تابـــــــــــــــــــــع الوعد القرآني في سورة الحج
7- شروط النصر والتمكين:
المؤمنون الصادقون يحافظون على تمكين الله لهم في الأرض، وشرط المحافظة على التمكين الالتزام بالإسلام، وتطبيق أحكامه: (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ).
إن تمكين المؤمنين في الأرض لا يكون إلا من الله، فالله هو مالك الملك، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير.
والمؤمنون يشكرون الله على إنعامه عليهم بالتمكين، فيقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر. وهذا الالتزام الصادق بأحكام الإسلام شرط لاستمرار التمكين. فإن لم يُنفِّذ المسلمون هذا الشرط لم يتحقق لهم التمكين.
وهذا وعد آخر لعباده المؤمنين بالتمكين لهم في الأرض، وقد صدقهم الله وعده، وكانت بداية ذلك دولة الإسلام في المدينة، التي جعلها الله دار إسلام وإيمان، ولما حقق المسلمون السابقون شرط التمكين، فتح اللهم لهم البلاد، زمن الخلفاء الراشدين.
8- لله عاقبة الأمور:
تقرر الآيات حقيقة إيمانية قاطعة، هي أن الله هو الذي يقدر الأمور، ويسيّرها بحكمته سبحانه، فينصر من يشاء، ويهزم من يشاء، وعاقبة الأمور والأحداث والأشياء إنما هي لله: (وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ).
الله هو الذي يرتب الأحداث، ويجعل التدافع بين الأشخاص والأقوام والأمم والدول، فيقوّي شخصاً، ويضعف آخر، ويعزل حاكماً، وينصّب مكانه آخر، ويهزم جيشاً، وينصر آخر، ويزيل سلطان أمة، ويقيم مكانها أمة أخرى.. ولا شيء في هذا الكون يحدث مصادفة، إنما هو بقدر من الله.
وبما أن عاقبة الأمور تكون لله، فإن الله الحكيم جعل العاقبة لعباده المؤمنين المتقين، فهم قد يُعذَّبون ويؤذون، وقد يصابون ويُقتلون، وقد يتسلط عليهم أعداؤهم فترة من الزمن، وقد يمرون بمرحلة الاستضعاف، لكن هذا إلى حين، ولا بد أن يعقُبَه النصر والتمكين.
ومهما كانت دولة كافرة قوية، فإنها قوة موقوتة، ولا بد أن يعقبها زوال سلطان ونفوذ تلك الدولة، لأن عاقبة الأمور لله، والله جعل العاقبة والنهاية لعباده المتقين.
الكافرون خاسرون، وقوتهم إلى زوال، وقد دمر الله الكافرين السابقين، وأبقى آثارهم عبرة، ودعا الكفار اللاحقين للاعتبار بها.
تحقق وعود السورة:
ونشير في ختام كلامنا عن هذه (الوحدة القرآنية) الواعدة في سورة الحج، إلى تحقق ما فيها من وعود ربانية قاطعة للمسلمين السابقين، حيث دافع الله عنهم، وأذِنَ لهم بقتال أعدائهم، الذين ظلموا وأكلوا حقوقهم، ومكّن لهم في الأرض، وجعل العاقبة لهم.
وقد ذكر الإمام ابن كثير في تفسير الآيات كلام الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال: "فينا نزل قوله تعالى: (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ) فأخرجنا من ديارنا بغير حق، إلا أن قلنا: ربنا الله، ثم كنا في الأرض، فأقمنا الصلاة، وآتينا الزكاة، وأمرنا بالمعروف، ونهينا عن المنكر، ولله عاقبة الأمور، فهي لي ولأصحابي" [تفسير ابن كثير: 3/231].
وهي تشمل كل مسلمين صادقين مجاهدين، يجعل الله العاقبة لهم، وينتظر المسلمون المعاصرون تحقّق الوعد الصادق، كما تحقق للمسلمين الصادقين السابقين.
* * *
وعود القرآن بالتمكين للإسلام
الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي
المفضلات