الدار البيضاء - خديجة الفتحي
في معرض تشكيلي سيرى النور قريباً، تستعيد خدوج السليماني، ذكرياتها مع بطش الاستعمار الفرنسي، باعتبارها واحدة من النساء القلائل اللواتي انخرطن في المقاومة المغربية في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، وسيقام هذا المعرض بأحد الأروقة التابعة لوزارة الثقافة بمدينة الرباط أواخر الشهر الجاري.
خدوج السلماني، تقول في حديث لـ"العربية.نت"، إنها فنانة عصامية، وإن حافزها لولوج عالم التشكيل كانت رغبة داخلية في البوح للوقوف على أطلال الذات، لتكشف عن لحظات من سيرتها الذاتية وإسهاماتها في حركة المقاومة، مشيرة إلى أن الفكرة ظلت تراودها على مدار عقود من الزمن وزاد في تأججها ضربات الزمان وتكدس الخيبات على الصعيد العربي خاصة بعد احتلال العراق ومعركة الفلوجة الأولى.
وتضيف السليماني، مع توارد الأخبار السيئة التي تبثها الفضائيات عن مجتمعنا العربي، كنت أجد قلبي محبوسا، فأستعيد أحداث الزمن الماضي على ضوء الحاضر، لأفتح كوة للتعبير بالريشة عما يختلج أحشائي، فأعانق اللوحة معبرة بشكل عفوي دون أن أتقيد بقواعد وقوانين الرسم لكوني أجهلها بكل بساطة، ومع الزمن استطعت أن أراكم ما يفوق 100 لوحة، كما تقول الفنانة العصامية.
وتشير في ذات السياق، إلى أنها لم تكن يوما تفكر في تنظيم معرض، لكن الأصدقاء وبعض المثقفين الذين اضطلعوا على أعمالها هم من ألحوا عليها في أن تشارك الجمهور تجربتها هاته، كجزء من مسارها النضالي.
جندراك المغرب
يقول الدكتور الحبيب ناصري، الباحث الجامعي، فـي تصريح لـ"العربية.نت" إن الحاجة السليماني خدوج، واحدة من المناضلات المغربيات الشعبيات، اللواتي استطعن بفضل مجهودهن الفردي والجماعي، أن ينخرطن في مواجهة الاستعمار الفرنسي، مشيراً إلى أن التاريخ يسجل للحاجة خدوج قيامها بالعديد من الأعمال الفدائية، إضافة إلى صمودها أثناء فترة الاعتقال.
وأبرز أنه خلال هذه الفترة ستتعرض لكل أشكال التعذيب كحلاقة شعر رأسها وتجريدها من ثيابها ومطالبة الجلادين من شقيقها الذي كان بدوره رهن الاعتقال بأن يفرغ عليها الماء وهي عارية كما ولدتها أمها، مضيفاً أن صلابتها وشدة مواقفها جعلا أحد رموز الاستعمار الفرنسي بالمنطقة، يطلق عليها تسمية "جندارك" المغرب.
وأشار الباحث إلى أن تجربة السليماني التشكيلية، ليست بالعرضية، بل هي مغامرة راكمت إبداعات في فترة زمنية ليست بالهينة، حاولت من خلالها وبأسلوبها الفطري والشعبي، أن تحكي قصة مواجهتها للاستعمار الفرنسي صحبة صديقاتها المناضلات. وفي أن تؤرخ لمحطات سياسية واجتماعية طبعت تاريخنا المغربي والعربي من خلال انفتاحها على معاناة الشعوب الشقيقة في العراق وفلسطين دون أن تنسى أوضاع المعتقلين بغوانتانامو، إضافة إلى بعض القضايا الاجتماعية كالهجرة السرية.
ويؤكد الباحث، على أن أعمال خدوج السليماني تتسم بالقدرة على تنسيق الألوان والأشكال في صياغة محتوى اللوحة وفق تصور يوحي بالواقعية التقليدية، مشيراً إلى أن صوت الماضي وأحداث الحاضر لا تهيمن بشكل مطلق على مجال اشتغالها، بقدر ما حاولت أيضا تشخيص عناصر الطبيعة الميتة، وهو ما يؤشر على تعبيرية قابلة للاتساع والتطور، حسب الباحث.
يذكر أن الحاجة خدوج السليماني، المقيمة بمدينة خريبكة العمالية المعروفة بمناجم الفوسفات، ولدت من عائلة محافظة وميسورة في سنة 1938، والتحقت بالمقاومة المغربية في سن مبكرة وهي ما زالت تتابع دراستها بالمستوى الخامس ابتدائي، قامت بأعمال بطولية ستقودها إلى الاعتقال الذي قضت معظمه في زنزانة انفرادية، ولم يفرج عنها إلا بعد حصول المغرب على الاستقلال بشهرين.
بعد الاستقلال انخرطت السليماني في العمل النسوي والرياضي أيضا، وكانت المرأة الأولى بالمغرب التي ستشرف على تأسيس نادٍ لكرة القدم في نهاية الستينيات من القرن الماضي، إضافة إلى نادي الفروسية لولعها بركوب الخيل، وستظل إلى حدود الفترة الراهنة مهتمة بالعمل الجمعوي، ومن أبرز داعميه خصوصا الجمعيات الأهلية المهتمة بقضايا الطفولة.
المفضلات