الحلقة واحد وعشرون
قــال عمــر:
مر على زواجنا 6 أشهر تقريباً .. الحمد لله مرّوا على خير .. لكن لا أعرف ما هذا الإحساس الذي أشعر به .. إحساس بالاعتياد والتعوّد والركود .. لا رغبة لدي كي أفعل شيء جديد .. بمعنى آخر ما أشعر به هو الملل .. الملل من كل شيء في حياتي الجديدة ..
هذا لا يعني أنـّني لم أعد أحب سارة، بل بالعكس أشعر أنـني أحبها أكثر من زمان بعد ما عاشرتها، وعرفت رقـّة طبعها، واستحمالها لتقلبات طباعي، وصبرها على ظروفنا المادية الصعبة .. ولكن إحساسي من ناحيتها تبدل .. هذا التوهج الذي كنت أشعر به في مشاعري تجاهها فتر .. كنت عندما أسمع صوتها في التليفون يدق قلبي، وتشعر كل خلية من خلاياي بالسعادة .. ولكن الآن مكالماتنا التليفونية عندما نبتعد عن بعض سريعة قصيرة لإبلاغ أمر هام أو طلب ضروري أن أشتريه ..
لم أعد متلهف للقائها مثل زمان، وكيف أتلهف وأنا أراها طوال اليوم أمامي!!
أصبح حديثنا اليومي أقل من زمان، عندما كنا نتحدث طوال الليل حتى نفاجيء بخيوط الفجر تداعب وجوهنا بدون أن نشعر؟؟ والآن ملل ملل ملل ..
ولكني لا أتصور حياتي لحظة بدونها .. وأشعر أنها صديقتي التي أعود سريعاً لأقص عليها كل ما حدث في يومي، فهي تمتاز بصفة لا توجد عند 95% من بنات حواء وهي فن الإستماع بدون لوم ولا تريقة .. حتى لو كانت متأكدة أني مخطىء فهي تلفت نظري بهدوء بعد فترة من الحديث كي لا تشعرني بخطأي مثل الطفل الصغير وتمسك اللّيْ الخرزانة زي الأطفال!! ولا تقول الجملة الخالدة التي تقود أي رجل للجنون: ماهو لو كنت سمعت كلامي ما كانش حصل كل ده ..
طيب لماذا أشعر بكل هذا الملل؟!! ولماذا فتر إحساسي بها كحبيبة وفتاة أحلامي؟
أعرف أني أظلمها معي عندما تراني أقل تلهفاً عليها، وأرد عليها أحيانا في اقتضاب .. أرى اللوم في عينيها بدون أن تصرح بشيء .. ولا تلومني في شيء .. ولكن أعمل إيه؟؟!!!!
قــالت ســارة:
مش عارفة عمر متغيّر من ناحيتي ليه؟ أنا بأحاول أرضيه بكل الطرق ولا أهمل في منظري أبداً، وكل طلباته أوامر .. طيب حصل إيه؟
هو صحيح مش بيتخانق معايا بس مش عمر بتاع زمان .. أشعر إنه زهقان من كل حاجة فى الدنيا حتى مني ..
طيب أعمل إيه؟ وكل يوم أسأله السؤالين الخالدين: فيه حاجة يا عمر؟ .. و: زعلان منى فى حاجة يا عمر ؟ .. والاجابة واحدة: لااااااااا ..
طيب أرجّعه إزاي زي الأول وأرجـّع أحاديثنا الطوييييلة تاني إزاي؟
هو ده بقي الملل الزوجي اللي بيقولوا عليه؟ .. وده الخرس الزوجي اللي بيصيب الأزواج وأعراضه سرحان وبحلقة في السقف؟ .. والرد على أي سؤال باشارة مبهمة لا تعني شيء، والفرجة على ماتشات الكورة حتى لو كان فريق جزر القمر هو اللي بيلعب ..
مرة قرأت أن تحريك بحيرة الزواج من الركود مسئولية الزوجة .. يعني جت على دي ومش حتكون مسئوليتها؟ .. ماهي كل حاجة على دماغها لوحدها ..
طيب تعمل إيه الزوجة؟ .. تعمل أراجوز علشان ترضي زوجها؟ بجد حرام كل حاجة عليها .. يا إما يقولوا دي منكدة عليه عيشته ومزهّقاه في الدنيا .. خلاص هو حر .. بقى مش عاوز يتكلم هو حر .. بس أنا مش عاجباني الحياة بالشكل ده .. وأنا كمان ح يتنقل لي إحساس البرود ده .. ودي عيشة بق؟!!
طيب حاحاول أفكر في طريقة .. وراك وراك يا عمر ح تروح مني فين؟
-
“إيه يا سارة انتي مش رايحة الشغل النهاردة ولا إيه؟” .. قالها عمر، فتصنعت الإعياء وأنا أرد عليه: لا تعبانة شوية وأخدت النهاردة أجازة يا حبيبي ..
عمر: ألف سلامة عليكي .. تحبي نروح لدكتور؟
رديت: لا دكتور إيه؟ ده الظاهر شوية برد .. ح أنام شوية وآخد كوباية ليمون وأبقي كويسة إن شاء الله .. وأنا قلت لماما تبعت لي الشغالة بتاعتها تساعدني، أصلي مش قادرة أعمل حاجة خالص ..
عمر: ما تقلّقنيش عليكي يا حبيبتي .. تحبي آخد إجازة أنا كمان؟
رديت بسرعة وقلت: لا يا حبيبي .. أنا ح ابقي كويسة، ما تتعبش نفسك مع ألف سلامة .. كح كح كح ..
وتركني وهو قلقان عليّ بجد .. آه لو لم أكن أعلم أنـّه يحبني أكثر من أي إنسان في الكون كنت قتلت نفسي!! لكن هو الإعتياد على الشيء الذي يفقدك بهجته والسعادة به، وهل معقول أن الإنسان يظل يشعر بالساعة التي يرتديها كل ثانية وكل دقيقة؟ كان سيصاب حتما بالجنون والإنهيار العصبي .. إنه لا يشعر بها إلا عندما ينظر لها بعد فترة من تركه لها، وأنا سأجعل عمر يراني من جديد ..
في التاسعة صباحا جاءت الشغالة وكان ورانا أنا وهي شغل كثير جداً .. كنت أريد تغيير نظام البيت كله حتى يشعر عمر أنه في عالم جديد، ولكن الموضوع ليس سهلاً، ولكن علشان عيون عمر كله يهون ..
غيرت مكان الصالون ونقلته مكان الأنتريه ليكون بجوار البلكونة بجوار الهواء الطلق .. مش مهم الضيف يتهووا، المهم إحنا .. وغيرت مكان التليفزيون ووضعت اتنين من كراسي الأنتريه متلاصقين بعد أن كانوا كل واحد في اتجاه كي نجلس عليهم أنا وعمر ..
طبعا السفرة لم أجرؤ على تحريكها لأنها تحتاج بلدوزر بشري يحركها .. أكيد اللي بيعملوا الفرش دول من كوكب المريخ أو فاكرين إن العريس هرقليز والعروسة زينة!!! لكني غيرت الفضيّات الموجودة في النيش بأخرى لامعة، وأضفت لها تحف صغيرة كانت مركونة .. وأخرجت مفرش سفرة جديد لم أستخدمه من قبل وفرشته ووضعت فازة كبيرة بها ورود أكثر إشراقاً ..
وحجرة نومنا غيّرت ترتيب كل جزء بها .. السرير مكان الدولاب، والتسريحة مكان الشوفنيرة، وفرشت مفرش يوم الدخلة الذي لم أستخدمه إلا لأيام معدودة وعلقت صورة زفافنا الكبيرة التي رفض عمر تعليقها في الصالون .. ووعدني بتعليقها في غرفتنا وطبعا نسي أو كسل .. الحمد لله الشغالة موجودة تعيش حياتها هيّ وتعلقها على راحتها ..
وأيضا مجموعة من صورنا أيام شهر العسل وضعتها في برواز ووضعتها على الكومدينو ليراها قبل النوم .. الله الله أعطت الغرفة شكل رائع .. أكيد ح يعجب عمر ..
وأخيرا حجرة عمر التي يعمل بها مشاريعه الهندسية، لم أرد ان أغير من طابعها الرجالي فكان يحتفظ فيها بسريره القديم أيام العزوبية ودولابه الصغير قبل أن يتزوج، والآن يضع به أوراقه وكتبه .. وده طبعا لأننا لم نملك وقت الجهاز أن نشتري حجرة معيشة أو حجرة أطفال جديدة فكان هذا هو الحل .. طيب أعمل فيها إيه؟
بعد أن قمنا بتنظيفها فكرت في فكرة جديدة، وهي أن أغير كل الصور العائلية التي يضعها في براويز على مكتبه بصور أعز أصدقائه الشباب، وأخرجت الألبوم سريعاً وأخرجت صور أفضل 5 أصدقاء له ووضعتها بشكل بارز له، وطبعاً سيدهش من هذاويقول مراتي إتجننت!!!.. لأن الزوجة بعد زواجها بتحاول بشتى الطرق أن تبعد زوجها عن أصدقائه القدامى كي تظل وحدها معه، ولا تعرف أنها بهذا بتخنقه ليهرب منها ويذهب لهم أكثر من الأول ..
خلاص أخييييراً أنهينا المعركة الحربية وأصبحت الشقة مختلفة تماما وازدادت جمالاً .. ومشيت الشغالة وهي أكيد بتدعي عليّ وعلى جناني الرسمي ..
وبعد أن أنهيت كل شيء في الشقة إرتديت ملابسي ونزلت بسرعة للكوافيرة اللي في نفس الشارع، والتي قلّت زياراتي لها للأسف توفيرا للنفقات، وأصبحت أعمل شعري في البيت وخلاص!! وقبل أن أدخل لها إشتريت جريدتنا المفضلة أنا وعمر ـ فاكرينها؟ ـ والتي كنا نقرأها أيام الخطوبة ونتناقش في كل مقالاتها، ولغبائي لم أعد أشتريها بعد الزواج .. له حق يزهق مني .. طيب ح نجيب كلام نتكلمه منين؟ لازم أحداث جديدة نتكلم فيها علشان أجذب إنتباهه لي ..
وطلبت من الكوافيرة أن تقص شعري قصة جديدة وهو ما كنت أرفضه دوماً تمسكا مني بشعري الطويل وتسريحتي التقليدية .. فقصـّت لي قصـّة جديدة جعلت خصلات شعري متدرجة ومحيطة بوجهي، فأظهرت إستدراته وزادتني جمالاً .. واقترحت عليّ تلوين بعض الخصلات به فخفت ورفضت .. ثم بعد إلحاح منها وافقت وتركتها تعمل .. وأنا أقرأ في الجريدة وإذا بعمر يتصل بي على الموبيل .. ياخبر .. كده المفاجأة حتبوظ لو سمع دوشة الكوافيرة ..
فجريت على الحمام وأغلقت بابه عليّ بإحكام، ورديت عليه متصنعة الإعياء، وطلبت منه أن يحضر أكل معاه لأني مش قادرة أعمل حاجة خاااااااالص!!! والحمد لله لم يلاحظ شيء، بل بالعكس إزداد قلقا عليّ وندما إنه سابني وأنا تعبانة ..
ورجعت للكوافيرة وجدتها بتصرخ لأن الصبغة مازالت على شعري .. بس الحمد لله ربنا ستر ولم يطلع اللون بنفسجي!!! بل بالعكس في صورته النهائية كانت النتيجة مبهرة، لم أعرف نفسي بجد في المرآة .. الله يكون في عونك يا عم عمر على اللي ح تشوفه ..
ورجعت البيت وأنا أشعر أني امرأة جديدة، وبيتي هو الآخر جديد، وأشعر بانتعاش جميل .. وارتديت طقم كنت أرتديه أيام الخطوبة!! وتزينت وأدرت موسيقى ناعمة في أنحاء المنزل ..
جلستُ في انتظاره، وكما توقعت جاء قبل ميعاده بنصف ساعة، وأول ما فتح الباب ورأي التغيير المدمـّر عاد خطوتين للخلف، واتلخبط وكاد يرجع ويصرخ في العمارة: شقتي إتسرقت يا جدعااااااااان ..
ثم دخل وظلّ صامتاً للحظات وهو يقلب نظره بين الفرش وبيني وهو لا ينطق إلا كلمة واحدة: إيه ده .. إيه ده؟
ثم أخيرا نظر إليّ بإعجاب كبير جداً وقال: يعني مش تعبانة ولا حاجة .. طيب القمر دي مراتي ولا حد تاني يا مدام؟
أنا: ……..؟
وأضاءت ملامح وجهه بالسعادة والحب وهو يهمس لي: يا مجنونة كل ده عملتيه علشاني أنا؟
قلت: طبعاً .. إنت حبيبي، ونفسي أشوفك سعيد معايا .. إن شا الله أهدّ الدنيا علشان تكون راضي عني ..
قال ووجهه يشرق بابتسامة: ربنا يخليكي ليّا طووووووول العمر..
المفضلات