتنيش لكن فين سارة بتاعة زمان المتوهجة اللي كلها ذكاء وثقافة وجاذبية؟
    فأكلمت كلامه: وتسلّط .. ليه نسيت تقول ده؟ مش إنت بتقارنّي بآية؟ قارن بقي الحلو والوحش .. قارن لو كانت آية هي اللي مكاني كانت وقفت جنبك لحد ما تنجح في شغلك؟ ولا كانت سابت شغلها علشان خاطرك؟ ولا ضايفت والدتك وشالتها في عينيها .. بيتهيألي لو كانت عاشت هنا شهر واحد مش بس كانت سابتك .. لا .. كانت بلغت عنك الانتربول ..
    أكملت: شوف يا عمر انا مش أحسن واحدة في الدنيا وفيّ عيوب كتير زي أي حد .. لكن ما ينفعش أساسا إننا نفتح باب مقارنة شريك الحياة بأي حد تاني حتى لو كان أحسن منه في كل حاجة .. ربنا سمى الشركة دي الميثاق الغليظ يعني زي العقدة المتينة اللي ما ينفعش إن حد تالت يدخل فيها .. لأننا لو فتحنا باب المقارنة يبقى بنفتح كل أبواب الشيطان لتدمير البيت .. إلا لو كنت ناوي تتجوز تاني دي تبقى حدوتة تانية ..
    رد بفزع: أتجوز؟! إيه ده يا سارة إنتي خلاص خلتيني خاين وبادوّر على زوجة تانية؟ أنا فعلا بحبك ..
    فرديت من بين دموعي: اللي بيحب حد يشوفه أحسن واحد في الدنيا .. حتى لو السنين غيرته .. لو مرض .. لو شعره شاب .. لو شكله إتغير .. لأنه أصلا بيعتبر وجوده في الدنيا مرتبط بحياته .. ما ينفعش يقارن بينه وبين أي حد لأنه أصلا مش شايف غيره .. زي أنا مش شايفة أي راجل في الدنيا غيرك ..
    تحرك حنانه وحبه ولم يقوي على دموعي وإنهياري: أنا آسف يا سارة .. أنا بجد جرحتك غصب عني .. آسف .. عمري ما ح اعمل كده تاني أبداً ولو حتى بالتفكير .. والله الشيطان هو اللي ضخّم لي عيوبك وحسنها هي في نظري .. أنا فعلاً بعدت عن ربنا شوية من إنشغالى في الشغل الفترة اللي فاتت .. لكن أوعي تشكّي لحظة إني مش بحبك .. إعتبريها غلطة صغيرة من إبنك التاني ولو إتكررت إبقي إعملي اللي إنتي عاوزاه .. أنا عمري ما كدبت عليكي أبداً .. أرجوكي صدقيني المرة دي ومش ح تندمي ..
    رق قلبي لكلامه وكدت أسامحه على الفور، ولكنـّني أحببت أن أشعره بكبر خطأه حتى لا يكررها .. فقلت: ح أحاول أصدقك لكن بجد أنا محتاجة فترة أكون فيها لوحدي علشان أستعيد ثقتي فيك وفي حياتنا .. ح اروح لماما كام يوم لحد ما أعصابي تهدأ ..
    رد بحزم: لا أنا مش موافق ..
    فرديت بعناد: عمر أنا محتاجة الفترة دي إننا نبعد عن بعض كام يوم .. وح أقول لماما إنك مسافر في شغل .. أنا بجد مش قادرة أقعد في البيت هنا .. ما تضغطش على أعصابي أرجوك ..
    رد بحزن: زي ما تحبي يا سارة .. لكن أرجوكي خليكي متأكدة من حاجة واحدة .. إن قلبي عمره ما دخله واحدة غيرك ..

  10. #40
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Fri Oct 2012
    المشاركات
    1,237
    معدل تقييم المستوى
    15032412

    رد: رواية يوميات عمر وسارة

    الجزء الثاني

    بابا عمر وماما سارة الحلقة الحادية عشرة




    قـال عمـر:
    أصبحت وحدي في المنزل بعد رحيل سارة ويحيى الى بيت والدها .. البيت كئيب موحش بدونهم .. سبحان الله .. لا نعرف قيمة الشيء الا عندما نفقده .. مثل ملابس الإنسان أو ساعته، لا يشعر بها إلا عندما يرتديها أو يخلعها .. لكن طوال ماهي موجودة معه لا يشعر بها ..
    شعرت بكبر الفقد عندما رحلوا؛ سارة الحبيبة التي تملأ الدنيا بهجة وتفاؤل .. التي تمتص كل همومي مهما كانت مرهقة ..
    أصبحت أدخل المنزل وكأني داخل مقبرة .. لا حياة ولا حركة .. ولعب يحيى في كل مكان .. تذكّرني بمشيته المضحكة واختباءه وراء الكراسي ظناً مني أنـّني لا أراه .. وكلماته القليلة التي
    تساوي كنوز الدنيا .. كيف أضعت كل هذا من أجل إنسانة بالكاد أعرفها ولم أر منها إلا مظهرها البراق الذي يخفي شخصية متسلطة .. وحتى لو كانت شخصيتها رائعة كيف أسمح للشيطان أن يجعلني أخسر استقراري من أجلها؟
    أليس الله هو من اختار لي سارة وأختارني لها؟
    كيف أظن أن اختياري أنا أفضل وأبدأ المقارنة السخيفة والظالمة؟
    يارب سارة تنسى كل اللي حصل وترجع لي تاني ..

    قـالت سـارة:
    بيتي وحشني أوي .. مش عارفة أنام في أوضتي القديمة اللي عشت فيها أكتر من 20 سنة .. سبحان الله ..
    طبعا ماما فرحانة جداً بوجودي ونفسها إن سفر عمر الوهمي يستمر شهور .. لكن بابا بغريزته وذكاؤه لم يصدق فكرة سفر عمر ولاحظ من نظراتي الذابلة وردودي المقتضبة على عمر في التليفون إن هناك مشكلة ولكنه لم يسأل واكتفى بالدعاء لنا ..
    وأخوتي سعداء بالطبع بوجودي أنا ويحيى ويلعبون معه ويشترون له مليون شيكولاتة في اليوم .. ولكن يبدأ الصراخ والشكوى عندما يمزق يحيى أوراقهم أو كتبهم أو يعبث بأدوية ماما أو يلقي نظارة بابا من الشباك .. عندها أشعر بالحرج وأضربه تنفيساً عن ضيقي وحرجي وأشعر فعلاً أنـّني غريبة .. وأنـّني أفسدت نظام حياتهم وأحدثت فوضي في البيت .. وعندما يصحى يحيى بالليل ويطلب طلباته العجيبة ويكون إخوتي نائمين علشان مدارسهم أكون نِفسي أقتله علشان ما يصحّيش حد من صراخه .. وآخذه وأتسحب في الظلام وأجلس به في الصالة حتى يتعطف عليّ وينام ..

    قـال عمـر:
    انا مش عارف الحقيقة سارة كانت بتعمل كل شغل البيت والطبيخ كل يوم إزاي؟ الشقة في ظرف كام يوم تحولت إلى ما يشبه الإسطبل .. ولكي أصل إلى ملابسي قبل الشغل بأبقى عامل زي البهلوان بعد ما كنت أصحي أجدهم مكويين ومرتبين وألبسهم زي الباشا .. الآن أبحث عن شراباتي فلا أجد إلا كل فردة لون .. وحاولت أغسل الملابس التي تحولت إلى جبل وطمأنت نفسي أن الغسالة الأوتوماتيك هي اللي بتغسل ومفيش مشاكل فوضعت كل الملابس مع بعض واخترت برنامج قوي جداً وانتظرت النتيجة المبهرة
    وطبعا كانت كارثة مدوية.. لم أعرف أن الملابس تُفصل قبل الغسيل كي لا تبهت الألوان على بعضها وكانت النتيجة أنـّني خسرت عدة قمصان غالية تحولوا إلى اللون الكحلي من بنطلون لعين دسسته في وسطهم .. دي سارة لما تيجي ح أحطها فوق دماغي .. منك لله يا آية ..

    قـالت سـارة:
    عمر يحاول أن يكلمني عشرين مرة في اليوم .. ولا أرد عليه وأكتفي أحيانا بإعطاء الموبيل ليحيى كي يسمع صوت والده .. ووقتها يبدأ في الضحك والحديث المتقطع والذي لم أفهم منه إلا يحيى وهو يسأل: بابا فين؟ .. حتى الطفل يفتقده بشدة ..
    أحاول أحيانا أن أرد عليه وأوهم نفسي أنـّني أرد فقط شفقة عليه من الإتصالات المتكررة ولكن الحقيقة أنـّني أشتاق لسماع صوته الذي لم أحب صوتا غيره .. ورغم هذا أرد عليه بكلمات معدودة وهو يسألني أن أعود لبيتي، وأنا أصر على موقفي ومن داخلي أتمنّى أن أعود إليه وأنسى كل ما حدث.. ولكنـّني أريده أن يشعر أنـّه جرحني بشدة ولا يكررها أبداً ..

    قـال عمـر:
    لم أستطع النوم فقمت أصلي ركعتين قيام الليل وجلست أقرأ القرآن الكريم، وفتحت درج البوفيه الذي كنا خصصناه أنا وسارة لختم المصحف بصورة دورية وشعرت بالخجل الشديد وأنا أري أنـّني في خلال شهرين لم إقرأ إلا أجزاء بسيطة مقابل ما قرأته سارة .. بل وعجبت أنـّني وجدتها كتبت على بعض الأجزاء أن أمي هي التي ختمتها .. حتى ماما يا سارة؟
    شعرت أنـّني بعدت عن الله في الفترة الماضية ولهذا كان من السهل أن يسيطر الشيطان على تفكيري .. رغم أنـّني كنت أرى من هي تفوق آية جمالاً وذكاءاً في شركتي القديمة ولكن أبداً لم أنظر لواحدة لأني كنت أخشى الله ..
    دعوت الله كثيراً أن يصلح من حالى ويرد لي زوجتي وإبني وإستقرار بيتي .. وجلست في جلستي هذه وقتاً طويلاً وأنا لا أعرف ماذا أفعل سارة لا تقبل إعتذاري ولا ترد على مكالماتي وعندما أقول لها أنـّني سأذهب لأحضرها بالقوة، ترفض بشدّة وتقول لي أنها ستخبر الجميع بمشكلتنا لو فعلت هذا ..
    ماذا أفعل يارب؟
    هداني الله إلى حل ما .. لا أعرف كيف تاه عن بالي .. واستحالة أن ترفضه سارة بأي حال من الأحوال .. ولكنـّه سيكلفنا الكثير وسيستغرق عدة أيام في تنفيذه .. ولكن لا يهم سأجند كل أصدقائي أن يتموه في أقصر وقت ممكن والله المستعان ..

    قـالت سـارة:
    مرّ على تركي لبيتي حوالى أسبوعين .. فعلا إشتقت للعودة بجنون .. وما يزيدني حيرة أن عمر لم يتصل من عدة أيام .. إيه ده خلاص مش عاوزني؟ طيب أعمل إيه دلوقتي؟ كان لازم أزعل أوي كده؟
    طلبته على الموبيل بعدما زاد قلقي أن يكون حدث له مكروه .. فلم يرد ..
    جلست أكاد أموت من القلق ولا أعرف ماذا أفعل، وفكرت أن أخبر والدي بكل شيء ليذهب إليه، ولكني لم أستطع .. وقضيت يوماً طويلاً هاجمتني فيه كل الهواجس الرهيبة .. وجاء الليل وأنا أكاد أنهار حتى جاءني صوت يحيى صارخاً: بابا جه بابا جه ..
    لم أصدق أذني وجريت لأراه يلعب أم أن عمر جاء بالفعل؟! ووجدته ينظر إليّ بشوق وكدت أجري عليه وألقي نفسي بين ذراعيه أمام الجميع ولكنـّني خجلت وجلست أراقبه صامتة وأنا أراه يخبر والدي أنه عاد من السفر مباشرة علينا .. يا كدااااب .. ويخبر ماما انه جائع جداً من طول السفر .. ويقبـّل يحيى بجنون وأراه يوزع هدايا على الجميع وينظر إليّ باسماً وكأنه يقول أتحداكي أن تكذبيني بعد الفيلم ده كله ..
    كل هذا وأنا صامتة لا أتكلم .. وقمت لأحضّر الطعام مع أمي وتركته جالساً مع أبي وقلبي يكاد يطير من الفرحة لرؤيته وقرب عودتي لبيتي .. ولم يتعمد أن ينفرد بي أو يعطيني هدية مثل الجميع .. وأخييييراً همس لي بكلمة واحدة: وحشتييييييييني .. وأخرج من جيبه شيئاً ظننته هدية، ولكنـّني وجدته جواز سفر بإسمي .. فتحته من دهشتي وعقدت لساني المفاجأة وصرخت من الفرحة والدهشة العارمة: معقووووووول؟!!!

صفحة 4 من 5 الأولىالأولى ... 2345 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 24-01-2012, 01:01 PM
  2. نكت عشت على امل بناء سفينتي
    بواسطة جون سينا في المنتدى نكت 2018
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 22-01-2012, 04:24 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
معجبوا منتدي احباب الاردن على الفايسبوك