الحلقة الحادية عشر
قــالت ســارة:
إستقرت حياتي أنا وعمر بعد الخطوبة الرسمية وشعرنا سوياً باستقرار نفسي كبير .. أصبح لكل منا شريك يستريح على شاطئه ويلقي على كتفه همومه .. أصبحت لا أخجل من وجود رجل فى حياتي ..أكلمه على الملأ أمام أبي وأخوتي وأتحدث عن آراءه وأفكاره وأستشهد بها بدون خجل .. وهل يخجل المحامي عندما يستشهد بمواد القانون؟ .. وإن كان الأمر لا يخلو من المشاحنات والخلافات البسيطة التي تزداد بعصبية عمر التي تشتعل سريعاً وتخبو سريعاً .. ولكنني أخاف كثيراً من هذه العصبية والتسرع في ردّ الفعل الخاطىء له فى أحيان كثيرة .. ومما يزيد عصبيته عنادي الطفولي الذى هو من أبرز عيوبي للأسف ..
قـال عمــر:
شعور جميل أن يكون لك صديق وحبيب في حياتك تتبادل معه الأخبار والأوجاع والضحكات .. أشعر أنني قبل معرفتي بسارة لم أكن موجوداً في هذه الحياة .. أشعر معها وكأنني طفل صغير يعود سريعاً في نهاية يومه ليقصّ على أمـّه كل ما حدث له فى يومه .. أحبّ ردودها التلقائية وضحكاتها البريئة وخوفها الطفولي عندما يرتفع صوتي في عصبية، ولا أطيق غضبها مني وأبادر دوما لمصالحتها ..
كم أحب وجودك معي يا سارة ..
قــالت ســارة:
لاحظت أن أكثر أوقات خلافنا أنا وعمر هي عند عودتي من عملي فى الرابعة .. ولو اتصل بي ووجدني نائمة أو رددت عليه في تعب يختلق أي مشكلة تافهة ويغضب عليها ..
هل يغار عمر من عملي؟ أم من انشغالي عنه لمدة ساعات في اليوم؟ ..
رغم أنني أحادثه من عملي تليفونياً وأصلاً عملي من الثامنة حتى الرابعة زي ناس كثيرين جداً .. أمّال لو كنت طبيبة وأبات في المستشفى كان عمل ايه؟ .. أكيد كان انتحر ..
راودتني شكوك حول الموضوع ده واشتكيت لأمي فقالت لي: طبيعة الرجل دوماً أنانية، لا يريد أن يشغلك عنه أحد أخر حتى لو كان عملك ونجاحك .. إستحملي يا بنتي ولا تفتحي معه هذا الموضوع حتى يفتحه هو .. ولم أنتظر طويلا حتى جاء يوم وكلمني فى التليفون بعد عملي كالمعتاد، وكنت ح أموت وأنام ساعة، فكنت أرد عليه سريعاً، فلاحظ ذلك وقال لي مباشرة : سارة إنتي الشغل ده مهم عندك أوي؟
قلت: يعني إيه مهم يا عمر؟ هوّ يعني فستان آخده ولا أسيبه؟ ده شغلي ونجاحي .. وبعدين قصدك إيه؟
رد عليّ بحدة: قصدي إنـّك ياريت تسيبيه بعد الزواج وياريت من دلوقتي ..
رددت عليه بذهول: بتقول إيه يا عمر ليه ده كله؟ هوّ شغلي مضايقك في إيه بس؟
قال: أنا ما أحبش مراتي تشتغل وترجع البيت الساعة خمسة وتتبهدل فى المواصلات .. علشان إيه ده كله؟
قلت له في صوت عالٍ بعض الشيء: طيّب ما قلتش ده ليه قبل الخطوبة؟ وإتقدمت ليّ ليه أصلا وانت عارف إني باشتغل؟
فوجىء عمر من رد فعلي الهجومي وكأنه كان يتوقع الطاعة المطلقة: يعني لو كنت قلت لك ده قبل الخطوبة كنتي ما وافقتيش عليّ؟
رددت بعناد وبتسرع: طبعاً ..
صمت عمر وتألم من ردي القاسي ولم يرد ..
حاولت تهدئة الجو قبل أن تثور ثائرته وقلت له: ياعمر من فضلك إفهمني .. ليه دايماً الرجل أول ما يشوف بنت وتعجبه يعجبه نشاطها ونجاحها فى العمل وطموحها وثقافتها ويتقرب لها من الجانب ده .. ولمّا خلاص تصبح ملكه يسعى جاهداً أن يجعلها صورة من جدته لا تخرج ولا تعمل ولا تبدي أى آراء إلا من خلاله؟ .. ثم بعد هذا يشتكي من تغيرها بعد الزواج؟!!
رد عمر: أنا مش عاوز أخليكي زي جدتي ولا حاجة .. أنا بس مش عاوزك تشتغلي .. فيها حاجة دي؟
فقلت أنا: كان مفروض تكون صريح معايا أول ما اتقابلنا وتقول لي الكلام ده وأنا اللي أقرر حياتي ح تكون إزاي معاك، وإما أوافق أو أرفض .. لكن إنت كده بتضعني أمام الأمر الواقع ..
رد بعصبية كبيرة: يعني أنا خدعتك يا سارة؟ .. قصدك كده؟
حاولت تهدئته فقلت له: يا سيدي ولا خدعتني ولا حاجة .. طب إنت إيه اللي مضايقك من شغلي؟
قال: تقدري تقوليلي لما نتجوّز ح تراعي البيت إزاي وإنتي بترجعي المغرب؟ .. ولما نخلّف ح تسيبي البيبي فين الوقت ده كله؟
رددت عليه: هوّ أنا أوّل إنسانة في الكون بتشتغل؟ .. أكيد كل دي حياة ملايين السيدات مش أنا بس؟
قال بضيق: أهو أنا باتضايق من عنادك ده يا سارة ..
إستفزتني الكلمة فقلت: ده مش عند .. ده حق ليّ إني أكون ناجحة .. المفروض وجودنا في حياة بعض يخلّينا إحنا الإتنين ناجحين، مش واحد ينجح والتاني يكون مجرد ظل باهت للآخر وخلاص ..
قال بعصبية: يعني إنتي مش عاوزة تسمعي كلامي؟
رددت بعناد كبير: اسمع كلامك لما يكون فيه منطق .. لكن لما يكون تحكّم وخلاص وفرض رأي، فأنا آسفة .. مش ح اقدر أسيب شغلي بدون مبررات كافية ..
قال: ده آخر كلام عندك؟
أحسست أن كلمته دي بداية مشكلة كبيرة، ومع ذلك رددت بعناد كبير: أيوة ..
وانتهت المناقشة بقوله: خلاص إنتي اللي اخترتي يا سارة ..
بعـد أيـّـام
قــالت ســارة:
أول مرة نتخاصم أنا وعمر من يوم ما اتخطبنا .. اتخانقنا كتير لكن كنا بنتصالح سريعاُ .. والحق يقال كان هو دائماً من يبادر بصلحي حتى لو كنت أنا المخطئة ..
إحساس البعد سيء جداً .. شعرت أن أيام الخصام القصيرة مرت كأنها شهور طويلة ..
لم يحادثني فى التليفون، ولم يرسل لي رسالة، ولا حتى رنّة من الموبايل .. وأنا كرامتي منعتني أن أبدأ أنا بالحديث ..
لماذا يضغط عليّ بهذا الأسلوب كي يرغمني على التنازل عن مستقبلي .. وهل هذا آخر تنازل أم أن سلسلة التنازلات لن تنتهي؟
انا لا أعرف وجه تصميمه على تركى العمل .. وهل وأنا تعديت الخامسة والعشرين آخذ مصروفي من أبي مثل الأطفال؟ .. ومتى أنضج وأتعلم الإستقلالية إذن؟ .. فى سن الستين؟
يبدو أن الرجل يريد من زوجته أن تكون تابعاُ له بلا أي شخصية ..
كده يا عمر هنت عليك؟!!
قـال عمــر:
كده يا سارة هنت عليكي؟!!
لم تفكر أن تتصل بي ولا مرّة حتى ولو من باب الإطمئنان عليّ .. أنا الذى عوّدتها على هذا الأسلوب .. في كلّ مرة نختلف أبادر أنا بمصالحتها حتى لو كانت هي المخطئة .. أنا بجد دلـّعتها كتير وممكن تظن إنها متحكمة فيّ بهذا الأسلوب أو أن شخصيتي ضعيفة .. لا أنا مش ح أسأل عليها المرة دي، مع إني ح اتجنن وأسمع صوتها .. بس هيّ لازم تسمع كلامي وتطيعني بلا نقاش!! .. وبرضه مش ح اتصل ..
قــالت ســارة:
درجة حرارتي إرتفعت من الإنفلونزا وأشعر بصداع رهيب ألزمني الفراش .. يبدو أن هذا مرض نفسي زي ما بيقولوا .. ووجدتها حجة مقنعة كي أبكي براحتي وأتحجّج بالصداع ..
لاحظت أمي أن عمر لا يتصل ولا يأتي منذ أسبوع، فسألتني عن السببن فتحججت بحجج واهية ..
فقالت لي: أسألي عنه إنتي يا سارة .. الراجل بيحب دائماً أن يشعر باهتمام كبير مثل الطفل تماماً .. فرفضت بشدة .. ففهمتْ أن هناك مشكلة، ولم تلح عليّ في معرفة الأسباب .. وخرجت من غرفتي وتركتني أنام .. وبعد قليل سمعت صوتها يتحدث في التليفون مع حماتي العزيزة، وتجتهد أن تجعل الحديث عادياً جداً، وختمته بخبر هام جداً من أجله كان كل هذا الاتصال وهو: أن سارة عيانة جداً جداً .. ونايمة ياعيني في السرير درجة حرارتها 60 ..
تابعت الحديث وابتسمت من حنيّة أمي ورقّتها .. تريد أن تصالحنا أنا وعمر بدون أن تتطفل أو تتدخّل .. يا حبيبتى يا ماما، بس لو عمر ما اتصلش برضه بعد ما يعرف إنى تعبانة، يبقى…..
معقول؟ معقول يا عمر؟!!
قـال عمــر:
سارة تعبانة؟ يا حبيبتى يا سارة؟
علشان كده ما اتصلتش بيّ .. وأنا ظلمتها ..
لازم أروح لها حالاً .. أهو المرض جه حجة كويسة علشان أروح بسبب مقنع، أصلي خلاص بجد مش قادر على البعد والخصام الرهيب ده ..
قــالت ســارة:
“كده يا عمر ولا حتى رسالة؟”
قلتها لنفسي وأنا لا أنزل عيني من على الموبيل، وكأنني اخاف لو أبعدت عينى عنه لن أسمعه لو رن ..
منتظرة إتصال عمر الذى لا يأتي .. يبدو أنـّه فعلاً قاسي ويرغمني بكل الطرق أن أتنازل عن كل شىء حتى يضغط عليّ وأنا مريضة .. لا يمكن أكلمه بعد اليوم .. ولا أعتقد أنـّني سأكمل الخطوبة أصلاً .. بجد مش عاوزاه و…. صوت ماما يرن في أذني: عمر جه يا سارة ..
المفضلات