من كوخه الواقع خارج زحمة المدينة وصخبها وعنفها وعنفونها وفسادها وترفها ، انطلق ديمتري باتجاه المدينة في ليلةٍ ملبدةٍ بغيوم الشتاء والثلج ، وسار بالطريق الترابي الذي سلكه آلاف المرات للتزود بمؤونة الشتاء قبل العاصفة حيث القدرة على الحركة صعبة في فصل الصقيع......
انطلق بعد أن تأكد من اغلاق الكوخ ، وحظيرة الحيوانات خاصته ...
الطريق الذي يمتد عشرة أميال تقريباً ، ويحتاج قطعه لعدة ساعات بدا موحشاً ، خصوصا بعد تراكم كميات غير قليلة من الثلوج ، فاختفت كثير من معالمه ، وكل المعالم أصبحت بيضاء ناصعة ......
هبت عاصفة ثلجية مفاجئة ، وتهاطلت الثلوج بغزارة ، والرجل لا يزال يمشي حاثاً الخطى باتجاه المدينة ، وكلما أحس ببرودة أكثر مد يده إلى جيبه ، وأشعل سيجارته والتي لم يعد يدخنها ترفاً إدمانياً بقدر ما أرادها دفئاً يخفف من برودة الطريق ....
تباطأت خطواته ، وأصبح بعدما تاه وغاص أكثر في الأكوام الثلجية غير المنتهية غير شاعرٍ بقدميه ، بعدما تمزق الحذاء وتسربت منه حبيبات الثلج القادمة من عالم الصقيع .....
جلس مستسلماً لقدره بعدما عرف أن خطواته ستؤدي به للا مكان ، وأشعل آخر سجائره .......
شعر بصفاء نفسي وروحي كبير وهو يشاهد أمام عينيه قطار حياته ، ويستذكر محطاته .......
كيف كانت أمه تحذره من اللعب بعيداً ، وقسوة الأب ، وغدر الحبيبة ، ونجاته من الموت عندما كان أسيراً وقفز من القطار أمام سجانيه !!!!!
تذكر بوضوح تلك اللحظات عندما أخبرته زوجته قبل عشر سنوات أنها لم تحبه يوماً ، وأن اولاده سيرافقونها في قرار الهروب ، وتذكر سنواته بعد ذلك الهروب........
تذكر عزلته وكيف أن الحيوانات أحيانا أرق في العشرة من رفقة بعض البشر ........
شعر بالنعاس أخيراً واستلقى ، وقد بدأت حبات الثلج تعتلي تلك الجثة التي أرهقها الزمن ....
المفضلات