قال ابن القيم - رحمه الله - : « قوله :
[ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْب ]
؛ فهذا هوالمحل القابل ، والمراد به القلب الحي الذي يعقل عن الله ،كما قال تعالى :
[ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ * لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَياًّ ]( يس : 69-70 ) ؛
أي حي القلب .
فصاحب القلب الحي بين قلبه وبين معاني القرآن أتم الاتصال ، فيجدها كأنها قد كُتبتْ فيه ، فهو يقرؤها عن ظهر قلب ».
ونبّه ابن القيم في موضع آخر إلى أن سلامة القلب من شرور النفس ومكايد لشيطان يحقق الانتفاع والتأثر بالقرآن ، فقال في مشروعية الاستعاذة عند تلاوة القرآن :
وقال لي شيخ الإسلام [ ابن تيمية ] - رحمه الله- يوماً : إذا هاش عليك كلب الغنم فلا تشتغل بمحاربته ومدافعته ، وعليك بالراعي فاستغث به ، فهويصرف عنك الكلب .
ما كان لأمير المؤمنين عثمان بن عفان - رضي الله عنه - أن يقول مقالته البليغة :«
لو طهرت قلوبنا ما شبعت من كلام الله»
؛ إلا وقد حقق ذلك عملاً وسلوكاً .
فما مات عثمان حتى خرق مصحفه من كثرة ما يديم النظر فيه ، ورثى حسان بن ثابت - رضي الله عنه - أمير المؤمنين عثمان بن عفان - رضي الله عنه - فقال :
ضَحَّوْا بأشمطَ عُنْوانُ السُّجودِ لَهُ ... يُقطِّع الليلَ تسبيحاً وقرآنَا !
ونعتته زوجه - رضي الله عنها - فقالت
: « فو الله ! لقد كان يُحيي الليل بالقرآن في ركعة »
إن الإقبال على القرآن والانتفاع به تلاوة وتدبراً وعملاً متحقق لأصحاب القلوب الحية
، حيث قال تعالى :
[ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْب ]
( ق :37 ) .
وقد قال الله تعالى :
[ لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ المُطَهَّرُونَ ]
( الواقعة : 79 ) ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : »
فإذا كان ورقه لا يمسه إلا المطهرون ؛فمعانيه لا يهتدي بها إلا القلوب الطاهرة.
ولما كان سلفنا الصالح أصحاب قلوب حية وأفئدة طاهرة نقية من المعاصي والمحدثات ؛ انتفعوا بالقرآن ، فظهرت آثار تلاوته من وجل القلب ، واقشعرارالجلد ، ودمع العين.
قال تعالى :
[ إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ] ( الأنفال : 2 ) .
وقال سبحانه :
[ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ] ( الزمر : 23 ) .
وقال عز وجل
: [ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِياًّ ] ( مريم :58 ) .
كما تحقق لهم العلم النافع والفقه في دين الله تعالى ، والرسوخ في علوم الشريعة .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :
والمقصود أن القرآن مَنْ تدبّره تدبراً تاماً تبيّن له اشتماله على بيان الأحكام ، وأن فيه من العلم ما لا يدركه أكثر الناس ، وأنه يبيّن المشكلات ويفصل النزاع بكمال دلالته وبيانه إذا أُعطي حقه ،ولم تُحرّف كَلِمُه عن مواضعه.
ويقول أيضاً :
ومَنْ أصغى إلى كلام الله وكلام رسوله بعقله ، وتدبَّره بقلبه ؛وَجَدَ فيه من الفهم والحلاوة ، والبركة والمنفعة ما لا يجده في شيء من الكلام لامنظومه ولا منثوره.
فعلى الدعاة والمربين أن يبذلوا جهدهم ويعمِّروا برامج طلابهم وشبابهــــــــــــــــــم بما ينفع .
ونختم هذه المقالة بعبارات مؤثِّرة دوَّنها ابن القيم - رحمه الله - حيث قال :«
فما أشدها من حسرة ، وأعظمها من غبنة على من أفنى أوقاته في طلب العلم ،ثم يخرج من الدنيا وما فهم حقائق القرآن ، ولا باشر قلبُه أسراره ومعانيه ! »
اللهم ذكرنا منه ما نسينا و علمنا منه ماجهلنا وارزقنا تلاوته آناء الليل و أطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا.
آآمين
المفضلات