لم يعر برايان ويلان اهتماما كبيرا لوجود نشرة خاصة بوزارة الدفاع في حقيبته. ولكنه ما أن قرأها حتى أصبح ويلان /28 عاما/ يعيش في وضع مربك للغاية: فقد تم نشر صواريخ أرض جو على سطح منزله في حي بو بشرق لندن.

وما يبدو في ظاهره كمزحة سخيفة هو في الواقع الحقيقة الأولمبية القاسية التي تعيشها العاصمة الإنجليزية استعدادا لدورة الألعاب الأولمبية الصيفية التي تستضيفها الشهر المقبل. فالخوف من تعرض المدينة لأي اعتداء منتشر في كل مكان ، وتتعامل الحكومة مع أي مصدر قلق باستعراض للقوة.

وينتظر نشر أنظمة صواريخ مضادة للطائرات في ستة مواقع مختلفة حول مجمع "أولمبيك بارك" الرياضي. وفي مطلع أيار/مايو السابق وفي حادثة هي الأولى من نوعها رست اكبر سفينة حربية بريطانية بنهر التايمز. وتحمل السفينة مروحيات وسيتم استخدامها خلال الدورة الأولمبية كمركز لوجيستى (لنقل الجنود وتموينهم) في النهر.

وفي قناة "ويماوث" الإنجليزية حيث سيتنافس أبطال سباقات اليخوت على الميداليات الأولمبية الشهر المقبل ستقوم سفينة حربية أخرى بدورية حراسة حاملة على متنها مقاتلات من طراز "تايفون" و13500 جندي.

ويسعى سيباستيان كو رئيس اللجنة المنظمة لأولمبياد لندن لتحقيق نوع من "التوازن". فقد أكد البطل الحائز على ذهبية سباق 1500 متر عدو بأولمبياد موسكو عام 1980 وأولمبياد لوس أنجليس عام 1984 لوكالة الأنباء الألمانية (د ب أ) أن آلاف الزائرين الذين سيتوافدون على لندن من مختلف أنحاء العالم خلال الأولمبياد لا يجب أن يشعروا وكأنهم في "مدينة محاصرة".

ولكن الكثيرين في لندن غير مقتنعين بهذا الكلام.

ويقول برايان ويلان: "هذه الإجراءات غير مقبولة بكل بساطة"، حتى لو تم اللجوء إلى الصواريخ المنتشرة فوق سطح منزله كملاذ أخير.

وأوضح ويلان أن "مثل هذه الأشياء لا تنتمي إلى المناطق السكنية".

وتطبق السلطات الأمنية في لندن أقصى درجات الحذر. فخلال فترة الاستعداد لأولمبياد لندن ، تم اعتقال عشرة أشخاص يشتبه في كونهم إرهابيين غالبيتهم لاعبين صغار.

ولكن السلطات الأمنية لا تترقب الإرهابيين وحسب. فقد بدأت شرطة "سكوتلاند يارد" ما أطلقت عليه عملية "أوبريشن بوديوم" في جهد خاص لضبط مزوري التذاكر وعمليات النصب الأخرى. وتم اعتقال محتال في مطلع أيار/مايو أراد بيع تذاكر حفل ختام الأولمبياد بكميات كبيرة لأطفال المدارس.

وهناك أيضا المخربين الذين أشعلوا الحرائق في أحياء كاملة ونهبوا العديد من المحال التجارية العام الماضي خلال أعمال الشغب التي اجتاحت لندن. وتسعى الشرطة جاهدة لمنع هؤلاء المخربين من استغلال الأولمبياد كمنبر لأعمالهم. وخلال الأسابيع الأخيرة ، أصبحت أنباء اعتقال أفراد العصابات الحضرية متداولة كثيرا. وأصبحت رسالة الشرطة واضحة: لا يوجد أي تسامح.

ولكن كل هذه الاعتقالات إلى جانب التواجد الأمني المكثف إنما يعكسان أمرا آخرا .. يواجه الأولمبياد تهديدا حقيقيا.

وأشار اللورد كولين موينيهان رئيس الاتحاد الأ ولمبي البريطاني والذي قاد الفريق البريطاني للتجديف بأعضائه الثمانية للميدالية الفضية في أولمبياد موسكو عام 1980 إلى أن شخصا واحدا بإمكانه إفساد العرس الأولمبي بأكمله وقال: "لا يحتاج الأمر لأكثر من أحمق واحد".

وبالنسبة لغالبية سكان لندن البالغ عددهم ثمانية ملايين نسمة فإن أحداث السابع من تموز/يوليو 2005 مازالت حاضرة في أذهانهم. ففي ذلك اليوم وقعت تفجيرات إرهابية في مترو أنفاق لندن وفي حافلة بطابقين بمنتصف اليوم.

وسالت دماء كثيرة في ذلك اليوم ، حيث لقي 52 شخصا مصرعهم وتعرض كثيرون آخرون لإصابات خطيرة. وواجهت خطة الطواريء بلندن انتقادات شديدة ، وذلك بعد يوم واحد من اختيار العاصمة البريطانية لاستضافة دورة الألعاب الأولمبية لعام 2012 في سنغافورة.

ومنذ ذلك الوقت تعمل الحكومة البريطانية واللجنة المنظمة للأولمبياد بشكل دئوب وتحاول اختبار كل إجراءات الطواريء التي قد تخطر على البال. فخلال الحدث ، سيحتاج عشرة آلاف لاعب رياضي و20 ألف صحفي وأكثر من ثمانية ملايين متفرج إلى جانب ملايين آخرين من الزائرين إلى الحماية.

ولكن لا يجب أن تتحول الأولمبياد إلى سجن كبير بطابع رياضي.

حيث شدد كو: "أريد أن يشعر الناس الذين سيزورون لندن لمتابعة الأولمبياد أنهم في مدينة تعيش أجواء احتفالية ، وليس مدينة واقعة تحت الحصار".