بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المخلوقين سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم تسليما
أما بعد :
لماذا نطالب بالحرية ؟ وماذا سوف تمنحنا الحرية ؟
يختلف مفهوم الحرية من شخص لآخر ، إلا أن العامل المشترك في مفهوم الحرية هو أن نقول ونكتب ما نشاء دون أن يمسنا سيف الرقيب أو سوط الجلاد. فالحرية الحقيقية هي حرية الفكر. وحرية التعبير وبيان الرأي هي نتيجة لحرية التفكير، وعندما تسلب أحد هاتين الصفتين- التفكير والتعبير- يفقد ألإنسان أهم خصائصه البشرية التي منحه الله، والتي بها يتميز عن غيره من الكائنات.
والإشكالية القاتلة لدى كثير من فاقدي الحرية، أنهم لم يفهموا ما معنى أن تعيش حرا. فالحرية تمنحك إنسانيتك، تشعرك بقيمتك ووجودك وأنك كائن لك معنى في هذه الحيات. الحرية هي بداية التحضر والتقدم، فلم يعرف العرب التقدم إلا عندما أعطوا الحرية الشرعية المحمدية، وشعورا أنهم أناس لهم قيمتهم في هذه الحياة، وحدث التخلف عندما سحبوا بساط الحرية من تحت أرجلهم ومنحوها للأخر يتحكم بهم كيف يشاء، فالحرية هي دلالة لصحة بيئتك الفكرية.
الحرية ليست علم يدرس أو مهارة تكتسب إنها نزعة وحاجة إنسانية هي كالطعام والشراب. فأنت لكي تعيش لابد من أن تأكل وتشرب، وكذالك لابد أن تكون حرا لكي تعيش إنسانا لاحيوانا تقاد حيث يشاء الآخرون. وكما أنك تبحث عن الطعام والشراب وتسعى لتوفيره فالحرية كذالك يجب أن تبحث عنها وتسعى لتحصيلها. الحرية ليست حكرا على فئة معينة؛ بل هي لكافة الناس، الكل من حقه أن يعيش حرا. لقد ولدنا أحرارا فلماذا نستعبد بعضنا البعض. ولا تعني الحرية الخروج عن شرع الله، بل شرع الله هو الذي يمنح الحرية، فان من خصائص هذا الدين أنه يبني القيمة الذاتية للفرد، فالعبودية هي التحرير من عبودية النفس والشيطان. والحرية ليست هي الإيذاء والتعدي على حقوق الآخرين، والسب والشتم والتلفظ ببذيء القول؛ بل هذا نوع من أنواع الدكتاتورية، ومحاولة لتسلط القذر وفرض الرأي على الآخرين. الحرية الاعتراف بالأخر وانه موجود له قيمته الإنسانية وحقوقه المدنية.وهنا يجيء في خاطري فتح الشام في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فهو لم يهدم الكنائس بل أبقاها على ماهية عليه، وهذا نوع من أنواع الاعتراف بالأخر وأنه له حقوق يجب أن تعطى، وان كان كافر. وهذا المفهوم غاب عند محمد الفاتح عندما فتح القسطنطينية فهدم الكنيسة فكانت النتيجة أن سقطت القسطنطينية. فالحرية عملية تبادلية فكما أنك تمنحني الحرية فيجب أن أمنحك الحرية. للانها السبيل إلى تحقيق العدالة المفقودة، فالعدالة الحقة لاتتحقق في ظل ألاضطهاد وحرمان الحقوق ومنع الممارسات الإنسانية الشرعية، فالحرية مقدمة أساسية لدفع الظلم وإزالته من المجتمع . وفي إقصاء الحرية يتعذر أنتواصل مع المجتمع بصدق وإخلاص ومحبة،وهذا على المدى البعيد يؤثر تأثيرا سلبيا على تقدم المجتمع وتطوره ولذلك نجد أكثر المجتمعات تحضرا ورقيا أكثرها حرية .
إننا نخاف من الحرية لأننا لا نعرف قيمتها وأثارها، نخاف من الحرية لأننا لا نثق في الآخرين، نخاف من الحرية لأننا أنانيون متكبرون جاهلون لمعنى الحرية. نخاف من الحرية لأننا نريد أن نستغل الآخرين لنحقق أهدافنا المتعارضة مع أهداف غيرنا.ونحن نملك في شريعتنا قواعد وأصول سامية في كيفية التعامل مع الموافق والمخالف في العقيدة والفكر،ولكن جهلنا بهذه القواعد جعلنا نحكم على الإسلام بأنه يحارب أو يقصي حقوق الآخرين ،وهذا حكم ظالم فالعالم لم يعرف معنى الحرية وحقوق الإنسان إلا بعد بزوغ فجر الإسلام وان كانت هناك إساءة فلا تنسب إلى الإسلام وإنما إلى التطبيق الخاطئ للإسلام أو بالأصح إلى هجر القواعد القيمة الإسلامية في كيفية التعامل مع الأخر أيا كان هذا الأخر .ومما اثبت لنا التاريخ أن الحرية لا توهب أو تعطى وإنما تأخذ.فلم ينل الغرب حريته إلا بعد دماء سفكت منها مثلا ( دماء الثورة الفرنسية).فالآخرون يتلددون باستعباد غيرهم كما نستمتع نحن عندما ننظر إلى البلابل في أقفاصها نحن لا نطلقها ما لم تزعجنا دوما بصوتها وصفيرها.ولكن إن سكتت وسكنت سكتنا وسكنا وبقينا نتلذذ بالنظر إليها وهي في أقفاصها.
نحن كثيرا ما نقيد ونسلسل أنفسنا بأوهام وخيالات لا وجود لها. فنعيش في وهم الخوف والكبت، ففي كثير من المواقف لا نستطيع أن نعبر عن رأينا بتجرد وجرأة وصراحة ليس لان الخارج يمنعنا، بل لأننا نحن نمنع أنفسنا ونكبت أفكارنا.نتعامل بقسوة مع أنفسنا نقمع أفكارنا وآراءنا قبل الآخرين ،نحتاج –بداية –إلى تحديد مواقفنا تجاه أنفسنا قبل أن نحلل مواقف الآخرين تجاهنا. إن أول خطوات التحرر هو الشعور بقهر العبودية . وإدراك أن فكرك ورأيك – هو من خصوصياتك – مسلوب منك ومنتزع. ومن فنون الدكتاتوريين أنهم يشعرونك أنك حرا طليقا وأنت في قيودك. فلن تكون دكتاتوري حتى تتقن مهارات التحكم في عقول الناس وكيفية توجيه فكرهم. أنت لن تطالب بحريتك مالم تشعر أنك مقيد مستعبد ، وتعيش في حالت كبت فكري وقهر حسي ، وكسر هذه القيود لايحدث الابالقوة . وقد تكون القيود كثيرة يصعب عندها التحرر والانفلات وهنا ينبغي التدرج في كسر القيود فيبدأ بأيسرها وألينها فبعض الشيء أخف من بعض.
وللأسف الشديد أننا اليوم نرى بعض حكام هذا الزمان ظلموا وتجبروا وتكبروا وحكموا بالحديد والنار وظنوا أنهم إلى الله لن يرجعوا وظنوا أنهم لن يحاسبوا وظنوا أن الشعوب إذا سكتت لن تتكلم ونسو وتناسوا أن الشعوب لها دورها ولها كلمتها.
لما استلم الخلافة أبوبكر الصديق رضي الله عنه حينما يقول على المنبر : – إذا أصبت فأعينوني ، وإذا أخطأت فقوموني . فقال له رجل من بين الناس :إذا أخطأت قومناك بسيوفنا .. .!. دعوة لكل الإخوة في دين الإسلام والإنسانية ... قوم الخطأ.. وقل للمخطئ أنت مخطئ حتى يعود لصوابه وان لم ينتهي فقف في وجه الظالم مستعينا بلله متوكلا عليه. واحذر أن يتم استدراجك لازالت المخطئ وترك الخطأ حتى لاتبقى في نفس الدوامة فتنهك قواك فتستعبد من حيث لا تدري . وقل الحق ولا تخش في الله لومت لائم .. كما في معنى الحديث الشريف . أنصر أخاك ظالما أو مظلوما قيل وكيف ظالما قال أتمنعه من الظلم. اللهم أرنا الحق حقا ورزقنا إتباعه وارنا الباطل باطلا وجنبنا إتباعه.
المفضلات