بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:
اعلم أن أدلة ذلك كثيرة فمن ذلك قوله تعالى : ( وأقم الصلاة لذكري ) [ طه : 14 ] وظاهر الأمر الوجوب ، والغفلة تضاد الذكر ، فمن غفل في جميع صلاته كيف يكون مقيما للصلاة لذكره ؟ وقوله تعالى : ( ولا تكن من الغافلين ) [ الأعراف : 205 ] نهي وظاهره التحريم ، وقوله تعالى : ( حتى تعلموا ما تقولون ) [ النساء : 43 ] تعليل لنهي السكران ، وهو مطرد في الغافل المستغرق الهم بالوسواس وأفكار الدنيا ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : " إنما الصلاة تمسكن وتواضع " حصر بالألف واللام وكلمة " إنما " للتحقيق والتوكيد ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : " من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا " وصلاة الغافل لا تمنع من الفحشاء والمنكر ، وقال صلى الله عليه وسلم : " كم من قائم حظه من صلاته التعب والنصب " وما أراد به إلا الغافل . وقال صلى الله عليه وسلم : " ليس للعبد من صلاته إلا ما عقل منها " والتحقيق فيه أن المصلي مناج ربه عز وجل كما ورد به الخبر ، والكلام مع الغفلة ليس بمناجاة البتة ، ولو حلف الإنسان وقال : لأشكرن فلانا وأثني عليه وأسأله حاجة ، ثم جرت الألفاظ الدالة على هذه المعاني على لسانه في النوم لم يبر في يمينه ، ولو جرت على لسانه في ظلمة وذلك الإنسان حاضر وهو لا يعرف حضوره ولا يراه لا يصير بارا في يمينه ، إذ لا يكون كلامه خطابا ونطقا معه ما لم يكن هو حاضرا في قلبه ، فلو كانت تجري هذه الكلمات على لسانه وهو حاضر إلا أنه في بياض النهار غافل لكونه مستغرق الهم بفكر من الأفكار ولم يكن له قصد يوجبه الخطاب إليه عند نطقه لم يصر بارا في يمينه . ولا شك في أن المقصود من القراءة والأذكار الحمد والثناء والتضرع والدعاء ، والمخاطب هو الله عز وجل ، والقلب بحجاب الغفلة محجوب عنه فلا يراه ولا يشاهده ، بل هو غافل عن المخاطب واللسان يتحرك بحكم العادة ، فما أبعد هذا عن المقصود بالصلاة التي شرعت لتصقيل القلب وتجديد ذكر الله عز وجل ورسوخ عقد الإيمان به .
عاطف الجراح
المفضلات